تفاصيل الخبر

مـــــارســيـل خـلـيـفـــــة: كـلـمـــــــا اهـمـلـنـــــــا الـــحـب ازدادت حــروبـنـــــــــــا!  

18/03/2016
مـــــارســيـل خـلـيـفـــــة: كـلـمـــــــا اهـمـلـنـــــــا  الـــحـب ازدادت حــروبـنـــــــــــا!   

مـــــارســيـل خـلـيـفـــــة: كـلـمـــــــا اهـمـلـنـــــــا الـــحـب ازدادت حــروبـنـــــــــــا!  

بقلم عبير انطون

SAM_6911

لا يستعيده في ذكرى رحيله انما في ذكرى ميلاده الخامس والسبعين، فالحياة مع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش لم تغب، وشمسه تشرق مع كل <إصدار> جديد للفنان الكبير مارسيل خليفة، فبينهما <اندلس.. من الحب> وأكثر..

نم يا حبيبي.. عليك السلام.. هذه التحية وجهها مارسيل خليفة الى محمود درويش غناء من قلب قصيدة <يطير الحمام> للاخير كتبها لحبيبته، حارسا كلماته العذبة بموسيقى رائعة ليس فيها ما يشبه هذا الزمن <الاخوت>.. زمن لم يكن سهلاً على مارسيل ان يؤلف موسيقاه فيه، مهما اتخذ لنفسه العزلة، ومهما بنى لهذه العزلة أطواقاً من ياسمين وحيطاناً من موسيقى..

فماذا عن العمل الجديد؟ وما حكاية القصيدة الحميمة؟

 لأنهض من خوفي ويأسي!

 

يقول خليفة في الإصدار الجديد: انه تحية مني لمحمود درويش من قصيدة طويلة كتبها في العام 1984 عن معاناة الحب، بعنوان <يطير الحمام> في ديوان <حصار لمدائح البحر>، وقد تمنى عليّ ان ألحّنها منذ زمن، الا انني قدّمتها بعد رحيله. العمل يعتمد على أربعة اشخاص، أنا على العود، (وولداي) رامي على البيانو، بشار على الايقاع وعلى القانون جيلبير يمين، ونشكّل رباعياً يتواصل بروح جديدة مبنية على اساس ما كتبته. فقد كتبت الموسيقى في <أندلس الحب> لأنهض من خوفي ويأسي.. في هذا الجو الخانق كان لا بدّ من القليل من الاوكسيجين.. انه الوقت المناسب لأهرب مع الناس الى مكان جميل.. ومهما مرّ من صعوبات ستظل هناك وردة تطلع من بين الركام وتبسط عطرها على القاتل والمقتول. الحب أُعطي لنا، مع ان هذا العالم يسحقه، وكم اتمنى على كل الذين رحلوا ان يعودوا الى الحياة ليموتوا من الحب لا من الحرب.

 غناء الحب في عالم يدور في الحلقة الكراهية والدمار والقتل هو التحدي الاكبر.. انه الوقت الانسب بالنسبة لخليفة، وقد تعمّد الفنان إنجاز هذا العمل في مثل هذا الجو، لحاجة في نفسه اولاً.. في <عالم يغوص بالزبالة>، ألتجئ إلى حديقة مليئة بالزهور والفراشات. هو عمل انبثق من العيش في الخوف والموت والقتل والدمار والبشاعة. من هنا تطل <أندلس الحب>.

 في <اندلس الحب> هذه، ليس الحب كلاماً كما هو في معظم الأغنيات بل ينطوي على معاناة حقيقية في تجربة الحب، وهو ما حملني إلى العيش في قلب الحب وعلى الإطاحة بأشكال القوالب الغنائية والموسيقية الشرقية للخروج بعمل ذي نكهة فريدة لتجربة شخصية.

والثورة ايضاً..

 

الثورة التي يضج بها خليفة والتي عُرف بها مذ بداياته، لا يعتبرها غائبة عن هذا العمل ايضاً، فـ<قضية الحياة والثورة السياسية ليست منفصلة عن الثورة الروحيّة. الثورة كل لا يتجزأ، نجمع الخبز والورد في جسم واحد».

 الثورة موجودة، انما من دون بيارق نلوّح بها. ليست مباشرة انما كامنة وبقوة في المضمون. هنا يُغنى الحب كما هو، عار من اية تصنيفات او تغليفات. انه الغناء للحب من دون <حواجز عربية>، بعيداً عن المقبول والمرفوض، مصفّى من اية ديباجات..

 في <أندلس الحب> يرتوي خليفة ويسقي المستمع حب الحياة، حب الشعر، حب الموسيقى، حب الغناء وحب الحب، ليعترف بالحب وحده خلاصاً: <كيف نؤجل الحب من أجل الحرب؟ لا نستطيع ذلك، والبطولة ليست في الذهاب مع العسكر الى الجبهات والاستخفاف بالقضايا الانسانية التي هي عن حق قضايا جوهرية مثل قضية الحب، فمنذ بدايتي كانت قضيتي هي الحب، فصاحب <كونشرتو الاندلس> مؤمن بقوته، وكلما أهملنا الحب ازدادت حروبنا>.

مارسيل ومحمود..

 

علاقة الموسيقي بالشاعر متقادمة العهد في <تبادل للحنين لا يفسّر>، وهو حتى غنى له من قبل ان يتعرف به شخصيا في العام 1976 حيث لحّن له قصيدة <وعود من العاصفة>. يعتبره خليفة توأم قلبـــــه، ودرويش يلقبه بـ<توأم روحه الفني>، وكان قـــــد وقـــــّع لــه بهذه الكلمات على النسخة التي ارسلها درويش الى خليفة من قصيدة «أندلس الحب» 23 تموز (يوليو) 1984 مذيلة ايضاً بكلمتي <بإعجاب وحب>..

قد تكون اغنية <في البال اغنية> أحبّ اغنيات خليفة على قلب درويش. لكن ماذا لو سمع جديده في قصيدة حميمة، خاصة جداً، كتبها بقلبه؟ فقصيدة <يطير الحمام>، بحسب ما يُروى، كان محمود درويش قد كتبها لامرأة التقاها في حفلة في بيت صديق له، فأعجبته ولكنه لم يتحدث معها، وبقي يمني نفسه اللقاء بها من دون جدوى الى ان التقاها صدفة بعد سنة في بيت صديق أيضاً، ولم تكن هذه السيدة سوى <حياة الهيني> المترجمة المصرية التي تزوجها الشاعر في منتصف الثمانينات.

وعندما سمع مارسيل القصيدة، أُخذ بها، طلب من درويش غناءها الا ان الاخير لم يوافق على اعتبار أنها قصيدة <شخصية جداً>.. لكن قبل ذهابه الى اميركا ودخول غرفة العمليات عاد وطلب من مارسيل غناءها. استعجله الرحيل، وقُدّر له ان يغيب قبل ان يسمعها، فما كان من مارسيل الا أن غنّى مقطعاً صغيراً منها في تأبينه في مطار عمّان قائلاً: <أنا لحبيبي أنا... وحبيبي لنجمته الشاردة... فنم يا حبيبي... عليك ضفائر شعري عليك السلام».

 حميمية القصيدة، يؤكدها ايضاً ما جاء على لسان الفنانة أُميمة الخليل رفيقة المسيرة الغنائية الطويلة والحاضرة ايضاً في حفلة التوقيع والتي هنأت عبر <الافكار> مارسيل لإبداعه الجديد:

تقول اميمة:

 - استرقت السمع للموسيقى قبل الاحتفال بها اليوم في توقيع الاسطوانة، وانا أعرف القصيدة منذ مدة طويلة، مذ كنت في الثامنة عشرة من عمري وأتذكر ان مقطعاً منها كنت قد أديته بصوتي مع عود مارسيل وانتم لا تعرفونه لأنه لم يسوّق.. ما أجمل ان نستعيده الآن مع مارسيل بصوته.

وتزيد قائلة:

 - عرفت من مارسيل ان قصيدة <يطير الحمام> شخصية جداً مع انها عامة بمضمونها، لم يكن الشاعر الكبير محمود درويش راغباً في ان تُغنى، الا انه مؤخراً، اي قبل سنوات على رحيله تمنى على مارسيل غناءها بعد ان كان يتمنع، ويحز في نفس مارسيل انه لم يغنها خلال حياة الشاعر.

وعن الجديد في الاسطوانة، تقول اميمة:

- انه يكمن في كل شيء فيها.. نبرة مارسيل، نقرته على العود، الشكل الموسيقي والآلات التي اختارها.. دائماً هناك الجديد. بالنسبة لي، اصف عمل مارسيل بالحميم جداً، ما SAM_6916يجعله يأتينا أليفاً ومألوفاً، وهو على الفته لا زال جميلا جداً، مرهفاً، ويذهب الى اعمق الاعماق.

اما عن جديدها معه، فتفصح أميمة عن <صوت> وتشرح قائلة:

 - انه العمل الذي ينتظر التنفيذ منذ العام 2011، يحمل عنوان <صوت>، وهو عبارة عن عشر مقطوعات من شعراء مختلفين اختار مارسيل نصوصهم ووضع الالحان، وقد طلبت ان يكون <اكابيلا a cappella> اي من دون موسيقى، فتسمعون صوتي فقط مع ألحان مارسيل وبمرافقة <كورال الفيحاء>. سيكون شكلاً جديداً جداً بالنسبة لي ولكم ولجمهور المنطقة، وقد بدأنا التحضير والتمرينات له فعلياً، وقد نسجله في ايلول/ سبتمبر المقبل.

وعن كلمة توجهها لمارسيل في <اندلس الحب> تقول أميمة من القلب:

 - كل ما يقدّمه يعنيني وكأنني من يغنّيه. اتمنى لك يا مارسيل دوام تلك الطاقة الايجابية التي تعطينا اياها بحضورك، بصوتك، بموسيقاك وبفكرك..

 

الجنّة المفقودة..

 

 يسكن العمل الجديد عود مارسيل وروحه <هذا العمل ربما سيعيد زمن الحب، زمن التمرّد والحرية المتجرّئة على السائد وعلى التراث وعلى الآلهة والأسياد الذين (فلقونا) بتحجرهم ووحشيتهم>.

 <أندلس الحب>، ساعة من الوقت كفيلة بأن تعيدنا الى انسانيتنا.. الى حلمنا الذي قد يقودنا يوماً الى <جنة الحب>. فلنسمعها جميعاً بانتظار سماعها حية في احد المهرجانات الصيفية لهذا العام، <مهرجان البترون> على الارجح، كما صرّح مارسيل نفسه بعد ان كان حاضراً العام الماضي في كل من بعلبك وبيت الدين في تحية حب لا ينتهي..