تفاصيل الخبر

”مبــادرة حسن الـجــوار“ في ”الجامعــــة الأميركية“ في بيروت ... ”الجــار للجـــار“!

24/11/2017
”مبــادرة حسن الـجــوار“ في ”الجامعــــة الأميركية“ في بيروت ... ”الجــار للجـــار“!

”مبــادرة حسن الـجــوار“ في ”الجامعــــة الأميركية“ في بيروت ... ”الجــار للجـــار“!

بقلم وردية بطرس

هكذا-سيصبح-شارع-جان-دارك

<مبادرة حسن الجوار> في <الجامعة الأميركية> في بيروت انطلقت منذ تسع سنوات وتبنت عبارة لبنانية شعبية شائعة <الجار للجار> لتبين أهمية الجيرة ووضعتها شعاراً لنشاطاتها وأهدافها التي تستجيب لأولويات سكان منطقة رأس بيروت من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة حول مواضيع تتراوح بين البيئة الحضرية والاجتماعية والتنوع. وتضع المبادرة طاقات الجامعة كلها (الفكرية والبشرية) لتعزيز الصالح العام لمنطقة رأس بيروت، ما يساهم بدوره في تعزيز حيوية الأحياء المجاورة وتنوعها من خلال نشاطات تواصل وأبحاث متعددة الاختصاصات، وهذا ما يجعل مهمة المبادرة مرآة لمهمة الجامعة ككل في ابراز أهمية المسؤولية المدنية في التعامل مع القضايا المحلية.

 

منى الحلاق وانطلاق المبادرة

مشاريع <مبادرة حسن الجوار> عديدة ولنطلع عليها كان لـ<الأفكار> حديث مع مديرة <مبادرة حسن الجوار> المهندسة المعمارية الناشطة في مجال الحفاظ على التراث منى الحلاق (وهي خريجة <الجامعة الأميركية> في بيروت، وحائزة الماجستير من ايطاليا)  وتستهل حديثها قائلة:

- منذ العام 1990 ولغاية اليوم أعمل للحفاظ على الأبنية التراثية في بيروت، فبالنسبة الي بيروت ليست مدينة عادية بل انني مرتبطة بها كثيراً كوني ابنة بيروت، كما انه لا يهمني ان اعيش فقط في هذه المدينة بل يهمني ان أحسّن فيها. ومنذ تخرجت في العام 1990 اي مع نهاية الحرب الأهلية التي خلّفت الدمار والخراب في وسط بيروت، كان احد أهدافي الحفاظ على ما تبقى من أبنية تراثية بما يشمله التراث الحديث. وبينما أقوم بعملي كمهندسة معمارية، أدافع أيضاً عن الأبنية التراثية ومنها <مبنى بركات> الذي اهتممت به منذ العام 1994، واليوم بعد مرور 23 سنة لا أزال أعمل للحفاظ على هذا المبنى وسأظل أتابع الموضوع الى ان يصبح <بيت بيروت> متحفاً حقيقياً.

وتابعت قائلة:

- منذ سنة كنت أساعد والتقي مع <مبادرة حسن الجوار> التي أسستها <سنتيا منتي> مع رئيس الجامعة الأسبق <جون واتربري> في الجامعة منذ تسع سنوات. وتطورت هذه المبادرة. وعندما قررت <سنتيا منتي> ان تغادر في العام 2006، وكوني كنت ولا ازال على علاقة خاصة مع <الجامعة الأميركية> في بيروت اذ انني اعيش في محيط الجامعة في شارع عمر الداعوق، شعرت انه يجب ان يكون هذا عملي الحقيقي والرئيسي، وعندئذٍ تقدمت بطلب للاهتمام بهذه المبادرة، واليوم انني مديرة <مبادرة حسن الجوار> وتعمل معي المنسقة حياة جبارة، اذ ان الفكرة اننا لا نحتاج الى عدد كبير من العاملين، لان ما يهمنا ان نشغّل موارد الجامعة من بشرية وفكرية ومادية، اي الطلاب والأساتذة والعاملين. الهدف من ذلك ان الموارد البشرية والفكرية الموجودة في الجامعة كعلم وأبحاث، والموارد المادية اي المباني والشجر وفعلياً الدعم المادي هو لتحسين الجوار، وبتحسين الجوار نعني اي مشكلة موجودة في منطقة رأس بيروت بدءاً من الجامعة وصولاً الى الصنائع والبحر (جهة عين مريسة) وامتداداً من الروشة باستثناء وسط بيروت، فهذه المنطقة الجغرافية متاخمة للجامعة ولها علاقة عضوية بالجامعة لأنها تأسست في هذه المنطقة، وبسبب الجامعة نمت المنطقة أكثر، وكذلك بسبب الطابع الجغرافي والاجتماعي لرأس بيروت، استطاعت الجامعة ان تعيش لأن لها طابعاً مختلطاً ومنفتحاً يختلف عن بقية المناطق. ونحن لدينا واجب أدبي تجاه هذه المنطقة يتمثل بأن تساهم الجامعة بتحسين المعيشة فيها وتحسين العمران وحل مشاكلها البيئية، وحل مشاكلها من جهة ازمة السير لان هناك نقصاً بمواقف السيارات، وحل مشكلة النفايات بما يتعلق باعادة التدوير، وحل مشكلة تفريغ المنطقة من سكانها، اذ نظراً للهجمة العمرانية التي توقفت الان نوعاً ما، ولكن على مدى عشرين سنة الماضية أجبر أهل المنطقة خصوصاً الذين كانوا يسكنون في بيوت قديمة ان يتركوا بيوتهم لتُبنى مكانها أبراج ويسكن فيها ذوو الدخل المرتفع، وبذلك فقدت المنطقة أيضاً الكثير من مبانيها الأثرية. كما نهتم بمبادرات لتشجير المنطقة، وتشجيع الناس على الزرع والتشجير في الممرات والأرصفة والشرفات، مما يعني أن اي مشكلة بالمنطقة نعود بها للجامعة ونلتقي بالأقسام التي تُعنى بحل هذه المشكلة، فنطرح المشكلة على هذه الأقسام، اذ يهمنا ان يكون البحث والعمل متعدد الاختصاصات لكي تعمل الجامعة بكلياتها لحل مشاكل المنطقة وليس عبر قسم معين.

رئيس-بلدية-بيروت-جمال-عيتاني-في-لقاء-مع-مبادرة-حسن-الجوار-في-شارع-جان-دارك  

مشروع لصيادي عين مريسة

ــ  وماذا عن مشروع لصيادي عين مريسة؟

- انه من ضمن مشاريعنا الأساسية الجديدة الذي سنطرحه، اذ نفكر ان نجمع تاريخاً شفوياً لصيادي عين مريسة لأن عين مريسة تكوّنت من الصيادين وبالتالي سنجمع تاريخهم الشفوي ونجري مقابلات مع الصيادين وندرس وضعهم الاقتصادي حالياً، والى اي مدى نقدر ان ندعمهم من خلال خلق توعية للمجتمع المحيط. فعلياً ان وضع صيادي بيروت سيئ لأنه ليس هناك سوق سمك، ولأنه ليس هناك اهتمام بمرافىء بيروت، علماً أن هناك أربعة مرافىء: عين مريسة، جل البحر، المنارة، والدالية (الدالية مهددة ان تُغلق نهائياً)، وسنجري هذه الدراسة ولن نتحدث عن التاريخ الشفوي فقط، بل نعمل من أجل التوعية ولدعم الاقتصاد، واذا كان علينا ان نحسّن المرافىء فسنرى من يمكن ان يقوم بالمشروع لتحسينها، وسنقصد المكتبة لأننا سنجمع أرشيفهم، وبالتالي اكثر من اختصاص يتعاون في خصوص هذا المشروع. طبعاً سنتحدث مع الصيادين ومع التعاونيات وأيضاً مع بلدية بيروت ووزارة الأشغال اي ان عملنا سيكون في ربط الجامعة بأهل المنطقة وبالمؤسسات الحكومية المسؤولة عن طرح المشاكل وحلها. الان ولمدة ستة أشهر سنعمل على هذا المشروع وبعدها سيتطلب جهداً لتنفيذه. أود ان اذكر هنا انه منذ شهرين توفي صياد يدعى ابراهيم نجم وهو من سكان عين مريسة وكان لديه متحف صغير، كما انه كان غطاساً وقد جمع طوال حياته الكثير من جواهر البحر ووضعها في غرفة وحافظ عليها،  كما لديه مجموعة من الصور وسنحاول ان نقوم بأرشفة هذه المجموعة في مكتبتنا لتصبح متاحة للعامة وليصبح هناك ما نسميه بـ<متحف الحي> او <المتحف المجتمعي> والذي سيحتاج للعمل والدعم المادي.

 

<الجدران الخضراء>

 

ــ  هلا حدثتنا عن مشروع <الجدران الخضراء>؟

- كما يعلم الجميع انه تم اطلاق اول <Botanic Garden> او حديقة نباتية في <الجامعة الأميركية> في بيروت حيث بامكان الزائر ان يتعرف على تاريخ كل شجرة. وتعمل كلية الزراعة وكلية هندسة الحدائق (تصميم الحدائق) مع مدارس المنطقة لنعلم التلاميذ ما يُعرف بـ<الجدران الخضراء> اذ ليس كل عائلة لديها حديقة، وبالتالي نعلمهم ان يزرعوا الخضراوات على حائط بعمق 10 سنتمتراً، وبعد شهر ونصف الشهر بامكانهم ان يعدوا السلطة مستخدمين الخضراوات التي زرعوها مثل الروكا والزعتر الأخضر والبقدونس. لقد بدأنا مع مدرسة <انترناشونال كوليدج> وطلبنا من كل مدرسة خاصة ان تدعم مدرسة رسمية، وبالفعل مدرسة <انترناشونال كوليدج> ستدعم <مدرسة جابر أحمد الصبّاح>، وكذلك <ثانوية السيدة الارثوذكسية> ستبدأ بالمشروع أيضاً... كما نعمل على دعم الأطفال الذين يعملون في السوبرماركات او المحلات في المنطقة، والذين لم يتسن لهم الذهاب الى المدرسة، اذ حاولنا ان نخلق زاوية للقراءة بحيث يتطوع طلاب الجامعة ليعلّموا هؤلاء الأطفال القراءة، اذاً هذا دعم معنوي وممكن ان يدفعهم للعودة الى المدرسة، وبالتالي نعمل مع جمعية <انا أقرأ> لتحقيق هذا الهدف، فالطالب يكتسب الكثير من خلال تعليم الأطفال القراءة ومن جهة أخرى نقوم بذلك لتعزيز المواطنة.

<حائط الخير>

ــ  وماذا عن مشروع <حائط الخير>؟

- لقد نُفذ <حائط الخير> استكمالاً للمبادرة التي بدأت في محلة <السوديكو> ولم يكتب لها طول العمر، ولكنها مستمرة على حائط المكتبة الطبية في شارع عبد العزيز. وهو ليس مجرد نقطة لوضع الألبسة والأحذية لمن يحتاج اليها، بل أصبحت نقطة تبادل و <اخد وعطاء> بين سكان الحي، اذ ان خريجي الجامعة قاموا بهذه المبادرة ووضعوا التعاليق على طول الحائط وهكذا راح الناس يعلقون الثياب والأحذية على الحائط. وأذكر هنا انه منذ فترة قدم شخص من لندن حاملاً معه 50 كيلو من الثياب وعلقها على هذا الحائط، وأيضاً هناك شخص آخر من سنغافورة حمل معه 32 كيلو من الثياب وعلقها على الحائط.

 

شارع <جان دارك> النموذجي

مديرة-مبادرة-حسن-الجوار-المهندسة-المعمارية-منى-الحلاق-مع-رئيس-الجامعة-الاميركية-في-بيروت-الدكتور-فضلو-خوري للمشـــاة في بــيروت

 

ــ  وما أهمية مشروع شارع <<جان دارك>>؟ وكيف انطلقت الفكرة؟

- هو أهم مشروع أقيم على أيام الدكتورة <سنتيا منتي> والدكتور منير مبسوط من كلية الهندسة والدكتور ربيع شلبي، اذ تعاونوا معاً وأطلقوا فكرة شارع نموذجي للمشاة في بيروت واختاروا شارع <جان دارك> لانه شارع حيوي بين شارع بلس والحمراء، وتقدمت <الجامعة الأميركية> في بيروت بدراسة كيف سيكون هذا الشارع صديقاً للمشاة، وصديقاً للمسنين، وصديقاً للبيئة. الاقتراح هو التالي: الغاء صف من المواقف المدفوعة على الجهة الغربية واستبداله برصيف عريض، اذ أصبح عرض الرصيف ثلاثة أمتار ونصف المتر بما يسمح أن يكون الرصيف ممراً آمناً، وهذا الممر يبدأ من شارع بلس وينتهي في الحمراء ولا يعترضه اي عمود ولا اشارة مرور وذلك لتسهيل مرور المشاة وعربات الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. ولقد استخدم بلاط مختلف عن بقية البلاطات لكي يعرف الناس انهم لا يقدرون ان يركنوا سياراتهم هناك ولا حتى الدراجة النارية. وأيضاً هناك ما يُسمى بالتقاطعات المرتفعة، اي يتقاطع شارع <جان دارك> مع الشوارع المتقاطعة معه اي أن الشارع نفسه لديه مستوى تقاطعي، فعندما يمشي الانسان على الرصيف لا يضطر ان ينزل الى الشارع ليعاود المشي على الرصيف. وبعد شهر ونصف الشهر سيكون المشروع جاهزاً وطبعاً سيكون هناك مقاعد على طول الخط وأيضاً مرتكزات من الحديد لكي يتكأ عليها المسنون او اي شخص، ولأننا لغينا مواقف السيارات، فبالتالي يقدر المسنون ان يمشوا بسهولة، وسيكون هناك اضاءة صديقة للبيئة أيضاً. اذاً هذا المشروع تقدمت به الجامعة كتصميم لبلدية بيروت، ولقد انطلقت الفكرة في العام 2011 وتطلب الأمر وقتاً لغاية العام 2016 لحين الموافقة على المشروع، وتم البدء بتنفيذه في صيف 2017 وسينتهي قبل آخر السنة. وفي الأمس كان لنا لقاء مع رئيس البلدية جمال عيتاني لنطلعه على مشاكل الناس وهواجسهم وما شابه. وبذلك سيكون شارع <<جان دارك>> أول شارع نموذجي في بيروت صديق للمشاة، ونأمل من اطلاق هذه الفكرة ان نؤثر على مؤسسات أخرى، فكل مدرسة او جامعة او مؤسسة تقدر ان تحسّن الشارع الذي تقع فيه وبذلك تتحسن المنطقة ككل.

ــ  وماذا عن التكاليف؟

- لقد وصلت كلفة هذا المشروع الى مليون ونصف المليون دولار، وتكفلت بلدية بيروت بالمصاريف، من جهتنا قدمنا التصميم وطبعاً بدون مقابل وبحرفية عالية لأن هذا الشارع لن يصبح ممراً آمناً فحسب بل سيصبح مقصداً للناس اي بامكان الناس ان يمشوا في <شارع جان دارك> بارتياح، وأعتقد ان هذا المشروع مهم وسيستفيد منه الناس كثيراً.

ــ  هل لديكم مشاريع داخل بيروت ام ان نشاطكم محصور ضمن محيط <الجامعة الأميركية> في بيروت؟

- تمتد دراساتنا لشارع <سبيرز> بمعنى شارع ضمن هذه المنطقة. بدأنا بشارع <جان دارك> ووصلنا الى الحمراء، وبدراسات اعادة تأهيل الأبنية القديمة نقدر ان نصل بالمشروع الى الصنائع... بالنسبة الينا فكما هو شعار المبادرة <الجار للجار> فنحن نمارس حسن الجوار بالفعل وليس بالكلام فقط، ويمكن القول ان الجامعة ساهمت بان تكون منطقة رأس بيروت اكثر قابلية للعيش والاندماج، فشارع <جان دارك> سيصبح شارعاً نموذجياً لانه سيكون صديقاً للمشاة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة كما ذكرنا. و<الجامعة الأميركية> في بيروت تساهم في خدمة المحيط والمجتمع، فهي لا تدّرس طلابها فحسب بل تدفعهم للتفاعل مع المحيط والا يبقوا خلف الجدران بل أن يكونوا على علاقة مع الجوار. وأذكر هنا مشروعاً يُدعى <صوت وصمت> شاركت فيه تسع كليات اذ تعاونت هذه الكليات وصممت غرفاً صامتة بداخل الجامعة وطُلب من الناس ان يدخلوا اليها ليُعرف ما اذا كانوا سيرتاحون من ضجيج الشوارع المحيطة بالجامعة، ومن بين هؤلاء الناس كان شخص يقيم بالقرب من البارات في الحمراء ويتضايق من الضجيج الصادر من البارات، وعندئذٍ قام فريق من الطلاب بقياس الصوت على مدة شهر وتبين ان الصوت مرتفع خارج الاطار الطبيعي، وعندما سجلوا التقرير ورفعوا دعوى على البارات أجبروها بعدما صدر حكم قضائي على تخفيض الصوت، وبناء على هذه الدراسة قامت البارات بوضع الزجاج المزدوج للعزل، وفي حال خالف احدها ذلك يتم إلزامها بدفع غرامة قدرها 4 آلاف دولار، وبالتالي تخيلي كيف ان مشروعاً قامت به الكليات في <الجامعة الأميركية> في بيروت ساهم بحل هذه المشكلة.