الكلام <الديبلوماسي> الذي يصدر عن السفير الإيراني في بيروت <محمد فتحعلي> حول موقف بلاده <الواضح> من الاستحقاق الرئاسي من أنه <شأن داخلي لبناني> على الأطراف في لبنان معالجته، لم يكن وحده المؤشر على ان طهران <ليست جاهزة> بعد للبحث في الملف الرئاسي اللبناني بمعزل عن حلفائها في لبنان وفي مقدمهم حزب الله، ذلك ان كل المعطيات التي توافرت حول زيارة وزير الخارجية الفرنسي <لوران فابيوس> لطهران في الأسبوع الماضي، والمحادثات التي أجراها مع المسؤولين الإيرانيين، دلت على ان الملف اللبناني لم تعط له الأولوية في تراتبية المواضيع التي أثيرت بين الجانبين الإيراني والفرنسي، لأن لا حديث سياسياً في إيران هذه الأيام سوى عن مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى والاتحاد الأوروبي لأن هذا الاتفاق شكل محطة مفصلية في السياسة الخارجية الإيرانية يجري استثماره في الداخل الإيراني أولاً حيث يعتبر الاتفاق <انجازاً>، وفي الخارج مع الدول الغربية التي تريد طهران أن تستعيد <حقوقها> المجمدة لديها، إضافة الى تحقيق كل مفاعيل رفع الحظر.
وتقول مصادر ديبلوماسية تابعت زيارة الوزير <فابيوس> لطهران ان الديبلوماسية الإيرانية لا تبدي حتى الآن حماسة في <استثمار> هذا الاتفاق في منطقة الشرق الأوسط في الفترة الراهنة. وتترك أمر المواضيع التي تؤرق دول المنطقة، الى حلفائها المحليين في كل دولة، ريثما يتضح مسار تنفيذ الاتفاق ومدى التزام دول الغرب بكل مفاعيله، على أن يصار بعد ذلك الى معالجة القضايا الشرق أوسطية الملحة، واحدة في أثر أخرى، علماً ان <الطموحات> الإيرانية كبيرة بدءاً من دور فاعل لها في مكافحة الارهاب بالتنسيق مع المجتمع الدولي، وصولاً الى مواجهة اسرائيل، وهي قضايا مفصلية لا تتراجع إيران عن <حقوقها> في أن تكون جزءاً فاعلاً من الواقع الدولي خصوصاً في مسألة الارهاب. من هنا بدا ان الاهتمام الإيراني بالملف اللبناني ــ وفقاً للمصادر نفسها ــ موجود، لكنه يبقى اهتماماً <في العموميات> لأن التفاصيل متروكة لحلفاء إيران في لبنان.
<مستعدون للخدمة>... في تشرين الثاني؟!
وتضيف المصادر الديبلوماسية ان هذه المواقف <المبدئية> التي سمعها الجانب الفرنسي خلال زيارة <فابيوس> لا تلغي وجود رغبة إيرانية واضحة في مقاربة الملف اللبناني من زاوية الاهتمام بالملفات الاقليمية التي لمس رئيس الديبلوماسية الفرنسية ان طهران ترغب في الحديث عنها وإن لم تصل هذه الرغبة الى حد <القرار> فيها، ذلك ان المعلومات تشير الى وجود موافقة على مبدأ التفاوض مع باريس في الملفات الاقليمية من دون أن يعني ذلك بعد الملف اللبناني مباشرة. وقد اعتبر الفرنسيون هذا الموقف <تطوراً ايجابياً> قياساً على ما كانت عليه ردود الفعل الإيرانية قبل الاتفاق النووي، لاسيما وان الرئيس الإيراني <حسن روحاني> كان أعلن خلال استقباله الوزير <فابيوس> ان بلاده مستعدة للتعاون مع باريس لحل الأزمات في سوريا واليمن... ولبنان. إلا ان هذا <الاستعداد> لم يلغِ المواقف الإيرانية الثابتة في ما خص الملفات المفتوحة في سوريا واليمن ولبنان، وهذا ما جعل الجانب الفرنسي ــ كما تقول المصادر ــ يتريث في إبداء تفاؤله بامكانية الوصول الى حلول عملية في ما خص الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي لم يطرح بتفاصيله لأن الوزير <فابيوس> <لاحظ> خلال المناقشات ان الجانب الإيراني يكرر مواقف سبق أن تلقاها مدير دائرة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا السفير <جان فرانسوا جيرو> عندما زار طهران مراراً في محاولة لفك عقدة انتخاب الرئيس اللبناني. لكن <فابيوس> سمع عبارة <مستعدون للخدمة> أكثر من مرة، وهو تعبير يستعمله الإيرانيون خلال محادثاتهم الرسمية وهم يقصدون منه <التعاون> من دون أن يعني ذلك أي التزام مسبق.
إلا ان التفاؤل الفرنسي بامكانية تحقيق تقدم في الملف اللبناني لا يزال <حذراً>، وهذا ما جعل الخارجية الفرنسية تبلغ قصر <الإليزيه> من خلال المستشار الرئاسي <ايمانويل بون> (السفير الفرنسي الجديد الذي يصل في 10 آب (أغسطس) الجاري الى بيروت) ان طهران <غير جاهزة> بعد للخوض في الملف الرئاسي اللبناني، وان العبارات التي سمعها <فابيوس> تحتاج الى <متابعة وتفسير>، وهو ما سيتم خلال لقاء متوقع بين الجانبين الإيراني والفرنسي تم الاتفاق عليه في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها العادية. إلا ان المصادر الديبلوماسية <لا تتوقع حصول تطورات خلال الشهرين المقبلين>، ما يجعل امكانية البحث الإيراني ــ الفرنسي يأخذ مداه خلال الزيارة التي سيقوم بها الرئيس <روحاني> الى باريس في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> ما يعني ان الملف اللبناني سوف ينتظر حتى ذلك التاريخ، إذا لم تحصل تطورات قبل ذلك تفرض جعله مادة ملحة للبحث.
وتعترف المصادر نفسها بـ<صعوبة> الحصول على مواقف إيرانية واضحة حيال المواضيع التي طرحها الجانب الفرنسي خارج إطار العلاقات الإيرانية ــ الفرنسية وسبل تطويرها سياسياً وتجارياً واقتصادياً، ذلك ان المعلومات تشير الى ان التقدم الذي حصل في هذا السياق هو الذي تناول حصراً سبل التعاون التجاري والاقتصادي والانمائي بين باريس وطهران بعد مرحلة رفع العقوبات. أما في ما يتعلق بالمسائل الاقليمية المطروحة، ومن بينها المسألة اللبنانية، فإن جلّ ما تحقق في هذا المجال، هو <الحديث> فيها وتكرار المواقف الإيرانية الثابتة حيالها.
مزيد من انتظار تقارب سعودي ــ إيراني
حيال هذا الواقع، ومن خلال المعلومات التي وصلت الى بيروت حول زيارة <فابيوس> لطهران، أشارت مصادر لبنانية مطلعة الى ان الآمال اللبنانية التي عُلقت على التحرك الفرنسي المتجدد نحو إيران، لم تتناغم مع حقيقة ما حصل في العاصمة الإيرانية، إلا ان ذلك لا يعني عدم شكر الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> على المساعي التي قام بها مع طهران للمساعدة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، على أمل أن تتطور العلاقات الإيرانية ــ الفرنسية ويصبح من الممكن <الرهان> على تعاون فرنسي ــ إيراني حقيقي وفاعل في الملف الرئاسي. والى أن يتم ذلك، فإن على اللبنانيين ــ وفق المصادر نفسها ــ أن ينتظروا فترة اضافية لا يمكن لأحد أن يتوقع مدتها حتى يصبح في الامكان حدوث تشاور سعودي ــ إيراني برعاية فرنسية مباشرة (في ظل الانكفاء الأميركي المسجّل حتى الآن) يمكن أن يُحدث خرقاً في الجدار الرئاسي الصلب، بعدما اتضح ان لا تسوية ممكنة للوضع اللبناني المأزوم من كل الجهات إلا من خلال التقارب السعودي ــ الإيراني الذي لا يزال بعيداً، لاسيما وان الرياض وجهت انتقادات واضحة الى التحرك الإيراني الذي سُجل في اتجاه قطر والكويت بهدف شرح الاتفاق النووي ومفاعيله، تزامن مع <تشكيك> بالمهمة الديبلوماسية التي تولاها وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> والتي <تتهمه> الرياض بالعمل على إحداث تصدع في الموقف الخليجي حيال طهران ومحاولة خلق <ثنائيات> في التواصل مع دول الخليج ولاسيما الكويت وقطر في ظل تنامي الحديث عن <فتور> في العلاقات بين هاتين الدولتين والسعودية على خلفية السياسة التي تعتمدها القيادة السعودية الجديدة تجاههما.
وأشارت المصادر نفسها الى ان الملف الرئاسي <سينعم> بعطلة إضافية قد تمتد الى <التشارين> لأن ثمة اجماع بين الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان على ان الاتفاق النووي الإيراني يحتاج الى فترة لا تقل عن ستة أشهر ليكون قابلاً للتطبيق ليصبح في الإمكان بعد ذلك الحديث عن تجاوب طهران مع أي مسعى لحل أزمات إقليمية أخرى بدءاً من سوريا واليمن والعراق، وصولاً الى لبنان. وتبدي المصادر خشيتها من أن تمر دول المنطقة ــ ومن ضمنها لبنان ــ في هذه المرحلة الانتقالية بـ<خضات> متتالية خصوصاً إذا ما ظلت العلاقات الإيرانية ــ السعودية تعيش مرحلة التجاذبات الحادة التي تقود فعلياً الى مواجهات تتوزع من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان. ذلك ان ثمة من يعتبر ان في نية المحورين المتخاصمين إثبات حضورهما في الوقت الحاضر لتكون <شراكتهما> مضمونة عند أوان مرحلة البحث عن حلول جدية للأزمات المتلاحقة. إلا انه من غير <المضمون> أن تسمح الدول الفاعلة ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا، لأي من الدولتين بـ<التنعم> بتثبيت نفوذهما، ما يجعل باب المفاجآت مفتوحاً على أكثر من سيناريو...!