تفاصيل الخبر

 مدى تأثير إنفجار مرفأ بيروت على الأطفال نفسياً

26/08/2020
 مدى تأثير إنفجار مرفأ بيروت على الأطفال نفسياً

 مدى تأثير إنفجار مرفأ بيروت على الأطفال نفسياً

بقلم وردية بطرس

الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون: تظهر عوارض الصدمة عند الأطفال خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع من وقوع الانفجار

[caption id="attachment_80591" align="alignleft" width="417"]من آثار الصدمة على الأطفال من آثار الصدمة على الأطفال[/caption]

 "أمي لا أريد أن أموت" عبارة ردّدها الأطفال لحظة وقوع إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من الجاري. فالصدمة شديدة على أطفال عاشوا لحظات رعب في ذلك اليوم خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً في بيروت... فهذا الانفجار لم يخلّف فقط ضحايا وجرحى إنما أيضاً صدمة نفسية عنيفة لآلاف الأطفال. وتظهر عوارض الصدمة بعد أسابيع عدة من الحادث. ويتوقع خبراء التربية استمرار التأثيرات النفسية لهذا الانفجار على الأطفال في المستقبل، إذ قدرّت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) أن عوارض الصدمة بدأت بالفعل تظهر على نصف الأطفال الذين عاينت حالاتهم في بيروت. والمطلوب من الأهل في هذه الفترة شرح ما حصل بطريقة لا تصدمهم وغير خيالية، وذلك حسب أعمارهم اذ كلما كانوا أصغر سناً تُقدم لهم تفاصيل أقل، ولا يجب أن يكذبوا عليهم بأن يقولوا مثلاً أن هذا صوت بالون او مفرقعات بل يجب أن يسألوهم ماذا سمعت آذناهم، وكيف شعر جسدهم؟ وماذا رأوا؟ بعض الأولاد لا يعبّرون أبداً وفي حال عبّر الولد عن خوف يجب أن يقول له أهله أيضاً إنهم شعروا بالخوف وسمعوا الصوت العالي، واذا كانوا لا يعرفون ماذا حصل يجب أن يعترفوا له بذلك، إذ يجب أن يكون الأهل المصدر الموثوق بالنسبة للأبناء مع التأكيد لهم بأنهم معهم ويقومون بحمايتهم. وبحسب المعالجين النفسيين أن الأولاد يمرون حالياً بنوبات ذعر وأعراض ما بعد الصدمة، والمهم الابقاء على روتين معين يجعلهم يتوقعون ماذا سيحدث، فيشعرون بالأمان. ويجب التحدث بصوت هادىء والنظر في عيني الطفل ليركز أكثر ولا تذهب أفكاره بعيداً، وأن يلعبوا معه ويسمعوه اذا أراد التحدث، وأن يخبروه قصصاً تريحه. ولقد تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عديدة للحظة وقوع الانفجار. ويظهر في أحدها دخان يتصاعد جراء انفجار أول في المرفأ، ويُسمع في الخلفية طفل يردد وكأنه يلهو (انفجار، انفجار) قبل أن يقول بعد دوي الانفجار الثاني العبارة نفسها "أمي لا أريد أن أموت".

وأفادت منظمة "Save the children" في بيان على ضرورة أن تكون صحة الأطفال النفسية أولوية وبأنه من دون وجود الدعم المناسب ستكون النتائج على الأطفال طويلة الأمد. والتأثير على الأطفال قد يكون عميقاً جداً لأن الطفل سيحاول أن يفهم ما حصل. والأكبر سناً بقليل قد يشعرون بالذنب تجاه حزن وغضب أهاليهم. كما اعتبرت المنظمة أن الكثير من الأطفال في لبنان كانوا أساساً عرضة للتوتر نتيجة الأزمات المتلاحقة في البلاد التي دفعت أكثر من نصف مليون طفل في بيروت الى الكفاح من أجل الحياة او الى الجوع، الى جانب كل  تداعيات الحجر المنزلي مع تفشي فيروس "كورونا المستجد".

 

الدكتورة زينون وآثار الانفجار النفسية

[caption id="attachment_80589" align="alignleft" width="166"]الدكتورة بيا زينون: من الافضل أن يعاين الأطفال إختصاصي في علم النفس خصوصاً اذا كان متخصصاً بعلاج الصدمة والقلق الدكتورة بيا زينون: من الافضل أن يعاين الأطفال إختصاصي في علم النفس خصوصاً اذا كان متخصصاً بعلاج الصدمة والقلق[/caption]

إذاً الأطفال غير محميين من الصدمات النفسية او عواقبها، كما أن الأطفال من جميع الأعمار قد يتأثرون بما يعرف بـ (اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال)، فكيف تظهر الأعراض لدى الأطفال بعد حدوث انفجار كبير مثل انفجار مرفأ بيروت؟ وكيف ُيحصّن الأطفال من آثار ما بعد الصدمة؟ وغيرها من الأسئلة أجابت عنها الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون وهي أستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت وسألناها:

* الى أي مدى يتأثر الأطفال جراء الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت من الناحية النفسية؟

- الأولاد كما الكبار ستكون لديهم ردة فعل على اي حدث يجري من حولهم وخصوصاً مثل هذه الفاجعة التي وقعت في بيروت عكس ما يحصل في الحروب، حيث يكون هناك أحياناً تحضير لذلك او تهيئة للأجواء عما سيحصل، وحتى لو حصل اطلاق نار يمكن أن يختبئ الأولاد مع اهاليهم، حتى أن الأولاد يتأقلمون مع الحرب، ولكن ما جرى في 4 آب (أغسطس) حصل بشكل فجائي جداً وخلال يوم عادي لا أحد توقّع حصوله. انفجار مرفأ بيروت هو كارثة أثارت الصدمة في نفوس الناس وطبعاً الأطفال، وبالتالي ردة الفعل كبيرة بسبب الكارثة الهائلة التي وقعت في المدينة.

* بماذا يشعر الأطفال جراء وقوع انفجار مرفأ بيروت؟ وكيف تظهر عوارض الخوف والصدمة لديهم؟

- يشعر الأولاد بأنهم متضايقون وخائفون، وهذا أمر طبيعي يمرون به خلال الأسابيع الثلاثة او الأربعة الأولى بعد الانفجار وربما أكثر، إذ سيعتقدون بأنه سيحصل انفجار آخر مثله أو سيتحطم الزجاج مرة أخرى. كما نرى أن الأولاد يطرحون أسئلة عن الموت أو عن أنفسهم او عن الأشخاص الذين يحبونهم. كما يصيبهم القلق عند الابتعاد عن أهاليهم، اذ نرى الكثير من الأولاد يلتصقون بذويهم أكثر منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت. كما يعاني الأطفال من مشاكل في النوم او الطعام، كما أن هناك أولاداً يتبولون أثناء النوم حتى لو كان قد مضى وقت طويل منذ أن تبولوا في فراشهم.

وتتابع:

- ونرى هذه الحالات تقريباً لدى كل الأعمار وظهرت بشكل كبير بعد صدمة انفجار مرفأ بيروت. والآن دخلنا في الأسبوع الثالث وبالتالي شيئاً فشيئاً ستخف هذه الأعراض لدى الأولاد الذين يعانون منها منذ وقوع الانفجار.

وعن أهمية دعم العائلة للطفل تشرح:

 - ليس بالضرورة أن كل الأولاد بحاجة لمعالجة نفسية او اختصاصي في علم النفس، فكل ما يحتاجونه هو دعم العائلة والأصدقاء والمجتمع ككل. يجب أن يجري الأهل حديثاً صريحاً مع أولادهم، اذ ننصح بهذا الخصوص أن يترك الأهل المجال لابنهم بأن يتحدث عن الموضوع اذا أراد ذلك، فاذا أراد الولد أن يتحدث عن ذلك فعلى الأم او الأب ألا يمنعاه من التكلم. واذا لم يرد الولد أن يتحدث عندها تقول الأم لا مشكلة، وبذلك لا نجبر الولد على التكلم بالموضوع، ولا يجب أن نقول له إنسى او تناسى ما حصل، بل يجب أن يفسر الأهل لأبنهم بما يتناسب مع عمره ومفهومه بطريقة يستخدم فيها الحقائق، اي أن يخبروه بأنه حصل انفجار كبير، والآن انتهى الانفجار ولن يتكرر ذلك، وبأنهم الآن معاً وبأمان وليس هناك أي خطر بدون أن نثير فيه الخوف والهلع اي قول الحقائق بدون خوف. واذا كان لدى الأولاد أسئلة لا يملك أهاليهم الأجوبة عنها فلا يقولوا لهم إنهم لا يعرفون او إنهم أيضاً يخافون ولكنهم يفكرون بطريقة مختلفة لكي لا يشعرونهم بالخوف، وأيضاً يختلف الأمر بالنسبة لعمر الولد.

* ومتى يستدعي الأمر استشارة اختصاصي في علم النفس؟

- كما ذكرت في سياق الحديث أًنه أمر طبيعي أن يمر الأولاد بالحالة النفسية، ولكن بعدما يمر شهر او أكثر فاذا رأى الأهل أن اولادهم لا تزال لديهم أفكار ومشاعر شديدة بما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت كمثل تغير مزاجهم او تصرفاتهم او أصبحوا يعانون من مشاكل من حيث تناول الطعام او النوم ولا يزالون متضايقين وبأن حياتهم اليومية تتأثر بما حصل عندها نقدر أن نقول إنه من الأفضل أن يعاينهم اختصاصي في علم النفس، ولكن من المفيد ايضاً أن يعاينهم اختصاصي في علم النفس خصوصاً اذا كان متخصصاً بالـ "Trauma" او علاج الصدمة والقلق بعد الصدمة. على سبيل المثال هناك مؤسسة "Embrace" وهي مؤسسة خيرية تقدم الآن جلسات علاج نفسي للكبار والصغار مجاناً في منطقة الحمراء، وبالنسبة للأولاد فخصصوا لهم "Art Therapy" أو علاج من خلال الرسم لأنها طريقة جميلة تساعد الأولاد أن يعبروا عن أنفسهم، اي أنها طريقة آمنة يعرفها الأولاد.

مساعدة الأهل لأطفالهم وتوفير الأمان لهم

[caption id="attachment_80590" align="alignleft" width="375"] جلسات نفسية للأولاد تقدمها جمعية "أمبريس".[/caption]

* وكيف يمكن مساعدة الأولاد لتخطي الحالة النفسية والصدمة منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت؟

- من الضروري أن يتنبّه الأهل لبعض الأمور على سبيل المثال الحفاظ  على الروتين وان يقوم الأهل بتدليع أطفالهم وحضنهم وتقبيلهم وان يبعدوا عنهم الأصوات العالية قدر الامكان والفوضى لكي يشعروا براحة وأمان أكثر. أما الأولاد الأكبر سناً فيجب أن يخصص الأهل لهم وقتاً مميزاً سواء باللعب سوياً أو بالتحدث لمدة عشر دقائق خلال اليوم بدون أن يكون الى جانبهم أحد او هواتف وتلفزيون الى ما هنالك، اي أن يُخصصوا لهم وقتاً  دون غيرهم لكي يشعروا بالأمان مع الأهل وأن يذكروهم دائماً بأنهم بأمان وبأن أفراد العائلة بأمان وان يحاولوا قدر الامكان أن يقوم أولادهم بالأمور الروتينية التي كانوا يقومون بها قبل الانفجار والأمور التي يعرفونها ويعتمدون عليها. واذا لاحظ الأهل أن اولادهم ملتصقون بهم وينامون معهم على السرير وليس في غرفهم كما في السابق فهذا أمر عادي اذ يحتاجون للوقت لأن هذا يشعرهم بالأمان. أما الأولاد الذين يقومون بتصرفات غير عادية بعض الشيء اي لا يسمعون كلمة ذويهم او يقومون ببعض الأمور التي كانوا يقومون بها عندما كانوا أصغر سناً أيضاً يجب أن يتروى الأهل لأنه ربما هذه التصرفات تزول لوحدها.

وتتابع:

- بالنسبة للمراهقين فيجب أن تكون هناك أحاديث بينهم وبين أهاليهم، وأن يُفسح لهم المجال ليعبروا عما يختلج في أنفسهم. والأهم أن يستمع الأهل لهم وبالمقابل على الأهل اخبارهم بالحقائق كما هي بدون أن يشعروهم بالخوف وان يجيبوا عن أسئلتهم، وأيضاً ألا يطلب الأهل من أولادهم أن يكونوا أبطالاً وبأنه لا داع للتحدث بالموضوع وما شابه لأنه من الجيد التكلم بهذا الموضوع اذا هم أرادوا ذلك. وأيضاً أن يُتاح لهم الفرصة ليلعبوا لأنه أحياناً هناك ضغط على المراهقين بأن عليهم أن يدرسوا مثلاً، كما على الأهل أن يقولوا لهم عليهم بالاسترخاء كونهم يشعرون بالملل من البقاء في المنزل منذ بداية جائحة "الكورونا". وطبعاً ننبّه كل الأعمار من الإعلام، اذ ليس بالضرورة أن يشاهد الأولاد على وسائل الإعلام او مواقع التواصل الاجتماعي الصور والأخبار المتعلقة بالمناطق الأكثر تضرراً وتسبب لهم الشعور بالحزن بالتالي من الأفضل تجنب مشاهدة هذه الأمور.

وأضافت:

- كما بامكان الأهل أن يعلموا أولادهم بما حصل خصوصاً اذا كان المنزل محطماً أو أن أحدهم مصاب جسدياً بأضرار او اذا كان لا بد من مغادرة المنزل، او أن أحدهم توفي جراء الانفجار أيضاً، ولكن طبعاً يختلف الأمر حسب العمر ومدى تفهم الولد بما يحصل من حوله، وكم يستوعب الأمر، وعلاقته مع الأهل، ولكن يجب أن نتذكر هنا مهما كان عمر الولد أن تكون هناك دائماً صراحة مع الأولاد انما تكون على قياس عمرهم وأن يكون هناك دائماً تأكيد بأنهم الآن في أمان وبأنهم سوياً، فذلك يعيد للولد الثقة قليلاً بالناس وبأنهم في أمان، فيجب أن نكون صادقين ونهتم كثيراً ونتفهّمهم. وأيضاً على الأهل أن يتنبهوا بما يقومون به لأنه بالنهاية الأولاد يقلّدون أهلهم،  فمثلاً اذا طلبت الأم من ابنها ألا يتحدث بالموضوع ولكن في الوقت نفسه كلما اتصل أحدهم للاطمئنان عليها وعلى عائلتها تكرر الموضوع نفسه، لأنه في النتيجة الولد يرى بأن والدته تتحدث بالموضوع كثيراً وبالتالي يجب التنبّه لهذا الأمر. ومن المهم أن نذكر عن الموارد الموجودة في المجتمع مثل الخط الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار لدى جمعية "Embrace" اذ بامكان الناس الاتصال على هذا الخط الساخن "hotline 1564" حيث هناك عيادة تقدم الآن خدمات مجانية للحالات النفسية سواء سيكولويجية او نفسية للكبار او الصغار.