تفاصيل الخبر

مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار في رحاب رمضان: أدعو كل المرجعيات السياسية  الى صحوة ضمير ووقفة تأمل لإنقاذ الوطن!  

01/07/2016
مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار في رحاب رمضان: أدعو كل المرجعيات السياسية   الى صحوة ضمير ووقفة تأمل لإنقاذ الوطن!   

مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار في رحاب رمضان: أدعو كل المرجعيات السياسية  الى صحوة ضمير ووقفة تأمل لإنقاذ الوطن!  

 

بقلم حسين حمية

88-(16)

يمرّ شهر رمضان المبارك وأحوال الامة الى مزيد من الانقسام والتشرذم وانتشار موجات التطرف والتكفير وكأننا نعيش عصر الانحطاط. فماذا يقول أهل الدين وما هي رسالتهم في هذا الشهر الفضيل؟!

<الأفكار> التقت مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار داخل مبنى الافتاء وحاورته في هذا الخضم بالإضافة الى ما عاشته مدينة طرابلس يوم الجمعة الماضي عندما زارها رئيس تيار <المستقبل> سعد الحريري وجمع كل مرجعيات المدينة والشمال الى إفطار رمضاني في معرض رشيد كرامي الدولي، ما عدا وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي بعدما توسعت شقة الخلاف بينهما بسبب الانتخابات البلدية في طرابلس.

سألناه بداية:

ــ ماذا يقول سماحة المفتي الشعار في شهر رمضان المبارك لأهالي طرابلس والشمال وعموم اللبنانيين في وقت تمر الأمة الإسلامية بحالة من التشرذم والانقسام والتطرف والتكفير، وما هي رسالته في هذا الشهر الفضيل؟!

- في البدء أهلاً وسهلاً بكم وأهلاً بـ<الأفكار> التي هي تعبير حي عن الفكر الذي هو قوامه الحياة السياسية والاجتماعية والإنسانية، والفكر هو ثمرة الإدراك العقلي وثمرة النضوج والتجربة والخبرة في الحياة. كما أن الفكر هو المضمون الأساس أو المقوم الاساس لنهضة أي أمة من الامم، فالأمم لا تنهض إلا بفكرٍ واعٍ ونظر بعيد وعقلٍ مستنير وسعة في الإدراك، ورغم كل ذلك فإن الفكر يتنامى كلما مرّ الزمن وتطورت حركة الإنسان والحياة.

وأضاف يقول:

- الحديث الى <الأفكار> حديث مميز وليس حديثاً عادياً أو عابراً، ولذلك أجدني أنتقي الكلمة بحركاتها وبُعدها اللغوي لعلي أوصل ذاك الإحساس الذي يختلج في جسد أمتي ووطني ليكون بمنزلة صرخة أو هزة مميزة علّ الناس تعود الى رشدها وعقلها. ولعل اللقاء مع <الأفكار> في رمضان يدفعني أن أطرح الحديث أو القضية التي أريد أن أتحدث إليها من محراب الإيمان والذي هو اعتقاد وعمل وحركة وحياة وتعامل. فالإيمان لا يتكامل ولا يتحقق إلا بأن نترجمه الى سلوك حي والى واقع ومرتجى والى مستقبل آمن وحاضر وواعد. ففي شهر رمضان تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، مما يكسب النفس صفاء وتألقاً ومما يجعل الإنسان يستشعر براحة البال فيصيب الهدف في عمله وفكره ويسدد فيما يهدف إليه لأن الإنسان إذا صفدت الشياطين عاد الى فطرته وسلامتها وصفائها.

واستطرد قائلاً:

- رمضان هذا الشهر الكريم ينبغي أن يدفعنا لأمرين أساسيين عنيت بهما: صلاح الفرد وصلاح المجتمع. فالفرد يصلح حاله حيث يجد عون الله تعالى له في هذا الشهر الكريم من الخيرات والبركات والتجليات والعبق الإيماني، فيجد نفسه في كنف من مناخ نوراني ولصيقاً بالأصوب والاكمل والأحسن، فيختار من الكلام أطيبه وأحسنه، ومن السلوك أقومه وأسلمه. صلاح الفرد يشعر به الإنسان في رمضان لأن جميع مقومات الخير تتحقق في هذا الشهر الكريم، فيلبي الناس النداء بالصيام والقيام وقراءة القرآن والفكر والدعاء. كل هذا يجعل من الإنسان مخلوقاً سوياً ومكلفاً على مستوى وقدر المسؤولية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إلا أن صلاح الفرد يكتمل لا أن يكون صالحاً فحسب، بل أن يكون مُصلحاً، ولذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز <إنا لا نضيع أجر المصلحين>. والمصلح هو الصالح الفاعل المهيئ والمدرك لمسؤوليته والقائم بواجباته. وربما يتبادر الى الاذهان أن المفتي إذا تكلم سيتناول صلاح الفرد وإصلاحه للأسرة وكفى، فإصلاح الأسرة أمر أساسي وهو مقوم عظيم يعتبر الركن الثاني في إصلاح المجتمع وقيام الدولة الآمنة المطمئنة، لكن المفتي إذا تكلم ينبغي لذلك أن يسع إدراكه ومسؤولياته وطناً وبلداً وناساً وأمة واخواناً والمحيط الذي حوله، فوطننا جريح وآمل ألا يكون اكثر من ذلك. كما آمل ألا اضطر أن أقول انه مقعد أو كسيح لأنني أجد بالعين الباصرة رجالاً تلفت كفاءاتهم الأنظار ويلفت دورهم الانتباه، إلا أن هؤلاء ورغم كثرتهم، فإنهم بحاجة الى تقارب وتكاتف ليتحقق منهم التعاون وليصار بعد ذلك لاتخاذ موقف يؤذن بانبلاج فجر جديد وغدٍ مشرق يعطي أملاً لأهلنا في الوطن بأمنهم الاجتماعي والسياسي واستقرارهم الوطني.

صحوة ضمير في رمضان

وأضاف:

- فالمفتي إذا تكلم ينبغي أن يتحدث عن صلاح الفرد والأسرة والمجتمع معاً. فلا يدوم صلاح الفرد أو الأسرة بدون صلاح المجتمع، ولا تقوم دولة أو مجتمع وتتحقق مقومات الأمن والاستقرار والمساواة دون صلاح الأفراد والأسرة، فقضية الصلاح والإصلاح قضية متكاملة متداخلة مترابطة لا ينفك أحدها عن الآخر ولا تنفصل عراها ولا قيمة لواحدة دون تماسكها بهذه السلسلة الذهبية المباركة. لذلك أهدف في الكلام الى فكرة آمل أن تتربع على عرش مجلة <الأفكار> لتكون أمل إنقاذ ولتكون أملاً يشد الناس ان لبنان لن يموت وأن الصحوة آتية لأنه آن الأوان أن يدرك المسؤولون أن لبنان أكبر منهم جميعاً وأن لا قيمة لأحد بدون لبنان والوطن وبدون المجتمع والأمة. ولذلك أتوجه الى كل مسؤول ومرجع ديني وسياسي واجتماعي بأن تكون لديه صحوة ضمير ووقفة تأمل واستشعار بالخطر الذي ينتظر الجميع إذا لم يسارعوا الى عملية الإنقاذ. فلنحرر الولاء للوطن وليكن الانتماء للوطن متقدماً على كل شيء، قبل الحزب وقبل المنطقة وقبل المشاعر المذهبية وقبل الغرائز الطائفية.

وتابع يقول:

- الانتماء للوطن نقطة ارتكاز، والولاء للوطن يحتاج الى تحقيق وأن نحرره من كل علاقة أو انتماء يلطخ صلابته أو يخدش صفاءه. فالانتماء للوطن يعني ان يعود الناس الى الدستور وأن يسارعوا الى تطبيق هذا الدستور، وأن يستشعروا أن قيمتهم ستذبل إذا تأخروا عن الاستجابة لنداء الوطن وتطبيق الدستور الذي جعل من الطوائف طائفة واحدة اسمها لبنان.

وأضاف:

- في رمضان تصحو الضمائر ويعود الناس الى فطرتهم، وبمقدار ما يستجيب الناس لنداء الخير والصلاح والإصلاح بمقدار ما يكتنزون من سلامة الضمير وصفاء الفطرة والفكر الصحيح، وبمقدار ما يكون التسويف والتباطؤ في الاستجابة لمنطق الصلاح والإصلاح، يكون فساد الفطرة وقصور الإدراك. لذلك لا أجد من حرج أن أخاطب السياسيين بكلمة تخرج من زفرات النفس ومن نبضات القلب أن انتبهوا لأن تصريحاتكم وسلوككم يدلان على ما تكتنزه نفوسكم من خير أو سواه، فإن كنتم تشعرون أنكم تكتنزون الخير بمساحة كبيرة وحجم واسع، فما عليكم إلا أن تبرهنوا ذلك من تحرير الولاء وتحقيق الانتماء، وإذا تعذر عليكم الأمر، فلا أقل من أن أقول إن الفساد قد وصل الى الفطرة والى الفكر والى التصور والى خلل كبير في العقل. ولن أتوقف عند قضية صلاح الفرد مجردة عن العلاقة بغيرها رغم ما لها من أهمية وإنما أريد لهذا الصلاح الفردي أن يمارس صلاحه بصلاح الأسرة وبصلاح المجتمع وبصلاح الوطن، فالوطن أكبر من المال وأكبر من كل المكاسب وأكبر من المبادئ ومن كل الأحزاب، بل ومن كل المناطق. كلنا نكون وطناً والوطن لا يقوم الا بنا جميعاً. كما أن الوطن يعطينا كل شيء ويحتاج منا أن نعطيه شيئاً واحداً وهو أن يكون الولاء له وأن يكون الانتماء له.

إفطار الحريري في طرابلس

ــ هذه خطبة رمضانية متكاملة تكفي وتزيد ولذلك نسألك عما جرى في طرابلس يوم الجمعة الماضي في إفطار جماعي في معرض رشيد كرامي الدولي وكيف قرأت كلمة الرئيس سعد الحريري الذي زار طرابلس لأول مرة بعد الانتخابات البلدية التي جاءت مخالفة لكل التوقعات وأحدثت صدمة بخسارة اللائحة المدعومة من معظم أقطاب المدينة؟

- هذا الإفطار كان لقاء نوعياً واستفتاء على مستوى جميع المرجعيات السياسية والدينية، وكل الاطراف شاركت وباركت وأدركت أن الطريق الذي رسمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يزال سعد على خطه ولا زالت طرابلس تحمل من العاطفة والحب والولاء والتأييد لسعد ما يليق بوفائهم ومحبتهم لشهيد لبنان الكبير دولة الرئيس رفيق الحريري. لفتني لقاء الأمس وربما كان الأكبر في لقاءات الرئيس الحريري في مناطق لبنان، لفتتني النوعية والحضور من المسؤولين والمجتمع المدني والقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية والقيادات السياسية والرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي والنواب وأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى والمجلس البلدي. هو استفتاء كبير وإعلان للخط الذي انتهجه الرئيس رفيق الحريري وتأكيد على أن سعد لا يزال في خطى ثابتة.

واستطرد يقول:

- كما لفتني شيء آخر تلك الدندنة التي تناولها في خطابه وهي حتمية وضرورة الحوار مع حزب الله. وأنا واحد من الداعين والمؤيدين لأن الكلام الذي نقوله باعترافنا بالآخرين لا يتحقق إذا توقف الحوار مع الآخر. وهذا الذي قاله الرئيس الحريري عندما قال إن الإنسان لا يتحاور مع اخوانه وأصدقائه ورفقاء دربه وإنما الحوار مع الآخر أي مع الخصم، وهنا نقطة أباركها، فليس هناك عدو في الوطن، بل هناك خصومة سياسية وأنا أعتبر ان المشكلة مع حزب الله لا تكمن في كله وليس في جميعه وإنما تكمن معه في أمرين: الأول في السلاح الذي اكتسب مشروعيته لمقاومة اسرائيل واستخدم بغير ذلك في الداخل أو في الخارج السوري، وهذا خروج عن <إعلان بعبدا> وعن الدستور اللبناني، وعما تعاهد عليه اللبنانيون في اتفاق الطائف، وأن يكون الولاء للبلد الذي يدعم مالاً وفكراً أكثر من لبنان، فهذا أمر يخيفني، أما أن يكون حزب الله حزباً سياسياً له حضوره ونوابه ووزراؤه، فهذا شيء طبيعي ويحتم علينا الحوار.

ريفي أبعد نفسه

ــ وكيف قاربت غياب اللواء أشرف ريفي عن الإفطار وهل هذا معناه عمق الخلاف الذي بينه وبين الرئيس الحريري؟

- لا اعتقد أن أحداً كان ينتظر حضور اللواء ريفي لأنه هو الذي عزل نفسه وقال في أكثر من حوار وإطلالة إعلامية أنه لن يلتقي مع الرئيس الحريري حتى يعود الى ثوابت أبيه، وهنا نحن لا نرى أن الشيخ سعد ابتعد عنها قيد أنملة، ورفيق الحريري أول من دعم حزب الله كمقاومة، ورفيق الحريري كان يحاور الجميع رغم قناعته بخصومتهم، ولذلك اعتبر أن سعد يكمل طريق أبيه، والوزير ريفي هو الذي عزل نفسه عن هذا الاجتماع.

ــ بماذا تفسر نجاحه في طرابلس وسر الغلبة في الانتخابات البلدية؟

- لا أعتقد أن الغلبة كانت له، فهو لم يرشح أحداً بل تبنى ترشيح مجموعة من قيادات المجتمع المدني، وقد حدثني بالأمس رئيس البلدية أحمد قمر الدين بعدما سألته عن سر اجتماعه باللواء ريفي فقال لي إنه من مجموعة شبابية التقوا وتوافقوا على تشكيل لائحة وأرادوا دعم كل السياسيين، لكن اللواء ريفي تبنى دعمهم، وفهمت منه بأنه ليس محسوباً على الوزير ريفي بل إنما الأخير تبنى فكرة دعمه.

ــ هل من الممكن أن تقوم بدور ما في تعبيد المصالحة بينه وبين الرئيس الحريري ولو كان الوزير ريفي سبق أن انتقدك لدعمك للائحة الأخرى؟

- ربما لا يخفى على أحد أن الوزير ريفي خاصمني في إطلالته التلفزيونية وتناولني فيما لا يليق وأنا لم أرد عليه وكنت قد اعتبرت ذلك مجرد زلة لسان لأن لسانه سبق عقله وعاطفته وقلبه، لأن حياته معي كانت غير ذلك تماماً، لكن ربما هو ليس رجلاً حليماً، وأعتقد أنه تسرع فيما له علاقة بي أو بالرئيس الشيخ سعد الذي كان شديد الالتصاق به، وحوار حزب الله و<المستقبل> لم يبدأ الآن بل قبل تشكيل الحكومة يوم كان الوزير ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، ومع هذا لم يزعجه هذا الحوار. أعتقد أن هذه قضية مصطنعة وحجة وموضوع ترشيح النائب سليمان فرنجية أيضاً حجة لأن من حقه أن يرفضه لكنه حمّل الموضوع أكثر مما يحتمل.

ــ هل تشعر أن هناك يداً تعمد الى تحجيم الرئيس الحريري سواء كانت داخلية أم اقليمية؟

- ربما يفهم هذا بالعموم، ولكن لا أستطيع أن أقول كلاماً لا أعرفه، لكن هذا الكلام هو منطق عام وأنه مدفوع من الخارج، لكن أين الخارج فهذا ما لا أدريه إنما سمعت هذا الكلام.

ــ يقال إن  إضعاف سعد الحريري أو أفول نجمه هو إضعاف لخط الاعتدال، حتى أن النائب وليد جنبلاط قال صراحة بأن أفول نجم الحريري يعني أن الاعتدال السني في خطر. فهل تشاركه الرأي؟

- هذا صحيح، فالشعارات التي أعلنها الوزير ريفي لا أعتقد أنها شعارات اعتدالية بل اعتقد أن رمز الاعتدال هو رفيق الحريري وجسد الاعتدال حقيقة برباطة جأش عالية سعد الحريري من بعده، وأنا شخصياً راضٍ عن هذا السلوك وعندما زار طرابلس للمرة الأولى خاطبته في جامع <الصديق> وقلت له إن طرابلس تستقبل اليوم حامل الأمانة، وقلت له يا دولة الرئيس كلما حمي الوطيس في لبنان والجوار كلما كانت حاجتنا الى الحوار أشد، ويا دولة الرئيس حذاري من ردة فعل مذهبية. نحن نحتاج الى رجل رشيد وقائد حكيم والى رجل يتجرد من المشاعر المذهبية والمناطقية ليكون التصاقه بالوطن أكثر... لم يعب علي بكلمة واحدة ذكرتها، بل شكرني وقال لي إنه لن يغير هذا الطريق ولا يفعله تزلفاً لأحد، وإنما لحفظ الوطن ولبنان.