تفاصيل الخبر

ماذا لو نجح وزير الداخلية نهاد المشنوق وأجرى الانتخابات البلدية في موعدها، هل الحكومة على استعداد لإجراء انتخابات نيابية؟

18/03/2016
ماذا لو نجح وزير الداخلية نهاد المشنوق وأجرى الانتخابات البلدية في موعدها، هل الحكومة على استعداد لإجراء انتخابات نيابية؟

ماذا لو نجح وزير الداخلية نهاد المشنوق وأجرى الانتخابات البلدية في موعدها، هل الحكومة على استعداد لإجراء انتخابات نيابية؟

بقلم جورج بشير

القاضي-علي-ابراهيم بعد أسبوع واحد من القرار الظني الشجاع الذي أصدره النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم في ملف النفايات، وجد حكّام لبنان الحل لمعضلة جبال النفايات المكدّسة التي شوّهت صورها الصورة البهية والتاريخية للبنان في العالم، بعد أن نشرت هذه النفايات بفضل <المافيا> الجراثيم والروائح والأمراض السامّة في بيئة لبنان، وحصدت أرواح شباب وأطفال وشيوخ لمدة تقارب السنة من دون رادع ولا محاسبة، ولا من يسألون أو يحاسبون...

الحلّ الذي أتت به حكومة الرئيس تمام سلام عشية <الويك اند> الماضي، وإن كان متأخراً، وأن يكن حلاً مؤقتاً قابلاً للأخذ والردّ، فهو قد أزاح هذه الغيمة السوداء الكاحلة من أمام عيون اللبنانيين وجعلهم يتنفسون الصعداء ويأخذون قسطاً من الانفراج ويرتاحون للوهلة الأولى من أرقٍ وخوف على مصير صحّتهم وصحة أطفالهم من موجة التلوّث المؤذية التي اجتاحت بلدهم الذي كان يُقال فيه <نيال من له مرقد عنزة في ربوعه>...

شكراً للحكومة، وإن كان هذا الشكر مشوباً بالحذر والريبة.. وشكراً للقضاء المتمثل بالنائب العام المالي القاضي علي ابراهيم الذي أثبت بقراره وجرأته أن في لبنان قضاء وقضاة لا يتورّعون عن اداء واجبهم ورسالتهم بتجرّد وضمير نقيّ. وهذه حقيقة من الظلم نكرانها عن القضاء اللبناني الذي زينه على مرّ تاريخه قضاة شرفاء مقتدرون أنقياء مؤمنون وأصحاب ضمير. لكن العلّة ليست في القضاء ولا في معظم قضاة لبنان، إنما هي في معظم الطاقم السياسي وطواقم الحكم حيث يمارس هؤلاء جريمة التدخل والتسييس في عمل القضاء والقضاة، خصوصاً لدى إعداد التشكيلات القضائية إذ يتحكّم رؤساء وزعماء ووزراء وحتى وزراء العدل أحياناً كثيرة بمشاريع التشكيلات القضائية، فيخضعونها لمصالحهم السياسية والانتخابية والمذهبية، ويجعلون من القاضي رهينة لهذه المصالح.

فرج بعد نكبة

ولا شك بأن قرار الحكومة الأخير حقق انفراجاً في صفوف الشعب الذي عانى من جبال النفايات المقرفة والقاتلة طوال هذه الشهور، وإن يكن هذا القرار جاء ناقصاً أو متأخراً، أو حتى مشوّهاً، فقد كان بشارة للمواطنين ببداية النهاية لتراجيديا النفايات في لبنان، لكن الحذر من <المافيا>، <مافيا> النفايات التي استغلّت النفايات جمعاً وكنساً ونقلاً وانتقالاً وفرزاً وطمراً، وجمع أركانها (المافيا) الأموال الطائلة على مدى الأعوام المنصرمة في ظل عهود ورؤساء جمهورية ورؤساء حكومة ووزراء ونواب وأحزاب وجمعيات بيئية، مارس معظمها ومعظم أركانها والمشرفين عليها <دور النعامة> ولم يخضعوا هذه <المافيا> الخطيرة، التي بات أركانها معروفين، الى المساءلة والمحاسبة، فقبض من قبض وأُثري كثيرون من المال العام وعلى حساب الشعب، والمعضلة ستستمر إذا ما بقي أركان هذه <المافيا> خارج القضبان وبعيداً عن قفص العدالة يحكمون كما يريدون بعيداً عن المساءلة والمحاسبة.

من حق الشعب أن يعرف كل الحقائق، خصوصاً في ملف <سوكلين> كما في الملفات الاخرى، من ملف شركة <شينوك> الذي أصبح فضيحة ديبلوماسية للبنان، الى ملف ترحيل النفايات وملف تأجير المناطق الحرة خصوصاً في مطار بيروت الدولي حيث فاحت منه الروائح ولم يحرّك المسؤولون ساكناً... الى الملفات الأخرى التي أصبح تعدادها روتينياً وخاصة ملف <مغارة جعيتا> والكسارات.

القرار الظني للنائب العام المالي في ملف النفايات هو بمنزلة <الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل> على طريق معالجة الفساد في لبنان و<مافياته>. والقرار الأخير للحكومة أيضاً كان ضرورياً، وإن جاء متأخراً وناقصاً. لكن المطلوب اليوم وبعد الذي حصل، المضيّ قُدماً في تنفيذ بنود القرار الحكومي الأخير، وخاصة في ما يتعلّق بتشجيع بلديات لبنان على إعداد الدراسات والخطط لإقامة محطات متطوّرة لجمع وفرز ومعالجة النفايات، بشرط قيام الحكومة بتأمين التسهيلات اللوجستية لهذه البلديات من خلال السماح لها بالاستعانة بالخبرات التقنية المتطوّرة والحديثة وباستيراد التجهيزات اللازمة لذلك بأفضل الشروط، والسماح لها بتعيين الموظفين الأكفاء للقيام بهذا العمل الكبير، ولبنان غني بأصحاب الكفاءات العالية في هذا المضمار، وذلك بعيداً عن التبعية وسياسة <حشو الدوائر> العامة والبلدية بالمحاسيب والأنصار لأسباب ومصالح انتخابية <رخيصة>، كما جرت العادة.

مجلس-وزراء

خطوة متقدمة نحو اللامركزية

باستطاعة لبنان أن ينتج من النفايات طاقة يستثمرها في عدد من المجالات، والصناعيون في لبنان لديهم الخبرات اللازمة في هذا المجال، وقد أبرزوا هذه الخبرة من خلال الدراسات الأخيرة التي أرفقها بعضهم بالعروض التي تقدموا بها، استجابة للمناقصة التي دعت الحكومة في الماضي القريب الى إجرائها، وسارعت الى طمرها، لأن بعض العروض فضح عجز الحكم والإدارة وتواطؤهما مع أركان <مافيا النفايات> على مرّ سنوات. ومن شأن ما تقدّم أن يساهم في تحقيق اللامركزية التي نص عليها <اتفاق الطائف> فلا يعود ملف النفايات في لبنان خاضعاً لأهواء ومصالح <مافيا النفايات> كما كان في الماضي القريب. فالوضع لم يعد يُطاق، والسكوت عن الجريمة وعن استمرار التقصير مشاركة في هذه الجريمة.

لا بدّ من أن يكون تحرّك الحكم في ملف النفايات فاعلاً ومثمراً، ولا يخضع لمصالح <المافيا> وأركانها في أي ظرف، وإلا عاد لبنان ليواجه من جديد بعد سنة أو أكثر أزمة نفايات جديدة تشوّه صورته أمام العالم. وتنفيذ قرار مجلس الوزراء الأخير يجب أن يترافق مع عمل القضاء اللبناني في المضي بالتحقيق الذي بدأ في ملف النفايات من جهة، وفي تأمين حصول بلديات لبنان على التسهيلات المالية واللوجستية اللازمة للتزوّد بمحطات جمع وفرز ومعالجة النفايات وإنتاج الطاقة منها، ولتحقيق اللامركزية في هذا المجال من جهة أخرى، خصوصاً وأن لبنان اليوم على مشارف اختيار وانتخاب مجالس بلدية جديدة هي بمنزلة الحكومات المصغــّرة لإدارة شؤون وشجون المواطنين ورعاية مصالحهم الحياتية.

لقد أحسن وزير الداخلية نهاد المشنوق صنعاً في المضي قدماً على طريق إجراء الانتخابات البلدية في موعدها الدستوري، وألقى بقراره هذا مسؤولية ضخمة على الشعب الذي بات عليه أن يمارس حقه ويختار مجالس بلدية مؤهلة لرعاية المصلحة العامة وتنفيذ اللامركزية، خصوصاً في مجال معالجة النفايات، والشعب الناخب هو المسؤول بالنتيجة عن قراره عندما يتوجه الى صناديق الاقتراع ويتحمّل مسؤولية قراره في اختيار الناس المسؤولين عن المجالس البلدية العتيدة، وأي تراجع أو تقصير أو تأجيل لا سمح الله في هذا المجال، سيشكّل نكسة كبيرة للحكم ولقراره، والوزير المشنوق كان واضحاً في تأكيده أن لا تأجيل للانتخابات البلدية، ولا تمديد ولا تجديد لمجالسها الحالية.

السؤال المطروح في هذا المجال: ماذا لو نجح وزير الداخلية في تنفيذ قراره وجرت الانتخابات البلدية؟ هل الحكومة مستعدة للمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة استعداداً للاستحقاق المقبل، ألا وهو إجراء الانتخابات النيابية من دون تمديد ثالث للمجلس النيابي الحالي الممدّد له مرتين؟!

لا شك بأن إجراء الانتخابات النيابية يجب ان يسبقه إصدار قانون جديد للانتخابات النيابية يحقق العدالة ويصحّح التمثيل، فهل الحكومة على استعداد؟