تفاصيل الخبر

ما دامت الحكومة متمكنة من إجراء انتخابات بلدية، فما هي مبررات التأجيل والتمديد المتكرّر؟!  

12/02/2016
ما دامت الحكومة متمكنة من إجراء انتخابات بلدية، فما هي مبررات التأجيل والتمديد المتكرّر؟!   

ما دامت الحكومة متمكنة من إجراء انتخابات بلدية، فما هي مبررات التأجيل والتمديد المتكرّر؟!  

بقلم جورج بشير

liban_elections  

لا شك بأن إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق وحكومة الرئيس تمام سلام بعد اجتماع لمجلس الوزراء عن العزم على إجراء الانتخابات البلدية في لبنان في موعدها الدستوري خلال شهر أيار/ مايو المقبل حيث تنتهي ولاية المجالس البلدية، وتخصيص الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض، حسم الموقف الحكومي في أوساط الرأي العام اللبناني بالنسبة لهذه الانتخابات البلدية بإعلان نية الحكومة إجراء هذه الانتخابات مع الانتخاب الفرعي في جزين من ناحية مبدئية بحيث دبّت الحرارة في الجسم اللبناني الشعبي والسياسي المتعطش لانتخاب وقول كلمته في الأمور المصيرية، لاسيما بعد أن تجاوز الحكم والحكومة وأغلبية مجلس النواب، سلطة الشعب وإرادته، ومواد الدستور بالإقدام على مصادرة هذين الإرادة والقرار بتمديد ولاية مجلس النواب مرتين متتاليتين والثالثة على الأبواب على ما يبدو من دون مبررات وبشكل مخالف كلياً للدستور اللبناني.

النقمة الشعبية على هذا التجاوز جرى التعبير عنها بعدة وسائل.. لكن لا حياة لمن تنادي حيث مضى معظم طاقم الحكومة والسياسة بتجاوز إرادة الشعب والدستور وأقروا تمديد ولاية البرلمان مرة ثانية.. ولقد ارتاح المواطنون الى قرار مجلس الوزراء وإعلان وزير الداخلية عن إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، وتأكيد وزير الداخلية على ذلك كونه رجلاً مبدئياً وحازماً. لكن هذا الارتياح ظل ولا يزال مشوباً بالحذر من أن يبدّل الطاقم السياسي الحاكم رأيه وقراره في آخر لحظة ويقدم على المحظور كما فعل بالنسبة للبرلمان ويستنبط عذراً واهياً معيناً يؤجل بموجبه إجراء الانتخابات البلدية وانتخاب جزين الفرعي لعدة أسباب أبرزها: ما أعلنه رئيس الحكومة تمام سلام أمام بعض زواره قبيل قرار مجلس الوزراء، بأن الاعتمادات المالية غير متوافرة لإنفاقها على إجراء الانتخابات البلدية، والأمر الثاني خلف الكواليس السياسية ويتمثل في عدم حماسة أحزاب وكتل سياسية لإجراء الانتخابات البلدية وحتى انتخاب جزين الفرعي لأسباب سياسية ولوجستية، أبرزها تخوّف هذه الكتل والأحزاب، وهي معروفة، أن تأتي نتائج هذه الانتخابات في غير صالح مراكز نفوذها السياسي والطائفي، خصوصاً بعد إعلان حزبي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية عن تحالفهما وإئتلافهما في انتخابات رئاسة الجمهورية بقرار دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، والتحالف الانتخابي البلدي والنيابي في آن، وهذا من شأنه في نظر بعض الأوساط السياسية أن يودي الى تخوّف فعلي من <تسونامي> جديد يطيح بعض مراكز النفوذ السياسي في مناطق أساسية كبيروت وعكار وطرابلس وصيدا والبقاع وجبل لبنان، وخاصة لتيار <المستقبل>، والكتائب، وحزب الوزير وليد جنبلاط، كما تخمّن دوائر مطلعة، إلا إذا شهد الموقف السياسي تبدلاً في مواقف الكتل المشار إليها من المرشحين المعلنين للرئاسة الأولى وخاصة العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية.

 

الماكينات الانتخابية تحرّكت

 

بالفعل، الماكينات الانتخابية تحركت في مختلف المحافظات والأقضية بمدنها وقراها ومعها المصالح ومراكز النفوذ الحزبي والسياسي والعائلي، حيث بدأ الكلام الجدي عن عقد التحالفات الانتخابية وفق تلك المعقودة على أرض الواقع السياسي والحزبي والعائلي. والى جانب هذا التحرك فإن ماكينة وزارة الداخلية الأرضية والإدارية تحركت بدورها لوضع الخطط الآيلة الى إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية والانتخاب الفرعي في جزين في وقت واحد، وعلى عدة مراحل... لكن أحداً لا يستطيع الجزم النهائي بأن هذه الانتخابات ستحصل في موعدها لأسباب سياسية تتعلق بهواجس أطراف سياسية وحزبية ومذهبية معينة نظراً للتحالفات الأخيرة المستجدة على هذا الصعيد خصوصاً بين حزبي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية من جهة، والتطورات الديبلوماسية السياسية والعسكرية على أرض الواقع التي طرأت في سوريا والعراق، وتأجيل <مؤتمر جنيف> لحل أزمة سوريا سياسياً وبعيداً عن العنف من جهة ثانية.. فكل كتلة سياسية أو حزبية أو طائفية، وكل تجمع يسارع الى إعادة حساباته والنظر في تحالفاته في ظل مناخ ما زال يغلب عليه جو تبدّل في الموقف والقرار على الصعيد الحكومي الذي قد يكون مفاجئاً مع أن معظم الفاعليات المتمثلة بحكومة الرئيس تمام سلام جاهرت بالإعراب عن استعدادها لمواجهة الاستحقاق الانتخابي وخوض المعركة ومواجهة التحدي والخصوم، بشكل يدفع المراقبين الى القول إن هذه الفاعليات التي أصبحت أسيرة مواقفها قد لا تجاهر بإعلان المطالبة بتأجيل الانتخابات البلدية حتى لا يعتبر اللبنانيون مثل هذا التراجع علامة ضعف سياسي وشعبي لا شك بأنه سينعكس سلباً على مواقع هذه الفاعليات ويلحق بها الضرر استراتيجياً عاجلاً أم آجلاً.

هذا الواقع قد يقود البلد الى إجراء الانتخابات البلدية، والانتخاب الفرعي في جزين، وهنا الطامة الكبرى، إذ إن النتيجة ستدفع بالرأي العام اللبناني والعربي والدولي الى التساؤل عن المبررات التي دفعت الحكم والحكومة والطاقم السياسي في الماضي الى عدم إجراء الانتخابات النيابية وتمديد ولاية مجلس النواب مرتين متتاليتين وفقاً لأسباب ستبدو بعد إجراء الانتخابات البلدية اليوم بأنها كانت واهية أثبتت عجز الحكم والحكومة والطاقم السياسي من خلال لجوئه الى مخالفة الدستور ومصادرة قرار الشعب من دون أي سبب شرعي!

لا أحد يحسد بعض الحكم والحكومة والطاقم السياسي على مواقفهم، لأن الشعب هذه المرة لو تجرأت الحكومة ولجأت مع مجلس النواب لأسباب غير معروفة حتى إشعار آخر، لإرجاء الاستحقاق البلدي وتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لسنة على الأقل كما يقال، لن يرحم وستكون نقمته مضاعفة عن تلك التي أعرب <عنها بعيد تمديد ولاية مجلس النواب الحالي مرتين ومخالفة الدستور ومصادرة قرار الشعب.

في أي حال، الجميع سيتصرّفون كما هو ظاهر من مواقفهم المعلنة، وكأن الانتخابات البلدية حاصلة اليوم، أو غداً، حتى لا يتهم أحد أحداً بالوهن وبالضعف، أو الجبن، او حتى بالمخادعة، وحتى إشعار آخر فإن لبنان بات منذ أسبوعين يعيش في أجواء ومناخات انتخابية <رِجل في فلاحة الانتخابات، ورِجل أخرى في بور الأرجاء والتمديد والتأجيل>... خطوة الى الأمام، وأخرى الى الوراء، مع احتمال أن يصبح الجميع أسرى مواقفهم المعلنة.

عون-جعجع 

البلدية، حكومة

 

لا شك بأن البلدية هي الحكومة المصغّرة لكل منطقة ومدينة وقرية. والحكومة المحلية هذه على أهميتها، فإنها عانت ولا تزال تعاني الأمرّين في تعاملها مع الحكومة المركزية إذ ان واردات البلديات من المحروقات والاتصالات والرسوم المجباة لحساب الصندوق البلدي المستقل والتي تُعتبر أمانة لدى الخزينة ووزارة المال والسلطة المركزية، تجاوزت هذه السلطة القوانين وأصول الأمانة وتصرفت بهذه الرسوم التي تُعتبر الشريان الحيوي المغذي للعمل البلدي لتنفيذ مشاريع إنماء المدن والقرى. وبلديات لبنان في حاجة ماسة الى ما يشبه الانتفاضة العارمة لتحصيل حقوقها <المسلوبة> من السلطة المركزية والمودعة منذ سنوات كأمانة لدى الخزينة، وإنها في حاجة ماسة الى أن تعرف من هو المسؤول الذي تجرأ وأساء الى الأمانة واستخدم أموال البلديات في غير محلها ومن دون موافقة مسبقة من صاحب المال... الذي هو بلديات لبنان.

وهكذا، كما أن أجهزة الرقابة الحكومية تبيع بعض بلديات لبنان صمتها وتغمض عينيها عن تجاوزات بعض المجالس البلدية للقانون وعلى حساب المال العام، فإن هذه البلديات المعنية <ترد الجميل> لأجهزة الحكومة فتغمض أعينها عن التشدد في المطالبة بحقوقها وأموالها المودعة في صناديق المالية العمومية، بما يضاعف علامات الاستفهام وحال الامتعاض لدى الشعب تجاه هذا التلاعب الفاضح على حساب ماله العام وحقّه في إنماء موارده ومناطقه ومدنه وقراه، وذلك بالتغاضي المتواصل عن المطالبة بالحق والحقيقة.

في أي حال، إذا ما أُجريت الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها الدستوري في أيار/ مايو أو في حزيران/ يونيو المقبلين، خصوصاً انتخاب جزين الفرعي، فإنه في نظر المراقبين لا يعود هنالك أي مبرر من أن تكون الخطوة التالية إجراء الانتخابات النيابية أيضاً، والغاء حال استحضار مناخ التمديد لمجلس النواب للمرة الثالثة على التوالي، وهنا الطامة الكبرى إذ سيكون السؤال الكبير مطروحاً لا محالة: وفق أي قانون للانتخابات ستجري الانتخابات النيابية؟ وفقاً لقانون الستين؟ أم وفقاً لقانون آخر ما زال السياسيون مختلفين عليه من حيث المبدأ لجهة العدالة وصحة التمثيل؟ وهنا بيت القصيد، وما عدا ذلك تفاصيل، لأن ذلك يمكن أن يعيد اللعبة الى نقطة الصفر والى الاحتمال الآخر الذي يخشاه الجميع، ألا وهو تمديد أجل المجالس البلدية والاختيارية.