تفاصيل الخبر

معرض ”صور النفايات“ يحط في ”المركز الثقافي الفرنسي في بيروت“: مصر الأولى في إعادة التدوير... وهذه حكايات ”الزبّالين“ في دول الجنوب والشمال!

21/06/2019
معرض ”صور النفايات“ يحط في ”المركز الثقافي الفرنسي في بيروت“: مصر الأولى في إعادة التدوير... وهذه حكايات ”الزبّالين“ في دول الجنوب والشمال!

معرض ”صور النفايات“ يحط في ”المركز الثقافي الفرنسي في بيروت“: مصر الأولى في إعادة التدوير... وهذه حكايات ”الزبّالين“ في دول الجنوب والشمال!

 

 

بقلم عبير انطون

من زاوية اجتماعية ــ اقتصادية، يُقارَب موضوع النفايات في معرض <تصوير النفايات> في <المركز الثقافي الفرنسي> في بيروت. ثلاثة عشر اكاديميا وباحثا ومصوّرا من حول العالم، قدّموا لنا صورة مختلفة هذه المرة، من خلال حكايا <الزبالين> كما يطلق عليهم في مصر، اي الذين يجمعون النفايات، يفرزونها، وبينهم من يعيدون تدويرها بطرق بدائية تماما. لماذا تم تناولهم من هذه الزاوية من قبل باحثين اجتماعيين، ما الذي تخبرنا اياه هذه التجارب المختلفة من زوايا العالم الاربع وما الهدف منها؟

للاجابة كان لقاء <الأفكار> بمنسقي المعرض الباحثة <ب. فلورين> المحاضرة في جامعة <تور> الفرنسية وعالم الاجتماع والمصور في حقل العلوم الاجتماعية <باسكال غاريت>، تحت أنظار سعادة السفير الفرنسي في لبنان <برونو فوشيه> الذي كانت له وقفة امام كل صورة معروضة.

قامت <فلورين>، ولمدة عشر سنوات بأبحاث حول جامعي ومعيدي تدوير النفايات في القاهرة واسطنبول والدار البيضاء، وحول عمال الخردة المعدنية في باريس، وهي تدير مع <كلوديا سيريللي> موقع البحوث <المجتمعات الحضرية والنفايات> التي تشكل جزءا من مجال العلوم الاجتماعية والتي تعتبر النفايات دليلا يكشف عن ديناميات متعلقة بالمجتمعات الحضرية. تجمع الشبكة باحثين من جنسيات مختلفة وتخصصات متعددة ومؤسسات متنوعة يعملون في اماكن عديدة في جميع أنحاء العالم.

عمل <فلورين> في جامعة <تور> في فريق <العالم العربي والمتوسط> جعلها تنخرط في المشروع بالعمق وتشرح:

- منذ ثلاث سنوات ونحن نجمع باحثين ومصورين من اميركا اللاتينية وفييتنام والهند والمغرب واسطنبول وفرنسا، حول موضوع المجتمعات الحضرية والنفايات ونلقي الضوء على القائمين بهذا العمل. استعلمنا عن وضع النفايات في لبنان، وعرفنا انه يشكل موضوع الساعة ويكوّن جدلية كبيرة ومهمة، لها محاربون واصحاب تجارب وخبرات ومبادرات، فكان مهما بالنسبة لنا الاتيان بالصور التي ترونها مع الحكايات من خلفها لوضعها امام الجمهور اللبناني، وذلك بدعم من <الوكالة الفرنسية للتنمية> و<المعهد الفرنسي في لبنان>. وبما ان ترجمة التعليقات على الصور تمت الى اللغة العربية يمكننا بعد الآن عرضها في القاهرة والدار البيضاء والجزائر وعمان ما يجعل حياة معرضنا أطول. وقد نشرنا عبر شبكتنا كتاب <المجتمعات الحضرية والنفايات - اضاءات دولية> في العام 2015.

لـ<فلورين> اكثر من صورة في المعرض، بينها واحدة التقطتها في مصر وقفنا عندها وكان الشرح:

- في العام 2010 التقطت الصورة تحت عنوان <من غير النظامي الى النظامي الى المصنع> في منشية ناصر في مصر حيث يعيش ستون الف شخص من النفايات، فبعد جمعها من أمام أبواب المنازل تعاد نفايات السكان الى الحي ويتم فرزها من قبل النساء والفتيات والأطفال. يتم استخدام المواد العضوية كغذاء للخنازير بينما يتم اعادة تدوير المواد الاخرى في محترفات (الورق والكرتون والقماش والبلاستيك والمعادن) او بيعها لتجار الجملة وشركات القطاع النظامي. <الزبالون> معظمهم من المسيحيين الاقباط، منخرطون في الحركة الاقتصادية والحلقات التجارية للمواد الخام الثانوية، لكنهم ما زالوا على هامش المدينة والمجتمع. هنا يقوم الرجال بتحميل أكياس يزن كل منها حوالى مئة كلغ في شاحنة متجهة الى مصنع اعادة التدوير.

 

<غاريت> و<الأيادي الصغيرة>..!

من ناحيته، يشير منظم المعرض <باسكال غاريت> وهو عالم اجتماع ومصور مستقل في حقل العلوم الاجتماعية وقد شارك مع <فلورين> في المجلس العلمي واقامة المعرض، الى اننا دوما ما نتكلم عن النفايات واعادة التدوير ناسين تلك <الأيادي الصغيرة> التي تعمل فيها، اي هؤلاء الأشخاص الذين ينزلون كل يوم الى الشارع ويبحثون في أكوام النفايات والذين يتعاطون بذكاء مع عملهم ويجنون منه المال. اعطيكم مثلا عن شخص منهم في القاهرة حيث يعيد تدوير الألومينيوم والبلاستيك بعمل فردي، واللافت ان نسبة اعادة التدوير في مصر تصل الى 80 بالمئة وهي الاعلى عالميا، وعلى الرغم من ذلك يطلق عليهم في مصر كنية <الزبالين>، انطلاقا من المفهوم السائد بان من يعمل في النفايات واوساخها انما هو وسخ ايضا. هذا مفهوم غير صحيح على الاطلاق ونحن نناضل من اجل محوه في العالم كله. في الهند مثلا، جمعنا جامعي النفايات الذين تم تصويرهم، ورسمهم ابناؤهم في اعتراف منهم بمهنتهم. هدفنا ان نقوم بالنقاشات وتصوير الفيديوهات لهذا الشأن وللتوعية على دورهم الأساسي.. فهولاء، كسائر العمال، لديهم عمل وعندهم حقوق لا تعطى لهم. وهنا أشير الى امر بالغ الاهمية وهو ان ما اردنا اظهاره ليس سمة البلدان النامية فقط انما البلدان المتطورة ايضا. اردنا وضعهم في الواجهة، لينالوا الموقع والحقوق التي يستحقونها.

وعن كيفية التقاط الصور، أكد <غاريت> أنها جميعها تمت بارادة كل شخص منهم، فلم <تسرق> اية صورة، وهذه غالبا ما كانت تتم بعد نقاش معهم وسؤال عن عملهم ووضعهم، فكانوا اما يقبلون ان نصورهم اثناء العمل او بينهم ايضا من كان يقف بهدف التصوير تحت العدسة. هؤلاء العمال هم من الرجال والنساء وان كانت الاخيرة بنسبة اقل. اما في بيروت، فينوي القيمون على المعرض، التقاط المزيد من الصور مع اكتفائهم زمن العرض بصور التقطها عالمة الانثروبولوجيا اليزابيت صالح في العام 2017 حيث يقوم جامعو النفايات في لبنان، وبحسب ما تم شرحه تحت الصورة المعروضة، بجولات منتظمة في المدينة على عربات مصنوعة من صناديق بلاستيكية معاد استعمالها. هذه العربات ثمينة جدا بالنسبة لجامعي النفايات لانها ضرورية لعملهم. يتم شراء قاعدة العربة بحوالى اربعين الف ليرة. الشرطة توقف بانتظام جامعي النفايات وتدمر عرباتهم ما يتطلب اسابيع او حتى اشهر لشراء قاعدة اخرى.

 

بركات..!

ونجول مع <غاريت> على صوره الأخرى فنتوقف عند واحدة منها تحت عنوان <مصهر بركات للالومينيوم> عنها يشرح:

- لا يقوم <الزبالون>، وهو الاسم الذي يطلق على جامعي النفايات في مصر، بجمع وفرز النفايات فقط بل يقومون بنفسهم بتحويل بعض المواد كالألومينيوم مثلا. دهشنا ببساطة عملية صهر الالومينيوم التي يعتمدونها: الفرن عبارة عن بوتقة اسمنت مع نظام تسخين يعمل على ما يعرف بزيت المحركات. بعد تسخين البوتقة يباشر العمال بوضع علب الالومينيوم :الحرارة شديدة، اما الرائحة والتلوث فغير قابلين للوصف. تحترق كل المواد باستثناء الالومينيوم الذي يبدأ بالانصهار. بواسطة وعاء

ذي مقبض طويل، يقوم أحد العمال بسكب الألومينيوم المنصهر في قوالب على شكل سبائك. يباع الطن بأكثر من الف يورو، انه عمل مربح جدا لبركات رئيس هذا المصهر.

كما الالومينيوم، تكشف صورة اخرى لـ<غاريت> ان الزبالين المصريين يعرفون اليوم كيفية تدوير البلاستيك الذي سبق فرزه حسب الجودة واللون وقبل طحنه وتحويله الى فتات. اشتروا معا آلة البثق من المانيا كي يصنعوا نسخا منها ما يمكنهم

بالتالي من بيع فتات البلاستيك الذي ينتجونه مباشرة الى المصانع المحلية والدولية.

 

 شرق وغرب..!

لا نفايات في االشرق دون الغرب يقول <غاريت>. وهنا يروي حكاية رجل قابله في <مارسيليا> صباح يوم بارد من شهر شباط (فبراير). هو غجري من رومانيا، جاء الى فرنسا هربا من الفقر في بلاده ويعيش حاليا مع عائلته في سكن محتل. لم ينجح في ايجاد عمل لذلك يكسب رزقه من البحث في أكوام القمامة عن اسلاك كهربائية قديمة التي يستخرج منها النحاس ويبيعه حسب الوزن.

وفي فرنسا التقط <غاريت> صورة لـ<سيديكي> الذي وصل من مالي معنونا الصورة <مسارات سيديكي الطويلة>، وكان وصل الى فرنسا بطريقة غير شرعية. منذ ذلك الحين يمشي <سيديكي> يوميا مسافات طويلة سيرا على الاقدام في ضاحية باريس الشمالية مع عربته من أجل جمع كافة انواع الاغراض المعدنية التي يبيعها لتجار الخردة. يلبس عمدا الملابس الصفراء المتوهجة المخصصة لملابس عمال النظافة ما يخلق نوعا من التمازج يسمح له بالعمل في الشوارع دون التعرض لمضايقات من قبل الشرطة.

 

 <ريسيكلادورا>..!

جامعو النفايات والعاملون فيها ليسوا جميعا من الذكور. <الفتاة ذات اللؤلؤة> موجودة ايضا في المعرض بعدسة <باسكال غاريت> وكان التقطها في اسطنبول. عنها يخبر:

- في اسطنبول عدد قليل من النساء يعملن في جمع النفايات في الشوارع. تقوم هذه الفتاة الغجرية الشابة بفرز النفايات البلاستيكية مع عدد من النساء الأخريات من مجتمعها في أحد المستودعات الكبيرة في حي السلمانية. أوضحت لنا، وكنت في عمل ميداني مع <فلورين>، أنها تفضل فرز النفايات على عملية الجمع الأكثر اتساخا، كما أن الفرز في المستودع يؤمن لها الحماية على عكس الجمع في الشارع. تذكرنا وضعية هذه المرأة بصورة <الفتاة ذات اللؤلؤة>، اللوحة الشهيرة لـ<فرمير> (1665).

في الدار البيضاء صورة لنساء ايضا. النساء هنا لا يجمعن النفايات في الشوارع، بل يعملن حصريا في فرز المواد التي يجلبها الرجال. غالبا ما يأتين من الريف ويعدن للمدينة بحسب مواسم العمل. يكسبن القليل ولكن دخلهن اساسي للعائلة ويسمح لهن بالعيش عندما تكن وحيدات. كانت المقابلات مع هؤلاء النساء سهلة وغنية بالمعلومات: يطالبن بالاعتراف بمكانتهن في المجتمع ودورهن الفاعل في تحريك اقتصاد سوق اعادة التدوير وفي حماية البيئة.

 وبعيدا من المغرب، في البرازيل، ومن خلال الصورة التي التقطها <جيريمي كافيه> فان <دونا غارسيا> التي لم تعمل يوما في القطاع النظامي تعرف عن نفسها بـ<ريسيكلادورا>. تفتخر بعربتها البيضاء التي ترمز الى استقلاليتها وهي تمارس عملية جمع وفرز النفايات في حي تقول عنه ان السكان <يقومون بفرز الاشياء عمدا من اجلها> هذه العملية مثمرة بالنسبة لها حيث يصبح العمل اقل مهانة لان المواد نظيفة وتقول: <لم يعد لدينا شعور بالعمل خلسة ولكن لدينا انطباع ملموس

بالانخراط في تفاعل محترم>.

الى <دلهي>، يمر المعرض أيضا، ومن <سورابايا ــ جافا>، التقط المصور <جيريمي كافيه> صورة لـ<رئيس جامعي النفايات> فيها. لقبه استحقه عن جدارة. ففي السابق كان يعمل على العربة ونجده الآن على رأس فريق مؤلف من 20 شخصا، يقومون بجمع النفايات من مراكز التسوق والمستشفيات وحدائق الحيوانات. يتقاضى <باك وارجيتو> وحده 40 بالمئة من الأرباح  فيما افراد الفريق يتقاسمون الـ60 بالمئة المتبقية. يقوم فريقه بجمع 150 مترا مكعبا من النفايات يوميا بفضل 5 شاحنات كبيرة واربع صغيرة. يجلبون يوميا الى المكب 4 الى 7 أطنان من النفايات. يبيع بشكل أساسي الزجاج والأوراق البلاستيكية لمصانع المنطقة ويجني ما يعادل حوالى الخمسين يورو. من بداياته اغتنى <باك وارجيتو> الى حد كبير اذ بنى منزلا كبيرا وقام بالحج عدة مرات في مكة ولكن عماله لا زالوا يقطنون أكواخا مرتفعة على أعمدة فوق اكوام من اكياس القمامة.

 

وسادة..!

 

وإلى الخياط العجوز يأخذنا المعرض مع صورة التقطها <ادلين بيرات> في <أديس أبابا> في أثيوبيا. انها قصة <تسفاي بلاينن>، 53 عاما وهو صانع وسادات في <كوش ربي> منذ 24 عاما. كان <بلاينن> يعيش في الجزء الشمالي الأوسط من اثيوبيا وقد وصل الى <أديس أبابا> خلال أزمة المجاعة بين 1983 و1985. قبل هذا التاريخ كان جنديا. لم يجد عملا لذلك راح يمارس حرفة يدوية كما يصفها من <شقف> القماش التي يجمعها ويخزنها او يشتريها أحيانا من جامعي النفايات، اذ يصنع حوالى وسادتين في اليوم... في خلفية صورته نرى حاوية مقلوبة تم تحويلها لتصبح منزل الرجل العجوز... ومن خلال السماح للكاميرا بتصوير ملجئه فانما هو يسمح برؤية جزء من حياته الخاصة والصعبة.