تفاصيل الخبر

مبنى ”البيضة“ الشهير في وسط بيروت كان أول مبنى تجاري في بيروت بناه المهندس جوزيف فيليب كرم...

10/01/2020
مبنى ”البيضة“ الشهير في وسط بيروت كان أول مبنى تجاري في بيروت بناه المهندس جوزيف فيليب كرم...

مبنى ”البيضة“ الشهير في وسط بيروت كان أول مبنى تجاري في بيروت بناه المهندس جوزيف فيليب كرم...

بقلم وردية بطرس

المهندس المعماري جورج عربيد:لاقرار قانون حماية مبنى ”سيتي سنتروغيره من المباني التراثية من الهدم!

 

انه مبنى <البيضة> الشهير في وسط بيروت الذي استرعى انتباه واهتمام الشباب منذ انطلاق الحراك في 17 تشرين الأول (اكتوبر)، وهذا المبنى الذي بناه المهندس المعماري اللبناني البارع جوزيف فيليب كرم في العام 1965 وأطلق عليه تسمية <سيتي سنتر> هو شاهد على الحرب الأهلية الأليمة اذ تعرض للتدمير والتخريب، وبعد انتهاء الحرب لم يُصار الى ترميمه بل بقي مهجوراً ومتروكاً بالرغم من أهميته وخصائصه. وعندما شُيّد في ستينات القرن الماضي كان من المقرر ان يكون جزءاً من مجمع تجاري ضخم في بيروت ولكن الحرب الأهلية (1975- 1990) وضعت حداً لهذه الخطط. ومع بدء عملية اعادة اعمار وسط بيروت بعد الحرب عبر شركات خاصة حولّت معالم الوسط التقليدية الى مبان فارهة، كان هذا المبنى ذو الهندسة اللافتة مهدداً أيضاً بأن يضيع في موجة الترميم. ويقع مبنى <سيتي سنتر> لأصحابه صمدي وصالحة في قلب الوسط التجاري لمدينة بيروت، ويُحيط به شارع بشارة الخوري - شارع الأم جيلاس- شارع المركزية وشارع مار منصور، ولقد استخدمت أحدث الأساليب العالمية لهندسة البناء في تشييد هذا المركز الضخم واستعملت أفضل المواد وأشهرها.

تجدر الاشارة الى ان مبنى <سيتي سنتر> يتكون من ثلاثة أقسام: القسم الأول: خمسة طوابق تحت الأرض مساحتها الاجمالية 22500 متر مربع تقريباً وهذا القسم معد ليكون مرآباً يتسع لألف سيارة. القسم الثاني: سوق تجاري يتألف من ثلاثة طوابق متصلة بعضها ببعض بواسطة سلالم عادية وسلالم كهربائية متحركة ومصاعد كهربائية اذ يحوي 144 محلاً تجارياً، سوبرماركت: مساحتها ألف متر مربع تقريباً، سينما: تتسع لتسعمئة مقعد، مطعماً: مساحته 300 متر مربع تقريباً. اما القسم الثالث فيتألف من ثلاث بنايات الأولى 8 طوابق والثانية 12 طابقاً والثالثة 21 طابقاً وتبلغ المساحة الاجمالية للبنايات الثلاث 13500 متر مربع وتتكون من 800 مكتب تجاري تقريباً.

ومع بدء المظاهرات التي شهدها وسط بيروت دخل المحتجون الى داخل المبنى وشاهدوه عن قرب للمرة الأولى فظهر الى الواجهة من جديد بعد سنوات من الاهمال. ولنعرف أكثر عن قصة مبنى <البيضة> وبماذا يتميز هذا المبنى كان لـ<الأفكار> حديث مع المهندس المعماري جورج عربيد وهو رئيس <المركز العربي للعمارة> الذي يهتم بالعمارة في لبنان، ولقد درّس في جامعة <ألبا> والجامعة الأميركية في بيروت وحالياً يدرّس في الجامعة اللبنانية ــ فرع دير القمر، ونسأله أولاً عن العمارة الحديثة في لبنان التي كانت موضوع اطروحته للدكتوراة في جامعة <هارفرد> فيقول:

- منذ زمن طويل يهمني البحث التاريخي عن العمارة اذ أعددت أطروحة الدكتوراة عن موضوع العمارة الحديثة في لبنان، لأنني كنت ألاحظ من حولي ان هناك مباني مميزة في بيروت، فبيروت مدينة معاصرة اذ معظم المباني بُنيت في القرن العشرين. وللتراث الحديث أهمية لذاكرتنا الجماعية وأهمية لتطورنا كمجتمع ولاعتباره تراثاً. مثلاً مبنى <سيتي سنتر> الشهير بـ<مبنى البيضة> نظراً لشكله البيضاوي في وسط بيروت هو مبنى حديث بُني في الستينات، ولكننا نعتبره ايقونة من مباني بيروت الحديثة لأنه مميز بشكله. وبالتالي ان تاريخ العمارة لا يقتصر فقط على تاريخ العمارة القديمة بل هو أيضاً تاريخ العمارة الحديثة. ولهذا عندما اتخذت القرار بأن اكمل دراساتي واحضّر الدكتوراة في جامعة <هارفرد> في الولايات المتحدة الأميركية بعد سنوات من التدريس والعمل كمهندس معماري، أردت ان اكتب عن العمارة الحديثة في لبنان، كما قمت ببرنامج في جامعة <MIT> يُدعى <History Theory & Criticism> اذ كنت فيها استاذاً باحثاً اذ لم اكن طالباً بل كنت باحثاً زائراً، وبعدما نلت الدكتوراة من جامعة <هارفرد> عدت الى بيروت وذلك في العام 2002، وفي تلك الأثناء كنت قد بدأت أجمع الخرائط والصور والمعلومات وأجري مقابلات عديدة مع المهندسين في التسعينات سجلتها آنذاك على الكاسيت والآن حولّناها على <MP 3> اذ بامكان اي شخص يزور المركز ان يستمع لتلك التسجيلات.

 

<المركز العربي للعمارة>!

وبالسؤال عن انشاء <المركز العربي للعمارة> يقول:

- في العام 2008 أرتأيت وأصدقائي ان ننشىء <المركز العربي للعمارة> الذي هو مرجع للعمارة، وهذه الجمعية غير ربحية، اذ لدينا موقع على <الفايسبوك> ونهتم بالعمارة في العالم العربي ولكن طبعاً نركز أكثر على لبنان، ويضم المركز 27 عضواً (ما بين مهندسين معمارين ومخططين ومصورين)، ويتألف المجلس الاداري من 7 أشخاص، وبالنسبة الينا فان العمارة هي موضوع ثقافي ويجب ان يُفتح النقاش حوله، ويجب ان نبرز خصائص وحسنات العمارة الحديثة لأنه للأسف يحصل هدم لأبنية مهمة جداً، اذ ان عدداً كبيراً من المباني قد هُدمت بسبب اعادة الاعمار وأيضاً بسبب المضاربة العقارية والرغبة بالبناء لأنها مربحة وهذا الأمر موجود في العالم كله، ولكن يجب ان تكون هناك محاولة للحفاظ على المباني التي لها قيمة معمارية مهمة حتى لو كانت حديثة وليست قديمة. وبالتالي من ضمن عمل الجمعية هو التحفيز والمساعدة على بث فكرة الحفاظ على المباني وليس فقط الحفاظ على الوثائق، وبحال لم يتم الحفاظ عليها فأقله ان يُوثّق عنها.

ويتابع:

- لدينا صور لمباني في بيروت ومختلف المدن في لبنان تمثل حقبة الأربعينات والخمسينات والستينات، ولكن الناس لا يعرفون عنها ولا يعتبرونها تراثاً، ولهذا ننشر الكتب ونقيم المعارض ونوزع البطاقات البريدية، ونحاول ان نكون حاضرين عندما يكون هناك نقاش حول موضوع العمارة في لبنان. وطبعاً نحن مع قانون الحفاظ على المباني التراثية وندعو لان تُدرج فيه المباني الحديثة. بالنسبة الي فأعتبر الحل الأمثل لنصل الى نتيجة هو ان تُُؤسس مثلاً مديرية للعمارة في وزارة الأشغال او وزارة الثقافة، اذ يجب ان يكون لدى الدولة مركز أرشيف للعمارة يقوم بوضع لائحة جردة للمباني الحديثة وليس فقط جردة للمباني التراثية والآثار التي تقوم بها مديرية الآثار، وأيضاً يجب ان تدير مديرية العمارة أي شأن يتعاطى بالمباني الحكومية اذ لدينا مبان حكومية منها ما يشكل رموزاً معمارية ويجب ان يُحافظ عليها، مثلاً انظري ماذا فعلوا بمبنى وزارة السياحة اذ ألبسوه قناطر قوس وتيجاناً تراثية وهذا لا يجوز لأنه عكس طبيعة المبنى، فالمبنى حديث اذ بُنى في الستينات وكان جوهرة معمارية صممها الأستاذ عاصم سلام الذي كان من أهم مهندسي البلد، وبالتالي خلال اعادة الترميم لم يتم الحفاظ على خصوصية وروحية وهوية المبنى.

الهوية المعمارية!

وعن الهوية المعمارية يقول:

- عندما نتحدث عن الهوية المعمارية لا يجب ان ننظر الى العمارة كشيء جامد بالزمن، فالهوية متحولة خصوصاً في العمارة، اذ تدخل التقنيات اليها وتتأثر باكتشافات جديدة وبأنماط معمارية دخيلة او غير دخيلة، ويجب ان يقبل التطور والانفتاح والتأثر بمدارس معمارية، ولبنان أفضل مثال على ذلك فاذا اطلعت على الأطروحة التي اعددتها تجدين ان العمارة الحديثة في لبنان متنوعة الأوجه وهي غنية جداً، وان المهندسين المعماريين اللبنانيين تأثروا بالمدارس التي درسوا فيها في مختلف البلدان، وهذا الانفتاح سمح بالتعددية في الانتاج المعماري، وموضوع <سيتي سنتر> هو أيضاً جزء من هذا التأثر الذي هو تأثر ايجابي. وما نقوم به في المركز هو التوثيق، كما لدينا مكتبة عامة انشأناها على الطريقة العلمية للمكتبات العامة وسنضع لائحة الكتب <أونلاين> ليطلع عليها الناس، كذلك لدينا صفحة ناشطة على <الفايسبوك> الى جانب ما نقوم به من خلال المحاضرات، كما ننظم زيارات ميدانية على الأحياء بالمدينة التي تستحق زيارتها، واجمالاً نقوم بها أيام السبت اذ نأخذ مجموعة من 20 او 30 شخصاً بعدما يتسجلون من خلال <الفايسبوك> وليس بالضرورة ان يكونوا مهندسين فالكثيرون منهم هم طلاب هندسة معمارية ومنهم مَن يحبون ان يعرفوا عن الأحياء، ويدير هذه الزيارات الميدانية متخصص في الهندسة المعمارية او مهندس تخطيط مدن او شخص يعرف عن الحي كثيراً، اذ نوزع عليهم منشوراً عن كل حي، كما نقيم نشاطات مع تلاميذ المدارس الذين تتراوح أعمارهم ما بين 11 و 15 سنة اذ نقدم لهم محاضرة عن العمارة وعن دورها في المجتمع وهي محاضرة تفاعلية، وأيضاً نعد الكتب والمنشورات ولدينا قاعدة بيانات للعمارة في لبنان والعالم العربي فيها 500 مبنى و250 معماراً، وهذه تفيد كثيراً الباحثين والطلاب وفيها المراجع.

 

قصة مبنى <سيتي سنتر> او <البيضة>!

ــ وكيف بُني الـ<سيتي سنتر> ولماذا اتخذ الشكل البيضاوي؟ وبماذا يتميز هذا المبنى؟

- يُعرف <سيتي سنتر> او مجمع الصمدي وصالحة بشكل خاص بصالة السينما الكبيرة فيه المطلة على شارع بشارة الخوري في وسط العاصمة تطبيقاً لقوانين تلك الفترة التي منعت اقامة صالات العرض تحت الأبنية لأسباب مرتبطة بالسلامة العامة، ولم يكن لجوزيف فيليب كرم المهندس المعماري والمدني البارع الا ان يرفع الصالة ليكسب أسفلها ببعض المساحات التجارية، اذ بالأساس كان ممنوعاً آنذاك البناء فوق صالة السينما، لأن القانون كان يمنع ان تُقام الأعمدة او البناء فوق الصالة، ولأن المهندس المعماري جوزيف كرم كان بارعاً قال: اذا كان القانون يمنع البناء فوق صالة السينما فانني سأقوم بالبناء تحت الصالة اي سيرفع الصالة وبذلك يربح كل الطابق من تحت لكل من الصمدي وصالحة اذ كانا يحضران أطيب كنافة في البلد. وهذه القصص التي نسردها تعبّر عن خصوصية العمارة اللبنانية المعاصرة، وما ان وضعه تحت الأرض اضطر ان يعطيه شكلاً اذ لا يمكن ان يكون عالياً بدون هذا الشكل، من هنا أتى الشكل البيضاوي اذ وقتها كان رائجاً، اذ كان هناك مهندس معماري الماني اسمه <كيسلر> يبني مباني بهذه الأشكال اي بيضاوية الشكل ولكن أكثرها لم ينفذها، أما هنا في لبنان فكان كل شيء ممكناً اذ كان المهندسون اللبنانيون سبّاقين في هذا الخصوص... وهكذا قام جوزيف فيليب كرم برفعها بشكل بيضاوي لأنه قرر ان يستفيد من الأمتار المربعة من تحتها وبالتالي لا يقدر ان يرفعها ويبقي شكلها من دون ان يكون مميزاً، من هنا واجه طبعاً صعوبات من حيث التنفيذ. ويُعتبر مبنى السينما انجازاً حقيقياً، والسنتر يُدعى <سيتي سنتر> ولكن السينما تُدعى <سيتي بالاس>، وبالرغم من ان اسم دار السينما هو <سيتي بالاس> فسرعان ما باتت تُلقب بـ<البيضة> او بـ<الصابونة> نظراً لشكلها.

ويتابع:

- يضم مبنى <سيتي سنتر> صالة سينما وبنايات مكاتب ومحلات الصمدي تحت السينما، ولقد بُني بجانبه مبنى ولكن هُدم بعد الحرب ولا تزال في الأرض المقابلة التي كان عليها المبنى جورة كبيرة تقريباً بعمق ستة طوابق. بالنسبة لهذا المبنى وأيضاً المباني المهجورة سواء <التياتر الكبير> او <برج المر> او <هولداي ان> فهي تشكل لطلاب العمارة أماكن حلم بالنسبة اليهم ولهذا يعدون مشروع التخرج عن هذه المباني، اذ يستوحي الطلاب من هذه المباني الكثير لأنها مبان مهجورة ولديها روح معينة ويحب الطلاب ان يضخوا فيها حياة جديدة وان يقوموا باعادة تدويرها وانني اشجع ذلك كثيراً، مثلاً عندما كنت أدرّس في الجامعة الأميركية في بيروت كنت اقدم استديوهات للطلاب لاعادة تدوير المباني، وأذكر منها المشروع الجميل الذي قدمه الطلاب بتحويل <أوتيل كارلتون> الى مساكن من أجل الحفاظ عليه اذ بدل هدم المباني يجب اعادة تدويرها لأنها جزء مهم من الاستدامة.

 

بقاء المبنى صامداً!

ــ مرت على هذا المبنى حروب وأحداث مؤلمة ولكن بالرغم من كل شيء لم يُهدم مع العلم انه كانت هناك محاولات عديدة لهدمه وما شابه...

- لحسن الحظ ان المبنى بقي صامداً، ولقد أُنقذ من الهدم بالصدفة اذ ان شركة <سوليدير> خجلت من هدمه ولكن ما قامت به انها قالت لمطوري العقاريين والمتعهدين ان <سوليدير> لا تبيع مساحة أرض بل تبيع مساحات أمتار وبالتالي يحق لهم البناء عليها على أرض معينة ولكن يجب ان يحافظوا على المبنى، اذ ان <سوليدير> ترى المدينة كأمتار مربعة للعمارة وليس كأيقونات، ولكن لحسن الحظ بقي المبنى صامداً وقد لعب الحظ دوره في هذا المجال.

ــ وما الذي سيحمي هذا المبنى؟

- الذي سيحمي المبنى هو قانون حماية يصدر عن وزارة الثقافة وان يُتخذ القرار بأن يدخل هذا المبنى بالجرد العام ويُمنع المس به، ويجب ان يقوم وزير الثقافة بذلك وطبعاً يحتاج للدعم منا جميعنا، وبالتالي على المتظاهرين اليوم الذين يطالبون بحقوقهم ان يطالبوا ايضاً بحماية المباني التراثية بما فيها هذا المبنى الشهير.