تفاصيل الخبر

معرض “I m a survivor” في فكرة مبتكرة:ستة ناجين سجلوا صوتيا قصصهم مع العنف، فجسدها ستة فنانين في لوحات مميزة!

28/02/2020
معرض “I m a survivor” في فكرة مبتكرة:ستة ناجين سجلوا صوتيا قصصهم مع العنف، فجسدها ستة فنانين في لوحات مميزة!

معرض “I m a survivor” في فكرة مبتكرة:ستة ناجين سجلوا صوتيا قصصهم مع العنف، فجسدها ستة فنانين في لوحات مميزة!

 

بقلم عبير انطون

<انا أحد الناجين>، تحت هذا العنوان يأتينا معرض مختلف في فكرته وتنفيذه، استقبله <زيكو هاوس> بالتعاون مع السفارة السويسرية في لبنان. ستة فنانين سخّروا تقنياتهم الفنية لانجاز ستة اعمال، يتناول كل واحد منها قصة أحد الناجين من حدث معين اكان حربا او احداثا عامة او خاصة... فلمن تعود الفكرة؟ ما هي الحكايات التي اختيرت وكيف ترجمها الفنانون لوحات مميزة؟

<الافكار> جالت في المعرض استطلعت، وعادت بباقة الأجوبة.

يعرض المشروع الفني <أنا أحد الناجين> ست لوحات تصور قصة نجاة كل من <بدري>، <ماهر>، <علي> و<علي> و<راميا> و<ايزابيلا> الذين واجهوا، كل على طريقته، حدثا كاد يودي بحياتهم بسبب الحرب او الاحداث او العنف، وانطلاقا من ذلك تظهر اللوحات قصصاً للناجين من الحرب الأهلية اللبنانية، أو أحداثا أكثر حداثة مثل حرب لبنان عام 2006، أو الصراع المستمر في سوريا المجاورة، أو العنف المنزلي وسوء المعاملة. وقد ابتكر الفنانون العارضون الستة أعمالهم الفنية فقط بناءً على تسجيل صوتي لشهادة شخصية لأحد الناجين فتفاعل معها وجسدها باحاسيسه قبل ريشته وادواته.

 

فكرة من؟

تعود الشرارة لـ<سارة ديش> في الاتحاد السويسري، والتي تشير على انها اتت بناء على مبادرة شخصية منها. تشرح بأن الفكرة تعود الى شهر ايار (مايو) من العام 2019 على إثر زيارتها لعدد من المشاريع الفنية في لبنان. فهي وجدت في تاريخ لبنان الكثير من الضحايا المتنوعة الاسباب مهما كانت الاختلافات في النظرة اليها. وبما انها غالبا ما كانت تجري المقابلات مع اللاجئين في مجال عملها فانها توصلت الى فكرة إجراء مقابلات مع مختلف الناجين من الحرب أو العنف في لبنان أو في المنطقة. بعد ذلك، أرادت أن تتيح هذه المقابلات لفنانين مختلفين استلهموا من هذه القصص لخلق عمل فني فريد من نوعه.

 بالنسبة لـ<ديش> الهدف من المشروع هو السماح بتغيير المنظور سواء بالنسبة للفنانين أو لمشاهدي العمل، وهي تؤكد ان الفنانين الستة ابتكروا عملاً فنيا بناءً على المقابلة المسجلة بحريّة ومن دون أي تعليمات، فقد كانت المقابلة هي الباب الأول لعالم آخر. وفي بعض الحالات، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، اذ اتصل بعض الفنانين بالناجين لإثراء هذه التجربة الفنية. لم تكن العملية الإبداعية سهلة بالنسبة للفنانين أيضًا وقد تطلبت الكثير من نفسهم.

 

شاهد على نفسه..

لكن هل اطّلع الناجون على اللوحات التي تقص جانبا اساسيا من حياتهم، وما كان تعليقهم؟

في هذا المجال، تشير <ديش> الى ان جميع الناجين تقريبًا شاهدوا الاعمال الفنية المستوحاة من كل واحد منهم قبل بدء المعرض بفترة وجيزة، وتمكنوا من تبادل آرائهم مع الفنانين. وقد سمحت هذه اللحظات، وهي غالبًا ما تكون مؤثرة للغاية، للفنانين بتفسير الأعمال وكيفية ترجمتهم لها.

الخطوة التالية بعد العرض في <زيكو هاوس> كانت الانتقال بالمعرض إلى سويسرا لمناسبة خاصة، من دون ان تؤكد <ديش> ما إذا كانت مشاريع أخرى مماثلة ستتبعها في بلدان أخرى، وهي تشير الى انه يمكن تصور هذا المفهوم وتنفيذه أيضًا في سياقات أخرى بحيث يكون للفنانين والمشاهدين فيها وجهات نظر وتجارب شخصية مختلفة..

ــ وماذا عن الفنانين المشاركين؟

- الفنانون المشاركون هم ليا عازار، سارة سيوف، خليل الحكيم، لوما رباح، عائدة حسين وشادي عليق. كل منهم ترجم ما سمعه وكتب عن كيفية تفاعله مع رواية كل ناج.

يقول خليل الحكيم، وهو فنان لبناني يعيش ويعمل في بيروت ودرس هندسة العمارة، ان لوحته وقد عنونها <المحبس> استقاها من اعمال <فان غوغ> ووجهه واضح في اللوحة. يعلق على لوحته بالقول: الحرب.. الحرب.. الجنون، العبثية، الفوضى، الدخول في المجهول والمحظور، عدم الاستقرار والتوازن، عدم الأمان، الجلوس مع الموت جنبا الى جنب، ممنوع الادراك وممنوع الوعي. الفرد أصبح أداة او سلعة على اقل تقدير. هي تجارة الشعوب واستعبادها من قبل اناس يملكون كل شيء لاناس لا يملكون شيئا.

ويكمل الحكيم مضيفا:

- لقد رسمت هذا العمل مستوحيا من أعمال قام بها <فان غوغ> سابقا. لم يتغير شيء من اطباع البشر ولا يزال البؤس الانساني مستمرا. لم تنته الحروب ولا انتهت عذابات الانسان. رسم <فان غوغ> هذا الشقاء وهذا القهر والاستعباد. أطلق رصاصة الرحمة ليرتاح من الوجع وآلام النفس الانسانية. كان يرى ويعرف جيدا ان البشرية والمجتمعات المدنية والدينية لن تتغير، فأطلق رصاصة الرحمة بعد ان اعطانا درسا في الانسانية. لم يتغير شيء، رسم <فان غوغ> أحذية عمال المناجم وعذاباتهم وقهرهم، ورسمت من بعده كيف تطورت هذه الأحذية الى جنود من قبل سلاطين وأباطرة العهد الجديد. رسم المساجين البؤساء الذين يحومون حول خوفهم ومأساتهم يفتشون عن سر لهذه الحياة في دائرة ضيقة ووهمية. أعدت رسم هذا المحبس او (الحبس) وعلاقة الفرد مع الحياة او الموت. هذا الأمل الوهمي لانسان العصر. هذا الموت المعلن الذي تكلم عنه <غابرييل غارسيا ماركيز> وايضا <ستيفان سفايغ>. هذا الخوف من المستقبل، هذا الجحيم الذي يتردد مع كل صرخة لا معنى له الا زوال الجحيم الذي هو الآخر، كما قال <سارتر>. الصرخة، الوجع، رائحة الحزن الشديد، والسيدة العذراء التي هي الام والاخت والزوجة والمعلمة والرفيقة والحبيبة التي الهمت <مونش> فأراد التعبير من خلال رسوماته بعد تأثره بكلمات <نيتشه>..

بندقية عوضاً عن الكتاب..!

 

من جهتها، تقول الفنانة سارة سيوف وهي نقلت قصة <بدري>، انها عندما كانت تسمع صوته وهو يروي حكايته، حكاية ابن الـ18 الذي يحمل البندقية عوضا عن الكتاب ويذهب لقتل جيرانه، تأثرت كثيرا وغاصت فيها كما لو انها عاشت تلك الايام معه:

ــ أكثر ما أثر بي هو عندما روى كيف كانت امه تنتظر عند الباب يوميا لتطمئن عليه، هل سيرجع حيا ام ميتا. حاولت ان اجسد هذا المشهد في لوحتي، مع ملامح خلفية للشخصيات، واستخدمت فقط الابيض والاسود فيها لانها فقط من الذاكرة. كان حمل السلاح بعمر 18 عاما بالنسبة لـ<بدري> امراً ضرورياً للدفاع عن عائلته... ولكن لديه قلب ابيض مكسور المشاعر من حرب لم يختر ان يقاتل فيها.

من جهتها، اكدت ليا عازار انها ترجمت عبر لوحتها مشاعر شخص سمعت قصته، محاولة قدر استطاعتها التعبير عن شعور الناجين من الخوف والرعب:

ــ حاولت ان اصف كيف يشعر المرء عندما يمر بتلك الصعوبات ويشهد تلك الفظائع التي لا يمكن تصورها، وقد شكّل هذا المشروع الفني تحديا وخبرة عالية بالنسبة لي.

أما الفنانة الرسامة لوما رباح فاختصرت لوحتها بالقول ان الامر ليتطلب شجاعة ان تتمكن من المضي قدما وفي خطوات عدة لتتحرر من نفسك المكسورة... وان اجمل ما فعلته بطلة لوحتها <راميا> انها نجحت في ذلك.

 

 عائدة..!

 

من ناحيته شادي عليق، الذي عمل على موضوع <ايزابيلا> التي هربت مع اطفالها وكانوا لا يزالون يرتدون قمصان النوم فلم يجدوا سوى جلود الغنم ليلتفوا بها في برد كانون القارس، فيعلق بالقول انه يهتم في تركيزه على قصص الحروب والعنف بان يبقي ذكريات اصحابها متقدة.

اما عائدة حسين وقد اشتغلت على حكاية <علي> الذي كان مختبئا في المقبرة لما اعلن ان شخصين يحملان اسمه قتلا تحت القصف فاعتقدت اسرته ان ابنهم هو الذي قتل، فتقول ان اسمها <عائدة> مشتق من العودة وهذا ما يذكرها دائما بأصولها الفلسطينية، وهي كفنانة تركز في اعمالها على كيفية التعبير عن المشاعر والتجارب والمعاناة. الفن بالنسبة لها عبارة عن عملية تطهير وشفاء. كفنانة تعمل حاليا على استكشاف <كيفية مشاركة ذكرياتنا من خلال الفن عموما والفن المتعدد الوسائط بشكل خاص، ولهذا السبب اردت ان اشارك في هذا المشروع>.

بالنسبة لعائدة فان عملية صنع هذا العمل الفني لم تكن سهلة، وذلك بسبب الاحساس بالمسؤولية تجاه الشخص الذي حاولت تجسيد قصته وقيمه واحاسيسه، مضيفة:

ــ لقد اختبرت خلال هذه الرحلة الاستكشافية ماذا يعني ان تكون ناجيا من الحرب او من العنف بشكل عام. اسأل نفسي كل الاسئلة الاخلاقية، كيف يمكن ان اكون موضوعية وبالوقت نفسه ان اعيش قصة الناجي. لقد كان ذلك قاسيا ومليئا بالوجع الذي لن يشفى بسهولة. هذه الذكريات ستبقى للابد ولكن نحتاج دائما ان نمضي قدما... وان نمضي قدما لا يعني ان ننسى الناس والاماكن، ولكنه يعني ان نعيش لاننا نستحق الحياة وهذا هو معنى النجاة بالنسبة لي... اتمنى ان يقبل الناجي ترجمتي وعملي الفني الخلاق لذاكرته.