تفاصيل الخبر

”ماكرون“ استعجل ارسال موفده الى بيروت بعدما شعر بتزايد النفوذ الأميركي في لبنان!

21/11/2019
”ماكرون“ استعجل ارسال موفده الى بيروت  بعدما شعر بتزايد النفوذ الأميركي في لبنان!

”ماكرون“ استعجل ارسال موفده الى بيروت بعدما شعر بتزايد النفوذ الأميركي في لبنان!

لم يشأ الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> أن يبقى بعيداً عن الأحداث الجارية في لبنان لاعتبارات عدة، أولها العلاقات الخاصة التي تربط فرنسا بلبنان والمتجذرة عبر التاريخ، والثاني الحرص الذي تبديه باريس لإعادة الاستقرار والأمان الى وطن الأرز الذي رافقت ولادته الحديثة منذ الانتداب الى اعلان دولة لبنان الكبير وصولاً الى الاستقلال، فضلاً عن المصالح الفرنسية في لبنان الذي بات البلد الوحيد في الشرق الأوسط حيث يمكن للقيادة الفرنسية ان تقول ان لها قدرة أن تمارس بعض نفوذها فيه. أما السبب الذي لم تُعلن عنه باريس، لكنها تعيشه بانزعاج، فهو رؤيتها النفوذ الأميركي يتحرك بقوة في الساحة اللبنانية التي كانت في الأمس القريب ساحة لفرنسا تتفاعل من خلالها مع المحيط العربي والاسلامي الواسع. وقد هال باريس أن ترى الولايات المتحدة الأميركية <تسرح وتمرح> على الساحة اللبنانية سواء من خلال علاقة متميزة جداً مع الجيش اللبناني الذي تمده واشنطن بالسلاح، أو من خلال نشاطات اجتماعية متنوعة ترعاها وتمولها منظمات أميركية بعضها رسمي والبعض الآخر خاص، فضلاً عن جسور ممدودة بين منظمات وهيئات أهلية لها في السفارة الأميركية في عوكر موطئ قدم وفعالية وتأثير تتمكن واشنطن من خلالها من الوصول الى المجتمع اللبناني بكل مكوناته، من جنوبه الى شماله وبقاعه والجبل انطلاقاً من سياسة أميركية ناجحة خلاصتها انه حيث لا تستطيع أن تصل بالسياسة.. اسلك طريق الإنماء!

باريس، التي أدركت عمق التوغل الأميركي في لبنان تحركت بعد 26 يوماً من انطلاق <ثورة 17 تشرين الأول> (أكتوبر) الماضي فأوفدت مدير دائرة الشرق الأوسط وافريقيا في الخارجية الفرنسية <كريستوف فارنو> ليجول على عدد من الرسميين والسياسيين مستطلعاً وداعماً وطارحاً لأسئلة محددة يؤمل أن تؤسس لاحقاً لمبادرة فرنسية يمكن أن تساعد في حل الأزمة الراهنة. صحيح ان الموفد الفرنسي لم يتحدث عن مبادرة محددة، ولا هو قدم اقتراحات عملية، لكن ما قاله عن <تقرير> سيرفعه الى الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> ووزير الخارجية <جان ايف لودريان> ترك الباب مفتوحاً أمام هذه المبادرة غير الغريبة عن الفرنسيين الذين طالما وقفوا الى جانب لبنان في محنه السابقة وساعدوا سياسياً واقتصادياً من أجل بلورة حلول عملية للأزمات المتلاحقة.

 

<فارنو> و<نصائحه>!

 

حمل <فارنو> معه، الى الاهتمام الفرنسي الواضح بالوضع اللبناني وبالرغبة للوصول الى عودة الاستقرار، تأكيداً بأن لا نية لدى فرنسا للتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية لاسيما في ما يتعلق بأسباب الأزمة الراهنة وتداعيات تشكيل الحكومة الجديدة، وهو سارع الى القول إنه لا يحمل أفكاراً لمبادرة محددة، بل ان بلاده تلقي هذه المهمة على عاتق المسؤولين اللبنانيين الذين عليهم حل مشاكلهم بأيديهم. لكن ذلك لم يلغِ وجود <نصائح> قالها الديبلوماسي الفرنسي ببراعة وأسلوب مميزين أولها رغبة فرنسا برؤية حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن وصفها بـ<القادرة والنظيفة والسريعة والفاعلة وذات مصداقية>. وهذه العبارات كانت كافية ليفهم المسؤولون اللبنانيون الذين التقوا <فارنو> ان ما كان يحصل حكومياً قبل <17 تشرين> لا يمكن أن يتكرر بعده، ومن أجل ذلك حضر الى بيروت موفداً من الرئيس <ماكرون> لأن باريس <لن تترك لبنان نظراً للصداقة التي تجمع بين البلدين>، ولوجود رغبة اكيدة في ضرورة احترام سيادة لبنان والمحافظة على أمنه واستقراره.

ولم ينسَ <فارنو> الحديث عن المسبب الأساسي لزيارته، وهي <تحرك المواطنين اللبنانيين في الساحات والشوارع>، داعياً الى مقاربة هذا التحرك الشعبي المتجدد بانتباه <وحسن تعامل> لاسيما وان هؤلاء الأشخاص يرفعون راية الاصلاحات التي التزمتها الحكومة اللبنانية في مؤتمر <سيدر> والتي تتمسك باريس بأهميته وضرورة تفعيله بعد تشكيل الحكومة الجديدة. لكن الموفد الفرنسي اعتبر ان هذه الاصلاحات ليست لإرضاء حكومة بلاده، <بل هي العامل الأساسي لإعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، ومنها الى الأسواق العالمية والمجتمع الدولي الذي ينظر الى لبنان بكثير من الألم لرؤيته يتخبط دائماً بمشاكل وصعوبات تريد فرنسا أن يخرج منها نهائياً لا أن تتجدد كل عشر سنوات تقريباً>. وحرص <فارنو> على تسجيل ارتياح بلاده للمعاملة الحسنة التي لقيها المتظاهرون والمعتصمون في الساحات من القوى الأمنية، مرحباً خصوصاً برغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتحاور مع المتظاهرين والاستماع إليهم والإصغاء خصوصاً الى مطالبهم تمهيداً للتجاوب معها.

وسجل الموفد الفرنسي <احترام> الحكومة لحرية التعبير والتظاهر معتبراً ان الايجابية لها دائماً نتائج مفيدة حيال المشاكل المطروحة.

لبنان ساحة انطلاق فرنسية!

 

ومع الاهتمام بضرورة الاسراع بتشكيل الحكومة العتيدة، رأى السفير <فارنو> ان خيار نوعية الحكومة، سواء كانت من التكنوقراط أو من السياسيين والتكنوقراط على حد سواء، يشكل عاملاً أساسياً لإحياء الثقة بالدولة وبمؤسساتها، سائلاً عن أسباب الجمع بين السياسية والتكنوقراطية ليأتيه الجواب بأن النظام البرلماني اللبناني أوجد كتلاً برلمانية في مجلس النواب هي التي تمنح الثقة للحكومة أو تحجبها عنها، وبالتالي لا بد أن تتمثل هذه الكتل في الحكومة كي تؤمن لها الغطاء السياسي الضروري الذي يقيها شر المماحكاة في مجلس النواب كلما دعيت الى جلسة اسئلة وأجوبة، أو جلسة تشريعية... وما يعزز هذا الخيار، كما قيل للموفد الفرنسي، هو وجود سياسيين تقنيين يمكنهم أن يشاركوا في الحكومات التكنو ــ سياسية للاستفادة من خبرتهم المزدوجة في السياسة كما في الخبرات والمعرفة. لكن <فارنو> كان مهتماً جداً بالوضع الاقتصادي الذي تخشى بلاده أن يتردى أكثر وتكون له انعكاسات مستقبلية على مسار مؤتمر <سيدر> التي تريد باريس له أن <ينتعش> من جديد بعد <غياب قسري> قارب من سنتين!

وتقول مصادر متابعة ان الموفد الفرنسي سمع كلاماً واضحاً عن أهمية لبنان كأرضية للوجود الفرنسي في المنطقة، والذي تنطلق منه المصالح الفرنسية الى دول الجوار من جهة، ودول المنطقة من جهة أخرى، في ما اعتبرته المصادر رسالة لبنانية واضحة لفرنسا بأن تهتم أكثر بلبنان وبمؤسساته واقتصاده، لا أن يبقى هذا الدعم مجرد كلام يتم ترداده كلما بدا ان في الأفق ازمة يمكن أن تؤثر على المصالح الفرنسية في لبنان. من هنا حرص <فارنو> على القول إنه استمع الى كل الأطراف السياسية وانه شجع على الاستماع الى مطالب المتظاهرين <المحقة> وضرورة الأخذ في الاعتبار لوجودهم الفاعل على الأرض ولتطلعاتهم، كي يخرج لبنان من هذا الجمود الراهن الذي يؤمن أن يكون جموداً مؤقتاً. والرسالة الاضافية من الموفد الفرنسي كانت تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لتطبيق <سيدر> <لأننا لا نزال ملتزمين بها وانما لا يمكننا الانتظار الى ما لا نهاية>! ومع هذا <الحرص> بدا <فارنو> جازماً بأن الأزمة اللبنانية لم تدوّل، لكن لا يمكن استبعاد ما يحصل عن الاتصالات الدولية والاقليمية التي حصلت أو سوف تحصل.

وعلمت <الأفكار> ان <فارنو> سوف يتناول الملف اللبناني مع نظيره الأميركي مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط <دايفيد شنكر>، للبحث في أسباب ما يحصل في لبنان، لاسيما بعدما سمع <فارنو> خلال وجوده في بيروت كلاماً عن وجود إشارات واضحة على <تدخلات خارجية> في الأحداث الجارية، وبعض هذه الإشارات تتجه صوب واشنطن ومؤسساتها الاجتماعية ومنظماتها الأهلية!