تفاصيل الخبر

معركة سياسية ودبلوماسية شرسة لانتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في رسم حدود دولته!  

31/12/2015
معركة سياسية ودبلوماسية شرسة لانتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في رسم حدود دولته!   

معركة سياسية ودبلوماسية شرسة لانتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في رسم حدود دولته!  

بقلم صبحي منذر ياغي

 

316653_10151389214289923_2063527048_n     في العام 2015 الماضي، احتفل الشعب الفلسطيني بـ<اليوبيل الذهبي> لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني <فتح> في 1/1/1965، فهذه الانطلاقة يعتبرها البعض انها جسدت علامة فارقة بعدما كان العالم اجمع ينظر إلى الفلسطينيين في إطار كونهم تجمعات سكانية هنا وهناك تحتاج إلى المساعدات والمعونات الإنسانية والحياتية. وبقيت شعلة الثورة مستمرة رغم كل ما تعرضت له من ضربات ومؤامرات، وتبقى اليوم ثورة السكاكين في الارض المحتلة شاهدة على شعب ما زال مؤمنا بحقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

<اتكالاً منا على الله وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لإسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بالموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيماناً منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم... لذلك فقد تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة في ليلة الجمعة، 31/12/1964- 1/1/1965، وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة>.

عبارات حملها البلاغ العسكري رقم <1> لحركة <فتح> في 1/1/1965، الصادر عن القيادة العامة لقوات <العاصفة>، معلناً بداية العمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي مع <عملية عيلبون> التي استشهد فيها أحمد موسى الدلكي، ليكون الشهيد الأول في الثورة الفلسطينية.. فكانت هذه الكلمات التي حملها هذا البلاغ العسكري كفيلة بلفت انظار العالم الى انطلاقة الثورة الفلسطينية التي نمت وكبرت وصار لها حضورها العربي والدولي، وصارت امراً واقعاً عمده الفلسطينيون بدمائهم التي سالت من اجل تحرير فلسطين السليبة التي اغتصبها الصهاينة في العام 1948.... وحذر البيان العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا، <لأن قواتنا سترد على الاعتداء باعتداءات مماثلة، وستعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب، كما نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو بأي شكل كان، لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح هذه الدول للدمار اينما كانت>.

11703058_1432361523756933_6737494228749697590_n 

رد الفعل الاسرائيلي

 

رد الفعل الاسرائيلي السريع على نشاط قوات <العاصفة> كان يوم 14 كانون الثاني/ يناير 1965، عندما اعلن الناطق العسكري الصهيوني اعتقال مجموعة من المتسللين العرب كانت متجهة لتدمير منشآت المياه في اسرائيل لمصلحة منظمة ارهابية سرية. ففي ذلك الوقت كان مشروع اسرائيل بتحويل مياه الاردن يثير جدلا كبيراً، وكان الهدف الاول لـ<العاصفة> تخريب ذلك المشروع. وقالت صحيفة <معاريف> الاسرائيلية ان المنظمة الجديدة تُدعى <قيادة قوات الهلال الفلسطينية>، فيما حث رئيس الوزراء الاسرائيلي <ليفي اشكول> الاسرائيليين في كلمة ألقاها يوم 19/1/1965 على الاستعداد، وبدت الحالة أشدّ خطورة عندما قال <اشكول> لرجال <الهاغانا> السابقين في خطاب ألقاه يوم 26/1/1965 بأنهم قد يدعون الى الخدمة مجدداً لحماية اسرائيل من <المخربين>.

 

من<فلسطيننا> الى <فتح>

 

تعود نشأة حركة <فتح> الى عام 1959 عندما تجمّع عدد من الشباب الفلسطيني، كان بعضهم قد شارك في العمليات الفدائية في غزة عام 1956، وتنادوا لتنظيم نوع من الدعاية والنشاط السياسي، لكنهم لم يكونوا آنذاك يعملون تحت اسم <فتح>.. فبعد عدوان 1956، بدأ تنامي القوى الفلسطينية يشتد أكثر حيث برز العديد من المنظمات الصغيرة، والتي وصل عددها الى حوالى 25 منظمة، كلها تسعى للوصول إلى الهدف نفسه، وهو النضال من أجل فلسطين. وصـدرت فـي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1959 مجلة شهرية باسم <فلسطيننا>، دعت إلى كيان فلسطيني مستقل عن الأنظمة العربية. وفي نهاية الخمسينات تأسست <حركة التحرير الوطني الفلسطيني> وكانت نواتها الأولـى:  ياسـر عـرفات <أبو عمار>، خـليـل الوزير <أبو جهاد>، سليم الزعنون <أبو الأديب>، صلاح خلف <أبو إياد>، سعيد المسحال وكمال عدوان... وجرى دمجها مع مجموعة أخرى كانت قد تشكلت في قطر والسعودية تحمل الأفكار نفسها، يقودها محمود عباس <أبو مازن>، ومعه:  محمد يوسف النجار <أبو يوسف>، رفيق النتشة وسليمان الشرفا... وأصـدرت فـي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1959 واستكملت الجناح العسكري <العاصفة> في العام 1962.

وكان للمملكة العربية السعودية دورها الاول في دعم انطلاقة هذه الحركة الثورية. وبرأي الكاتبة دنيا حبيب نحاس ان هزيمة العرب على يد اسرائيل في حزيران/ يونيو1967 كانت الولادة الثانية لـ<فتح>، كما اكدت إصرار الحركة على شن حرب شعبية طويلة الامد...

 

3164411737عرفات في السجون العربية

وبعد التهديدات التي اطلقها <اشكول>، امرت القيادة العربية بايقاف نشاط اعضاء حركة <فتح>، ونظمت وسائل الاعلام العربية حملة ضدها متهمة اياها بالعمل لحساب الحلف المركزي بغية اعطاء اسرائيل ذريعة لمهاجمة البلدان العربية. فكان عرفات ومعه قادة <فتح> يتعرضون للاعتقالات، إذ تم اعتقال ياسر عرفات في سوريا وعدد آخر من قيادات حركة <فتح> وزُج بهم في معتقل الشرطة العسكرية القديم قرب جامعة دمشق، ومن ثم إلى سجن المزة العسكري، وسبق وأن تم اعتقال ياسر عرفات في سوريا مع نهاية العام 1965، كما اعتُقل بداية العام 1966 في لبنان في ثكنة مار الياس إثر محاولته التسلل الى داخل الأراضي المحتلة عند بلدة كفركلا اللبنانية المجاورة للحدود الفلسطينية، حيث دام الاعتقال ثلاثة أسابيع، بعد أن أُحيل الى مخابرات المكتب الثاني اللبناني برئاسة الضابط سامي الخطيب، ويروى عنه انه خلال فترة اعتقاله في ثكنة مار الياس في بيروت امسك بقضبان السجن مهدداً ومتوعداً بتدمير بيروت. وكانت السلطات المصرية اعتقلت ياسر عرفات بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر على يد جماعة الإخوان المسلمين في تشرين الاول/اكتوبر 1954 لانه كان ناشطاً طلابيا ويُعتبر من المتعاطفين مع الإخوان مع انه لم ينضم اليهم.

 

الكفاح المسلح

 

وحسب الزميل هيثم زعيتر الذي اعد دراسة عن انطلاقة الثورة ان قرار خيار الكفاح المسلح من خلال العمل العسكري، سبقه اتساع الخلافات داخل اللجنة المركزية لحركة <فتح> في الكويت حول تقديم موعد انطلاقة الثورة الفلسطينية من بداية العام 1965 ثلاثة أشهر، وكان لصوت محمود عباس <أبو مازن> و<أبو الأديب> إلى جانب ياسر عرفات <أبو عمار> وخليل الوزير <أبو جهاد>، الحسم في اللجنة المركزية لحركة <فتح>، عند التبيان بشأن تحديد موعد انطلاق الكفاح المسلح يوم 1 كانون الثاني/ يناير 1965..

 

<عملية عيلبون>

palestine-flag  

ولدى اتخاذ قرار القيام بعمل عسكري في منتصف العام 1964، اختير هدف العملية الأولى والتي حملت اسم <عملية عيلبون>، لعدة أسباب ومنها:

- إن الحكومة الإسرائيلية بدأت تُخطط لسرقة المياه العربية من خلال العديد من المشاريع التي كانت تقوم بها عبر تحويل مجرى نهر الأردن نحو خزان مياه طبريا، حتى لا تصل المياه إلى أراضي صحراء النقب - جنوبي بئر السبع، وقد أطلقت على هذا المشروع <مشروع المياه القُطري>، وقرّر <أبو عمار> وأعضاء اللجنة المركزية لحركة <فتح> أن يكون الهدف الأول لعملهم في الكفاح المسلح العسكري، ضرب مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، وتم تحديد هذا الهدف - أي مشروع تحويل مجرى نهر الأردن باتجاه بحيرة طبريا، والذي بدأ بضخ المياه عبر قناة مائية مكشوفة - شمالي غربي البحيرة وحتى قرية <عيلبون> في الجليل.

 

 تنفيذ العملية

 

تنقل افراد المجموعة بين الجبال والوديان سيراً على الأقدام، يحملون المتفجرات، مختبئين نهاراً، ومستأنفين المسير ليلاً، وظلوا على هذه الحال ثلاثة أيام حيث التقوا بدليل كان ينتظرهم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ساعدهم في الوصول بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر إلى المنطقة التي سيتم فيها تنفيذ العملية، فقام وحش إبراهيم وحسن حميدي بزرع المتفجرات داخل النفق، ثم ضبطا ساعة التوقيت للتفجير بتاريخ 1 كانون الثاني/ يناير- أي صبيحة اليوم الأول من السنة الجديدة، وعادوا أدراجهم باتجاه النهر، فتناولوا طعام السحور، ثم توضأوا وأقاموا صلاة الفجر، بعدها انقسموا إلى فرقتين، أخذت كل منهما طريقاً تختلف وجهته عن الأخرى، وكانوا قد فرّغوا أسلحتهم قبل دخول الحدود الأردنية ليدخلوا إليها من دون أسلحة.

وأعلنت حركة <فتح> البلاغ العسكري <رقم 1> الصادر عن القيادة العامة لقوات <العاصفة>، مُطلقة العمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي حيث اعتُبر هذا التاريخ بداية انطلاقة الثورة الفلسطينية.

 

لا لتقزيم النضال

تصنيع-المولوتوف

لم تكن الثورة الفلسطينية وليدة الأول من كانون الثاني/  يناير 1965، بل إن ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية كان قبل احتلال الإنكليز لفلسطين عام 1918. وحسب ما قاله الباحث الفلسطيني بدر الدين مدوخ <ان الشعب الفلسطيني هب قبل ذلك التاريخ مندداً بالعديد من السياسات التي تنتقص الحقوق الوطنية الفلسطينية، فلقد خرج الشعب مندداً بـ<وعد بلفور> المشؤوم، ثم كانت الثورات العديدة في عهد الانتداب الإنكليزي، فكانت ثورة 1919، ثم الثورة اللاهبة في القدس عام 1920، ثورة يافا عام 1920والتي استمرت أسبوعين، ثم ثورة البُراق والتي وقعت بين العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض وبين المستوطنين اليهود، كان ذلك في شهر آذار/ مارس عام 1929 والتي أعدم الإنكليز على أثرها عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي، ثم ثورة القسام عام 1935، ثم الإضراب الشهير والذي امتدّ 183 يوماً، ثم ثورات عديدة قام بها الشعب الفلسطيني ضد أعدائه>.

واعتبر بدر الدين مدوخ غامزاً من قناة حركة <فتح> ان الجرم الكبير الذي نرتكبه - نحن كفلسطينيين - عندما نختصر ثورتنا الفلسطينية بانطلاقة فصيل فلسطيني بعينه، أياً كان هذا الفصيل. لقد قدّم الشعب الفلسطيني بجميع شرائحه العشرات بل المئات من الشهداء والجرحى قبل عام 1965، وعرف الثورات والأحزاب والحركات والتنظيمات قبل انطلاقة حركة <فتح> - على الأقل - بثلاث وعشرين سنة من التفكير بإنشاء حركة <فتح> عام 1957 حيث تأسس حزب الدفاع الوطني، والحزب العربي الفلسطيني عام 1934. بل إن المؤتمرات الوطنية والقومية عُقدت قبل ذلك بعقود، فقد عُقد المؤتمر القومي الأول في القدس عام 1919.

ويعتبر مدوخ بأن الإدعاء بأن الثورة الفلسطينية انطلقت في الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1965 يمثل تقزيماً للنضال الفلسطيني، الأمر الذي يعكس ثقافة هذا التنظيم المبنية على تجاهل الغير أو احتواء الآخرين وتهميش دورهم وتقزيم تضحياتهم، بل إن سيطرة حركة <فتح> على منظمة التحرير كانت مبنية على اتهامات نسجتها بطريقة ذكية لإسقاط أحمد الشقيري كأول رئيس لمنظمة التحرير، لتسيطر هي على المنظمة بعدما خافت على وجودها من تنامي قوة جيش التحرير التابع للمنظمة وانضمام أغلب الشباب له، مما اضطرها للدخول في المنظمة للسيطرة عليها في الرابع من شباط/ فبراير عام 1969، أي بعد خمس سنوات من تأسيس المنظمة في 28/5/1964 عشية انعقاد المؤتمر الفلسطيني الأول في مدينة القدس.

واضاف: ينبغي ألا نختزل تاريخ الشعب الفلسطيني ومن خلفه شهداء العرب والمسلمين في تاريخ فصيل أو منظمة، فالأول من كانون الثاني/ يناير هو تاريخ إعلان <فتح> عن نفسها، لكنه ليس بحال من الأحوال تاريخ انطلاق الثورة الفلسطينية.

 

الاعتراف بالدولة الفلسطينية

10 

في حين اعتبر الزميل محمد طبش ان حركة <فتح> بانطلاقتها التاريخية في الفاتح من كانون الثاني/ يناير عام 1965، أرست ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني  أركان المشروع الوطني التحرري، وما يؤكد ذلك هو كون حركة <فتح> هي الفصيل السياسي الوحيد الذي يجسد اسمه <حركة التحرير الوطني>، ومصطلح <الوطني> لم يأتِ في برنامج أي من الفصائل السياسية، ومن هنا فإن هذه الحركة، وبكل موضوعية وبعيداً عن أي مبالغة في القول، هي صاحبة وأم المشروع الوطني الفلسطيني .

واضاف: تأتي ذكرى الانطلاقة هذا العام، وكل الأحرار والمناضلين ومحبي السلام في العالم يتطلعون بإعجاب وانبهار إلى مدى صمود واستمرارية هذه الحركة في العطاء ومواصلة المشوار. وفي هذه الأثناء، ثمة معركة سياسية ودبلوماسية شرسة وأكثر تعقيدا من كافة المعارك الأخرى حيث نسير في تجاه انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي ومن المنظمات الدولية كافة يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني في رسم حدود دولته، فالقيادة السياسية الفلسطينية وبتوجيهات الرئيس أبو مازن تطرق كل أبواب العالم وتحشد كل المقومات التي تدفع نحو انجاز هذا الهدف بعد أن وصلت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي إلى طريق مسدود جراء تعنت وتهرب حكومة الائتلاف الديني اليميني العنصري بزعامة <بنيامين نتنياهو> من كافة متطلبات عملية السلام، وتسعى الى تأجيج وتفعيل وسائل الانتفاضة الشعبية السلمية الحضارية لدفع دول العالم ومحبي السلام لمساندة الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه العادلة من خلال تصفية الاستيطان وتفكيك الجدران العنصرية في الضفة الغربية والاعتراف بحدود دولة فلسطين.... وقد ودع شعبنا قبل أيام رمز وبطل هذه الانتفاضة الشهيد القائد زياد أبو عين الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يعانق تراب الأرض الطيبة، وكانت آخر كلماته وهو يصرخ في وجه المحتل: <إن وجودكم هنا غير شرعي ويجب أن ترحلوا>.

فهل يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة بعد مرور 50 عاماً على انطلاقة ثورته، وينال الاعتراف الأُممي لقيام دولته الفلسطينية؟ وهل تتحقق الاماني والحرية التي سقط من أجلها شهداء هذه الثورة في كل أصقاع الأرض؟