تفاصيل الخبر

مدى تأثر الأولاد بما يحصل من أحداث وأزمات في البلد من الناحية النفسية...

20/12/2019
مدى تأثر الأولاد بما يحصل من أحداث وأزمات في البلد من الناحية النفسية...

مدى تأثر الأولاد بما يحصل من أحداث وأزمات في البلد من الناحية النفسية...

بقلم وردية بطرس

 

 

الاختصاصية في علم النفس لوما نقاش: على الأهل ان يستمعوا لأولادهم اذا بدا عليهم القلق والخوف!

 

لا شك ان الانسان يتأثر بما يحصل من حوله من أحداث أو أزمات على جميع الأصعدة فكيف الحال في بلد مثل لبنان؟ طبعاً الأولاد يتأثرون بذلك بشكل كبير وقد يظهر ذلك من خلال تصرفاتهم او سلوكهم او نشاطهم في المدرسة الى ما هنالك... فكيف يتأثر الأولاد بما يحصل في البلد من الناحية النفسية؟ وهل تُسلب طفولتهم عندما يشاركون هموم أهاليهم ومخاوفهم مما يحصل من حولهم؟

 

الاختصاصية في علم النفس لوما نقاش وتأثر الأولاد بأهلهم!

 

<الأفكار> تحدثت مع الاختصاصية في علم النفس لوما نقاش لتطلعنا اكثر كيف يتأثر الولد بما يحصل من حوله وانعكاس ذلك على سلوكه وتصرفاته ونسألها:

ــ هل يتأثر الأولاد بما يشاهدونه اليوم في لبنان سواء في الساحات والشوارع منذ بدء الحراك في لبنان خصوصاً ان قسماً كبيراً منهم يشارك أهاليهم وأصدقاءهم في المظاهرات والتحركات في مختلف المناطق اللبنانية؟

- بشكل عام يتأثر الأولاد بكل شيء يرونه ويسمعونه، وأكثر من ذلك هم يتأثرون بكل ما يشعر به أهاليهم، بمعنى انه عندما يشعر الأهل بالقلق والخوف والتوتر والسلبية ازاء ما يحصل في البلد فان الاولاد سيتأثرون تلقائياً بذلك بطريقة سلبية. بالمبدأ عندما بدأ الأهل يشاركون في المظاهرات عند بدء الحراك كان الجو نوعاً ما ايجابياً أكثر من الآن، وبذلك الوضع كان يمكن ان نقول انه كان أمراً ايجابياً ان يشارك الأولاد مع أهلهم بحدث وطني، فطالما ان الجو العام كان ايجابياً اي ان الولد يشعر بأن أهله سعداء فانه سيتأثر بالطريقة نفسها، ولكن عندما يكون هناك جو سلبي او صراخ او عنف او مشاهد بشعة او موت او مواجهة سواء بين شخص وآخر او بين أشخاص كثيرين فعندئذٍ على الأهل الا يسمحوا لأولادهم بأن يشاهدوا ذلك او حتى ان يسمعوا عن ذلك، فاذا كان الأهل متضايقين من الوضع فلا يجب ان يعرف اولادهم بذلك او ان يشعروا بذلك. المفروض حماية الولد لأن الراشد يقدر ان يفهم ويستوعب ما يجري من حوله، ولكن ما يعيشه لا يناسب ولده اي في عالم الصغار لا يقدر الولد ان يستوعب او يفهم ما يحصل من حوله، وبالتالي لا يعرف كيف يتصرف ويتفاعل معه بطريقة ايجابية.

 

حماية الأولاد من مشاهد العنف على شاشات التلفزة!

 

ــ بالنسبة للأولاد الذين لم يشاركوا بالمظاهرات مع أهاليهم وما شابه لكنهم كانوا يشاهدون ما يحصل على شاشات التلفزة فكيف يتأثرون بما يُبث خصوصاً عندما تُبث مشاهد عنف وضرب وما شابه؟

- ذكرت بأن الولد يتأثر بما يشاهده ليس فقط اذا شارك في المظاهرات، ولكن اذا شاهد ذلك على شاشات التلفزة، اذ ان الأولاد يتأثرون حتى لو كان التلفزيون بعيداً عنهم ولكنهم يسمعون ما يُبث على الشاشة او حتى الأحاديث بين الكبار، مثلاً اذا سمعوا بأن هناك ضرباً او عراكاً بين شخص وآخر او ان احدهم اطلق الرصاص على الناس وما شابه فالأمر محظر تماماً كمثل انه لا يجب ان يكون الأولاد قد شاهدوا هذه الأمور لأنه ليس لديهم القدرة على استيعابها جيداً، وبالتالي سيؤثر ذلك عليهم بشكل غير ملحوظ لحظة حدوثه، ولكن لاحقاً لن يقدروا ان يثقوا بالناس او لن يفهموا كيف يتعامل الناس مع بعضهم البعض اي ما يُعرف بـ<Fundamental concept> أو المفهوم الأساسي الذي نعلّمه للأولاد.

ــ بالنسبة لأعمار الأولاد فبأي عمر يجب ان نجنّب الآولاد ان يشاهدوا ذلك؟ وبأي عمر يبدأون باستيعاب ما يحصل من حولهم؟

- اذا كنا نتحدث عن مشاهد او حادثة فيها الكثير من الدماء والجرحى فذلك يعني مشاهد قاسية حتى الكبار لا يقدرون ان يتحملوها، وبالتالي ليس هناك عمر معين من حيث مشاهدة الولد لصور العنف، واذا اردت معرفة السن المحدد فلا يجب ان يكون الولد ما دون الثامنة عشرة، فهذه الأمور تؤثر علينا ككبار فتخيلي كم سيؤثر ذلك على الأولاد! واننا نقدر ان نفسّر للأولاد ما فوق سن الـ10 او 11 ما يحصل في البلد مثلاً وان نطلعهم على الجو العام بدون ان نضيف اموراً تزيد من تعقيدها اي ان نقدّم لهم الحقائق بأن البلد يمر بمحنة صعبة لكي يستوعبوا ما يحصل. اما في عمر اصغر فنقدر ان نفسر للولد بأننا نمر بظروف استثنائية او ان تغيرات تحدث ولا نقدر ان نعرفها او نقدّر كيف ستكون نتيجتها الآن، ربما أولاً نتكلم معه بلغة يفهمها ونسميها <Language D’enfant> أو لغة الطفل وليس لغة الراشدين، ثانياً لا ندخل في حديثنا كلاماً فيه قلق ولا خوف او سلبية، ولكن نقدر ان نقول للطفل اننا نمر بظروف صعبة او استثنائية ولكن لا تفكر بالأمر لأننا نحن الكبار مسؤولون عن حمايته، ونحن نعرف ماذا سنفعل وما شابه، اذ يجب ان نشرح للولد بطريقة تتناسب مع سنه بحيث لا تتزعزع صورة البلد لديه لأنه ليس لدينا الحق ان نزرع أفكاراً برأسه بحسب اعتقاداتنا.

ــ كمعالجة نفسية هل ترين ان الهتافات والشعائر التي يرددها الأولاد في الساحات والشوارع أمر مقبول ام تُسلب طفولتهم أحياناً بهذه الطريقة؟

- يجب ان اقول هنا بأن هناك فرقاً بين الشعارات التي تُعتبر وطنية وطبعاً هذا أمر مقبول، ولكن عندما تُزرع فكرة بعقول الأولاد والتي تكون قد تبناها الأهل وهم ليس لديهم الوعي الكافي ليفهموا الفكرة بعد عندها يصبح الأمر غير مقبول، بالنسبة الينا لا يحق لنا بأن نقوم بذلك وممكن ان يصل الأمر إلى حيث يُعتبر فيه <Child abuse> او اساءة للطفل اذ يُستغل عقله كونه صغيراً فتُزرع الفكرة في رأسه وعندما يكبر ستكون لديه تلقائياً الأفكار نفسها التي قد تبناها أهله وعلى أساسها سيتصرف.

 

لغة الصغار!

ــ وما رأيك كمعالجة نفسية باجراء المقابلات التلفزيونية مع الأولاد المشاركين في المظاهرات؟

- برأيي لا حاجة لذلك، فهذا نسميه <غسيل دماغ> لأنه اذا اردت ان تستفسري اكثر فانك تجدين الولد انه لا يفهم ماذا يقول اذ يردد كلاماً سمعه من الآخرين، ولهذا نقول ليس من المفروض ان يسمع الولد هكذا احاديث، فهناك عالمان: عالم الكبار وعالم الصغار، ومن المفروض ان نحمي عالم الصغار من الأمور التي نقوم بها نحن الكبار من عنف واساءة الى الآخر ومشاكل بين بعضنا البعض وكل ما يبعث السلبية اذ يجب الا يشعر الأولاد بها، فواجباتنا ككبار خصوصاً الأهل ان نحمي الأولاد من هذه الأمور، طبعاً علينا ان نكون واقعيين يعني اذا كان هناك أمر ما يحدث فمن حقهم ان يعرفوا بطريقة يفهمونها اي بلغة تناسب سنهم بدون ان يكون هناك ثقل عاطفي، مثلاً هناك فرق عندما تشرح الأم لابنها لماذا لا يذهب الى المدرسة، بين ان تقول له ان هناك وضعاً استثنائياً في البلد لهذا لا يقدر ان يذهب الى المدرسة بسبب تسكير الطرقات وما شابه، وبين ان تفسّر الأم لابنها عما اذا هي مع او ضد هذا الأمر وكم ان هذا الأمر يؤثر على حياتهم، وبالتالي هناك فرق بين ان نقول الأمور بطريقة موضوعية كما هي، وبين ان نقولها بطريقة شخصية بحيث نعبّر عن عواطفنا والتي لا يقدر ان يفهمها الولد.

ــ وكم يختلف الأمر بين ولد وآخر من حيث استيعاب ما يحصل من حوله؟

- طبعاً يختلف الأمر بين ولد وآخر، واود ان اقول ان القلق لا يظهر على الأولاد كما الكبار، اي ان الولد يبدو أحيانا قلقاً، فيما يكون هناك ولد تشعرين انه يستوعب كل شيء ولا يبدو عليه اي قلق ولكن ربما هو قلق اكثر من غيره، وبالتالي العوارض عند الأولاد ليست مثل العوارض عند الكبار التي نفهمها بكلمة قلق، فالولد اذا كان سعيداً ونشيطاً ويلعب فلربما يكون قلقاً رغم ذلك، اي نحن لا نقدر ان نبحث عن العوارض كما نراها عند الكبار فنقول ان هذا الولد مرتاح او غير مرتاح، فكل الأولاد مثل بعضهم البعض سواء استوعبوا الأمر ام لا، فمن جهتنا ليس علينا ان نقرر كم يستوعبون بل عملنا ان نحميهم، ولاحقاً تتبلور الأمور كما يجب، وليس بالعكس اي ان نقول ان هذا الولد يستوعب وبالتالي سنخبره كل شيء ونتركه يشاهد الأخبار فيما الولد الآخر لا اخبره اذ اعتقد انه سيقلق.

 

دور الأهل بحماية الصغار!

ــ وما هو المطلوب من الأهل في هذه الفترة لحماية الأولاد قدر الامكان مما يحصل في البلد لئلا يؤثر ذلك عليهم؟

- هناك ما يُعرف بـ<Dramatizing> اي اذا كان هناك <دراما> او امر مهول فعلينا ان نقوم بالعكس، اي ان نخفف من القلق قدر الامكان، ولكن لا نقدر ان نكذب على الأولاد ولا يحق لنا ان نكذب عليهم، فالمفروض ان نخبرهم الحقيقة ولكن بطريقة يفهمونها، كمثل اذا توفي شخص ما فنضطر ان نخبر الولد ولكن بطريقة اما تساعده واما تصدمه طوال حياته.

ــ وما هي هذه الطرق؟

- أولاً: يجب ان يكون هناك صدق بالموضوع. ثانياً: يجب ان تكون الكلمات بسيطة ومفهومة. ثالثاً: يجب ان نتكلم قدر الامكان باسلوب بعيد عن عواطفنا وقريب من عواطف الولد كمثل ان نقول له اذا كان هذا الأمر يخيفه انه لا داعي لان يشعر بالخوف. رابعاً: أهم ما في الامر هو ان نستمع للولد ونفسح المجال امامه اذا كانت لديه اسئلة مهما كنا متعبين فالولد يجب ان يُفسح له المجال ليعبّر ويتكلم ويبكي ويغضب.

 

دور المدرسة!

ــ وماذا عن دور المدرسة في هذا الخصوص؟

- المدرسة لديها تقريباً الدور نفسه ولكن على مستوى المجموعة وليس كفرد، فللمدرسة دور بتخفيف السلبية، واذا كان لا بد من تفسير فيجب ان يكون تفسيراً حسب أعمار الأولاد، فمن غير المفروض ان تتكلم الادارة او المعلمات والمعلمون امام الأولاد عن أي موضوع ليس لهم علاقة مباشرة به، والأفضل ان يتحدثوا مع الأهل ليشرحوا لهم بطريقتهم، وطبعاً يجب ان يكون هناك استيعاب في هذه الفترة فالأولاد لا يعيشون الروتين الطبيعي لذا سيؤثر ذلك على نفسيتهم وسيظهر ذلك بتصرفاتهم في المدرسة وقدرتهم على استيعاب الدروس والحصول على علامات جيدة، اي يجب ان يكون هناك نوع من الليونة من قبل المدرسة تجاه الأولاد نظراً للوضع الصعب في البلد، اذ ان الولد ممكن ان يكون بحاجة لتفسير أكثر من غيره وبالتالي يجب اخذ ذلك بعين الاعتبار أيضاً.

 

العوارض عند الأولاد بحال القلق!

ــ وما هي العوارض التي ممكن ان تظهر عند الولد الذي يتبين انه لا يتأقلم مع الوضع أبداً ويشعر بالقلق؟ وهل يجب مراجعة المعالج النفسي عند ظهور اي عارض؟

- هذه العوارض ترتكز على اي تغيير بسلوك الولد سواء كيف يأكل وكيف ينام ويلعب وعما اذا يجلس لوحده الى ما هناك، اي في حال حصول تغيير ملحوظ عند الولد فقد يؤشر ذلك إلى انه يعاني من صعوبة بالتأقلم مع الوضع، وكذلك في حال حصول اي تغيير بالمزاج اي اذا كان متوتراً او غاضباً او ربما يضرب الأولاد، او فجأة بدأ يكسر أشياء من حوله، اي اصبح هناك تغير ملحوظ في سلوكه فتظهر هذه التصرفات. وطبعاً بهذه الحالة يجب استشارة المعالج النفسي، فاذا تساهل الأهل تسوء حالة الولد ولهذا يجب ان يصطحب الأهل ابنهم الى اختصاصي في علم النفس لمعالجته، وبالنسبة للفترة فلا نقدر ان نعرف المدة لأن الأمر يختلف بين ولد وآخر، وأيضاً يتوقف الامر كيف كانت حياة الولد بالأساس قبل هذه الأحداث وكم كان لديه استعداد للتأثر سلباً بسبب أمور حصلت معه سواء في البيت او العائلة وما شابه، ولكن المهم ان يستدرك الأهل الأمر والا يقولوا انه مع الوقت سيتحسن وضع الولد بل عليهم ان يستشيروا المعالج النفسي.