تفاصيل الخبر

مــدرســــــــــــة ”الأفــكـــــــــار“

16/03/2018
مــدرســــــــــــة ”الأفــكـــــــــار“

مــدرســــــــــــة ”الأفــكـــــــــار“

 

بقلم ابراهيم عوض

ebrahim-awad 

ما في <الأفكار> أنها من صنع عرق جبين صاحبها ورئيس تحريرها أستاذي وابن عمي وليد عوض. أقول أستاذي نعم بكل فخر واعتزاز. وهذا صحيح كوني تتلمذت صحفيا على يديه اذ شاءت الصدف ان يكون الامر كذلك واليكم التفاصيل.

في العام 1968، أخذ قريبي المحامي المعروف الأستاذ باسم الجسر بيدي وأدخلني مكتب الأستاذ الكبير الراحل سليم اللوزي صاحب ورئيس تحرير مجلة <الحوادث> الواسعة الانتشار يومئذٍ، ليعلمه بأن الواقف أمامه ابن طرابلس، متيّم بمهنة البحث عن المتاعب التي مارسها منذ صغره على الورق حيث كان يكتب أخبار العمارة التي يقطنها ويوزعها على الجيران، وآمل منك <أن تهتم به وتمنحه فرصة كي يتعلم الصحافة على أصولها علّه يفلح فيها>.

نظر اليّ الاستاذ سليم وقال بشيء من الحدّة: <عليك أن تبدأ من تحت لفوق>، ويعني بذلك النزول الى المطبعة وتنشق رائحة الحبر على أنه <كريستيان ديور> قبل أن تصعد الى المكاتب وتعمل في التحرير، ثمّ فاجأني بخبر سار يعلمني فيه أن ابن عمي الأستاذ وليد عوض سينضم الى <الحوادث> الشهر المقبل مديراً للتحرير، الأمر الذي سيساعدني في سبر أغوار المهنة وحفظها من ألفها الى يائها.

أمضيت شهراً في المطبعة قبل أن أحط رحالي خلف أحد المكاتب في الطابق العلوي، وأكلّف بصياغة <بريد القراء> وكتابة بعض التحقيقات. وقد واظبت على ذلك ما يقارب الشهرين جاء بعدهما ابن العم وتسلّم منصبه الجديد، في وقت كان الزملاء والعاملون في <الحوادث> يحسدونني على ذلك مع عبارة <نيالك اجا مين يدللك>، ليتبين لهم في ما بعد أنني لم أدلل البتّة بل على العكس فقد راح مدير التحرير يقسو عليّ ويكلفني بمهام تحريرية عدّة أوصلتني بسرعة لتولي مركز <سكرتير تحرير> خلفاً للراحل العزيز رياض شرارة.

مع الأستاذ وليد أضحى لعملي طعم خاص. كيف لا؟ وهو البارع في صياغة الخبر وكتابة التحقيق واختيار العنوان <الطنان الرنان>. ولا ابالغ اذا قلت بان ابن العم مدرسة صحافة بحدّ ذاتها. يشهد له في ذلك كثيرون من أرباب المهنة وكبارها. ولطالما سمعت من أصحاب مجلات وصحف، حين كنت ألتقي بهم في مناسبات وحفلات، أنني محظوظ كوني أتتلمذ على يد وليد عوض الذي يشهد له الجميع بمهنيته وحرفيته، وهو الذي صال وجال أثناء وجوده في <الحوادث> وأجرى أهم المقابلات والحوارات مع رؤساء وزعماء دول في تلك الآونة، وأنجز أجمل التحقيقات وأصعبها غير مبال بحياته أحياناً، كما جرى يوم قصد قلعة طرابلس ليحاور المتمرد على الدولة ــ كما سمي ــ رئيس <حركة 24 تشرين> الراحل فاروق المقدم، في وقت كانت فيه طرابلس تعيش حالة أشبه بمنع تجول، وبعد أن عجز عشرات الصحافيين ووكالات الانباء عن لقاء المقيم في القلعة.

كثيرة هي الانجازات التي حققها وليد عوض في <الحوادث> حتى أضحت المجلة الاولى في لبنان من دون منازع والتي يحسب لها كبار المسؤولين والحكام ألف حساب، وذلك بفضل اثنين عميدها الراحل سليم اللوزي و>المايسترو> وليد عوض، حتى جاء من يردد بأنّ الصيت للأول والفعل للثاني، علماً أن الثاني لم يكن ليرضى لحظة بهذا القول ويؤكد بأنه لو لم يكن تحت جناح الأول لما بزغ نجمه بهذا الشكل.

وددت من هذا العرض السريع أن أعطي فكرة عما كان عليه وضع الصحافة في تلك الفترة. تألق وابداع على يد كبار ندين لهم بالاستمرارية والنجاح الذي لم نكن لنبلغه لو لم نسر على دربهم. وهو درب قادني، أنا على سبيل المثال، الى تولي منصب مدير تحرير مجلات وصحف عربية عالمية، منها مجلة <المجلة> وصحيفة <الشرق الاوسط> الصادرتان عن الشركة السعودية للابحاث والنشر. ولا بدّ أن اذكر هنا بأنني، وحين كان صاحب المطبوعة يعجب بمقال لي أو تحقيق، كنت أوضّح له بأن هذا مردّه الى عملي في <الحوادث> وتعلمي من صاحب القلم الرشيق الأستاذ وليد عوض، وقد شكّلت هاتان العبارتان مفتاحا للمضي قدما في عالم الصحافة.

استذكرت بعضاً من الماضي كي أصل الى الحاضر ونحن نحتفل بالعيد الثاني والثلاثين لمجلة <الافكار>. تلك المجلة التي قلت في مستهل مقالتي هذه أنها عصارة جهد صاحبها الذي أراد المغامرة باصدارها في زمن الحرب البغيضة، متعاوناً مع بعض أصدقائه بدايةً قبل أن يتولّى الأمر لوحده في ما بعد.

يكفي <الأفكار> فخراً أنها غير تابعة لدولة أو رئيس أو زعيم، ولا تدين بالولاء الا لقارئها الذي هو هاجسها الأول والأخير. وما صمودها هذه السنوات الا دليل على ثقة من ابتغت ثقته. من هنا أضحت <الأفكار> معلما مشرقاً في عالم الصحافة المقروءة، ولا غرابة في ذلك طالما أن القيّم عليها ملك في تطويع الحروف والكلمات خدمةً للحقيقة والموضوعية والرصانة التي أدخلتها فعلا كل دار، أكان أصحابه ميالين لهذا الفريق أو ذاك.

هو أسلوب لا يتقنه سوى من ابتدعه، وترانا نحتفل اليوم بمولوده الذي كبر ونال الاعجاب .

في هذا العيد اسمح لي ابن العم، أستاذي وحبيبي وليد أن أقبّل وجنتيك شاكراً على ما فعلته من أجلي، وأنت الذي رفضت اغراءات المناصب وآثرت البقاء خلف مكتبك ممسكاً بالقلم. وتحية خاصة لمن تؤازرك وتكمل المسيرة كريمتك العزيزة زينة وقد وُفقت في ما أوكلته لها. كيف لا.. أوَليست هي الاخرى تلميذة وليد عوض؟!.