تفاصيل الخبر

”مافيا“ الفساد هي دولة لبنان الحقيقية!  

08/04/2016
”مافيا“ الفساد هي دولة لبنان الحقيقية!  

”مافيا“ الفساد هي دولة لبنان الحقيقية!  

بقلم خالد عوض

iceland  

ثقافة الإنكار أصبحت في لبنان مع الأسف مدعاة للفخر والاعتزاز ووسيلة تعبير عن الحس الوطني. ليس الوقت وقت التعليق على جريدة <الشرق الأوسط> و<الكاريكاتور> الذي <أقام الدنيا ولم يقعدها> أو على أقوال فنانة من هنا أو هناك تنتقد لبنان الشعب أو الدولة. الملفت هو الرد الذي تباهى به اللبنانيون وكأن البلد وشعبه لا يستحقان الانتقاد.

قبل <الكاريكاتور> بأقل من أسبوع، هكذا وردت عناوين الصحف ونشرات الأخبار اللبنانية:

القبض على شبكة دعارة واتجار بالبشر مدعومة من سياسيين وأحزاب. فضيحة سرقة كبيرة في قوى الأمن الداخلي، نعم الأمن، بالتأكيد، متورطة فيها مجموعة كبيرة من مختلف المناصب في السلك الأمني. الكشف عن مجموعة شبكات تبيع اشتراكات <الإنترنت> من دون ترخيص، مشتبه في انتمائها الوطني وتحصل على تغطية من سياسيين وضباط.

إذا كان كل هذا لا يستأهل رسم <كاريكاتور> يسخر من دولة لبنان التي تنهش نفسها بالفساد، فما هو إذاً ما يستحق ذلك؟

الكلام عن <أن شعب لبنان أدرى بشعابه> ومن غير الجائز على <الغريب> انتقاده، لا يصح عندما يكون حجم الفضائح بهذا الشكل.

المتورطون في الشبكة الهمجية التي قُبض عليها بالصدفة وليس بالبحث والتحري هم لبنانيون في معظمهم ومن مختلف الطوائف. الموضوع نفسه ينطبق على قوى الأمن وموزعي <الإنترنت> غير الشرعي، عندما يصل حد الاستهتار بالدولة إلى هذا الدرك من قِبل اللبنانيين أنفسهم، يجب أن لا نستغرب أننا أصبحنا مضرب مثل وسخرية في التسيب والانحلال.

salamالتراجع الأخلاقي في البلد ليس وليد البارحة ولا أتى فجأة، بل هو نتيجة تراكم تفكّك سياسي واجتماعي منذ الحرب، الكل يتحمل مسؤوليته.

<فلاش> إلى ايسلندا. دولة قطبية شمالي اوروبا عدد سكانها حوالى ٣٢٠ ألف نسمة والناتج المحلي فيها لا يزيد عن ١٥ مليار دولار. رئيس الوزراء <سيغموندور ديفيد غونلوغسون> استقال عندما ظهر اسم زوجته في الوثائق التي تسرّبت من مكتب محاماة <فونسيكا> في <بنما> بعدما تبيّن أنها تملك شركة <اوفشور> هناك، ولها تعاملات مع المصارف الايسلندية. حوالى عشرين ألف مواطن ايسلندي نزلوا إلى البرلمان حاملين الموز واللبن لبضع ساعات فاستقال رئيس الوزراء. ايسلندا، الجزيرة القطبية، يمكن أن تفخر أنها دولة. ليس لأن لديها برلماناً بل لأن رئيس وزرائها انحنى أمام غضب الناس الذين تظاهروا أمام البرلمان. الدولة تبدأ بالناس وليس بالسياسيين.

تُرى ماذا يمكن أن يظهر لو رُفعت السرية المصرفية عن زوجات السياسيين اللبنانيين؟ أو بالأحرى يجب أن يكون السؤال: ماذا يمكن أن يفعل اللبنانيون لو تبيّن أن زوجات بعض السياسيين في بلدهم يملكن أموالاً طائلة مجهولة المصدر؟ والجواب بصراحة: لا شيء يُذكر أو يؤدي إلى تغيير حقيقي. غرق البلد في الزبالة ثمانية أشهر وعاد إلى نقطة الصفر مع <سوكلين> مع أن الجميع يعرف أن مجموعة متنوعة من السياسيين يقبضون نسبة من مدخولها.

<كاريكاتور> <الشرق الأوسط> أخطأ بحق لبنان. ليس لأنه سمى الدولة اللبنانية كذبة فهي موجودة بكامل عدة الحكم. ولكن هناك <مافيا> أهم وأقوى من الدولة هي التي تدير الأمور في السلطة. سلاحها الأول هو النظام الطائفي التحاصصي، والقاعدة الثانية التي تبني مملكتها عليها هي التراجع في القيم والمبادئ واستفحال الطمع والعوز. وبدل أن يكون الإعلام المفترض أنه السلطة الرابعة موجها ضدها بالفعل، أصبح جزءاً من <جوقتها>.

الحل؟ صعب وطويل ولكنه ممكن لو توافر مسؤول بطل. والحل يبدأ من خلال وزارة التربية وتثقيف الناس، يواكبها مشروع قانون محاسبة حقيقية لا عفو عام. المشكلة أن المرض هو في القاعدة وليس في الرأس.