تفاصيل الخبر

مـدرســــة «لــــويــز فـيـغـمـــــــان» تـهـــــــديـكـم الـســــــلام فــي يـوبـيـلـهــــا الـذهـبـــــي!

02/10/2015
مـدرســــة «لــــويــز فـيـغـمـــــــان» تـهـــــــديـكـم الـســــــلام فــي  يـوبـيـلـهــــا الـذهـبـــــي!

مـدرســــة «لــــويــز فـيـغـمـــــــان» تـهـــــــديـكـم الـســــــلام فــي يـوبـيـلـهــــا الـذهـبـــــي!

بقلم عبير انطون

Les-premiers-eleves-du-CLW-3  هو العيد الخمسون لـ<فكرة مجنونة> حول فنجان قهوة. مدرسة <لويز فيغمان> العريقة علماً وثقافة وأهدافاً مجتمعية لبنانية مرتكزة على مبادئ وقيم انسانية عالمية تجدد شعلتها من جديد حتى تنفخ في جيل جديد كما الاجيال التي سبقت وخرجتها، رجالاً ونساءً لامعين في شتى الميادين العلمية والطبية والهندسية والسياسية والحقوقية وغيرها، وحسبنا ان نراجع لائحة الاسماء التي تخرجت من المدرسة العريقة حتى ندرك مستقبلها المشرق الآتي.

فكيف لمعت الفكرة؟ من هي <لويز فيغمان> التي حملت المؤسسة اسمها؟ اي كلام للمؤسسات عنها؟ ما هي الذكريات التي خصت بها عقيلة رئيس مجلس الوزراء السيدة لمى سلام مجلة <الافكار>؟ كيف لخصت مديرتها الحالية السيدة طيبا جحا رسالة المدرسة التربوية والوطنية؟ وما علاقة الممثلة الفرنسية <ايمانويل بيار> بالمؤسسة العريقة؟

<الافكار> حملت قلمها وتوجهت الى المدرسة ذات الفروع الثلاثة (جورة البلوط- بشامون- بدارو)، وعادت بما طاب من أجوبة وما لذّ من صور فريدة تم سحبها خصيصاً لنا من أرشيف المدرسة في استرجاع لذكريات وضع حجر الاساس، والجيل الاول من التلامذة والخريجين، فالصور تبقى صدى السنين..

 

سلام: رابط دم..

في مدرسة <لويز فيغمان> طيف ماضٍ وآخر حاضر دائماً للسيدة لمى بدر الدين سلام. فلمى بدر الدين الطالبة فيها، اضحت إحدى اساتذتها والمسؤولات فيها، وعنها تتكلم بشغف من نقش في الصخر، فنجح. لمجلة<الأفكار> تقول:

- أنا من الجيل الأول من تلاميذ  مدرسة <لويز فيغمان>. كنت من مجموعة التلاميذ المؤسسين إذا صحّ التعبير، وعايشت مع رفاقي مراحلها الأولى، وكان العدد الإجمالي لتلاميذ المدرسة وقتئذٍ قليلاً جداً، يوازي عدد تلاميذ صف واحد في مدارس اليوم. لم تنقطع علاقتي بالمدرسة على مدى الأعوام، لا بل توثقت. فقد غادرتها كتلميذة وعدت إليها كمعلّمة، ثم أصبحت عضواً في مجلس أمنائها منذ 20 عاماً، ولا أزال.

وتضيف لمى سلام:

- يربطني بمدرسة <لويز فيغمان> ما هو أعمق وأكبر من علاقة تلميذة بمدرستها. ثمة نوع من رابط دمّ بيني وبين هذه المدرسة، لأن الانتماء إليها يجري في دمي. ففي طفولتي كنت كتلميذة جزءاً من هذه المدرسة، لكنني أدركت عندما خرجت إلى الحياة الفعلية أنها جزء منّي. صحيح أنني تعلمت ما كنّا نكتبه بالحبر على الورق والدفاتر، ولكنّ الأهم أن المدرسة كتبت الأمثولات الأهم بحبر لا يُمحى في عقلي وقلبي وشخصيتي.

louise-wegmann-foundation-stone وتزيد بفخر:

- تُعتبر شهادة مدرسة <لويز فيغمان> تأشيرة مرور في كل مكان نظراً لسمعتها الممتازة علمياً وتربوياً. فما يكتسبه تلميذ <لويز فيغمان> علمياً، يُمكّنه من أن يكون ناجحاً ومتفوقاً في كل ما يفعله، أما ما يكتسبه تربوياً فيطبعه ويبقى معه منارةً في حياته. فالمبادىء والمُثل والقِيَم التي تشربتها لم تفارقني كل حياتي، بل كوّنت شخصيتي وعقلي، وعلى هَديها أفكّر وأتصرّف وأنظر إلى الأمور وأتعاطى مع الناس.

تنوّع طائفي ومناطقي

وحول الصداقات المدرسية واستمراريتها خاصة مع تسلّم المسؤوليات والمشاغل تقول سلام:

                - صداقاتي المدرسية استمرت وتعمّقت. كانت ميزة مدرسة <لويز فيغمان> ولا تزال أن تلاميذها من كل الطوائف ومن كل مكوّنات لبنان، وكلهم ينشأون على المبادىء والقيم نفسها. مع انتهاء الحرب الأهلية، حرصنا على أن نجمع تلاميذ الفروع الثلاثة للمدرسة (جورة البلوط وبشامون وبدارو) في مكان واحد اعتباراً من المرحلة المتوسطة بحيث يعيشون هذا التنوّع الطائفي والمناطقي ويتعلمون قبول الاختلاف واحترام الآخر، لأننا نؤمن بأن تنشئة الأولاد على هذه القيم هو الأساس المطلوب للسلام في وطننا، وللبنان الذي نريده. الجوّ العائلي كان احدى المفاهيم التربوية التي تبنتها مدرسة <لويز فيغمان>، وما ساهم في توطيده قلة عدد التلامذة في تلك المرحلة، وقد كنا لا نتعدى الـ30 تلميذاً وحسب.

وعن الاساتذة وقسوة أيام زمان تقول:

                - كان الأساتذة والمسؤولون ومديرة المدرسة بمنزلة الأهل للتلاميذ. كانت العلاقات معهم رائعة، وقائمة على مزيج من الاحترام والحبّ. كنا نشعر أننا في بيوتنا. أذكر مثلاً أننا في زمن الحرب، وعندما لم يكن الوضع الأمني يسمح بالذهاب إلى المدرسة، كنا نجتمع في منزل مديرة المدرسة آنذاك السيدة ريموند عبو لنتلقى فيه الدروس. هذا أمر فريد من نوعه لا نراه على الأرجح في أية مدرسة أخرى في العالم!

 

قصة صغيرة.. لمدرسة كبيرة!

SAM_5955

ولا يمكن ذكر مدرسة <لويز فيغمان> من دون العودة الى اصل التسمية. فالسيدة <لويز فيغمان> كانت المديرة الثانية لـ<الكوليج البروتستانت> التي وصلت من <ستراسبورغ> الى بيروت في العام 1928 بعمر الواحد والثلاثين ربيعاً لتنذر 37 عاماً من حياتها وهويتها لرسالتها في المدرسة، هي السيدة التي حملت الى لبنان قيم الجمهورية حيث <التعليم للجميع> لتستثمر خبرتها وعلمها في إدارة <الكوليج البروتستانتي>. هو <الكوليج> الذي خرّج السيدات اللواتي أسّسن فيما بعد، اي قبل خمسين عاماً من اليوم مدرسة <لويز فيغمان>. فحول فنجان قهوة في بيت الخريجة نبيلة دروبي تبادلت فيه رفيقات الامس ذكريات الطفولة والمدرسة وتشاركن هموم أولادهن الصغار الذين باتوا على عتبة المدارس، اقترحت المجتمعات فكرة تأسيس <مدرسة نموذجية> تقدّم مكونات ثقافية وعلمية خصبة ضمن جو هادئ لتلامذة في مدرسة لبنانية تريد نفسها منفتحة على العالم أجمع. وقالت نبيلة دروبي حينئذٍ: لماذا لا نؤسس نحن تلك المدرسة النموذجية؟ فكانت احدى المؤسسات الخمس الى جانب كل من ليلى خلف (مؤسسة ورئيسة مجلس الادارة)، ناديا خلاط، ندى عويني، الين بارسيغيان، هيلين بدارو وسيتا سيفيريان، وأطلقن على مولودتهن الجديدة اسم مديرتهن السابقة <لويز فيغمان> تكريما لها. وفي <فيلا> بالايجار في العام 1965 بإدارة السيدة كتوني اجتمع 205 تلاميذ من الحضانة الاولى الى الصف التاسع، لتتولى الإدارة بعد أربع سنوات وحتى العام 2001 السيدة ريموند عبو، ومعها توسعت المدرسة وحققت نجاحاً جعل آلاف التلاميذ ينضوون تحت جناحها. أصدرت كتاباً عن المدرسة ونشأتها هي التي قضت فيها حياة مليئة بالاشواك والورود. فقد توسعت المدرسة <العائلية> لتشمل فيما بعد آلاف الطلاب موزعين على ثلاث مناطق في بدارو وبشامون وجورة البلوط، طلاب تديرهم بدراية الأم وصلابة المعلم السيدة طيبا جحا. فقد جعلت جحا المدرسة أمانة في عنقها خاصة في هذه الايام الحالكة التي احوج ما يكون فيها الوطن الى قيم تربوية وطنية توازي اهمية الشق الاكاديمي.

 

رسالة <لويز فيغمان>

 بشغف كبير تحدثت المديرة طيبا جحا لمجلة <الافكار> مستهلة حديثها برسالة المدرسة التي طالما كانت وستبقى الثقافة بأشكالها كافة، وهذا ما جعلها العنوان العريض لاحتفالات <اليوبيل الذهبي> لهذا العام، فمن دون هذه الركيزة لا أهمية لأي كلام.

تقول طيبا جحا:

- تأسست مدرسة <لويز فيغمان> وهي تحمل في جوهرها أبعاداً تربوية واجتماعية وأخلاقية مهمة تشكل نموذجاً في الالتزام الاجتماعي والثقافي والوطني. هي حاضنة لكل اللبنانيين على اختلاف مشاربهم يلتقون على تربية أبنائهم بطريقة واحدة عبر نسج علاقات انسانية وتعلّق بالوطن وانتباه للآخر وقبوله كما هو. ففي هذا التلاقي تنوع وغنى، ومصلحة الوطن تسبق مصلحة الفرد. فالتربية هي الاساس وعماد الأوطان وهي الحل الوحيد لكل الازمات التي نعيشها في لبنان وفي الشرق الاوسط.

تفتخر جحا بالمشاريع والقضايا المجتمعية والبيئية التي تلتزم بها المؤسسة ككل، من تلاميذ وكادر تعليمي وإدارة. فاحتفالات هذا العام، وان كانت في جانب منها ترفيهي كالسهرة التي أُقيمت على شرف السيدات المؤسسات، وقد تخللها عرض ازياء للمصمم الفرنسي <ستيفان رولان> وعرض مجوهرات لـ<شوبار>، وعرض غنائي، فضلاً عن مزاد علني جانبي يعود ريعه لمنح للمدرسة، فإن الاهم انها تناولت في احتفالات <اليوبيل الخمسين> هذا العام وتحديداً في شهر ايار/ مايو مشروعاً بيئياً صممته وبنته وحققته في مجال التنمية المستدامة بالتعاون مع جمعية <قوس قزح>، فكان بناء منازل من الطين، وزرع حدائق عضوية، وجمع للملابس والادوية والالعاب وتبرعات غذائية وتشجيع للسياحة البيئية وتدوير للنفايات بأشكال فنية.

 

مبادرة السيدات الخمس

SAM_6068

 تفتخر جحا بهذا الإنجاز بحيث لم يكن الاحتفال بالعيد الخمسين عادياً او مبهرجاً بل ارتدى وجهاً سعيداً في التعلم، تعلم العطاء ومشاركته تحت مظلة الالتزام المدني في مدرسة <لويز فيغمان>، فاتحة بذلك صفحة جديدة في تاريخها لمواجهة تحديات القرن الكثيرة.

 وسألناها عن الاصلاح الذي يطالب به الجميع اليوم والدور المدرسي، فقالت جحا:

 - ان الاصلاح الذي ننشده اليوم لا يمكن ان يقوم الا بالعائلة وبالمدرسة، بالارتكاز على القيم الاخلاقية قبل اي شيء، قيم يتشبّع منها كل تلميذ فتتغلغل في أعماقه قبل ان ينطلق الى العالم الاوسع. فالتربية المدنية لا تكون بالكتب وبالوعظ، بل بالاختبار اليومي والتجربة وإعطاء النموذج والمثال.

وعما اذا كانت المدرسة الناجحة التي اسستها سيدات خمس تعتبر نموذجاً يصلح لقيادة المرأة الناجحة في الوطن ومؤسساته، أكدت جحا على الامر وقالت:

- النساء اللواتي أسسن المدرسة عملن على مدها بالعطاء ولم يستغللنها. فالمرأة بطبيعتها توضع امام الاخطار، امام لحظات الولادة والحياة والموت ما يشبّثها بالقيم والمبادىء ومواجهة الصعاب. برأيي يمكن بالطبع لمدرسة <لويز فيغمان> ان تشكل نموذجاً لنجاح المرأة وادارتها، وأول ما يبدأ ذلك في التربية على عدم التمييز بين الجنسين في البيت وفي المدرسة، وها هن النساء في البلاد العربية بدأن يتبوأن أعلى المناصب وبات صوتهن مسموعاً، فالمرأة لم تخلق لتهتم بشؤون البيت فقط بل لها دور اجتماعي واقتصادي مهم أيضاً.

وباعتزاز كبير تقول جحا ان مدرسة <لويز فيغمان> خرّجت 34 جيلاً حتى اليوم. اما بالنسبة لألمع الاسماء ممن تخرجوا، فإن المديرة تفضل عدم الخوض بها، لأنها تعتز بالجميع، وبينهم من الاكفاء الكثير، والاهم ان مدرسة <لويز فيغمان> لا تزال وفيّة لالتزاماتها ومبادئها التي نشأت على أساسها مع مواكبتها للتطور والتكيف مع كل مستجد عصري.

<ايمانويل بيار>: التربية اساس..

 احتفال النصف قرن على تأسيس مدرسة <لويز فيغمان> لم يمر من دون وجوه اجتماعية حضرت خصيصاً للاحتفال الذي اقامته المدرسة في مجمّع <البيال> (من تنظيم شركة <لوكسوري ليميتد اديشين> لصاحبتها سينتيا سركيس)، ومن بينهم الفنانة الفرنسية <ايمانويل بيار> ضيفة شرف الاحتفال الى جانب كل من <ستيفان رولان> و<فيليب باسكوا>، والتي شاركت ادارة المدرسة ومدعويها فرحتهم على الرغم من الحزن الذي يلفها، فوالدها الفنان غي بيار، المصري المولد، والذي عُرف بعشقه للبنان وقد غنى له <liban libre> عام 1989، اسلم الروح قبل يومين اثنين عن عمر يناهز الـ 85 عاماً إثر نوبة قلبية أصابته. <ايمانوييل>، المتشحة بالسواد أبت إلا ان تشارك المدرسة فرحتها بإتمام نصف قرن من العطاء متمنية لها كل التوفيق في رسالتها التربوية، وهي رسالة عزيزة عليها تحملها الممثلة الفرنسية بين البلدان وتشدّد عليها، معتبرة انه من واجب كل فرد منا ان يقدّم للأجيال الجديدة خلفية نموذجية كالتي كانت تقدّمها مدرسة <لويز فيغمان> ولا تزال.