تفاصيل الخبر

معركة إدلب ترسم خطوط مستقبل سوريا!

12/03/2020
معركة إدلب ترسم خطوط مستقبل سوريا!

معركة إدلب ترسم خطوط مستقبل سوريا!

بقلم علي الحسيني

في مطلع العام الحالي توعد الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> النظام السوري بعملية عسكرية <وشيكة> رداً على رفض دمشق سحب قواتها من بعض المواقع في إدلب، وقال يومها: هذا آخر تحذيراتنا. بات شن عملية في إدلب وشيكاً. الاسبوع ما قبل الماضي ضجّ العالم بخبر مقتل ما لا يقل عن أربعين جندياً تركياً في إدلب في غارة جويّة توزّعت فيها الاتهامات بين روسيا والنظام السوري إلى ان استقرت في النهاية على الأخير الامر الذي دفع القوّات التركية إلى شنّ هجوم بري افتتحته المعارضة السورية باتجاه جنوب شرقي إدلب بمساندة من الجيش التركي.

سوريا وتركيا.. المواجهة الأبرز والخسائر الأصعب!

 

منذ أيام معدودة بدأ الجيش السوري مع مجموعة من الحلفاء الداعمين له منذ بداية الحرب في سوريا حملة عسكرية بريّة ضد قوّات المعارضة السورية المدعومة من تركيا لاستعادة المناطق التي كانت قد سقطت بيد المعارضة، وقد تميّزت هذه المعركة أو المرحلة الجديدة منذ بدء الحرب بانخراط تركيا الواسع، ودخول قوي لطائراتها المقاتلة، مقابل تراجع لقوات النظام وتقدم للمعارضة المسلحة في أكثر من جبهة وسط خسائر بشرية هائلة من الطرفين كان لحزب الله منها نصيب وافر حيث سقط له ما لا يقل عن اثني عشر عنصراً في غارة نفذها الطيران التركي. ولكن سيطرة المعارضة السورية هذه لم تدم لفترة طويلة إذ سرعان ما استعاد الجيش السوري وحلفاؤه سيطرته على الوضع الميداني تحت غطاء جوي روسي سمح له بالسيطرة على مساحات واسعة في ريفي حلب الغربي وإدلب وريف حماة.

مصدر محسوب على حلفاء سوريا في لبنان يرى أن ما جرى في إدلب خصوصاً لناحية موقف الدولة السورية، أظهر انه كان لدى الجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة الأخيرة، جهوزية ميدانية وعسكرية لافتة، وقد تمثلت ليس فقط في ادارة وتنسيق عمليات هجومية صاعقة وفعالة، بل في ادارة القتال الجوي والصاروخي وقتال منظومات الدفاع الجوي، والتي أسقطت عشرات الطائرات المسيّرة التركية والتي تُعتبر الاكثر تطوراً، وذلك بالرغم من الفارق في القدرات مع الطيران والصواريخ التركية البعيدة المدى، وأيضاً بالرغم من تعرض بعض القاذفات والطوافات الجوية السورية للإصابة، ومع هذا بقيت عمليات الجيش السوري مسيطرة على الموقف، وقد تُرجِم ذلك باستعادة تحرير أغلب النقاط التي تم مؤخراً اعادة الانتشار منها، وأهمها مدينة سراقب الاستراتيجية، مع اعادة تحرير طريق حلب حماه كاملاً.

في المقابل رفع الأتراك من معنويات جيشهم وشعبهم عندما راحوا يتحدثون عن الإنجازات التي حققوها في الميدان، فبينما كانت الطائرات المسيرة التركية تدك عشرات المواقع التابعة للنظام وحلفائه والتي سقط خلالها العديد من العناصر التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، خرج وزير الدفاع التركي <خلوصي أكار> ليعلن أن التحرك العسكري الجديد جاء ضمن عملية أطلق عليها عملية <درع الربيع> ضد قوات النظام، شارحاً حصيلة لنتائج العملية منذ انطلاقتها والتي أفضت بحسب قوله إلى تحييد 2212 عنصراً وتدمير طائرة مسيرة وثماني مروحيات و103 دبابات و72 من المدافع وراجمات الصواريخ وثلاثة أنظمة دفاع جوي بالإضافة إلى مقاتلتي سوخوي 24. وبالموازاة أكدت وكالة الأناضول أن مطار النيرب العسكري في حلب خرج من الخدمة بعد استهدافه من قبل الجيش التركي.

تحرك حزب الله تحت المجهر الإسرائيلي!

بمساعدة قوات النخبة في حزب الله، تمكن الجيش السوري من قلب معركة إدلب لصالحه بعدما كانت قوات المعارضة السورية المسلحة قاب قوسين أو ادنى من حسمها لمصلحتها بمساعدة الجيش التركي، لكن حركة <الحزب> في الميدان لم تكن خارج نطاق عمل الرادارات الاسرائيلية التي كانت ترصد تحركاته وطريقة عمله التي أدت الى سرعة الحسم على الرغم من الخسائر الكبيرة التي طالته. فعلى سبيل المثال نقل موقع <نتسيف نت> الإسرائيلي، الذي تربطه صلات وثيقة بالجهات الاستخباراتية في تل أبيب أن الجهات الأمنية والعسكرية كانت تدرس بقلق المعركة التي خاضها حزب الله في مدينة سراقب في ريف إدلب خصوصاً وانها المرة الأولى التي يشن فيها <الحزب> حملة عسكرية واسعة النطاق نسبياً في الليل. وأشاد الموقع بـ<البراعة> التي أبداها مقاتلو حزب الله في القتال قائلاً إنه على الرغم من أن تلك المعارك تعد <إنجازاً عسكرياً> للجيش السوري بعد أن حقق انتصاراً على الطائرات بدون طيار التي نشرتها تركيا بشكل مكثف، فإن إسرائيل يجب أن تولي اهتماماً كبيراً بذلك بسبب تأثيرات تلك المعارك المباشرة على تل أبيب أيضاً.

وفي السياق ينقل خبير عسكري مقرب من حزب الله أن مقاتلي الأخير تمكنوا من تحييد الطائرات المسيّرة التركية عن المعركة بعدما أسقطوا العشرات منها وأخرجوها عن نطاق مسرح العمليات، والجميع شاهد تلك الطائرة التي وقّع عليها الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> بعض العبارات. ويأتي تصريح الخبير وسط تأكيدات غربية أن عناصر حزب الله هم الذين استعادوا سراقب بعد أن خيبت قوات الجيش السوري آمال القيادة العليا في المنطقة في الأيام الأخيرة على إثر انسحابها من المناطق القتالية في ظل تكثيف الجيش التركي لغاراته الجوية. كما أن مقاتلي حزب الله تمكنوا من قتل 150 جندياً تركياً وتدمير 30 مدرعة في وقت كانت لا تزال جثث طواقمها داخلها حيث لم يستطع الجيش التركي إخلاءهم بسبب قناصة مقاتلي <الرضوان>، الذين كانوا رأس الحربة في الهجوم ونصبوا كميناً للجنود الأتراك الذين فشلوا في التقدم على مدار أسبوع من القتال الليلي لينتهي بهم الأمر إلى الفرار من المدينة الاثنين.

 

وساطات إيرانية ــ تركية!

في وقت كادت أن تتحول فيه معركة إدلب إلى حرب بلا قواعد بين الجيش التركي من جهة وحزب الله من جهة اخرى بعد معلومات كشفت عن انسحاب الجيش السوري من الميدان وتوقيف الطلعات الجوية الروسية وهذا ما كان أكد عليه احد عناصر <الحزب> خلال بثه شريطاً مصوّراً من أرض المعركة عندما قال <حصدونا>، كانت طائرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تحط في مطار اسطنبول في زيارة التقى فيها رئيس جهاز المخابرات التركية <هاكان فيدان> حيث تمحور اللقاء حول وساطة قام بها إبراهيم بين تركيا وحزب الله لإجلاء القتلى الاتراك. لكن من جهة اخرى تؤكد مصادر خاصة أن <الحزب> هو من طلب الوساطة لإجلاء قتلاه وللانسحاب تدريجياً من محور سراقب ــ الطليحية وتثبيت هدنة لوقف إطلاق النار على خلفية اتصالات اجراها الرئيس الايراني <حسن روحاني> بالرئيس التركي في وقت خضع فيه الروس للضغط الاميركي وحلف الناتو ولمنع تمدد المواجهات نحو صراع روسي ــ تركي في إدلب وكل الشمال السوري.

وفي السياق كانت اكدت <المستشارية العسكرية الإيرانية> في سوريا في بيان أن القوات الإيرانية امتنعت عن الرد على عناصر القوات التركية رغم وجودهم في مرمى قواتنا. ومع ذلك يستمر الجيش التركي في القصف المدفعي مستهدفاً مواقعنا ومراكزنا وقواعدنا. ووجهت تحذيراً للقوات التركية بالقول: نؤكد مرة أخرى أن أبناء الشعب التركي في الجيش بمنطقة إدلب في مرمى قواتنا العسكرية حيث من السهولة بمكان أن ننتقم منهم لقصف مراكزنا ولكننا حثينا قادتنا العسكريين على ضبط النفس.

 

اتفاق هدنة.. هل يستمر؟

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة الماضي بعد قمة جمعت الرئيسين الروسي <فلاديمير بوتين> والتركي < أردوغان> في موسكو. وشدد الجانبان على وحدة الأراضي السورية، وعلى ألا حل عسكرياً للنزاع هناك، إضافة إلى أهمية منع تدهور الأوضاع الإنسانية، كما أشار <أردوغان> إلى ضرورة أخذ مسار جنيف في الحسبان، مؤكداً احتفاظ بلاده بحق الرد على أي اعتداء من النظام. وينص الاتفاق الموقع على إنشاء <ممر آمن> بمسافة ستة كيلومترات من جانبي الطريق الدولي <أم 4>، مما يعني ضمنياً منطقة عازلة بطول 12 كيلومترا، على أن تحدد تفاصيل هذه المنطقة بعد مفاوضات بين أنقرة وموسكو في غضون سبعة أيام. واللافت في الاتفاق بحسب مصادر مقربة من النظام السوري أنه يعني بالدرجة الاولى تجميد الأوضاع الحاليّة على حالها، ما يعني بَقاء قوّات الجيش السوري في جميع المناطق التي أعاد السّيطرة عليها وتبلُغ مساحتها حواليّ 600 كيلومتر مربع، بِما في ذلك مدينة سراقب الاستراتيجية، وكأن مهلة الرئيس <أردوغان> ومطالبه بالانسِحاب لم تَكُن.

 وتعتبر المصادر نفسها أنه اتّفاق لإنقاذ ماء وجه <أردوغان>، وإنزاله عن شجرة تهديداته العالية جدّاً، وتفريغ هُجومه العسكريّ الذي حمَل عُنوان <درع الرّبيع> من أي جدوى وقيمة. لكن من جهة أخرى، تعرب المعارضة السورية عن شكوكها في استمرار التهدئة لأنها لا تلبي مطلباً تركياً رئيسياً بأن تنسحب قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، حيث كان من المفترض إنشاء منطقة آمنة يمكن للملايين من النازحين أن يحتموا فيها.

 

الخلاصة

يبدو أن ثمة اجماعاً عربياً ودولياً بأن الرئيس <أردوغان> قد حقق مكسباً هاماً، ولكن ربّما مؤقتاً، وهو تجنب التصعيد والمواجهة العسكرية مع القوات الروسية والسورية والإيرانية وبقية الحلفاء وأبرزهم حزب الله، وذلك بعد التحشيدات البحرية والجوية الضخمة التي أمر بها الرئيس الروسي ووصلت فعلاً إلى البحر المتوسط، لتأكيد جديته في فرض بنود <اتفاق سوتشي> بالقوة ومهما كلف الأمر. وهذا يقود الى اعتقاد ان أزمة <أردوغان> العسكرية قد انتهت في ادلب الى حد ما رغم بقاء التهديدات والاستفزازات بين الجيشين التركي والسوري وهذا ما حصل ثاني يوم توقيع الهدنة في موسكو. لكن بقيت أمام <أردوغان> ثلاث أزمات يجب التوقف عندها.

أزمة <أردوغان> الأولى هي مع الاتّحاد الأوروبي والمتمثلة في استخدامه اللاجئين السوريين كورقة ضغط، أعطت نتائج عكسية والمزيد من العزلة، والثانية، محلية صرف انعكست ثورة في البرلمان التركي ضِد سياساته والتدخل العسكري في سورية وليبيا ومقتل أعداد كبيرة من الجنود الأتراك، أما الثالثة، فتتعلّق بمواجهة الجماعات المسلحة التي سترى في اتّفاقاته مع الروس تنازلاً كبيراً، وهي جماعات راهنت على المواجهة العسكرية مع الروس والجيش السوري معاً حتى النهاية انطلاقاً من عقيدتها القائلة إما النصر أو الشهادة، ومن المؤكد أن <أردوغان> سيحتاج إلى جُهود كبيرة لمواجهة انتقادات هؤلاء واستِعادة ثقتهم به مجدداً.