تفاصيل الخبر

"ماكرون" في زيارته الثانية: حكومة خلال 15 يوماً وبداية إصلاحات ومؤتمر للدعم... وإلا عقوبات!

02/09/2020
"ماكرون" في زيارته الثانية: حكومة خلال 15 يوماً وبداية إصلاحات ومؤتمر للدعم... وإلا عقوبات!

"ماكرون" في زيارته الثانية: حكومة خلال 15 يوماً وبداية إصلاحات ومؤتمر للدعم... وإلا عقوبات!

 

[caption id="attachment_80803" align="alignleft" width="375"] الرئيس ايمانويل ماكرون مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ومصطفى اديب في غداء القصر الجمهوري ويبدو نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي[/caption]

 لا يمكن الفصل بين زيارة الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" لبيروت في الاول من ايلول (سبتمبر) الجاري، وبين حل ازمة تكليف رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة الجديدة وقد وقعت "القرعة" على سفير لبنان في المانيا الدكتور مصطفى اديب... كل شيء كان جامدا قبل يوم السبت 29 آب (اغسطس) الماضي. لا شيء في الافق يوحي ان التكليف حاصل، وكان المناخ السياسي يتحدث عن ان حكومة الرئيس حسان دياب ستصرف الاعمال لوقت طويل. وبلغت هذه الاجواء خلية الازمة اللبنانية التي انشأها الرئيس "ماكرون" بعد عودته الى باريس اثر زيارته الاولى الى بيروت بعد الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت. دخل "ماكرون" على الخط، وكثرت الاتصالات بين بيروت وباريس الى درجة قيل فيها إن الرئيس الفرنسي بات يعرف الارقام الخليوية الخاصة بالزعماء السياسيين اللبنانيين!.

 كانت الرسالة الفرنسية واضحة: الرئيس "ماكرون" سيزور لبنان كما وعد، في الاول من ايلول (سبتمبر) لاحياء ذكرى المئوية الاولى لاعلان دولة لبنان الكبير، واذا لم "تتحلحل" الازمة الحكومية فإنه سوف يلغي الزيارة "ويسحب يده" من الملف اللبناني بكل تفاصيله.... لم يكن وقع هذا الكلام على المسؤولين اللبنانيين سهلاً. دارت محركات رئيس المجلس بري من جديد، وانشغلت الخطوط في قصر بعبدا في اتصالات مباشرة واخرى غير مباشرة، وتحرك رؤساء الحكومة السابقين في اتجاه الرئيس سعد الحريري لحثه على العودة عن قراره بالامتناع عن الترشح، وسحب اسمه من التداول. لم يوفق سعاة الخير في عملهم. وصل الامر الى باريس مجدداً، فكان اتصالا من الايليزيه بــ "بيت الوسط" لاستطلاع الامر فاستمر الحريري على موقفه. تشابكت الخطوط في اكثر من اتجاه ما اقنع الحريري بتسمية مرشحه للحكومة العتيدة مع وعد بتأييده من غالبية الاطراف. كتب الحريري ثلاثة اسماء: محمد الحوت رئيس مجلس ادارة طيران الشرق الاوسط والقاضي غسان عويدات المدعي العام التمييزي والدكتور مصطفى اديب السفير اللبناني في برلين والقريب من الرئيس نجيب ميقاتي. وصلت الورقة الى بعبدا وميرنا الشالوحي (مقر التيار الوطني الحر) فبرز رفض للحوت وتحفظ على عويدات، فبقي اسم السفير اديب. وافق الرئيس عون ومعه رئيس تكتل "لبنان القوي" النائب جبران باسيل، وكذلك الرئيس بري وحليفه في "الثنائي الشيعي" حزب الله، وكرت موافقات من جهات عدة باستثناء "القوات اللبنانية" التي ظلت على موقفها بدعم السفير نواف سلام. وقيل في هذا المجال ان الفريق السعودي الذي يتعاطى بالملف اللبناني الذي رفض في الاساس الموافقة على تكليف الحريري ترؤس الحكومة العتيدة، لم يشجع على تسمية اديب الذي بات المرشح الوحيد الذي يفترض الاتفاق عليه تحت تأثير عاملين: الاول ان الاستشارات النيابية الملزمة تحددت يوم الاثنين التي يجب ان تنتهي قبل وصول "ماكرون" ليلاً، والعامل الثاني ضرورة صدور التكليف قبل وصول الرئيس الفرنسي.

مصطفى أديب رئيساً مكلفاً

 تسارعت التطورات والاتصالات وتشعبت، رن جرس الهاتف في قصر بعبدا وكان على الخط الثاني الرئيس "ماكرون" الذي سأل الرئيس عون اذا ما كانت المشاورات انتهت باختيار السفير اديب، فرد رئيس الجمهورية بالايجاب، فكان "ماكرون" سعيداً للجواب الرئاسي اللبناني. ثم اكمل "ماكرون" اتصالاته مع قيادات لبنانية فكانت الاجوبة ايجابية. استقر الرأي على السفير اديب الذي "استدعي" من برلين على عجل فوصل ليل الاحد - الاثنين مرشحاً وحيداً جدياً لرئاسة الحكومة. حملت الكتل النيابية الاسم وصعدت الى قصر بعبدا فكانت حصيلة الاستشارات 90 صوتاً من اصل 120 نائباً، فيما سمت " القوات اللبنانية" السفير نواف سلام، وثمة من سمى الوزيرة السابقة ريا الحسن، والوزير السابق الفضل شلق! والغريب ان نتائج الاستشارات كانت تنقل تباعاً الى "الايليزيه" عبر الخلية التي تشكلت برئاسة السفير السابق في بيروت "ايمانويل بون"....

 وهكذا دخل الدكتور مصطفى اديب قصر بعبدا سفيراً وخرج منه رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة بغالبية كبيرة غير مألوفة لشخصية بعيدة عن الحياة السياسية ولها عالمها التربوي والديبلوماسي... قال كلمته الوحيدة بعد التكليف في وقت كانت فيه طائرة الرئيس "ماكرون" تستعد للاقلاع من مطار اورلي الفرنسي في طريقها الى بيروت التي وصلتها في التاسعة ليلاً حيث كان الرئيس عون في استقبال ضيفه الذي ابلغه ما حصل في الاستشارات النيابية، فبدا الرئيس "ماكرون" مطلعاً على التفاصيل، والبحث دار حول مرحلة ما بعد التكليف والتي تمحورت اللقاءات السياسية لـ "ماكرون" حولها، بالتزامن مع المحطات الثقافية من خلال زيارة السيدة فيروز، والمحطات الاغاثية من خلال جولة في مرفأ بيروت للاطلاع على الاعمال الانقاذية فيه وعمل الهيئات الانسانية والمجتمع الاهلي وزيارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي قدم له "ماكرون" 7 ملايين يورو لدعمه وتمكينه من اداء مهامه.

 في اللقاءات السياسية، في قصر بعبدا وفي قصر الصنوبر كانت لغة "ماكرون" واحدة ونقاشاته مع الرئيس عون والقيادات السياسية متشابهة، وعكست اهتماماً كبيراً من الرئيس الفرنسي بالاستمرار في دعم لبنان وابقاء مظلة الامان الدولية فوقه شرط الاسراع في انجاز الاصلاحات المطلوبة بعد تشكيل الحكومة التي توافق "ماكرون" مع من التقاهم من رسميين وسياسيين على ان يتم ذلك خلال 15 يوماً ليتمكن من عقد مؤتمر دولي في باريس بعد ثمانية اسابيع يخصص لتفعيل الدعم الاقتصادي كي يتمكن لبنان من النهوض مجدداً.... وهذا التشكيل لا يكون من خلال الدعم من الكتل السياسية الاساسية التي قال ان ممثليها تعهدوا به خلال اللقاء في قصر الصنوبر. اما بالنسبة الى الانتخابات النيابية المبكرة التي شجع عليها "ماكرون"، فلم تكن هناك موافقة اجماعية وبدا ذلك واضحاً من ملاحظات رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي شارك في اللقاء.

خارطة الطريق

صباح الاربعاء غادر "ماكرون" بيروت، تاركاً للسلطة والسياسيين خارطة طريق سياسية تقوم على اسس عدة ابرزها:

  • حكومة جديدة خلال 15 يوماً من غير الاحزاب السياسية تضم اختصاصيين لهم خبرتهم في مجال اختصاصهم تعهد الفرقاء بتوفير المناخات المناسبة لنجاحها.
  • اطلاق الاصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي تمهيداً لتنظيم مؤتمر في نهاية شهر تشرين الاول (اكتوبر) بالتنسيق مع الامم المتحدة.
  • لا تقديم شيك على بياض بل ضرورة تنفيذ الوعود خلال ثمانية اسابيع.
  • اذا لم يتحقق شيء من الوعود التي اعطاها الرسميون والسياسيون لـ"ماكرون" فإن المجتمع الدولي سيعرف بأن فرنسا لم تتمكن من مساعدة لبنان وليتحمل كل طرف مسؤوليته، باختصار: لا تنفيذ للوعود... لا مساعدات!.
  • الاصلاحات في البنك المركزي والنظام المصرفي ومكافحة الفساد والبدء باصلاح قطاع الكهرباء.
  • الحوار مع الشق السياسي في حزب الله يعود لكونه من الحياة السياسية اللبنانية، له نواب ووزراء والحوار معه ضروري للوصول الى الاصلاحات خلال اربعة اشهر.
  • وبدا واضحاً ان هذه النقاط بحثها الرئيس "ماكرون" مع الرئيس المكلف مصطفى اديب خلال لقاء ليلي تم في حضور الرئيس الحريري وترك انطباعاً جيداً لدى "ماكرون" عن رئيس الحكومة الجديد الذي قال عنه "ماكرون" انه يتمتع بدعم كبير اوسع من الذي حصل عليه الرئيس حسان دياب، وسيرته تظهر مسيرة واعدة فهو يعي ما يحصل ويعرف ماذا يريد.. هذا الانطباع تكون لدى "ماكرون" بعد لقاءين مع السفير اديب.

في كانون الاول ( ديسمبر) سيعود "ماكرون" الى لبنان، للاطلاع على ما تحقق وما لم يتحقق... وستكون له لقاءات يسأل فيها عن "الاجندة" التي تركها امانة في اعناق القيادات السياسية، فإن استجابت عما اتفق عليه تكون البلاد امام مرحلة جديدة، وان لم تفعل سيكون العقاب عسيراً. "ماكرون" قال انه لا يريد ان يتدخل في الشؤون اللبنانية، لكنه فعلياً فعلها واكثر.... والبعض وصفه بــ "المفوض السامي" الجديد!.