تفاصيل الخبر

ماري نويل فتال في معرضها Ephémères : المعرض تحية لبيروت ومار مخايل والجميزة وريعه للسيدات اللواتي فقدن عملهن بسبب انفجار 4 آب

10/02/2021
ماري نويل فتال في معرضها Ephémères : المعرض تحية لبيروت ومار مخايل والجميزة وريعه للسيدات اللواتي فقدن عملهن بسبب انفجار 4 آب

ماري نويل فتال في معرضها Ephémères : المعرض تحية لبيروت ومار مخايل والجميزة وريعه للسيدات اللواتي فقدن عملهن بسبب انفجار 4 آب

بقلم عبير أنطون

[caption id="attachment_85732" align="alignleft" width="252"] ماري نويل فتال..عاشقة لبيروت.[/caption]

 من خلال جولاتها كل يوم أحد، بدأت ماري نويل فتال بتصوير بيروت، ثم قررت إنشاء صفحة على الشبكات الاجتماعية لمشاركة صورها هذه فكانت صفحة Beirutfootsteps عبر انستغرام، ومن بعدها أتى كتابها الأنيق "خطى بيروت"، وفيه اختارت أيضاً من الصور ما يبرز وجه المدينة وحياتها.

 وما بين اليوميات والتقرير الفوتوغرافي، جعلتنا هذه العاشقة لبيروت، عبرعملها الفني، نتنزّه في العاصمة بألوانها المتعددة، ووفقاً للمواسم. فماري نويل التي تعمل في مجال التواصل، قضت معظم حياتها في الخارج، وعادت إلى لبنان عام 2015، وراحت، هي التي أدمنت حب "ست الدنيا"،  تستل كاميرتها لتصور ما فيها بقلبها قبل عينها، مؤكدة على إرادتها الأكيدة بـ"استيعاب هذه المدينة التي نحبها... سكانها، أضواؤها، الكتابة على جدرانها، شرفاتها، أشياؤها، وذاكرتها التي تختفي شيئاً فشيئاً".  

 في الشوارع التي ترتادها كانت تهيم بالتفاصيل، درج هنا، وكرسي هناك، رجل يملك الدنيا بين يديه في جلسته الهنيئة على شرفة منزله، وسيدة هي سلطانة بسيطة في بيتها..هنا ماسح أحذية على الرصيف، وهناك جلسة "نسوان" يشربن النارجيلة أمام أحد المحلات، أما هنالك، فبيت تراثي أو دكانة قديمة.. كلها صور تضج بالحياة ضمتها فتال الى باقتها من خلال مقاربة متجذرة بعمق في هذه المدينة، وفي هذه الأماكن التي تحملها برحلة عبر الزمن، فتعيدها بحنين الى أيام الأهل والأجداد، الى الحضارة والتاريخ والزمن الجميل في المدينة - الأسطورة التي ما إن يخفت وهجها بفعل فاعل

[caption id="attachment_85735" align="alignleft" width="200"] زهر بزهر.[/caption]

أحياناً، حتى تشرئب من جديد وتعلن أنها ها هنا، وأنه لن يقوى عليها لا طمس هوية ولا كُوَم دمار.

 

 تقدم ماري نويل اليوم معرضها الفوتوغرافي الأول بعنوان فرنسي Ephémères والمحور، بيروت أيضاً وأيضاً. فماذا في المعرض الجديد؟ لمن يعود الريع ؟ وكيف التقطت صور البيروتيين والبيروتيات الذين تتساءل ماري نويل عن مصيرهم اليوم بعد الانفجار، هي من صورتهم قبله، ولو بطريقة خفية في الكثير من الأحيان، حيث يحق للفنان ما لا يحق لغيره وبخاصة إن كانت نظرته مليئة بالحب والايجابية...

 مع ماري نويل كان لقاء "الأفكار" بدءاً من السؤال:

- بعد "خطى بيروت" لماذا اخترت المعرض تحت عنوان Ephemeres ما يعني باللغة العربية "سريع الزوال" ولا يدوم طويلاً؟

 لأن الأمور في بيروت تتغير بسرعة كبيرة، وما من أمر يبقى فيها على حاله. كل شيء يتغير، وتتابع فيها التغييرات وسلسلة الـ"دراما" التي تعيشها في كل فترة. لذلك شعرت أن هذا ما يجب أن يكون عليه العنوان.

[caption id="attachment_85734" align="alignleft" width="200"] حلاق الشباب[/caption]

-هو معرضك الفوتوغرافي الأول، متى اتخذت القرار بالعرض؟

 

 نعم، إنه معرضي الأول . لم أكن أعتبر نفسي مصورة أو بإمكاني أن اقدم معرضاً بمفردي، لكن، ومنذ سنة راحت تعن على بالي مشاركة الصور التي التقطتها. اندلعت الثورة والأزمات المتتالية، ومن ثم انفجار الرابع من آب الرهيب. في فترة الأعياد أول العام، بدأت الأمور تتبلور في رأسي أكثر وأردتها تحية لهذه المناطق التي تأثرت بفعل الكارثة التي حلت بها.

 وبين المطارح التي لطالما أحببت التردد عليها مكان اسمه "بيت - مار مخايل"، وهو بيت قديم، يشكل قهوة ومساحة ثقافية في الوقت عينه، ومن يديره صديق لي اسمه طوني صفير فهو يهتم بالمكان الذي ناله نصيبه من الانفجار أيضاً. اتصلت به، وقلت له اريد أن أعرض عندك. أطلعته على فكرتي، التقينا واتفقنا. كان ذلك في أواخر شهر نوفمبر، وقررنا الأمر بسرعة، ثلاثة أسابيع قبل الافتتاح ولم أرد أن أتأخرعن هذه التحية لمار مخايل والجميزة فكانت تقريباً كل الصور المعروضة تخصهما.

-هل شعرت يوماً، بالحدس ربما، بأن المنطقة هذه قد تتعرض لخطر ما ولذلك التقطت فيها مئات الصور وأكثر؟

 كنت دائماً أخشى من فكرة أن تتغير المنطقة. لدي هذا الخوف من رؤية عالم يختفي، ومن أن نفقد هذه الأبنية التراثية الجميلة لتحل مكانها بنايات شاهقة لا روح فيها. كنت أقلق عليها من هذه الزاوية، فإذا بنا نتفاجأ بتهشيمها من موقع آخر، وهو الانفجار.

[caption id="attachment_85736" align="alignleft" width="250"] سعيد عقل.[/caption]

 -هل اكتسبت هذه الصور قيمة أكبر لديك، أصبحت عزيزة عليك أكثر من ذي قبل؟

 

 بكل تأكيد. صارت عزيزة أكثر، وتعني لي أكثر. أمشي وأقول هنا صورت ... وهنا توقفت.. ترونني أتساءل: ترى ما الذي حل بتلك الوجوه التي صورتها، هل توفوا او جرحوا او أعيقوا.. كيف تغيرت حياتهم؟ فكرت بذلك الرجل الذي صورته وكلبه على الشرفة وتحدثت إليه. ما الذي حل به؟ ببيته، بعائلته، بجيرانه؟

 - عرفت أنكِ رفضت التقاط الصور بعد الانفجار. لماذا؟

 كنت كمن تلقى ضربة على رأسه، غير قادرة على النزول ورؤية المشهد. شعرت بنفسي مشلولة،  وأنني لا أساعد بشيء لبلدي، للبنان. بعض الناس وبعض الأصحاب والجمعيات قاموا بخطوات. شخصياً شعرت بالعجزعن القيام بأي أمر، وربما أتت فكرة المعرض لاحقاً حتى أساعد نوعاً ما. فأختي ميراي التي أسست جمعية لا تتوخى الربح، ضمنتها مبادرة Marion Hochar Ibrahimchah Fund في ذكرى خالتي التي توفيت جراء انفجار المرفأ، وتهدف الى مساعدة السيدات اللواتي تضررت أشغالهن أو أعمالهن الصغيرة  بفعل ما حصل في الرابع من آب، ومن هنا كان ريع المعرض لهذا الغرض.

- وانت اين كنت يوم الانفجار؟

 في بيتي في الاشرفية وكان أولادي في البيت أيضاً. طار كل شيء. إلا أننا خرجنا سالمين حمداً لله. أمي وخالتي في جهة سرسق، تأثرتا جداً، وخالتي وقعت ضحية هذه الكارثة.

- كنت في الخارج لفترة طويلة وعدت الى لبنان. هل تفكرين بالرحيل عنه من جديد في ظل ما نعيشه؟

كنت أناقش ذلك هذا الصباح مع أمي وابنتي. لست أدري .. حالياً، أنا لا افكر بترك لبنان.

"الطابق 12"...

[caption id="attachment_85737" align="alignleft" width="215"] ماري نويل فتال..عاشقة لبيروت[/caption]

- التقطت آلاف الصور من أحياء وشوارع بيروت الجميلة. كيف اخترت ما تعرضينه من بينها؟

 

 يضم المعرض 40 صورة ومجموعات أربع تقعن تحت أربعة عناوين مختلفة..إنها بشكل عام حياة المدينة في يومياتها. الأولى تقع تحت عنوان "الطابق 12" وهي مجموعة صور التقطتها من على سطح الطابق الثاني عشر من إحدى البنايات في مار مخايل (خلف درج سينما الفاندوم سابقاً) وهي تطل على الحي وما فيه، وفي هذه المجموعة ناس وأشكال وألوان. أما المجموعتان الثانية والثالثة فكانتا من اقتراح طوني صفير بعدما تفحص صوري فاختار مجموعة عنوانها "انتظار" والذي  يرمز إليه بالكرسي الفارغ، وفي صوري الكثير من الكراسي أكان على قارعة الطريق، أو على الرصيف أو في مقهى، إذ نرى الكرسي وحيداً بانتظار من يجلس عليه ويفتح حديثاً، كما يرمز في الوقت عينه الى "الكرسي" الذي يكتسب أهمية كبيرة في بلدنا.

وتضيف فتال:

 وهناك أيضاً مجموعة "الكلاب والبشر" لأشخاص يتنزهون مع كلابهم أو يجلسون معها، فيما ضمّت المجموعة الاخيرة تحت عنوان "جدران حرة" مجموعة من الصور حول الـ"غرافيتي" التي تزين جدران بيروت، وتشتمل على صور أيقونات لبنانية رسمت على جدران العاصمة بينها ما هو  لفيروز وصباح وسعيد عقل ووديع الصافي ...من كل هذه المجموعات أردت إبراز الفرح والتفاؤل والبعد عن صبغة الحزن. وأنا، في كل ما عرضته، لم أرد أن أظهر بيروت المثالية، أو بيروت الناعمة، أو بيروت المصابة، إنما بيروت الحقيقية، على طبيعتها، تلك التي نحب السير فيها رغم كل شيء وننغمس في سحرها الذي لا يضاهى.

- كيف كان الإقبال على المعرض. هل تأثر بالتعبئة والحجر الذي فرض؟

"ظمطنا" في فترة الأعياد وكنا بدأنا المعرض في 17 كانون الأول "ديسمبر" وقد زاره الكثير من الناس من لبنان وحتى من خارجه الأمر الذي فاجأني حقاً، وعرفوا عنه عبر الإعلام ووسائل التواصل.

[caption id="attachment_85733" align="alignleft" width="375"] "بيسين" عالسطح.[/caption]

- لمّا كنت تصورين، هل كان الناس يشعرون بك ؟ هل بينهم من اعترض أو على العكس رحب. كيف كان يتم ذلك، وهل شكل يوماً قصة طريفة مثلاً ؟

 

 لم يجر معي أي حادث، بل على العكس لما كان أبناء أو أقرباء من صورتهم يرون أهلهم أو من يعرفونه في تلك الصور يقومون بـ" تاغ" عليها، ويشيرون لي أنها أمهم او جارتهم او صاحبهم الخ ... 

-أية صورة التقطتها ولها ذكرى خاصة أو مميزة؟

 الصورة على "بوستر" المعرض، وهي لسيدة تنشر الغسيل على الشرفة وكل ما بين يديها زهري اللون. أتذكر السيدة، والصورة، وكيف أعجبت جداً بها لما عدت وتفحصتها في البيت. وهناك أيضاً صورة "حلاق الشباب" لحلاق يقص شعر أحدهم والكلب ينتظره في الخارج ..ولا أهضم.

- وجميلة أيضاً الصورة التي التقطها لرجل يجلس على شرفة منزله و"ينوضر" من جانبه..

بالفعل، كان فظيعاً. 

- الآن هل تستمرين بالتقاط الصور من جديد؟

 لا أكف عن "التسكع" في شوارع بيروت وأحيائها والتقاط الصور، حتى إن اصدقائي باتوا يسيرون معي، وهم أحياناً يحثونني على ذلك إن تكاسلت. ليست غايتي سوى التعبيرعن حبي لهذه المدينة. أنا أحترف حبها، وبعد كتاب "خطى بيروت" ومعرض الصور، أفكر ما ستكون عليه الخطوة التالية. هذا البحث الدائم جميل فعلاً.