تفاصيل الخبر

ماذا تريد الصين مقابل العشرين مليار دولار التي رصدتها للشرق الأوسط؟!

13/07/2018
ماذا تريد الصين مقابل العشرين مليار دولار  التي رصدتها للشرق الأوسط؟!

ماذا تريد الصين مقابل العشرين مليار دولار التي رصدتها للشرق الأوسط؟!

بقلم خالد عوض

في عام ٢٠٠٩ ارتفع مجموع المساعدات والقروض الصينية إلى دول العالم من ١٣ مليار دولار سنويا إلى ٧٠ مليار دولار متجاوزا لأول مرة ما تقدمه الولايات المتحدة سنويا وهو ما يقارب ٣٥ مليار دولار. في السنة نفسها أعلنت الصين عن حزمة مالية لأفريقيا قدرها عشرة مليارات دولار لثلاث سنوات ثم زادتها إلى ٢٠ مليار دولار عام ٢٠١٢ وأصبحت اليوم تقارب العشرة مليارات دولار سنويا أي ثلاثة أضعاف ما بدأت به . منذ أيام أعلن الرئيس الصيني <شي جين بينغ> عن حزمة قروض إلى الشرق الأوسط تبلغ ٢٠ مليار دولار إلى جانب منح ومساعدات بقيمة ١٠٦ ملايين دولار، منها ١٥ مليون دولار لفلسطين والباقي لسوريا واليمن والأردن ولبنان. ماذا يعني كل هذا الدفق المالي الصيني الذي لم يعد بإمكان الولايات المتحدة مجاراته؟

يختلف الأسلوب الصيني في التعامل مع دول العالم عن الأسلوب الأميركي والأوروبي. السياسة الخارجية الصينية مبنية على مبدأ القوة الناعمة (Soft Power) أي تمدد النفوذ من دون أي تحد سياسي أو ضغط عسكري أو تعليمات اقتصادية أو مالية. عناصر سياسة القوة الصينية الناعمة متعددة، فهي تقوم أولا على فهم عميق لثقافة الدولة المعنية بالقروض والمساعدات وعلى الإصغاء الجيد إلى مسؤوليها لفهم التوجه العام للبلد. وثانيا على عدم التدخل في شؤونها الداخلية أو فرض أجندة سياسية معينة. أما العنصر الثالث والأهم فهو تنموي. القروض الصينية تنصب على تطوير عناصر النمو الاقتصادي في البلد الذي توجه إليه اموالها وتركز على مشاريع البنية التحتية والنقل والاتصالات لبناء ركائز الاقتصاد. ماذا تريد الصين في المقابل؟

لا شك أن لدى الصين أهدافا سياسية عامة منها مثلاً الإقرار بالصين الدولة الواحدة أي عدم الإعتراف بـ<تايوان>، وهي تنتظر هكذا موقف من الدول المتلقية من دون أن تفرضه. ولكن الهمّ الصيني الأول والأخير اقتصادي ومتعدد الأوجه. هناك الجانب الزراعي حيث تبحث الصين عن مصادر مستدامة لتوفير الغذاء إلى سكانها الذين تجاوز عددهم المليار وأربعمئة مليون نسمة والذين لا يمكنهم الاعتماد فقط على الزراعة الداخلية. وهناك الوجه الصناعي لأن الصين بحاجة إلى معادن متعددة لصناعاتها، وهذه أيضا ليست موجودة في الصين بالكميات الكافية لتأمين استمرار النمو الصناعي الصيني. ويبقى الجانب التجاري الاستراتيجي لأن الصين بحاجة إلى أسواق لتصريف منتجاتها من أجل المحافظة على النمو الاقتصادي. الاقتصاد الصيني لا زال ينمو بمعدل ٦,٨ بالمئة متحديا كل توقعات الخبراء الاقتصاديين، الذين ظلوا يؤكدون أن النمو الاقتصادي الصيني لن يصمد فوق ٦ بالمئة بعد ٢٠١٥. وفي ظل تصعيد الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> للمواجهة التجارية معها، تزداد حاجة الصين إلى أسواق جديدة وإلى حصة أكبر في الأسواق العالمية. وأخيرا تتطلع الصين إلى مردود لفائضها المالي الذي يتجاوز ثلاثة آلاف ومئة مليار دولار، ولذلك هي بحاجة إلى تنويع محفظتها الاستثمارية في كل العالم لتفادي المزيد من الاعتماد على سندات الخزينة الأميركية.

باختصار، الصين تأتي بالمال السيادي وتأخذ مقابله موارد استراتيجية.

إعلان الرئيس الصيني عن العشرين مليار دولار هو تأسيس لدور صيني مباشر في التنمية الاقتصادية للمنطقة، هذا يعني مرحلة اقتصادية وتجارية جديدة لأن الشركات والبضائع الصينية ستحتل جزءاً أكبر في الأسواق العربية، ولكن الأهم من ذلك قول الرئيس الصيني أن التنمية هي الحل الأفضل للحروب والمشاكل المزمنة عندنا. هذا يعني أن الصين أخذت على عاتقها إلى حد كبير رفع النمو الاقتصادي في دول الشرق الأوسط لتأمين مستوى استقرار أفضل وفتح باب الحلول السياسية. لا كلام عن الفساد أو عن أجندة سياسية محددة أو وساطة لوقف حرب هنا أو هناك، الهدف تنموي بحت والباقي سيتبع من خلال ذلك.

في غياب أي بوابة انمائية أخرى متاحة لشعوب المنطقة، تصبح الصين منفذ الخلاص الوحيد في الأفق العربي. هي أساسا تساهم في بناء المدينة الإدارية الجديدة في مصر وفي عدة مشاريع استراتيجية أخرى هناك وهي موجودة في الجزائر والعراق وبعض الدول العربية الأخرى عن طريق شركاتها العملاقة، ولكن الكلام عن عشرين مليار دولار للمنطقة يعطي الدور الصيني بُعداً مختلفا تماما. صحيح أن لا مدة زمنية محددة للعشرين مليار دولار ولكن أيضا ليس هناك سقف مالي في ظل إمكانات الصين المتعاظمة، فالمبلغ يمكن أن يزيد أو يتضاعف حسب طريقة تعامل العرب مع المبادرة الصينية.

الأكيد أنه حجر أساس صيني لمرحلة مختلفة مع العرب سيتعرف فيها الطرفان على بعضهما البعض عن كثب وبجدية. وإذا كانت الصين قد عرفت كيف تعبر الوحول الأفريقية بكل ما فيها من فساد سياسي ومالي يعني أنها متحضرة جيدا للشرق الأوسط وتعقيداته... ولكن هل العرب مستعدون حقيقة، سياسيا وثقافيا وحتى اقتصاديا للغزو الصيني الناعم بأوجهه المتعددة، الإنمائي والتجاري؟