بفستان أبيض عاجي وسترة مقصبة بالخيوط الذهبية والفضية ابتدعتها أنامل المصمم اللبناني العالمي جورج حبيقة، أطلت الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي على ما يزيد عن اربعة آلاف عاشق لصوتها من لبنان والوطن العربي كله. بدت الفنانة وكأنها اميرة القصر الشهابي التاريخي، ومن على شرفته حيّت الجمهور الذي انتظرها.فالحفلة هذه وعلى لسان الرومي نفسها ارادتها الأكبر لهذا العام.وان اعلنت مضيفة السهرة عبر المذياع ان اللقاء بالرومي سيكون على امتداد ساعة ونصف الساعة، اعلنت النجمة بنفسها ان لقاءها بجمهورها سيكون على مدى ساعتين، فهي عندها لهم غير الغناء الذي وكما أعلنت هي ايضاً <ليس اقصى طموحي> وقد ثبتت قولها هذا بما صرحت به قبل الحفلة:

<قضية القضايا في قلبي هي سيادة لبنان. حقه بالاستقلال هذا سيكون أساسياً في بيت الدين> وفي الحفلة أعلنت ولاءها للبنان الدولة والمؤسسات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، فقالت:

- سيدي الرئيس قصيدة غنيتها منذ سنوات طويلة ووجهت الصرخة فيها في كل مرة غنيتها إلى رئيسي، رئيس جمهورية لبنان الحر المستقل. وجوده على هذا الكرسي، كانت الصرخة دائماً له وفي غيابه.. مطرحه محفوظ في ضميري وفي مقدساتي.

 اللافت هنا ما بعد حفلة الرومي، ما علق به فخامة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان على صفحته الخاصة حيث كتب:

<الداعشية الإرهابية لم تستطع إفراغ لبنان من مهرجاناته الفنية والثقافية، عسى ألاّ يطول الفراغ في كرسي الرئاسة، بسبب <الداعشية السياسية>. ولعلّ صوت السيّدة ماجدة الرومي الصادح في أغنيتها أمس في بيت الدين <سيدي الرئيس> يوقظ ضمائر النواب للقيام بواجبهم الدستوري فوراً>.

 أما حبيب يونس احد قطبي كلمات اغنية <سيدي الرئيس> التي استهلت بها ماجدة الرومي حفلتها، فقال:

- فرحت كثيراً لما افتتحت ماجدة الرومي حفلتها بمهرجان بيت الدين بأغنية <سيدي الرئيس> التي كتبتها أنا والشاعر هنري زغيب، بناءً على فكرة من ماجدة، سنة 1996، واستمر مخاض تأليفها حتى ظهرت بالشكل الذي ظهرت فيه، قرابة سنة، ومخاض تلحينها مع الملحن المصري الدكتور جمال سلامة، قرابة سنة ايضاً وتم غناؤها للمرة الأولى سنة 1998 ما يعني أن عمر الاغنية 16 عاماً وما زالت صالحة لهذا ـ الزمان وكل زمان، والكرسي الفارغ البارحة في افتتاح الحفلة، خير شاهد.. <حلوي الإشيا اللي ما بتموت>.

 عيد.. يا ايلي

<سيدي الرئيس> اذاً كانت الاغنية الاولى في المقر الرئاسي الصيفي الشاغر من سيده. الكرسي الفارغ والعلم اللبناني بجانبه تحت اضاءة مسلطة عليهما أعطيا معنى كبيراً جداً في مقدمة الحضور وعلى الشاشتين العملاقتين من كل جانب من المسرح. على هاتين الشاشتين استرعت الانتباه، الى الفنانة الكبيرة، صورة الشاعر طلال حيدر ضيف الشرف في مقدمة الحضور وهو يدمع طوراً ويصفق طوراً آخر. فمولوده العزيز عليه جداً يخرج الى النور من على هذه الخشبة التاريخية:  أغنية <الحرية>. فصاحب <وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان>، نظم كلماتها وغنتها السيدة فيروز والتي يمكن لاي طالب للرقم الهاتفي لطلال حيدر ان يستمع اليها قبل ان يجيبه الشاعر البعلبكي ـــ العربي، يشهد اليوم على اغنية اخرى للوطن ولأبنائه حفظوها ورددوها حتى قبل ان تقول ماجدة: <عيد يا ايلي> (ايلي العليا قائد الفرقة الموسيقية المؤلفة من 45 عازفاً وكورس من 30 منشداً) بناء على طلب الجمهور. وبـ<الحرية> ايضاً اختتمت ماجدة حفلتها بعد <يا بيروت> وتقول كلماتها:

<على باب العتمي معلَّق

قنديل الدار

ما تقولوا طوَّل هالليل

قولوا بكرا جايي نهار

وما تقولوا صار اللي صار

وما عِدْنا صحاب القرار

اذا الظلم بيربح جَوْلي

الحرِّية قَدَر الاحرار

يا رَيْتا بتحكي لجبال

وشي مرّة بتشهد لطيور

تيقولوا كم احتلال

كَسَرنا ع هالصخور

نحنا النور اللي بيخلق

من قلب النار

عساف:  بسيطة.. عميقة

هذه ليست المرة الاولى التي يتعاون فيها نجما الشعر والاغنية. فقد سبق لحيدر ان كتب لماجدة اغنية <العرس> التي لحنها سليم عساف، ملحن اغنية <الحرية> أيضاً. عن الصدى الكبير للاغنية في الحفلة، قال عساف لـ<الافكار> التي التقته في بيت الدين:

- توقعت الصدى الطيب والتفاعل من قبل الجمهور لكن ليس الى هذه الدرجة. فقد حفظها الجمهور ما ان سمعها. للصراحة كنت مقررًا البقاء خلف المسرح لكن شيئاً ما دفعني الى الجلوس ما بين الجمهور حتى أرصد ردة الفعل الفورية وكان ما فاق التوقع.

لا يعزو عساف نجاح الاغنية لتعطش الناس الى مفاهيم القوة والحق والحرية في الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، إنما لجمال الاغنية بذاتها التي التقطها الناس في غضون ثوانٍ، اذ يتكامل فيها الشعر مع الموسيقى والاداء الرائع. برأيه، هي بسيطة وعميقة في آنٍ معاً واللحن قريب جداً من السمع والقلب. استغرق لحن الاغنية مدة أسبوعين ولم تكن الامور مع النجمة صعبة، هي المعروف عنها انتباهها الشديد الى أدق التفاصيل <صرنا معودين على بعضنا وعلى طريقة الشغل>.

وعما اذا كانت ماجدة قلقة قبل اعتلائها المسرح من ردة الفعل على الاغنية الجديدة، قال عساف: <لا، لأنها مؤمنة بها جداً وبالأسلوب الذي تم العمل به>. ولا يعتبر عساف اغنية <الحرية> وطنية، مفضلاً اعتبارها تعبيراً عن احساس ووجدان. فصاحب اغنية <ولاد البلد> لا يفصل الاغاني او يصنفها على اسس وطنية او رومانسية، بل على أساس نقل احساس الى الجمهور اياً كان مضمونه. فالعاطفية يمكن ان تكون وطنية وبالعكس.

الى ذلك، اثنى عساف على فكرة الكرسي الرئاسي الشاغر في مقدمة الحضور، فهذه الرسالة الصارخة شديدة الاهمية وهي بذلك تحمّل الرئيس المقبل أياً كان مسؤولية ما يجب ان يكون عليه. أما حول اطلاق الأغنية في الاسواق ضمن الاسطوانة المقبلة، قال عساف لـ<الافكار> انها سجلت بطريقة مباشرة في بيت الدين مع الاوركسترا المرافقة وهذه هي الطريقة الفضلى، لذلك ستبث بهذا الشكل، وما من داعٍ لتسجيلها في الاستوديو. هذا، وسيثمر التعاون ما بين ماجدة الرومي وعساف أعمالاً جديدة، هو الذي درس الموسيقى وتعمق بها في كونسرفاتوار جامعة <بيركلي> في بوسطن حيث تخصص بالموسيقى التصويرية.

 ضغوطات حتى لا اغني..

الى <سيدي الرئيس> و<الحرية>، كان لماجدة الرومي وقفة مع الشهداء الذين يتساقطون في العالم العربي كله. هي اعترفت للجمهور ان ضغوطاً كثيرة تعرضت لها، كي لا تغني أغنيات وطنية في هذا الاحتفال، «لكن قلبي لا يطاوعني أبداً». وعن الشهداء أكدت انه «من الصعب جداً أن يمر الشخص مرور الكرام على هذا الدم الطاهر. أنا لبنانية من هذا التراب وإلى هذا التراب أعود ولكن أنا لبنانية عربية كل مطرح في العالم العربي يعنيني»، وأضافت: «قلبي مع مصر، قلبي مع تونس، قلبي على سوريا، قلبي على العراق، قلبي على ليبيا، قلبي على اليمن، قلبي على فلسطين، قلبي على الكل. الخطر يشمل الكل تحية من نص قلبي لكل الشهداء الذين سقطوا على امتداد العالم العربي...>.

ويقول مطلع نشيد الشهداء الذي كتب كلماته ولحنه الفنان الكبير ايلي شويري:

<من هالساحة عم ناديكم يغمر صوتي سهول جبال دق أبواب السما حييكم ننساكم نحنا مين قال حتى الوفا مابيكافيكن ما بتتكافوا يا أبطال الليلة كلمة رح أهديكم رحتوا بس تركتوا رجال>.

 للمرة الخامسة.. نجاح

العلم اللبناني الذي انحنت ماجدة الرومي لتقبيله طويلاً أبت إلا ان توجه من خلاله رسالة للوطن كله: <من حقنا أن نحلم بوطن بحجم معاناتنا، وطن يليق بدم الشهداء الذين سقطوا منذ أول الحرب إلى اليوم، هذه صرخة طالعة من قلبي، طالعة من ضميري، أمنيتي أن تصل إلى المسؤولين عنا، وإذا لم تصل، أؤكد وأجزم انه يوجد من يسمعني اليوم. هناك قلب ربنا في السماء>.

للمرة الخامسة من عمر مهرجان «بيت الدين> الذي يبلغ عامه العشرين قريباً تقف الـ<ديفا> ماجدة الرومي . كل لقاء لها مع هذا المسرح هو عنوان نجاح. نجاح للنجمة المغنية، وللنجمة حاملة الرسالة الاجتماعية والوطنية، وللنجمة الشاعرة أيضاً التي كانت تكتب في السابق تحت اسماء مستعارة وباتت تبوح باسمها في العلن اليوم. في <ألبومها> الاخير <غزل>، كتبت كلمات ثماني أغنيات سمعنا منها في بيت الدين <العالم النا> و<اقبلني هيك>. كذلك استعادت الرومي «عم يسألوني عليك الناس» و«بالقلب خليني» و«غني أحبك ان تغني» و«أحبك جداً» و«مطرحك بقلبي» و«انا منك وانت مني» و«خذني حبيبي» وغيرها. فماجدة اختارت لبيت الدين الحفلة التي نفدت بطاقاتها قبل أكثر من شهر توليفة من 18 اغنية فيها القديم والجديد ،الرومانسي والوطني. غنت رائعتها <عم احلمك يا حلم يا لبنان> التي كتبها الشاعر سعيد عقل ولحنها الموسيقار الياس الرحباني متخطية ما قاله ابنه غسان عنها وقابلة اعتذاره، وكان غسان قد هاجم صوتها، كرد فعل على عدم ذكر ماجدة اسم والده حين تحدثت عن هذه الاغنية، الا ان اتصالاً قد جرى ما بين ماجدة والياس غسلت فيه القلوب ولم يكن غسان على علم بهذا الاتصال فهاجمها. ولما أخبره والده ان التهاتف بينهما قد جرى واتفقا على اللقاء وتناول طعام الغداء معاً، عاد الابن واعتذر من النجمة التي قبلت الاعتذار برحابة صدر.. كذلك فقد غنت ماجدة ما كان منتظراً منها في قلب الشوف اغنية <شوف شوف يا حبيبي شوف> المعروفة بـ<اعتزلت الغرام> التي لحنها لها الموسيقار ملحم بركات متخطية الخلاف معه، على الرغم من تكرارها انه يصعب عليها التعاون معه من جديد لأنه <انسان عصبي>، وهي صعب عليها في هذا العمر ان تتحمل هذا العيار من التجريح وهذه العصبية، وأكدت ان القلوب صافية بينها وبين الموسيقار. وعلى ذكر الشوف، نلفت الى ان محمية أرز الشوف استقبلت ماجدة الرومي وقامت بتكريمها وغرس شجرة أرز باسمها وسط محبيها.

تستمر مهرجانات بيت الدين حتى التاسع من آب/ أغسطس المقبل، حيث سيغني الفنان العراقي كاظم الساهر في الأول والثاني من آب المقبلين، كما يستضيف المهرجان فرقتين من حلب واسطنبول لتؤديا موشحات وأغانٍ صوفية في العاشر من تموز/ يوليو. كذلك يشمل برنامج المهرجان حفلتين غنائيتين غربيتين إحداهما لنجمة <السول> و<البوب> البريطانية <جوس ستون> والثانية للمغنية البريطانية الجورجية <كاتي ميلويا>.

يا رب السلام أعطِ العالم العربي كله خصوصاً الشعوب العربية المتألّمة... السلام..

هذا التمني الذي وجهته ماجدة الرومي الى اللبنانيين بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم نرفعه معها بانتظار الحدث الكبير الذي ستتكلم عنه لاحقاً وبانتظار البومها الجديد الذي أعلنت النجمة انه سيكون من أجمل <الالبومات>، اذ انه يضم نخبة من أبرز الاسماء المهمة مثل نزار قباني، سعيد عقل، طلال حيدر، بالاضافة الى الوجوه الشبابية مثل جان ماري رياشي، احسان المنذر، سليم عساف، وغيرهم وذلك بعدما تلتقي جمهورها في فيينا يوم 8 آب/ أغسطس المقبل.

فمن بيت الدين ستنتقل <ليالي الانس> الى فيينا هذه المرة.