تفاصيل الخبر

ما أحوجنا اليوم الى فكر الإمام موسى الصدر!

29/08/2019
ما أحوجنا اليوم الى فكر الإمام موسى الصدر!

ما أحوجنا اليوم الى فكر الإمام موسى الصدر!

تمر الذكرى الواحدة والأربعون لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا في 31 آب (اغسطس) من العام 1978 دون ان يفك لغز اختفائهم ويعرف مصيرهم  حتى الآن رغم سقوط النظام الليبي ومقتل رأسه معمر القذافي بأيدي الثوار بأبشع ما يكون عام 2011.

ويصبح عمر الإمام بالتالي 91 سنة وثلاثة أشهر وهو المولود في مدينة قم الايرانية في 4 حزيران (يونيو) من العام 1928 بعدما هاجر جده الاول صالح شرف الدين من بلدة شحور الجنوبية الى النجف الأشرف هرباً من بطش احمد باشا الجزار، ليستقر والده صدر الدين في قم بعد ذلك ويولد الإمام بالتالي هناك ويتلقى في مدارسها الحديثة علومه الابتدائية والثانوية، كما تلقى دراسات دينية في كلية قم للفقه، وتابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة طهران، وكانت عِمّته أول عمامة تدخل حرم هذه الجامعة، وحاز الإجازة في الاقتصاد، وأتقن اللغتين العربية والفارسية، وألمّ باللغتين الفرنسية والانكليزية، وصار أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق في جامعة قم الدينية الى ان قدم إلى أرض أجداده في لبنان لأول مرة سنة 1955، فتعرف إلى أنسبائه في صور وشحور، وحلّ ضيفاً في دار كبيرهم المرجع الديني السيد عبد الحسين شرف الدين الذي تعرف إلى مواهب الإمام الصدر ومزاياه، وصار يتحدث عنه في مجالسه بما يوحي بجدارته لأن يخلفه في مركزه بعد وفاته. وبالفعل بعد وفاته عام 1957 وجهت للإمام دعوة للقدوم فلباها أواخر العام 1959 وأقام في مدينة صور كإمام لها، الى ان تمّ انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عام 1967 فانتخب الإمام رئيساً له عام 1969. وعمد خلال حرب السنتين الى إنشاء حركة المحرومين <أمل> عام 1974 التي وقّع على بيانها التأسيسي أكثر من 200 مفكر ومثقف وفي طليعتهم البطريرك أنطون بطرس خريش، الصحافي غسان تويني، الوزير السابق كريم بقردوني، النائب والوزير الراحل ألبير مخيبر، الوزير والنائب الراحل بيار حلو وغيرهم.

والإمام الصدر الذي تخطى دوره الساحة اللبنانية ولم يعد رجل دين شيعياً واسلامياً فقط، بل أصبح مصلحاً اجتماعياً ومفكراً تقدمياً تغييرياً عالمياً ترك إرثاً ثقافياً وحضارياً هائلاً، وأرسى مدرسة قائمة على الاصلاح والحوار والانفتاح والاعتراف بالآخر والتقريب بين المذاهب والطوائف لما فيه خدمة الانسان ورفع الظلم عنه، وهو الذي اطلق صرخة مدوية خلال الحرب الاهلية واعتصم في الكلية العاملية رفضاً لها، وقال بالفم الملآن ان من يطلق النار على دير الأحمر وشليفا كأنه يطلق النار على عمامتي وجبتي ومحرابي، رافضاً الفتنة والتهجير والتقسيم كما هو المخطط الصهيوني، ومن هنا كان شعاره التاريخي بأن <اسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام>، وهي دولة عنصرية والواجب يقتضي الوقوف في وجهها، الى ان قال <السلاح زينة الرجال>، وكان قصده السلاح المقاوم للعدو الصهيوني دفاعاً عن الارض والعرض والمقدسات، مخاطباً الشباب بالقول: كونوا فدائيين إذا التقيتم العدو الإسرائيلي واستعملوا أظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً، لا بل استشرف المستقبل عندما قال ان الأخطر من ولادة إسرائيل في هذه المنطقة هو استقرارها ودخولها في جغرافية هذه المنطقة وفي تاريخها.

وكان الإمام أول من اعطى الوصف للبنان بأنه رسالة قبل البابا <يوحنا بولس السادس> عندما قال <إن الطوائف نعمة والطائفية نقمة>، واعتبر ان وجود المسيحية في لبنان بما لها من العلاقات الحضارية والدينية في العالم ثروة كبرى للبنان، كما أنه يسهّل كون لبنان مفتاحاً وباباً للتمازج بين الشرق والغرب، لأن المسيحيين هم ثروة كبرى للبنان وثروة كبرى للعرب وثروة كبرى للشرق. فما أحوجنا في أيام التطرف والعصبيات الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية وطغيان الفكر التكفيري الالغائي الى الإمام الصدر، تلك الهامة الشامخة التي قال عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد لقائه عام 1969 <ليت جامعة الأزهر تملك رئيساً كالسيد موسى الصدر>، والذي شكا له بائع البوظة في صور جوزيف انتيبا من فتوى لأحد رجال الدين الشيعة تحرّم أكل المسلمين البوظة من متاجر المسيحيين، نزل الإمام الصدر بعد صلاة الجمعة وأكل البوظة عند جوزيف انتيبا، فانتشر الخبر بين الناس، فحطّم تلك الفتوى التي لا تستند لا الى دين ولا علم أو إجتهاد، لكن ما يبعث على الأمل ان فكر الإمام الصدر سيبقى هو النبراس في ليل الأمة الحالك رغم تغييبه جسداً.