تفاصيل الخبر

ما هو شكل دولة المستقبل وأي مجلس أمن بعد "كورونا"؟

30/04/2020
ما هو شكل دولة المستقبل وأي مجلس أمن بعد "كورونا"؟

ما هو شكل دولة المستقبل وأي مجلس أمن بعد "كورونا"؟

 

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_77449" align="alignleft" width="369"] الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون": من اليعقوبية إلى اللامركزية (Girondisme) سر![/caption]

هناك قول شائع في مسألة "كورونا" يردده اليوم المدافعون عن البيئة والإقتصاد المستدام: "إذا عاد إقتصاد العالم كما كان قبل موجة الوباء فسيعود الوباء، إما نفسه أو بصيغ وأشكال أخرى". المقصود أن الإقتصاد العالمي قبل "كورونا" كان فقاعة انتفخت بسبب ثقل الدولة ودينها والنمط الإستهلاكي الفاجر المبني أيضا على الديون وبسبب ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة... والوباء كان دبوسا وخز هذا البالون لا أكثر ولا أقل. وإذا عادت الفقاعة بالإنتفاخ نفسه فسيأتي دبوس آخر، صحي أو مناخي أو بأي شكل آخر، ويثقبها من جديد. المشكلة هي في البالون المعرض للإنفجار بسهولة وأمام أي شرارة، وليس في الدبوس. الأخير يمكن التعامل معه كما نجحت في ذلك عدة دول محصنة نسبيا، ولكن الفقاعة الرقيقة عندما تنفجر تقضي على كل شيء. هذا ما تشهده بعض الدول في العالم اليوم.

أولويات موازنات المستقبل: مجانية التعليم والطبابة في كل دول العالم

  

التغيير الرئيس الآتي إلى كل الموازنات في العالم بعد "كورونا" هو سلم الأولويات الإقتصادية والمالية. النظام الصحي في أي دولة يجب أن يتمكن من إستيعاب الناس، كل الناس ومن دون أي كلفة تذكر. الموضوع نفسه ينطبق على قطاع التربية والتعليم. فمن غير المعقول أن يكون التعليم أو التطبيب بكلفة تفوق قدرات صناديق التأمينات أو الضمانات أو قدرة المواطن نفسه. هذا أقل حق للمواطن في بلده. أما دور شركات التأمين الصحي فيجب أن يحدد من خلال الدولة وليس من خارجها، وفي حالة قدرة النظام الصحي الرسمي على توفير الغطاء اللازم للمواطنين تختفي إمكانية تحكم شركات التأمين بمصير المرضى أو بجيوبهم. بإختصار، البندان الأولان في موازنات المستقبل هما القطاعان الصحي والتربوي.

الفيدرالية خيار .... لا مفر منه

ولكن هناك أمثلة من العالم حيث التعليم والتطبيب مجانيان إلا أن الأنظمة الصحية فيها إنهارت تماما أمام الوباء. فرنسا هي أكبر شاهد على ذلك. هنا يعود الكلام عن حجم الدولة وطريقة إدارتها. فرنسا قائمة على ما يسمى باليعقوبية (Jacobinisme) أي الدولة المركزية القوية وغير المقسمة، التي تؤمن الحرية والمساواة والاخاء (Liberté Egalité Fraternité)، ولكن الفرنسيين اكتشفوا عبر ضحاياهم أن هذه القيم النبيلة لا تؤمن العدالة الصحية ولا حتى الإجتماعية، فقد أدى التحكم المركزي للدولة الفرنسية إلى بيروقراطية عقيمة وغياب كامل للشفافية وإلى شبه إنهيار للنظام الإستشفائي. عدد الضحايا في فرنسا، إن كان في المستشفيات أو في دور العجزة والمسنين، ناهز ٢٥ ألفا. هذا لا يمكن تبريره في ظل موازنة صحية تصل إلى ١٢ بالمئة من الناتج المحلي وهي أعلى نسبة في الإتحاد الأوروبي. أحد أهم أسباب الفشل الفرنسي هو الإدارة البطيئة للحكومة وغياب القدرة على التخطيط السليم والإستشراف في ظل الدولة الثقيلة. ألمانيا في المقابل عندها موازنة صحية مشابهة لفرنسا، ولكنها بفضل الإدارة الرشيقة للدولة والسلطة الصحية الكبيرة للمقاطعات الألمانية الست عشرة، تمكنت من الحد من عدد ضحايا الوباء إلى ربع الرقم الفرنسي (أقل من ٦٥٠٠ قتيل) رغم وجود ١٧ مليون نسمة أكثر من فرنسا. ورغم الإدارة العقيمة للأزمة في الولايات المتحدة تؤكد كل التقارير أن اللامركزية والسلطات الواسعة المعطاة للولايات خففت من عبء المصيبة الصحية التي أصابت الأميركيين، والتي لولاها لكانت الحصيلة أكثر كارثية. اللامركزية التعليمية والصحية أصبحت، بعد "كورونا"، شكلا إلزاميا لإدارة الدول، مهما صغرت مساحتها. هذا لا يعني إلغاء الدولة المركزية ولكنها يجب تبقى في الخط الدفاعي الأخير ومهمتها تمويلية ورقابية وإشرافية.

 

[caption id="attachment_77451" align="alignleft" width="385"] رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى مجلس الأمن در![/caption]

نقمة الدين العام

ليس مصادفة أن تتمكن الدول الأقل استدانة من التصدي بنجاح نسبي لموجة الوباء. نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في ألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا - التي عرفت كل واحدة بطريقتها كيف تدير الأزمة الوبائية والصحية بأقل الأضرار - لا تتعدى ٦٠ بالمئة، بينما تتجاوز هذه النسبة الـ١٠٠ بالمئة من الناتج في إسبانيا وإيطاليا وحتى في فرنسا والولايات المتحدة. صحيح أن كل هذه الدول من دون إستثناء ستعاني إقتصاديا وستواجه كسادا غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن ومن بطالة قياسية، ولكن في حالة الدول الأقل دينا ستتمكن الحكومات من الإستدانة بحرية أكبر وفوائد أقل وبهامش مفاوضات مع الدائنين أوسع بكثير من تلك التي أصبحت نسبة دينها تزيد عن كل ناتجها المحلي السنوي. مشكلة الدين العام في الدول القابعة تحت أحمال الديون ستصبح أزمة وطنية ووجودية، لما لذلك من إنعكاسات على الموازنات العامة، وبالتالي على التقديمات الإجتماعية والقدرة على النهوض الإقتصادي من خلال الإنفاق الإستثماري. وما نراه اليوم في لبنان في شوارع بيروت وصيدا وطرابلس ربما لن يكون غريبا عن ساحات باريس أو ميلانو أو مدريد وحتى نيويورك. من المفروض أن يكون الدين الملاذ الأخير لأي موازنة وليس منفذا للحكومات لتبرر انفاقها بمعنى آخر يجب على الدول أن تلجأ للدين فقط عند الأزمات الكبيرة وليس في الأيام العادية، وأن تتعلم ادارة نفقاتها من خلال مداخيلها وليس عبر الديون.

الحل.. بالحرب؟

الحروب تصبح حلا عندما تختفي الحلول المنطقية وعندما لا يعود للدول الفاشلة إداريا والقوية عسكريا الكثير إقتصاديا لتخسره. حجم الديون في معظم الدول الغربية لم يعد يمكن التأقلم معه، كما إن إدارة العالم عبر الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن أي الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا لم تعد تعكس موازين القوى الحقيقية، على الأقل إقتصاديا. أين صوت المانيا والهند في مجلس الأمن؟ وهل من الممكن أن يكون صوت الصين مثل صوت فرنسا أو بريطانيا بينما سيساوي اقتصادها خلال سنتين أكثر من عشرة أضعاف الإقتصاد الفرنسي أو البريطاني؟ وهل ترتضي الهند بقرارت أممية تصدر عن دول أضعف منها في كل شيء؟ العالم بحاجة إلى صيغة إدارية جديدة وقد وفر الفيروس الخبيث أرضية لإستنباط شكل إداري جديد للعالم أكثر تمثيلا للقوى الإقتصادية الجديدة... المشكلة أن هكذا صيغة لا تأتي عادة عبر الأسلوب الحبي أو التفاوضي.