تفاصيل الخبر

مدينة أضنة التركية تعود بتاريخها الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد!

09/11/2018
مدينة أضنة التركية تعود بتاريخها الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد!

مدينة أضنة التركية تعود بتاريخها الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد!

 

بقلم وردية بطرس

تُصنف مدينة أضنة على ساحل المتوسط خامس المدن التركية من حيث تعداد السكان ورابعها من حيث الموارد الطبيعية والمعدنية وفيها نشاط اقتصادي وتجاري كبير. وتقع مدينة آضنة في قلب منطقة <شوروكوفا> على نهر سيهان جنوب الأناضول على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبعد عنه نحو ثلاثين كيلومتراً خلف جبال طوروس وهي قريبة من منطقة لواء الاسكندرونة، وتبعد عن العاصمة أنقرة نحو 390 كيلومتراً، وعن اسطنبول 195 كيلومتراً، وهي المركز الاداري لمحافظة آضنة وتبلغ مساحتها الاجمالية 14 ألفاً و125 كيلومتراً مربعاً، وترتفع عن سطح البحر 23 متراً. وتشكل مدينة أضنة مركزاً ملحوظاً في الاقتصاد التركي حيث ان فيها العديد من المقومات التي تمكنها من ذلك، فهي تعتبر موطناً خصباً للزراعة حيث ان أراضيها الزراعية أعلى خصوبة من غيرها من الأراضي لذلك تعتمد تركيا عليها في الزراعة لتشكل بذلك محوراً أساسياً مهماً في الزراعات التركية، والى جانب الزراعة تشتهر أضنة أيضاً بالصناعات الغذائية وصناعات الغزل والنسيج.

واسم المدينة مشتق من <أضنيا>، وقيل انه اشتق من اسم قبيلة <دانا> اليونانية، وينسبه بعضهم الى دولة <ضنجانا> التي ظهرت عقب انهيار الحضارة المسينية 1200 قبل الميلاد. كما ورد في الأساطير الرومانية واليونانية القديمة ان جذور اسم أضنة مقتبس من أضانوس وسيروس ابني أورانوس الذي جاء الى منطقة قريبة من نهر <سيهان> وأسس أضنة.

تاريخ المدينة!

يمتد تاريخ أضنة الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد شهدت عشر حضارات عظيمة ومختلفة اختلافاً شاسعاً في مظاهرها، وهي تعتبر مهد الحضارات القديمة بل ان بعض المستوطنات البشرية التي تم اكتشافها تعود الى العصر الحجري. وقد ذكر اسم اضنة ضمن أساطير ملحمة جلجامش السومرية، وعلى ذكر الاسم يرجع اشتقاق اسم اضنة من الملحمة الاسطورية أدونيس، وهناك رأي آخر يقول ان الاسم مشتق من أضانوس ابن أورانوس الذي جاء الى منطقة قريبة من نهر سيهان وأسس هذه المدينة، وتختلف الآراء حول أصل التسمية باختلاف المصادر لكن الرأي السائد هو ان المدينة ذكرت في الأساطير الأكادية والسومرية والبابلية والآشورية، وتنص على ان اله الرعد <أداد> كان يعيش في هذه المنطقة وسط الغابات حيث أنزل المطر بكميات وفيرة على هذه المنطقة مما أدى الى احترام سكان المنطقة لهذا الاله، وتكريماً له أطلقوا اسم أضنة على بلدتهم اعترافاً منهم لمحبته، وتكررت هذه الرواية باختلاف اسم اله، الرعد بسبب تأثر هذه الحضارات ببعضها البعض أثناء غزو احداها

للأخرى، وقد دعم هذا الاحتمال بالمخطوطات الأثرية التي تم اكتشافها في المنطقة.

وخلال الحرب العالمية الثانية التقى رئيس الوزراء البريطاني <ونستون تشرشل> و<عصمت اينونو> في مكان يبعد 23 كيلومتراً عن أضنة في 30 (يناير) 1943، وخلال الاجتماع طلب <تشرشل> مشاركة تركيا في الحرب العالمية الثانية بجانب الحلفاء، ولكن رفض <اينونو> هذا العرض، وهذه القمة معروفة في التاريخ باجتماع أضنة. وبموجب المعاهدة التي عقدتها حكومة الحزب الديموقراطي في العام 1955 مع الولايات المتحدة، تم تأسيس قاعدة <ناتو> الجوية في بلدة <انجيرليك> التي تبعد عن أضنة 10 كم شرقاً، وتم الاستعانة بها بشكل فعال خلال الحرب الباردة، وفي حرب الخليج في العام 1991 وأيضاً في حرب العراق عام 2003، وقد مهدت الطريق لافتتاح سد سيهان ومحطة توليد الطاقة الكهرومائية في العام 1956.

 

اقتصاد أضنة!

وعلى الصعيد الاقتصادي تحتل أضنة المركز الرابع في تركيا من حيث الموارد المعدنية، وفيها مناجم الكروم والحديد والمنغنيز والرصاص والزنك. ويعمل قطاع

كبير من أبناء المدينة في الزراعة، وفي الثروة الحيوانية التي تشمل تربية المواشي والأسماك والطيور وتصنيع منتجاتها من لحوم وألبان والاتجار بها، كما يزدهر في المدينة قطاعا السياحة والفندقية نظراً لقربها من البحر واحتوائها على مزارات أثرية ومواقع طبيعية وسياحية. وفي أضنة مدينة صناعية تعمل فيها العشرات من مصانع الأغذية والكيماويات والأسمدة والأثاث والزجاج والتعدين وقطع الغيار والسيارات. وتضم المدينة الطرق والمواصلات البرية، كما تضم مطار شاكر باشا الذي افتتح للرحلات الداخلية منذ العام 1918، ومطار أضنة الدولي وهو السابع على مستوى تركيا، اضافة الى ميناء مصانع طوروس غوبرة وميناء بوتاش البحريين.

السياحة في أضنة!

واليوم تستقطب مدينة أضنة الزوار من مختلف البلدان وبشكل خاص من لبنان نظراً لجمال طبيعتها من جهة والتسوق بشكل هائل في أسواقها ومتاجرها التي تبيع منتوجاتها وسلعها بأسعار منخفضة خصوصاً بالمقارنة مع أسعار السلع في لبنان، اذ تلتقي باللبنانيين في كل الأماكن في مدينة أضنة ويبدون استغرابهم من الأسعار الزهيدة وبالمقابل يحصلون على النوعية الجيدة. وكم من مرة سمعنا خلال جولتنا في الأسواق القديمة والمتاجر الكبيرة لبنانيين يتهامسون ويعبرون عن استغرابهم لانخفاض أسعار السلع في تركيا وتحديداً في أضنة. أما الصيدليات في أضنة فلا تخلو من اللبنانيين اذ يستغلون فرصة مجيئهم لأضنة للتسوق والاستفادة من شراء الأدوية بأسعار زهيدة خصوصاً بالمقارنة مع أسعار الأدوية في لبنان، وكل ما أشير اليه في وسائل الاعلام عن تهافت اللبنانيين على الأسواق والصيدليات في تركيا لشراء السلع الزهيدة الثمن هو واقع لا يمكن تجاهله ولقد لمسنا ذلك لمس اليد، وكنا نُصدم كلما أدركنا ان الدواء نفسه يُباع في لبنان بأضعاف الثمن.

وبالمقابل يستمتع الزائر بجولاته في المدن التركية التي تتمتع بطبيعة خلابة وذلك يظهر من خلال تضاريسها المتنوعة، وما يزيد جمال أضنة هو تعدد وتنوع الأنهار فيها، اذ انها تحتوي على عدد كبير من الأنهار ومن أهم تلك الأنهار التي يجب زيارتها هو نهر سيهان، ويعتبر نهر سيهان من أهم الأنهار فهو من أطول أنهار تركيا حيث يبلغ طوله 570 كليومتراً وتصب مياهه في البحر الأبيض المتوسط. وأكثر ما يميز نهر سيهان ويزيده جمالاً هو وجود عدد من الجسور المميزة، وأجمل هذه الجسور هو جسر حجري يمر فوق النهر، وهذا الجسر الحجري هو الأقدم من بين الجسور اذ يعود تاريخ بنائه الى العصر الروماني، ويعتبر هذا الجسر الحجري من أقدم الجسور في تركيا والعالم وهو أيضاً يعتبر معلماً تاريخياً وسياحياً. وتنتشر في أضنة الحدائق والمنتزهات الممتدة على جانبي نهر سيهان ومنها منتزه أتاتورك وحديقة سليمان ديميريل، وفيها الميادين العامة، والمساجد مثل مسجد <سبانجي> الرئيسي ومسجد <أولو جامع> ومسجد حسن آغا، وفيها أربع كنائس أرمنية ويونانية ولاتينية.

 

المتاحف في أضنة!

 

 ولمحبي المتاحف يمكنهم زيارة المتاحف التي تنتشر في أضنة ونذكر منها متحف أضنة الأثري ومتحف أتاتورك. وان متحف أتاتورك يعرض حرب الاستقلال وتحفاً تعود الى السنوات الأولى من تأسيس الجمهورية التركية، ويطل المتحف على نهر سيهان، ومن الجدير ذكره ان هذا المتحف كان منزلاً لمصطفى كمال أتاتورك ولكبار وجهاء المدينة، وكان قد أقام فيه مع زوجته عندما زار أضنة في العام 1923، وتحول الى متحف في العام 1982. ويتكون المتحف من طابقين: الطابق الأرضي يحتوي على غرفة دراسة ومكتبة تحتوي على كتب لاتينية وعثمانية وعروض من الحرب العالمية، وفي الطابق الثاني توجد غرف مختلفة منها غرف تحتوي على العديد من المقتطفات عن حياة أتاتورك وبها بعض من مقتنياته وبعض من القطع الأثرية ومسدسات وبنادق وبعض التحف الأخرى، ويجذب هذا المتحف سنوياً العديد من السياح الذين يقصدونه للتعرف على الحياة والأعمال المرتبطة بأتاتورك.

أما متحف أضنة الأثري فهو واحد من أقدم المتاحف في تركيا وهو متحف علم الآثار في مدينة اضنة حيث يعود تاريخ بنائه الى العام 1924 وكان تابعاً لمبنى ادارة الشرطة وتم افتتاحه رسمياً للجمهور في العام 1928 وقد تم نقل المتحف الى المبنى الحالي في العام 1972، ويضم المتحف آثار كوكوروفا وهي الآثار التي تم اكتشافها خلال الحفريات التي أجريت في مدن طرطوس ومرسين وما يحيطها من مناطق، ويعتبر هذا المتحف من أشهر أماكن السياحة في أضنة.

ولمحبي الحدائق فيمكنهم التمتع بزيارة <أضنة ميركيز بارك> وهي حديقة عالمية رائعة ذات طراز فخم حيث يستطيع الزائر الاسترخاء بالقرب من الأشجار الكبيرة، كما توجد في هذه الحديقة الرائعة مدينة مدهشة للملاهي وألعاب الأطفال، كما ان هذه الحديقة تقع على ضفاف النهر حيث توجد سفينة رائعة تنقل الشخص من الضفة الأولى للنهر الى الضفة الأخرى، وتعد هذه الحديقة من أهم الأماكن في أضنة.

مأكولات أضنة !

 

ويوجد العديد من المقاهي والمطاعم التي تقع على سواحل نهر سيهان والتي توفر الطعام اللذيذ بالاضافة الى المناظر الخلابة عند غروب الشمس فيها، وهذا ما جعلها مقصداً للكثير من السياح. وبالاضافة الى ذلك تشتهر أضنة بطبق أساسي يعرف بكباب أضنة وهو طبق محضر من اللحم البلدي الطازج المخلوط ببهارات حارة جداً، ويقدّم مع عصير أحمر محلى يُقدّم دائماً مع هذا الطبق للتعزيز من نكهته. وتتميز أضنة بالأكل الشهي وبأنواع بهارات وتوابل شهية، لذا يُنصح بتجربة شراء البهارات والتوابل من أضنة.

وتتميز أكلات مدينة أضنة بالعديد من خصائص المطبخ التركي التقليدي ومطابخ منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتعد اللحوم عنصراً رئيسياً من عناصر مكونات مطبخ أضنة حيث تدخل في معظم الأكلات. وهناك 16 طبقاً من المطبخ التركي في أضنة ونذكر من بينها: كباب أضنة اذ يعد كباب أضنة المشهور عالمياً من أشهر المأكولات التركية، وهو عبارة عن سيخ مشوي من اللحم المفروم مع مجموعة متنوعة من التوابل والأعشاب، ويتم تقديمه مع السلطة والخبز والأرز، ويعود هذا الطعام الى تركمانستان. ومن الأكلات الشعبية المحبوبة في تركيا والعالم العربي اللحم بعجين، وتختلف في مدينة أضنة عنها في مدينتي أورفا وغازي عنتاب بأنها أصغر وعجينتها أرق، لكنها مليئة باللحمة المفرومة ويفضل تناولها مع اللبن <عيران>. ومن الحلويات الشعبية المشهورة في مدينة أضنة هي <بيجي بيجي> وهي عبارة عن شراب الورد البارد توضع فيه قطع سكرية من مهلبية النشاء الطرية وتقدم باردة في الأجواء الحارة، كما يُقدم عصير الرمان الطبيعي والطازج في الأسواق الشعبية منها، و<صاري بورما> هي من الحلويات المميزة في أضنة فهي طرية ولذيذة وتُحشى بالجوز او الفستق العنتابي.

كما تتميز أضنة بتوافر وسائل المواصلات وسهولة ركوبها، مع العلم ان سكان المدينة يمشون سيراً على الأقدام اذ تراهم يفضلون المشي فترى الصغار والكبار يمشون في الصباح والمساء، والأمر نفسه بالنسبة للزوار الذين يتعرفون على المدينة سيراً على الأقدام أيضاً. انها مدينة لا تنام ولا تتوقف فيها الحركة ليلاً ونهاراً، وأسواقها التجارية في حركة دائمة، أما مطاعمها فتعج بالناس نظراً لأسعارها المقبولة جداً لا بل الزهيدة، وحبذا لو ان المسؤولين في لبنان ينظرون بعين الرأفة الى اللبنانيين ويعملون بجدية لدراسة أسعار السلع في لبنان التي تفوق أضعاف أضعاف الأسعار في تركيا.