تفاصيل الخبر

ماذا تفعل إيران في سوريا؟

25/01/2019
ماذا تفعل إيران في سوريا؟

ماذا تفعل إيران في سوريا؟

 

بقلم خالد عوض

 

هل أصبح دور روسيا هو شرطي المنطقة بالإتفاق مع الولايات المتحدة؟ حفلة الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا منذ أيام وإطلاق صواريخ <أرض - جو وأرض - أرض> من الأراضي السورية ضدها ومستهدفة جبل حرمون في الجولان المحتل كافية لأن تشعل حربا إقليمية لا هوادة فيها. كما أن التهديدات الإيرانية المستمرة لإسرائيل، وآخرها جاء على لسان قائد القوات الجوية الإيرانية الجنرال <عزيز نصير زاده> الذي قال ان شباب إيران متعطش لحرب يفني بها إسرائيل، تؤكد أن هذه الغارات والرد المضاد هي جزء من مسار عسكري متواصل أشبه بالحرب الباردة التي تسخن كل أسبوع. الحشد الإيراني العسكري في سوريا والتجرؤ الإسرائيلي الوقح في الأجواء اللبنانية والسورية لا يزالان تحت إيقاع المايسترو <فلاديمير بوتين> الذي لا يمانع حتى اليوم في حضور إيراني عسكري على الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه لا يعتبر الإعتداءات الإسرائيلية عليها إنتقاصا من هيبة روسيا هناك، بمعنى آخر يدير <بوتين> اليوم المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية في سوريا ويضع لها ضوابط محددة.

 

 

شرطي المنطقة وضابط الإيقاع!

 

بعد هذه الغارات والرد المضاد، أقفلت مراكز التزلج الإسرائيلية في جبل الشيخ ليوم واحد قبل أن يأتيها الضوء الأخضر من الجيش الإسرائيلي بإمكانية إعادة العمل بشكل طبيعي. مَن يمكن أن يضمن الا يحاول الحرس الثوري والنظام السوري إطلاق صاروخ <أرض - أرض> آخر لتجربة فعالية القبة الحديدية الإسرائيلية وقدرتها على إعتراض أنواع مختلفة من الصواريخ؟ لولا وجود غطاء روسي لهكذا تطمينات، لما جازف الجانب الإسرائيلي وأعطى الإذن لإعادة افتتاح المنتجعات السياحية الشتوية خلال أقل من ٢٤ ساعة. لا شك أن روسيا فرضت <وقف إطلاق نار> صارماً على الجانبين ومن الواضح أنهما امتثلا... حتى إشعار آخر. إهتمام روسيا بالمنطقة عديد الأوجه. منه أنها تريد رد الاعتبار لمكانتها الدولية ومنه أنها تريد رسم خريطة النفط والغاز في شرق المتوسط، ولكنها أصبحت مضطلعة أيضا بمهام الشرطي الإقليمي الذي يرعى صراع المصالح الدولية ويمنع الانفجار.

الإقتصاد الإسرائيلي في واد والإيراني في واد آخر!

 

هناك أكثر من ٤٠٠ ألف سائح وسائحة روسية يقصدون إسرائيل كل سنة وأصبح الروس ثاني أكبر عدد بعد الأميركيين في زيارة إسرائيل، التي تتطلع لإستقبال أكثر من ٤ ملايين سائح عام ٢٠١٩، أكثر من ١٠ بالمئة منهم سيأتون من روسيا. الأرقام الإقتصادية الآتية من إسرائيل تكفي للتأكيد أن الدولة العبرية ليست في وارد حرب وأنها في جو اقتصادي مختلف عن غريمتها إيران. فموازنة ٢٠١٩ وصلت إلى ١٤٧ مليار دولار مقابل حوالى ٤٧ مليار دولار للموازنة الإيرانية. كما أن الموازنة العسكرية الإسرائيلية لهذا العام تزيد بقليل عن ١٨ مليار دولار بينما خفضت إيران انفاقها العسكري الذي يشمل الحرس الثوري الى حوالى ٨ مليارات دولار من أكثر من ١٣ مليار دولار لعام ٢٠١٧. وإذا استمر النمو الإقتصادي الإسرائيلي على معدلاته الحالية أي حوالى ٤ بالمئة يمكن أن يصبح إقتصاد إسرائيل بناتج محلي حالي يناهز ٣٧٠ مليار دولار أكبر من إقتصاد إيران التي يقف ناتجها المحلي عند ٤٤٠ مليار دولار، خلال أقل من خمس سنوات. الدولة العبرية تعد نفسها بتصدير مئات مليارات الأمتار المكعبة من الغاز وهي تصدر حاليا للأردن وتستعد لتصدير الغاز إلى مصر عام ٢٠١٩، كما أنها على وشك الإعلان عن إكتشاف حقل نفطي كبير في الجولان المحتل ولكنه يبدو أنها تنتظر غطاء دوليا بدعم أميركي يعطيها السيادة على الجولان التي لا تزال أمميا أرضا سورية. في ظل كل هذا التفاوت بين الإقتصاد الإيراني ونظيره الإسرائيلي لا يمكن للمرء إلا أن يسأل: ماذا تفعل إيران في سوريا؟ إسرائيل بسكانها الثمانية ملايين ستصبح أقوى إقتصاديا من الدولة الفارسية الأكبر بأكثر من عشر مرات منها هي صاحبة الـ٨١ مليون نسمة. معدل دخل الإيراني لا يزيد عن ٥٤٠٠ دولار مقابل أكثر من ٤٢ ألف دولار للإسرائيلي. ألا يكفي الانحدار الإقتصادي الإيراني لمراجعة كاملة للإستراتيجية الإقليمية؟

 

<نتنياهو> من جديد؟!

 

تشكل الإنتخابات الإسرائيلية في ٩ نيسان (ابريل) المقبل محطة إقليمية مهمة. فإذا عرف رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> كيف يتجنب تهم الفساد التي تحاصره وعاد إلى سدة الحكم من جديد، فإن إسرائيل ستبتعد أكثر عن احتمال الوقوع في مواجهة مع إيران لأسباب كثيرة أهمها إقتصادية ومالية، وهي من خلال هجمة التطبيع التي تقوم بها تحصن نفسها إقليميا ودوليا من أي إعتداء إيراني. في المقابل تسعى إيران إلى تعزيز موقفها التفاوضي في كل مكان لأنها تعلم أنها في النهاية محكومة بالقرار الروسي، أي أنه لا يمكنها الدخول في حرب من دون غطاء من <بوتين>، ولكنها في الوقت نفسه تعرف أن أهم ورقة تفاوضية لديها هي الورقة السورية (واللبنانية) لأنها تؤرق إسرائيل وبالتالي تهم الولايات المتحدة.

الكل لا يريد الحرب ولكنه يستعد لها كما لو أنها ستحصل غدا، هذا هو جوهر علم التفاوض، وما تشهده السماء السورية من رعد إسرائيلي ورد سوري - إيراني هو جزء من ذلك... المهم أن يبقى <بوتين> حاملا للصفارة ولا يسقطها في لحظة غيبوبة أميركية.