تفاصيل الخبر

معرض «نيويورك - نيويورك».. في قلب بيروت بريشة جميل ملاعب وإزميله!

22/01/2016
معرض «نيويورك - نيويورك».. في قلب بيروت  بريشة جميل ملاعب وإزميله!

معرض «نيويورك - نيويورك».. في قلب بيروت بريشة جميل ملاعب وإزميله!

 

بقلم عبير انطون

--صورة-1-جميل-ملاعب

ملاعبه واسعة جداً بين الاشكال والالوان.. جميل ملاعب ابن بيصور الشوفية اقتحم نيويورك للدراسة فعاد منها بالكثير... افكار ولوحات بلغت حدود الرؤى، فقد رسم المدينة الاميركية بأبراجها الشاهقة المرتفعة مصورا طائرة تمر الى جانبها وكأنها سترتطم بإحداها. كان ذلك قبل 11 ايلول/ سبتمبر 2001 بكثير. فهل في الامر تحليل واستباق بحس الرسام المتعمق، ام انها مجرد صدفة؟

 <نيويورك- نيويورك>، معرض ملاعب الجديد مستمر حتى الخامس من شباط المقبل في غاليري جانين ربيز. قبله بأشهر كان حدث افتتاح <متحف جميل ملاعب>، فماذا يضم ولماذا أراده الفنان؟

 

طبيعة.. حرب.. ويوميات

 

ما بين بيصور ونيويورك يوميات وتفاصيل ومشاهد منقولة. فـ<بيت ياصر> اي <مكان الخزاف> او <الفاخوري> بالارامية السريانية، كانت المرتع الاول لولد يقصد أحراجها وبساتينها، يأتي باحجارها بعربته الصغيرة لينحتها، يعيش روحها وناسها حتى انسكبت في يده ريشة من خط ولون، وليصبح في ما بعد رساماً ونحاتاً ينطلق من <بيصوره> الى رحاب الدنيا.. منها نزل الى العاصمة بيروت ومن ثم قصد الجزائر حيث درس وعرض ما يفوق المئة لوحة ليسافر بعدها الى الولايات المتحدة..

الى نيويورك تحديداً، اكبر مدن الولايات المتحدة سافر جميل ملاعب متحصناً بتراث شرقي يسكنه <فراعنة وبابليون وسومريون> من دون ان يقفل باب الابداع على حداثة عصرية في ثمانينات القرن الماضي، فدرس فن <الغرافيك> لمدة ثلاث سنوات في معهد <برات PRATT> (طباعة حريرية، حفر على الخشب وليتوغرافيا...) نال من بعدها شهادة <الماجستير> ومن ثم <الدكتوراه> من جامعة <أوهايو>.

 يعود ملاعب اليوم عبر معرض فني بعنوان <نيويورك نيويورك> الذي يحتضن ثمانين عملاً مختلفاً في الرسم والتلوين والحفر. العام الماضي زار ملاعب نيويورك ايضاً. الزيارات المتكررة لهذه المدينة ذات العمارات الشاهقة لم تنقطع، وكذلك حبل الحنين اليها، هي المدينة - الحلم للكثيرين، ليس آخرهم طبعا الزعيم وليد جنبلاط الذي تمنى يوماً العيش فيها <زبالاً> عندما قال: <كنت أستعد للتقاعد كي أتفرغ لممارسة المهنة التي وعدت بها أي زبال في نيويورك فإذا بي أصبحت الزبال الأول في لبنان> (النهار- 9 آب 2015) كذلك رامي رحّال رجل الاعمال اللبناني ابن التاسعة والعشرين عاماً الذي يعيش فيها اليوم، والذي رصدته مجلة فوربس الاسبوع الفائت في لائحتها للسنة الجديدة عن الفئة التي تطال صناعة رؤوس الاموال. فهذه المدينة الجامعة للاتجاهات الفكرية المختلفة وللانطباعات المتناقضة، تبقى خزاناً لا ينضب للفن التشكيلي الذي يسعى ملاعب الى بلوغ منابعه من كل زاوية، من كل رحلة، من دون ان ينبهر بها، هو العاشق للارض والطبيعة والفلاح والخيمة والشجرة والذي قال مرة: <بطريقة لاشعورية أحارب العولمة غير المنظمة التي لا تحترم الطبيعة. أحارب الموضة التجارية التي تأخذ من الإنسان فلوسه وروحه وتتركه فارغاً، وتبعده عن تراثه وأرضه وعن الطبيعة والتاريخ والثوابت الحضارية وجسمه وصحته وأكله وشربه، وتقربه من الملوثات المادية والفكرية والثقافية. الإنسان الصامد في أرضه ثابت، وكذلك البيت ومواد الأكل والعمل. كلما ابتعدنا عنها صرنا في خطر، وبطريقة غير مباشرة أشعر بأن عملي في هذه المسائل طموح صورة-4-نيويورك إلى إنقاذ الإنسان من ذاته الخطرة>.

 

 نيويورك.. منمنمة!

معالم المدينة التاريخية جميعها هنا في معرض ملاعب، منمنمة، محفورة او مرسومة، من كاتدرائية <سان جون> وموقع انفجار <امباير ستيت بولدينغ> الى <بروكلين بريدج بارك> و<نصب الحرية> و<ابراج مانهاتن> والجسور وغيرها. الروح <النيويوركية> تنتقل الى المشاهد للوحات، المستمع بها، وكأنه يزور مدينة التحولات ماضياً وحاضراً، وفي حقباتها المختلفة حيث الرموز والنقوش والاشكال والارقام والدولارات..  فـ<امستردام الجديدة> التي اصبح اسمها <نيويورك> في العام 1664 وكانت عاصمة البلاد لخمسة اعوام بعيد الثورة الاميركية، تُعد اليوم من أكبر المراكز الثقافية والفنية والدعائية في العالم تدهش الانسان وفي الوقت عينه تسحق انسانيته، وتجعل منه <صرصاراً> أمام أبنيتها التي تناطح السماء من دون ان تخفق في ان ترفعه بدورها الى سابع سماء.

 كتب واساتذة..

 المعرض الحالي لجميل ملاعب سبقه منذ حوالى ستة اشهر افتتاح متحف يحمل اسمه في بلدته بيصور بعد سبعة كتب ضمنها اعماله، اولها <دفتر الحرب الاهلية> اول كتاب رسم يُطبع عن الحرب الاهلية اللبنانية، الى الكتاب الثاني «قريباً من الوطن» بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان حيث الصور التي نقلت معاناة الانسان مع الحرب بشكل خاص، هذه المعاناة التي فجرها ملاعب بالنحت في الصخر وافراغ ما بداخله، خاصة وان الحرب افقدته اخاه باكراً، الى كتاب عنوانه «بحر» جمع فيه لوحات من مدن رسم فيها البحر، من أيام مقهى الحاج داوود في بيروت إلى الجزائر، إلى نيويورك، إلى جبيل وصور وصيدا..

ملاعب الحائز على جائزة النحت من متحف سرسق العام 1967 قبل دخوله الجامعة، والذي عاد اليه برسوماته مع اعادة افتتاحه بعد ورشة تأهيله هذا العام ايضا، رسم التجريد والواقع، الطبيعة والحرب، تفاصيل الحياة اليومية في الريف وعلى البحر، وبرع في الحفر على الخشب والنحت بالحجر وصناعة لوحات الموزاييك، واستخدم لذلك المواد والتقنيات المختلفة والتي تمتلك كل واحدة منها خصائص معينة. ابتعد في فترة عن الزيت الذي تحسس منه والذي يعود اليه الآن مفضلاً اياه على المواد الاخرى، الى الغواش السهل على الانتقال والسفر، الى <الموزاييك>، تلك التجربة التي يصفها بالغنية والتراثية لان لها اساساً في المنطقة وهي مادة لها احساسها وجمالها، الى المطبوعة الخشبية والنحت..

 لا يخفي ملاعب تأثره بأساتذته الذين تتلمذ على أيديهم وتركوا أثراً في مسيرته فيذكرهم بوفاء كبير مسترجعاً: <تعلمت التأليف المتين من نظريات عارف الريس وتجاربه وحركة لوحته المملوءة بالتفاصيل والأبعاد الصعبة. وتعلمت من رفيق شرف الحس الوجودي العبثي، وهذا الحزن الذي يأتي من ضربات ريشته السوداء ومن طيوره المشردة الراحلة والمغلوب على أمرها العابرة إلى المجهول. تعلمت من أمين الباشا عملية الإبقاء على الرسم الأولي في اللوحة وعلاقة الألوان وجماليات هذه العلاقة. ومن ناديا الصيقلي تعلمت العفوية في إهداء اللون للوحة دون استعادة حركته مرة أخرى وأن اللون يصبح تلامسا لا يمكن استرجاعه أبداً>.

متحف حيّ!

صورة-نيو-يورك-2

 استغرق <متحف جميل ملاعب> في قريته بيصور خمس سنوات للتخطيط والتنفيذ بعد تعديلات ومناقشات مع اختصاصيين واصدقاء: <أريد ان أشعر أن أعمالي حيةّ! أسمع ما تقول وأرى كيف تتحول في نظري وفي نظر الآخرين. الحقيقة أنه من الشاق جداً بناء متحف ومسؤولية تاريخية كبيرة. مهندس المتحف شخص بارع جداً وكانت لديه اجتهادات كثيرة ولكنها لم تكن كافية، لذلك أضفنا إليها خبرات وتقنيات أخرى حتى خرجنا إلى التنفيذ بأقل أخطاء ممكنة. بالنهاية هذه ليست مهمتي: بناء متحف لأعمالي! أنا فنان ومهمتي أن أقدم أعمالاً فنية على مستوى عال من الجمالية والإتقان. ولن يلومني أحد إذا أقمت متحفاً فيه أخطاء!>.

  وقد جاء بناء المتحف رداً على سؤال ملاعب لنفسه: <من يحمي اعمالي من الضياع؟ من سيشاركني بها؟ وهل ستتعرض للتلف والاهمال والتزوير كما عرف اكثر من فنان كبير، كما أنه جاء ايضاً رداً على <فقدان الامل من انتظار إنشاء متحف وطني لبناني>، او إنشاء متحف عام للفن التشكيلي في لبنان يضم أعماله وأعمال الفنانين التي تتبعثر. وقد تمّ الامر بمبادرة فردية بحت، و تحمّل ملاعب ذاتياً المصاريف اللازمة مجهزاً اياه بكل ما يستلزم..

يطل <متحف جميل ملاعب> بـ<عصافيره> و<حساسينه> وبطوابقه الثلاثة على تلال بلدته بيصــــــور، وفي ارجائــــــه اعمالــــــه بدءاً من موضوع البحر، مروراً بلوحات الكتابة <الهيروغليفية> و<المسمارية>، ولوحات ذات طابع تراثي مشرقي، وصولاً إلى الأعمال التي طغى عليها الطابع الهندسي. ويعتبر صاحبه أن موجودات المتحف تغطـــــي أربـــــع مراحــــــل، إذا ما قُسمت هذه المراحل بحسب الخطــــــوط العريضة المميــــــزة لكل منهـــــا، وهــــــذه المعروضــــــات تتغير في كل فترة. فالمتحف - المحترف في الوقت عينه، لن يكون جامدا غير متغير ، والحياة فيه، كما في صاحبه، الى تجدد مستمر في احياء لمختلف النشاطات التي يجري تقديمها في صالات معدة ومجهزة بأحسن ما يكون. فالمتحف يشكل مركزاً وصرحاً ثقافياً يتم فيه استقبال الفنانين ومختلف الندوات والمعارض الفنية والمشاغل والمسرحيات والافلام والحفلات الموسيقية، على غرار حفلة الافتتاح للمتحف حيث صدحت الموسيقى الكلاسيكية ليومين شارك فيها ربال، ابن ملاعب، الذي استقطب عازفين موسيقيين من مدينة فيينا ليشاركوا في انطلاقة متحف أراده مع والده مركزاً وصرحـــــاً ثقافيـــــاً مـــن قــــــلب الجبــــل الى لبـــــنان والعالم.