تفاصيل الخبر

مغارة كفرحيم الشوفية: عمرها أربعة ملايين عام وأبوابها مفتوحة صيفاً شتاء!

06/09/2019
مغارة كفرحيم الشوفية:  عمرها أربعة ملايين عام وأبوابها مفتوحة صيفاً شتاء!

مغارة كفرحيم الشوفية: عمرها أربعة ملايين عام وأبوابها مفتوحة صيفاً شتاء!

 

بقلم عبير انطون

أهلا بك في مغارة كفرحيم. عند شباك صغير جلس خلفه رجل ستيني، تدفع ثمن بطاقة العبور الى اربعة ملايين عاما من التاريخ بحسب ما يقدر العلماء الجيولوجيون الذين زاروا المغارة الشوفية. في العشرين دقيقة تقريبا التي تمضيها في المعلم البديع، لست بحاجة الى سترات تقيك برد المغاور المعروف عادة خاصة انك في عز آب اللهاب. تشكر السيد الجليل، بعد ان يطلب منك من خلف نظارتيه، ان تقرأ عن شمال المدخل، ما كتب على صورة مكبرة عن مانشيت في الصفحة الاولى لصحيفة <النهار> يعود للعام 1974 كتب فيه بـ<البنط العريض>: <جعيتا ثانية في كفرحيم>.

تدخل المغارة ذات الممرات الرطبة في اولى بلدات الشوف، فيعرّفك <نبيل> عن نفسه. هو دليلك في المغارة الذي سيتولى فيها الجولة معك. مع خطواتك الاولى فيها يبدأ بقص حكايتها عليك باعتزاز:

- اكتشفت المغارة التي تبعد حوالى الثلاثين كيلومترا عن العاصمة بيروت ذات ربيع من العام 1974، وفي الثلاثين من آذار(مارس) تحديدا. فعلى اثر توسيع طريق كفرحيم بعقلين، ظهرت فجوة على جانب الطريق العام قطرها حوالى 80 سنتمترا. وفي حين كان بعض تلاميذ المدرسة الرسمية يلهون بكرة القدم في مكان قريب من الفجوة، فاذا بالكرة تتدحرج لتسقط في الفتحة. لحق الصغار بالكرة لالتقاطها من بين الصخور الكلسية، فتوقفوا عند ما يشبه الاحلام. نقلوا المشهد الى مدرستهم، فانتشر الخبر بان هناك ما يشبه مغارة جعيتا. هرع اهل المنطقة الى المغارة كما واصحاب الارض الذين سمعوا بالواقعة فأُخذوا جميعا بهدية الطبيعة التي قدمتها لهم على طبق من <صُدفة>.

حصل أصحاب المغارة وهم من آل بو خزام على تصريح من وزارة السياحة لترميمها على حسابهم الخاص، بعدما تناولها مجلس الوزراء آنذاك في اجتماعاته، وانتدبت وزارة السياحة بعد أيام على اكتشافها باحثين للكشف عليها. اعترفت الوزارة وقتها بان الدولة غير قادرة على الدخول في مشروع تأهيلها فجرى الامر على مستوى افراد العائلة الذين اجتهدوا في الاستثمار فيها، استثمار يعود عليهم وعلى بلدهم بالسمعة الطيبة سياحيا وتاريخيا.

 بدورهم، استدعى آل بو خزام اختصاصيين جيولوجيين لدراستها علميا وتبيان قيمتها الحقيقية، وراح المختصّون ينقّبون الصخر بالازاميل حتى تمكنوا من شق فتحة كبيرة كمدخل اول، يصل المغارة باربع درجات ومدخل ثان يصلها بعشرين درجة. كانوا يشقون اغوارا جديدة صوب الداخل حتى عمق 9 امتار الامر الذي كان مكلفا جدا حينها بحيث وصل في تلك الايام الى نصف مليون ليرة لبنانية. ونظرا لاهميتها وتعلقهم بها كقيمة سياحية مهمة في عمق الجبل اللبناني، اضطر اصحابها الى بيع بعض اراضيهم لتوفير الاموال اللازمة لانهاء المشروع ووضعه بمجهود شخصي وعائلي على الخريطة السياحية اللبنانية، حتى اضحت، وكما يصفها اصحابها عن حقّ، من <اهم المرافق السياحية والمعالم الاثرية والطبيعية اللبنانية، يقف فيها

الزوار من كل بقاع العالم مندهشين عند سحرها الطبيعي>. ويذكر هنا، انه وبعد ان كان ارتفاع المغارة مع اكتشافها مترا ونصف المتر، عمل اصحابها على توسيعها وترميمها ووصل الاستكشاف الى حد 50 مترا منها تقريبا...

 

 جنّة صغيرة..!

 تتكوّن المغارة من سبع طبقات متداخلة بأحجام ومظاهر مختلفة، وتنحدر من 8 الى 20 مترا تحت سطح الارض. فيها حفرت قطرات الماء المحملة بالكالسيوم والماغنيسيوم في تفاعلها مع ثاني اوكسيد الكربون آثارها، ما أدى الى <تشكلات> كلسية باحجام متنوعة ولّدتها العوامل الطبيعية على مر السنوات. شلالات مياه، دهاليز وانفاق ضيقة، برك ماء صغيرة، شموع كأنها ثريات متدلية ببريق كما الماس أو الكريستال، مع شخوص كأنها منحوتة بازميل فنان معروف.

 في المغارة اللولبية الشكل، نثر اصحاب الأرض الانوار المتعددة الالوان بعناية في ارجائها، وجهزوها بشكل يتيح للزائر التوقف للتأمل مليا بالالوان الطبيعية المختلفة التي استخدمتها الطبيعة كاللازوردي الذي يلوّن احد سقوفها او الوان الاحمر والبرتقالي والارجواني التي تظللها، او تتيح له ايضا الاستفسار من الدليل عن <النوازل> و<الصواعد>، وهو ما يطلق على الترسبات الكلسية والتآكلات الصخرية التي حفرتها المياه بقطراتها الندية وتجمعت في البرك التي يرتفع منسوبها في شهري آذار ونيسان، والتي أضحت احداها مرتعا للنقود المعدنية من فئة الـ250 والـ500 ل. ل يرميها الزائر فيها على امل ان تتحقق الامنية التي <نذر> النقود لاجلها، في ظل حرارة معتدلة فيها صيفا وشتاء مع معدل يترواح ما بين الـ 18 و20 درجة. وهذا ما يتيح لها استقبال زوارها من اللبنانيين والسياح والمستكشفين صيفا شتاء.

 تحمل مغارة كفرحيم، اسم البلدة التي تحتضنها والتي يفسر المؤرخون اسمها على انها لفظة سريانية مركبة من لفظتين <كفار> اي القرية، و<حيم> اي <حمو> اي ابو الزوجة لتصير <قرية ابي الزوجة>. وهي تختلف عن المغاور العديدة الاخرى الموجودة في لبنان باستقلالية حركة زائرها، كما ويمكنه فيها ان يستمتع باكثر من نشاط، خاصة انها تشمل ايضا مجمعا سياحيا، وتتضمن صالة استقبال ومعرضا دائما للحرف اليدوية، فيه تصاميم مختلفة من مجموعة احجار كريمة وتحف خشبية خزفية وفخارية ونحاسية وكريستالية اغلبها من تصميم العائلة الشخصي، وتصل الى هذا المعرض مع خطواتك الاخيرة المودعة في المغارة ممنيا النفس بالعودة اليها، والى الأشغال اليدوية التي تحكي تاريخ وتراث المنطقة والمتعلّقة بالسياحة اللبنانية فضلا عن قطع منوعة من خشب الارز وجميعها عن التراث اللبناني واصالته.

 بو خزام: السياسة والسياحة..!

الشيخ غسان بو خزام، احد مالكي المغارة لم يبدأ حديثه لـ<الافكار> من دون الترحم على الصديق الصدوق صاحب مجلة <الأفكار> المرحوم وليد عوض الذي وجد فيه هامة صحافية لا تعوّض موجها تحية افتخار واعتزاز لـ<المجلة المحترمة التي أسسها>.

لا يبذل بو خزام كثير جهد للحديث عن هدية طبيعية يرعاها بام العين لانها تستحق الافضل، في بلدٍ، الجهود الشخصية فيه طموحة اكثر بكثير من الجهود الرسمية لابراز معالم هي قطع من جنات الله على الأرض. نسأله عن رعاية وزارة السياحة الحالية للمغارة الشوفية اقله لناحية الترويج لها فيقول:

- لما افتتحنا مغارة كفرحيم في العام 1974 كانت الدولة اللبنانية قائمة، وكان لبنان في عزّه. في الخامسة والسبعين اندلعت الحرب الاهلية، ولم يكن هناك قوانين او انظمة في الدولة ترعى المغاور وعملها ولا يزال الموضوع حتى تاريخه على الحال عينه. لكن كونها قريبة من <بيت الدين> جعلناها مقصدا سياحيا يؤمه الآلاف سنويا وهو معلم مقصود داخليا وخارجيا، كما تنظم اليه العديد من الرحلات المدرسية والبعثات الدراسية والاستكشافية البحثية للوقوف عند طبيعتها وتكوينها البديع.

الموسم لهذا العام كان ضعيفا نسبيا يقول الشيخ بو خزام في رد عن سؤالنا، فـبسبب احداث قبرشمون ــ البساتين، ونحن بتنا في البلد معتادين فيه للاسف على خضة مع عتبة كل صيف، خفت الحركة. تعرفون ان السياحة الى المغارة كما الى غيرها ترتبط بالظروف السياسية في البلد، والتوترات غالبا ما تنعكس سلبا على كل المواطنين اللبنانيين، وبشكل خاص على الذين يعملون في القطاع السياحي. اليوم، وبعد مضي اسابيع على الحادثة، ارتاحت الاعصاب قليلا، وعاد وتنشط القطاع السياحي

بشكل عام وانما بصورة خجولة. وكذلك فان وجود الرئيس ميشال عون في المنطقة اعاد الحركة نوعا ما، ونأمل ان تعرف الأسابيع المقبلة نسبة اكبر من السياح الداخليين او من خارج لبنان.

ونسأل بو خزام عن مدى ارتباط نجاح موسم <مهرجانات بيت الدين الدولية> بتنشيط المكان وزيارة المغارة، وإن كان هناك من تكامل يحدثه احياء المهرجانات مع المواقع السياحية ومع الحركة في المغارة تحديدا فيجيبنا، بأن الرابط ضعيف اذ لا ارتباط وثيقا بين النشاطين خاصة وان من يقصدون المهرجانات يكونون في باصات تقلهم الى بيت الدين مباشرة، اما الذين يستقلون سياراتهم فيتوجهون الى المنطقة بهدف محدد وهو الحفلات فيها، مضيفا أن البعض يتوقفون لزيارة المغارة في طريقهم لكن الامر ليس بنسبة مرتفعة. موسم المهرجانات لهذا العام اصبح خلفنا، يقول، مع امنية ان لا تضحي المهرجانات برمتها خلفنا، وربما هي مهددة بالتوقف بسبب الاوضاع الصعبة التي تعاني منها.

الصيانة..!

تتطلب المغارة صيانة دائمة: لا تسألوا عن حريق البروجكتورات، يقول بو خزام مبتسما وبالطبع هناك تحسينات نقوم بها بشكل دوري في ما خص الممرات وغيرها. أما ما يميز المغارة، فهو ان ادارتها سمحت بالتقاط الصور فيها وعن قرب. هذه الصور تشكل سفيرتنا الى زوايا العالم الاربع من خلال المواطنين والسياح الاجانب الذين يقصدوننا فيشكلون لنا الاعلان الاكبر. لقد تمت استضافتي في كبريات القنوات التلفزيونية المحلية والعربية والعالمية، يقول الشيخ، لكنني لمست تأثيرا اكبر لمواقع التواصل الاجتماعي التي اضحت الوسيلة الانجع اليوم.

وكنوز الشوف؟

للشيخ غسان بعض العتب على نائب الشوف الحالي فريد البستاني، استقيناه لما سألناه عن خلو فيلم <كنوز الشوف> الذي أطلقته مؤسسة فريد البستاني للاضاءة على كنوز الشوف السياحية والبيئية والثقافية من الاعلان عن مغارة كفرحيم او التطرق اليها.

 يقول بو خزام:

- لقد جاؤوا وصوروا في المغارة، <وما حطو ولا صورة لمغارة كفرحيم في الفيلم. صار هناك شوية عتب وجدل>. علما انني كنت في بيت الدين البي دعوة من قبل محمية ارز الشوف مع السيدة نورا جنبلاط بحضور وزير السياحة افيديس كيدانيان الذي تحدثنا معه، وكان النائب البستاني حاضراً وقد توجه نحوي من بعيد لالقاء التحية.. بعد يومين، أطلق فيلم <كنوز الشوف> من دون ان يتضمن اية اشارة الى مغارة كفرحيم، وأبلغناه العتب. بعد 15 يوما، وفي لقاء له من <دير القمر> في مقابلة عبر محطة <أو تي في> وجه تحية لادارة مغارة كفرحيم وتكلم عن تقصير جرى بحق المغارة، لكن وقتذاك كان الفيلم <مشي> ووزع الى كل انحاء العالم ونحن مغيبون عنه.

يؤكد بو خزام ان فيلما قصيرا عن المغارة تولى ابنه تنفيذه للاضاءة على المغارة وعلى غيرها العديد من المعالم السياحية الاخرى، حصد نسبة مشاركة ومتابعة عالية جدا، متابعة شملت أيضاً المعرض الحرفي الذي يختال بموجوداته التراثية الاصيلة لدى الخروج من المغارة اللولبية حيث ترتاح الارتيزانا فوق اربعة ملايين عاما من التاريخ والجيولوجيا، حاصدة الشهادات الجميلة لكبار زوارها من رؤساء ونجوم، بينهم مثلا الممثل المصري الراحل فاروق الفيشاوي الذي زارها في 25-2-2003 كاتبا على سجلها الذهبي بعد ان شكر أصحابها: <.. الوطن كل من اجزاء.. وانتم باهتمامكم بهذا الجزء الغالي تجمعون الوطن>..