تفاصيل الخبر

”ماكرون“: من المهم ولادة حكومة ما بعد الانتخابات لانتظام الحياة السياسية وتنفيذ قرارات ”سيدر“!

19/10/2018
”ماكرون“: من المهم ولادة حكومة ما بعد الانتخابات  لانتظام الحياة السياسية وتنفيذ قرارات ”سيدر“!

”ماكرون“: من المهم ولادة حكومة ما بعد الانتخابات لانتظام الحياة السياسية وتنفيذ قرارات ”سيدر“!

لم تكن مشاركة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في <القمة الفرانكوفونية> التي انعقدت في <يريفان> مماثلة للمشاركات الرئاسية السابقة في القمم التي سبقت، ذلك أن الرئيس عون ذهب الى عاصمة أرمينيا سعياً وراء تحقيق هدفين وقد تمكّن من تحقيقهما: الأول تأكيد حضور لبنان في هذه المنظمة العالمية التي تضم أكثر من 80 دولة من مختلف القارات، وذلك بعد غياب رئاسي امتدّ منذ العام 2014 حتى الأمس نتيجة الفراغ الرئاسي، فقال كلمة لبنان مبرزاً دوره في محيطه والعالم وانتزع دعماً متجدداً من خلال انتخابه نائباً لرئيس <القمة الفرانكوفونية>، بعدما آلت الرئاسة بروتوكولياً الى البلد المضيف ممثلاً بشخص رئيس وزرائه <نيكول باشينيان> الذي بات بموجب التعديلات الدستورية في أرمينيا الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية على رغم وجود رئيس للدولة أصبح منصبه فخرياً. أما الهدف الثاني فهو <انتزاع> موافقة الدول الأعضاء كي تكون بيروت مركزاً اقليمياً للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط ابتداء من العام 2020 مع ما يعني ذلك من انتصار ديبلوماسي مهم للبنان، خصوصاً وسط الظروف المعروفة التي تمر بها المنطقة عموماً ودول الجوار اللبناني خصوصاً.

 

بيروت مقرّ إقليمي للفرانكوفونية!

 

وبين الخطاب الرئاسي الذي أضاء على دور لبنان وميزاته في المنطقة وعلى قرار الدولة اللبنانية إنشاء <اكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار> بدعم من الأمم المتحدة ودول كبرى، وبين الفوز بالمقرّ الإقليمي لـ<منظمة الفرانكوفونية>، أظهرت المشاركة اللبنانية في <قمة يريفان> اهتماماً دولياً بالوضع اللبناني، وسمع الرئيس عون كلاماً مشجعاً من القادة الذين التقاهم على هامش القمة، وإجماعاً على ضرورة المحافظة على الاستقرار فيه ليتمكّن من لعب الدور الذي لطالما نجح فيه، وهو أن يكون ملتقى الحضارات والثقافات والاعراق. من هنا أتى اختيار بيروت بعد مسار طويل من المشاورات والاتصالات واللقاءات امتدّ على مدى تسع سنوات بدأت مع زيارة الأمين العام السابق للفرانكوفونية الرئيس السنغالي السابق <عبدو ضيوف> في العام 2009 للعاصمة اللبنانية حيث كانت بداية الحديث عن المكتب الإقليمي مع توقيع لبنان في السنة الثالثة لـ<الميثاق اللغوي> (Pacte linguistique) خلال قمة <مونترو> في سويسرا. وما يجعل للفوز اللبناني طعم النصر الديبلوماسي اللافت هو أن دولاً عدة في افريقيا الشمالية وفي المنطقة العربية تنافست للحصول على المركز، على رغم حرص المنظمة على عدم تحوّل الموضوع الى نقطة نزاع بين عدد من دولها. ولأجل ذلك خاض لبنان نقاشات طويلة ومتشعبة ودخل في تفاصيل تقنية تناولت موقع المكتب وحجم مساهمة الدولة اللبنانية في إنشائه. إلا أن الحدث - المفصل كان العام الماضي عندما التقى الرئيس عون في نيويورك الأمينة العامة للفرانكوفونية الديبلوماسية الكندية <ميكائيل جان> وأصرّ على مطلب لبنان في مواجهة دول أخرى من بينها تونس كانت تسعى لأن تكون دولة المقرّ.

وقالت مصادر الوفد اللبناني لـ<الأفكار> إن النقاش الذي تشعّب برزت فيه رغبة الدول الأعضاء في التجاوب مع المطلب اللبناني من دون <إغضاب> تونس التي لها مكانتها ايضاً في المنظمة، فكان المخرج الذي اعتُمد نتيجة إلحاح الرئيس عون بأن يتم إنشاء مكتب في تونس يُعنى بدول منطقة شمال افريقيا، على أن يكون مكتب بيروت مشرفاً على دول الشرق المتوسط والعالم العربي حيث يعتبر المعنيون بأن التحدي أكبر لإنقاذ الفرانكوفونية وسط تعدّد اللغات وتنوّعها في هذه الدول. وستكون مهلة السنتين حتى العام 2020 فرصة للبنان لتجهيز المقر وللتأكيد على أن بيروت لا تزال قبلة أنظار المنظمات الدولية من النواحي الفنية واللوجستية والبشرية مع وجود كفاءات قادرة على تمكين المقر الجديد من أن يلعب دوراً محورياً كبيراً، خصوصاً مع الطموح اللبناني بأن يتمدد الى المناطق اللبنانية كافة حيث يوجد تعطش كبير الى اللغات الأجنبية على حد قول السفير اللبناني الدكتور خليل كرم الذي كانت له مساهمة فاعلة في الوصول الى النتيجة التي صبت لمصلحة لبنان، وذلك منذ كان ممثلاً شخصياً لرئيس الجمهورية لدى المجلس الأعلى للفرانكوفونية، ثم سفيراً للبنان لدى الأونيسكو في باريس.

 

<ماكرون> مع ولادة سريعة للحكومة!

أما الحدث الآخر الذي ميز الحضور الرئاسي اللبناني في <قمة يريفان>، فقد كان اللقاء الذي عقده الرئيس عون مع الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون>، وهو الأول بعد القمة اللبنانية - الفرنسية التي انعقدت في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس اللبناني لباريس والذي أحيط خلالها بحفاوة بالغة. لقاء <يريفان> الذي بدأ بخلوة بين الرئيسين استمرت نحو 25 دقيقة انضم بعدها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والمستشار السياسي للرئيس الفرنسي السفير <فيليب ايتيان>، اكتسب اهمية خاصة اذ سبقته حملة اعلامية عن رغبة الرئيس <ماكرون> في إثارة الملف الحكومي المعلّق منذ شهر حزيران/ يونيو الماضي نتيجة تعثر تشكيل حكومة جديدة، والانعكاسات السلبية لهذا التأخير على قرارات وتوصيات مؤتمر <سيدر> الذي كان الرئيس <ماكرون> قد رعاه ووضع <كل ثقله> من أجل نجاحه وانتهى يومئذ بأكثر من 11 مليار يورو من المشاريع الاستثمارية في لبنان.

مصادر الوفد اللبناني وأخرى ديبلوماسية فرنسية التقت على القول بأن الملف الحكومي اثير خلال لقاء الرئيسين عون و<ماكرون> بمبادرة من الرئيس الفرنسي الذي انطلق في الحديث من أهمية مؤتمر <سيدر> وضرورة توفير الظروف الملائمة لاستكمال نجاحه من خلال ترجمة القرارات والتوصيات التي اتخذت فيه الى نتائج عملية، ومثل هذه المحصلة لا تكون ممكنة إلا من خلال حكومة تتابعها وتوفر مقومات النجاح لها لئلا تضيع الفرص التي وفرها <سيدر> للبنان في مواجهة وضعه الاقتصادي غير المريح. قال <ماكرون> - ودائماً وفقاً للمصادر نفسها - ان انتخاب مجلس نيابي جديد وفق النظام النسبي الذي اعتمد للمرة الأولى في لبنان، يفترض تشكيل حكومة جديدة وكلما تأخر ذلك كلما تكوّن انطباع لدى المهتمين بلبنان والمشاركين بمؤتمر <سيدر>، بأن ثمة معطيات تجعل من الصعب الولوج الى مرحلة ما بعد <سيدر>، ما يعني عملياً بقاء المشاريع التي أعطاها لبنان الأولوية من دون تحقيق، الأمر الذي يجعل الرساميل المخصصة للمشاريع الانتاجية في لبنان تذهب الى دول اخرى او توظف في استثمارات خارج لبنان. وحرص <ماكرون> على إبلاغ الرئيس عون أن بلاده ليست في وارد التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، إلا أنها تتمنى أن تلقى رغبتها في رؤية حكومة لبنانية جديدة قريباً الصدى الإيجابي، معوّلاً كثيراً على دور الرئيس عون الذي يمسك بزمام القيادة الوطنية للدولة اللبنانية، وهو القادر على تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة في أقرب وقت ممكن.

عون: حكومة الوفاق الوطني قريباً!

كلام الرئيس <ماكرون> رد عليه الرئيس عون شاكراً الاهتمام الذي يوليه للبنان منذ دخوله قصر <الايليزيه> والذي ترجم مرات عدة في مناسبات مختلفة ليس أقلها <حراجة> يوم قدّم الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته من الرياض وما رافق ذلك من أحداث ملتبسة، ثم أسهب رئيس الجمهورية في شرح الأسباب التي حالت دون تشكيل الحكومة ومن بينها مطالب الكتل النيابية في أن تتمثل بحصص وزارية كبيرة ووزارات خدماتية وغير ذلك مما لم يكن الرئيس الفرنسي على علم به وإن كان بدا خلال الحديث ملمّاً بالتطورات اللبنانية كافة. وتناولت شروحات الرئيس عون أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني تتمثل فيها الأطراف السياسية بنسبة تمثيلها في مجلس النواب وتكون تركيبتها عادلة ومتوازنة ولا تقصي احداً، خصوصاً من الكتل النيابية الفاعلة. ومع انسياب الشرح الرئاسي اللبناني كان الرئيس <ماكرون> يبدي اهتماماً بمعرفة التفاصيل وبدا مطمئناً عندما أكد له الرئيس عون أن ولادة الحكومة لن تتأخر وانه سيعمل كل ما في وسعه من أجل إصدار

مراسيم تشكيلها قبل نهاية الشهر الجاري.

أما الموضوع الثاني الذي استحوذ على حيز من البحث فكان ملف النازحين السوريين في لبنان والذي توسع الرئيس عون في الحديث عنه وفقاً للمصادر نفسها، لاسيما وأن موقف فرنسا من هذا الملف لم يكن متناغماً مع الموقف الرئاسي اللبناني الذي ينادي بعودة آمنة للسوريين الى المناطق السورية التي تشهد استقراراً، من دون انتظار الحل السياسي للأزمة السورية كما تدعو دول عدة ومن بينها فرنسا. وأصغى الرئيس <ماكرون> الى حديث الرئيس عون والوزير باسيل، خلال تصنيف النازحين الى ثلاث فئات: فئة تضم النازحين لأسباب سياسية وهؤلاء لا يدعو لبنان الى عودتهم في الوقت الحاضر قبل توفير الضمانات لهم، والفئة الثانية تضم الذين نزحوا لأسباب أمنية نتيجة المعارك التي دارت في مناطقهم وهؤلاء يرى لبنان أن في استطاعتهم العودة بعد حلول السلام والاستقرار في مناطقهم وتوقف القتال فيها وبعد تأمين المناخات الملائمة لهذه العودة، أما الفئة الثالثة والتي تعتبر الأكثر عدداً فهي تعرف بالنازحين لأسباب اقتصادية اي أولئك الذين ينتقلون مع كل نهاية شهر من سوريا الى لبنان للاستفادة من المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية لهم، ويرى لبنان في هذا الإطار أن عودة هؤلاء ضرورية لأنهم أصلاً يعملون في سوريا و<يطلّون طلات> على لبنان كل آخر شهر، وبإمكان المنظمة الدولية أن تُقدّم لهم المساعدات وهم في أراضيهم ما يساعدهم على الاهتمام بإعادة إعمار مناطقهم وقراهم ومنازلهم. وبدا الرئيس <ماكرون> مشجعاً لفكرة تقديم الأمم المتحدة مساعداتها للعائدين في أراضيهم شرط توافر الظروف الأمنية والسياسية والإنمائية الملائمة لذلك. وفي ضوء شروحات الرئيس عون كان حديث عن المبادرة الروسية لعودة النازحين التي لم تدخل بعد حيز التنفيذ الفعلي، لأن الذين عادوا من لبنان الى سوريا والذين اصبح عددهم يتجاوز الـ50 ألفاً، نظم الأمن العام اللبناني عودتهم الطوعية بالتنسيق مع السلطات السورية المختصة.

ولم تغب الأوضاع في الشرق الأوسط عن محادثات الرئيسين عون و<ماكرون> على خلفية التهديدات الاسرائيلية المستمرة ضد لبنان، والموقف الاميركي <المحاصر> لوكالة <الاونروا> الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، إضافة الى ما يتهدّد القدس نتيجة الاجراءات الاسرائيلية. وحرص الرئيس <ماكرون> على التشديد على أهمية المحافظة على الاستقرار في الجنوب وتفعيل عمل القوات الدولية بالتعاون مع الجيش اللبناني لتنفيذ قرارات مجلس الأمن وآخرها القرار 1701.