تفاصيل الخبر

مـــــــاذا تريـــــــد ”ماريــــــن لوبــــــــان“ ومــــــاذا يريـــــــد مـحمــــــود عبــــــاس مــــن... لـبـــــــنـان؟

23/02/2017
مـــــــاذا تريـــــــد ”ماريــــــن لوبــــــــان“ ومــــــاذا يريـــــــد مـحمــــــود عبــــــاس مــــن... لـبـــــــنـان؟

مـــــــاذا تريـــــــد ”ماريــــــن لوبــــــــان“ ومــــــاذا يريـــــــد مـحمــــــود عبــــــاس مــــن... لـبـــــــنـان؟

 

بقلم وليد عوض

Marie-le-pen-2

يقول أبو العلاء المعري شاعر معرة النعمان: كل شهوري عليّ واحدة لا صفر يتقى فيها ولا رجب>، وزاد <ألا إنما الأيام أبناء واحد وهذي الليالي كلها أخوات فلا تطلبن من عند يوم ولا غدٍ خلاف الذي مرت به السنوات>. إلا أن يوم الثلاثاء 21 شباط/ فبراير الجاري، كان يوماً مختلفاً، كان يوماً مصيرياً في تاريخ لبنان لأنه كان الحد الفاصل بين مرحلة سياسية انتخابية بدأت عام 1960، و21 شباط/ فبراير 2017. لقد ظل لبنان بدون قانون انتخابات منذ العام 2008، ومدّد مجلس النواب لنفسه مرتين، خلافاً لكل عرف متبع في العالم.

ومثلما كان اتفاق الطائف زلزال خير في حياة اللبنانيين، كذلك كان يوم الثلاثاء 21 شباط/ فبراير 2017 حالة تغيير في حياة أهل لبنان، إذ كان عليهم أن يختاروا برلماناً جديداًومن يستحق العودة إليه بالإرادة الشعبية فليعد... برلمان جديد بالمعنى النوعي يتماشى وروح التغيير التي جاءت مع الرئيس ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ومعها حرب على الفساد المستشري في الدوائر الحكومية، والتي لا تغيب عن أحاديث رئيس الجمهورية مع الزوار الوافدين.

وأهمية الزائرة <مارين لوبان> رئيسة الحزب اليميني الفرنسي المتطرف <الجبهة الوطنية> انها غير ممسوكة الجانب، فلا جسور تربطها بوالدها رئيس الحزب السابق <جان ماري لوبان> ولا تناولتها فضيحة جنسية كالتي تناولت الرئيس الأميركي الجديد <دونالد ترامب> أو فضيحة مالية كالتي تناولت الرئيس الفرنسي السابق <نيقولا ساركوزي> لكونه مشبوهاً في صفقة مالية مع الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2013، بل انطلقت من حرب على الفساد و<فرنسا نظيفة> و<فرنسا  أولاً> فكان هناك عدم القدرة على الإمساك بجانبها.

وتزور <مارين لوبان> لبنان، لا لتطمئن فقط على أحوال الجالية الفرنسية ولا الفرقة الفرنسية في <اليونيفيل> في الجنوب والمجتمع المسيحي، بل كذلك لتسويق اسمها في انتخابات الرئاسة الفرنسية المتزامنة مع الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقبلة، وتزيين صورتها كمرشحة لاحتلال قصر <الإليزيه>، فيكون المستقبل السياسي مستقبل حكم للنساء. فـ<أنجيلا ميركيل> في ألمانيا قوة أوروبا الاقتصادية، و<تيريزا ماي> ترشح نفسها لتكون <مارغريت تاتشير> الجديدة، و<مارين لوبان> أول رئيسة فرنسية واستطلاعات الرأي تمنحها هذا الحظ.

وتهتم <مارين لوبان> بالوجه الاقتصادي لفرنسا قبل الوجه السياسي، وهي تراه توأماً له، ومن شعاراتها <اعداد عملة وطنية تنسجم وطبيعة الاقتصاد الفرنسي ومصلحة المتقاعدين أو المحالين على المعاش  الذين كما يقول أخواننا المصريون قد تهمشوا الى حد كبير  في عهد <نيقولا ساركوزي> وعهد <فرانسوا هولاند>، فلن يكونوا كذلك مع <مارين لوبان> التي ترتفع فرصتها للوصول الى الرئاسة بنسبة 27 بالمئة من أصوات الفرنسيين وهي تقول بجعل سن التقاعد ستين عاماً لا أكثر، وبذلك تفتح الأبواب على مصراعيها أمام أجيال جديدة في دوائر الدولة.

 

الاستثمار في سوريا

 

تأتي <مارين لوبان> الى لبنان لتجديد الصلات السياسية والاقتصادية بين فرنسا ولبنان، وتجميع رجال الأعمال الفرنسيين حول مشاريع الاستثمار في لبنان، وتغطية المشاريع المطلوبة لإعادة إعمار سوريا، بعدما يتوصل النظام السوري والمعارضة السورية الحرة، الى الاتفاق على فترة انتقالية قد يكون فيها الرئيس بشار الأسد أو لا يكون، وإعادة إعمار سوريا هي اللعاب الذي يسيل من أفواه رجال الأعمال الفرنسيين المستثمرين ومنهم صاحب مزارع <الطيور والماشية> <جيروم فيركارد> وغيره من أصحاب الشركات التي تتجاوز رساميلها عتبة الخمسة مليارات يورو.

فرنسا اليمين المتطرف تريد من لبنان أن يكون ساحة لمشاريعها الاستثمارية ونقطة انطلاق لإعادة بناء سوريا. وما أكثر الورش المعدة لإعادة البناء في سوريا، بعدما يؤتي السلام الآتي من مؤتمر جنيف الى سوريا أكله بدون نار أو صدامات نارية. وسيكفل السلام في سوريا كل من روسيا وايران وتركيا، شرط أن يضمن الجانب التركي عدم بناء دولة مستقلة للأكراد، لأن ذلك يعني سلخ قسم حيوي من تركيا، وهذا ما يدركه وزير الخارجية الأميركي الجديد <ريكس تليرسون> الذي يمثل الولايات المتحدة في التعاطي مع مؤتمر جنيف، ومع كسر شوكة المعارضة، لأن سوريا الجديدة لن تقف على قدم إلا بسقوط سلاح المعارضة، واجتماع المعارضين حول طاولة واحدة، ولا فرصة لإسقاط سلاح المعارضة السورية إلا بحل سياسي تتبناه الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا. وها هو وزير الخارجية الفرنسي <جان مارك ايرولت> يقول ان مشروع المصالحة الوطنية السورية يتطلب تفاهماً فرنسياً - روسياً وإلا فالسلام لن يأتي.

ولم تترك <مارين لوبان> بيروت بدون إثارة مشكلة. فعند وصولها الى دار الفتوى في التاسعة من صباح الثلاثاء الماضي، أخبرها المستشار الصحافي خلدون قواص بضرورة اعتمارالحجاب، كما هو <بروتوكول> دار الفتوى، فرفضت الطلب وقالت: <لقد قابلت شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ولم يلزمني أحد باعتمار الحجاب. وأنا آسفة، لن أعتمر الحجاب لمقابلة سماحة مفتي الجمهورية>.

وهذه غلطة سياسية ارتكبتها ضيفة لبنان المرشحة لرئاسة فرنسا.

وبدون حجاب توجهت <مارين لوبان> الى معراب للقاء الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية.

وقد أتت تصريحات السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله يوم الخميس الماضي ضد الولايات المتحدة في عرقلة التحضيرات لمؤتمر جنيف الذي يشبهونه من حيث الهدف بمؤتمر الطائف الذي أنهى حرب لبنان وفتح الطريق لمرحلة عيش جديدة في لبنان. ومؤتمر جنيف هو المعجم المطلوب لفك أسر الشعب السوري، وهو الآن الأمل المرتجى لإنهاء حرب سوريا.

ومأزق مؤتمر جنيف هو الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، فهل مسموح باستمراره في السلطة خلال الفترة الانتقالية التي يعدها مؤتمر جنيف بدعم روسي ألماني ايراني أو تركي أو أن المستقبل السياسي السوري غير قابل لاستيعاب نظام الرئيس الأسد؟ ويلعب وزير الخارجية الألماني الجديد <زيغمار غابرييل> دوراً طليعياً كالدور الذي لعبه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر الطائف عام 1989، أي تهدئة خواطر كل الفرقاء واستخلاص الآراء لعقد اتفاق الطائف.

وذات مرة قبل دخول <نابوليون> معركة <اوسترليتز> في مونروفيا سئل: <كيف تصف الحرب يا سيدنا الامبراطور>؟ فكان جوابه قاطعاً: <أولاً المال ثانياً المال ثالثاً المال>، فمن يمول الفصائل المتحاربة في سوريا؟

قوة خليجية متهمة بتمويل فريق من المعارضة السورية، وفريق آخر متهم بتلقي التمويل والتسليح الأميركي، وفريق ثالث مدعوم بالسلاح الإيراني، وحين ينقطع التمويل بالسلاح والمال الآتيين من الأطراف الخارجية تنفتح طريق السلام أمام السوريين. ولا سلام بدون أمل.

وما يسري على <مارين لوبان> ينسحب كذلك على زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أن يسلم دفة القيادة الفلسطينية عبر منظمة <فتح> أم <الكفاح الفلسطيني> ولو لعام واحد من بعده الى محمود العالول القيادي في حركة <فتح>، تلبية لطلبات خلافته التي كانت موضوع مطالبة من كثيرين في حركة <فتح>، وهو مقدمة لاستحداث منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية بعد تعديلات يحدثها المجلس الوطني (البرلمان الفلسطيني) على النظام الفلسطيني الأساسي. وهناك اتجاه الى تعيين نائب ثانٍ للرئيس الفلسطيني كما كان حال الرئيس المصري جمال عبد الناصر قبل نكبة أو نكسة حزيران/ يونيو 1967. وكانت أوساط شعبية قد توقعت أن يسند منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية للأسير الفلسطيني المتقادم العهد مروان البرغوتي بعد حصوله على أكثر عدد من الأصوات في انتخابات اللجنة المركزية لمنظمة <فتح>.

وهذه الثغرة في عملية اختيار نائب رئيس السلطة الفلسطينية دفعت السيدة فدوى البرغوتي زوجة القيادي الأسير مروان البرغوتي الى رفض اختيار العالول نائباً للرئيس بعدما كانت أشرعة حركة <فتح> تتجه الى اختيار زوجها نائباً للرئيس، إلا أن أوساطاً في حركة <فتح> لم ترَ في إسناد رئاسة السلطة الفلسطينية الى أسير عملاً مقبولاً ويناهض عدة اعتبارات.

وكان العالول، بعد اتفاق <أوسلو> عام 1994 قد أسند إليه منصب محافظ مدينة نابلس ثم انتخب عضواً في المجلس التشريعي الى جانب الوزير السابق خليل الوزير وتولى بعد اغتيال الأخير أمانة سر لجنة الأرض المحتلة. وكان هذا التدبير أو الترتيب متأثراً بانتخاب الرئيس الأميركي الجديد <دونالد ترامب> من حيث عدم خضوعه الكلي لاسرائيل مثل باقي الرؤساء ولا يزال هناك رهان على ايجابية الرئيس <ترامب>، حتى بري-روحاني-ولو اعترض على مشروع الدولتين وأعلن اتجاهه الى إنشاء الدولة الواحدة.

ولعلها المرة الأولى التي يواجه فيها رؤساء جمهورية لبنان اسرائيل بمثل هذا الموقف الحازم حين تصدى الرئيس ميشال عون لمندوب اسرائيل في جمعية الأمم المتحدة <داني دانون> بعدما هاجم القرار الأممي 1701 واتهم لبنان بعدم تطبيقه وتعريض أمنه الجنوبي للخطر. وفي جلسة مجلس الوزراء يوم السبت الماضي، وكانت مخصصة أصلاً لمشروع الموازنة، أدرك رئيس الوزراء سعد الحريري بأنه أمام مشكلتين تضغطان على أهل الحكم في لبنان: الأولى قضية العساكر اللبنانيين المخطوفين من عرسال دون أن تهتدي الدولة اللبنانية الى مكانهم ويتلهف أهاليهم الى معرفة مصيرهم، والثانية من المشاكل هي المواجهة التي أحدثها الرئيس ميشال عون ضد اسرائيل معتبراً أن دولة العدو، لا لبنان، هي التي لا تتقيد بالقرار الأممي 1701. على المشكلة الأولى أطلق من جلسة مجلس الوزراء ثلاثية <الأمان التي هي الدولة، والعرب والقرار 1701>، ولم يهاجم حزب الله وحسم بذلك الجدل حول الاشتباك السياسي القائم بين لبنان واسرائيل، وفي الرد على لهفة أهالي المخطوفين حيال أبنائهم، وهي مشكلة ستدخل في صلب انتخابات أيار/ مايو المقبل، أعلن عبر مجلس الوزراء تخصيص جائزة بقيمة ربع مليون دولار لمن يقدم معلومات عن العسكريين المخطوفين، وبذلك أخرج مجلس الوزراء من دائرة مشكلتين ستكونان جزءاً لا يتجزأ من معركته الانتخابية في أيار/ مايو المقبل على مستوى كل لبنان دون تفريق.

 

31 اكتوبر مع ... التحيات

 

ويدرك الرئيس سعد الحريري أن هناك من ينفخ في مزمار تباين الرأي بين الرئيس عون ورئيس الوزراء، ليتعاطى مع هذا الخلاف في الرأي بعيداً عن الاختلاف السياسي بحيث يدخلان الانتخابات النيابية بجبهة واحدة باسم كل لبنان.

وكان يوم الثلاثاء الماضي 21 شباط/ فبراير هو نقطة لقاء الرئيسين إذا لم نقل نقطة التقاء السلطات التنفيذية والتشريعية، فلا يدخل الرئيس نبيه بري الانتخابات وهو على خلاف مع الرئيس ميشال عون كما كان الرئيس صبري حمادة عام 1970 على خلاف مع الرئيس فؤاد شهاب والحلف الشهابي. انتخابات باسم كل لبنان، ومن يتولى التخريب على الانتخابات إنما يخرب على المصالحة الوطنية التي جاءت مع الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا، ولولا مجيء الرجل الى هذا القصر الرئاسي، وانقلاب الموازين لصالحه، لما شهد لبنان هذا الجو من الوفاق الوطني والتوافق.

إنه يوم 31 تشرين الأول/ اكتوبر وقولوا ماذا حصل في ذلك اليوم أقل منذ الآن من هو رئيس جمهورية لبنان عــــــام 2022، وتحييــــــه عشرون طلقـــــــة مدفـــــع اعترافاً بدولة لبـــــنان الكبير الذي يكمل مئويته في الأول من أيلول/ سبتمبر 2020.

فهل يكون لنا قانون انتخاب جديد أم ندخل في مرحلة من العتمة والظلام؟ ذلك هو الهم الآتي مع التلهف الى قانون انتخابي جديد... وصلّوا من أجل الصيغة اللبنانية.