بقلم عبير انطون

 في وقت تُطرح شعارات التلاقي والانفتاح بين ابناء المنطقة الواحدة وتذهب الكلمات  سدى. هناك من نزل على الارض وفعل. جمعية <مارش> اختارت ستة عشر شاباً قاتلوا بعضهم البعض ما بين جبل محسن وباب التبانة، فجمعتهم ولو بصعوبة جمّة في عمل فني أنتج مسرحية وفيلماً وثائقياً بعنوان <حب وحرب عالسطح>. كواليس العمل وطرقه لم تكن سهلة ولا معبدة، فالمتاريس بين الطرفين عالية جداً.

 كيف حققت جمعية <مارش> العمل؟ ومن هي ليا بارودي التي تديرها؟ كيف أقنعت الشباب؟ وماذا عن المشروع - المقهى الذي تعمل على افتتاحه لهم؟ ماذا عن الاهداف الاخرى للجمعية وبين اعضائها نشطاء معروفون في حملة الحراك المدني؟

 ليا بارودي اسم تردد كثيراً في الآونة الاخيرة عبر شاشات الاعلام، وعبر جمعية <مارش> ونشاطاتها التي تدخل من ضمنها مناهضة كافة اشكال الرقابة. فمن هي ليا؟ وما هي الاهداف الحقيقية للجمعية؟

 سألناها بداية:

ــ لنتعرف بك اولاً، الولادة، الدراسة، الاهتمام بالشأن الاجتماعي الخ...

- أنا ليا بارودي رئيسة جمعية <مارش>، وكنت بين مؤسسيها في العام 2012، ولدت في 23/10/1997 وأحمــــل شهـــــادة <المــــاستر> في التواصــــــل وشهــــــادة مُصدّقــــــة في الوساطـــــة المحترفــــــــــة < Masters Communication HEC-Paris> و<Certified Professional Mediator>، كما انني ناشطـــــة في المجتمــــع المدني منذ سنة 2005.

ــ ما الهدف من تأسيس جمعية <مارش>، من هي المجموعة المؤسسة، ولماذا الاسم <مارش> تحديداً؟

- تقتضي مهمة جمعية <مارش> تثقيف المجتمع اللبناني وخاصة المجتمع الشبابي وتحفيزه وتمكينه ليعرف حقه بحرية التعبير عن الراي واحترام نقاط الاختلاف وتقبلها وعرض اثار الرقابة السلبية على المجتمع. كما تسعى <مارش> للوصول الى مجتمع اكثر انفتاحاً وتحقيق السلام عبر مشاريع حل النزاعات بطريقة سلمية لتقبل الآخر. كما وان الجمعية تدافع عن حقوق المراة في المجتمع اللبناني وتهدف الى دعمها من اجل تحقيق المساواة.

 أسس الجمعية مجموعة من الشباب يطمحون إلى لبنان أفضل يعمّ فيه السلام والمساواة بين المواطنين ومواطنة حقيقية بدل الطائفية، بينهم جاد غريب، جورج ملحم وآخرون.. إن كلمة <مارش> تعني بالانكليزية التقدّم الى الامام، التقدم بشكل مجموعة وليس بشخص منفرد. من هنا اتى اسم الجمعية <مارش> تحديداً للدلالة على طريق التقدم.

 روميو وجولييت طرابلس!

ــ من ابرز انجازات الجمعية <مسرحية حب وحرب عالسطح>، كيف تكوّنت الفكرة؟ وكيف اختير الشباب (ابطال العمل) بين جبل محسن وباب التبانة؟

- في الواقع تكونت فكرة المسرحية على أثر أحداث طرابلس في السنوات الاخيرة، فالاخبار التي تناولت احداث ومعارك جبل محسن وباب التبانة كانت تشير في معظم الاحيان الى ان الصراع، صراع طائفي ومذهبي وايديولوجي. وقد كانت تساورنا الشكوك بأن الواقع ليس كذلك وان المشكلة الحقيقية جذورها ليست ايدولوجية. وقررنا ان نبدأ بالمشروع لنتبيّن الحقيقة من خلف كل هذه المعارك ولاثبات ان الامر ليس ذا خلفية طائفية وايديولوجية.

واستطردت قائلة:

- لقد قمنا بالتحضير للمشروع قبل اربعة اشهر من اطلاقه لكي نحصل على المعلومات اللازمة ولدراسة ارضية الواقع الطرابلسي. تقدم اكثر من مئة شخص من شباب طرابلس لتجارب الاداء، وتم قبول 16 منهم على اساس مشاركتهم الفعلية بالمعارك (اي حملهم للسلاح..) كما تركهم للمدرسة باكرا وعدم وجود فرص عمل امامهم.

 ــ هل لمستم التواصل الفعلي بين الشباب بعد الانتهاء من المسرحية ام عاد كل الى موقعه واحكامه المسبقة؟ وهل تختلف طبيعة العلاقة فتهدأ او تعود للاشتعال تبعاً للظروف الامنية والسياسية؟ (تفجيرات جديدة، تصريحات.. الخ)

- ان المشروع لم يتوقف عند المسرحية والوثائقي، حتى اليوم ما زلنا على تواصل مع هؤلاء الشباب (ولقد ارتفع عددهم الى 30) من خلال مشروع آخر مرتبط بالسابق، وهو قائم على فكرة استمرارية النتيجة التي حصلوا عليها من خلال المسرحية. فاليوم تقوم <مارش> بالتعاون مع الممثل ميشال ابو سليمان بتدريب الشباب على العمل المسرحي، من كتابة مشاهد مسرحية واخراجها كذلك تمثيلها، ويجري هذا التدريب في طرابلس مرتين على الاقل في الأسبوع، يشارك فيه جميع الشباب المعنيين بالمسرحية والشباب الجدد من منطقتي باب التبانة وجبل محسن.

وتضيف ليا:

 - ان علاقة الشباب اليوم ببعضهم البعض متينة على كافة الصعد، شخصية كانت ام خلال التدريبات التي تقوم <مارش> بها. وهذا السؤال كان قد وجّه في عروض الفيلم الوثائقي التي أُقيمت حتى اليوم، وكان الجواب دائماً أن لا عودة الى الاختلاف والصراعات بعد هذه العلاقة التي بنوها. نجدهم يحاولون نشر هذه الصداقة وجعلها مقبولة من محيطهم واصدقائهم واهلهم، على امل تحقيق هذا الهدف على المنطقتين وعلى طرابلس ولبنان عموماً.

اثرياء العالم!

ــ قلتم ان <طائفية> المنطقتين ليست سوى وهم وان السبب الحقيقي للخلاف بين الشباب ليس سوى الفقر وعدم وجود فرص العمل. كيف لمستم هذا الامر؟ وهل من يعمل على تأمينها في مدينة كطرابلس تضم عددا بين اثرياء العالم؟

- في البدء، عندما دعونا الشباب لحضور التدريبات، لم يكونوا على استعداد تام للتعاون، وكانوا شبه متأكدين ان المشروع سيفشل، لكن عندما علموا ان المسرحية ستكون مستوحاة من حياتهم الشخصية وتجربتهم، اختلف الوضع قليلاً، وقد تبلور الاختلاف بشكل واضح عندما بدأوا بالبوح عن حياتهم وتجاربهم، ففي هذه المرحلة اكتشفوا ان الاحداث التي يعيشونها رغم اختلاف مناطقهم هي متشابهة، فهم ان كانوا من جبل محسن ام من باب التبانة يتشاركون الفقر وانعدام الامل والاحلام وفرص العمل، كما وانهم يتشاركون حزنهم على قريب او صديق توفي في المعارك. ان ما يثبت ان خلفية الامور ليست طائفية، قربهم من بعضهم البعض، وتشابههم الكبير، فلقد كونوا اليوم صداقة متينة بعيدة جدا عن خلافات السياسة.

وأضافت:

- هنا كان دور <مارش> الاساسي في تسليط الضوء على هذه الوقائع، فبعد الإثبات بأن المشكلة ليست طائفية او ايديولوجية، يأتي دور الدولة الغائبة كلياً عن هذه المناطق بالتحديد، والتي من واجبها تأمين حياة لائقة للأهالي في المنطقتين. لقد عملت <مارش> اكثر من سنة في جبل محسن وباب التبانة، ولمست مدى تدني المستوى المعيشي هناك. لا يصدق أحد أن الفقر موجود في تلك المناطق، وهذا غير مقبول بالاخص ان طرابلس اليوم تحتضن كبار السياسيين ورجال الاعمال الاثرياء ليس فقط في لبنان بل في العالم! <مارش> اضاءت على المنطقتين لدفع هؤلاء للتدخل السريع لحل مشكلة طرابلس ومحيطها، ونتمنى ان يعملوا على خلق فرص عمل لهؤلاء المواطنين وليس مدهم فقط بـ<الاغاثات المؤقتة>، بل بفرص حقيقة للوصول الى الحد الادنى من الحياة الكريمة.

ــ اين أصبح <المقهى> الذي كان يراد تنفيذه من قبل الجمعية بين المنطقتين؟

 - هو قيد التنفيذ، وما هو ملفت في المشروع ان ورشة العمل تتكون من هؤلاء الشباب، فهم من سيقومون بالبناء والطلاء والتصميم، وسيكون مكان يعرضون فيه مسرحياتهم و<اسكتشاتهم> وأغنيات وأفلاماً عديدة.

تهديدات للممثلين

ــ هل ستنتقل التجربة بين الشباب المتخاصمين الى مناطق أخرى من لبنان؟ وبأية اشكال؟

- نعم ستنتقل التجربة الى مناطق اخرى من لبنان، مناطق عاشت ما يشبه تجربة باب التبانة وجبل محسن، لكن من المبكر الاعلان عن اسمائها وليس بالضرورة أن تكون التجربة من خلال مسرحية، ولكنها بالتأكيد ستكون من خلال الفن والثقافة.

ــ لماذا اختير لوسيان بو رجيلي للمشروع، وهو اليوم ناشط في حملات المجتمع المدني؟

- لوسيان بو رجيلي هو كاتب ومخرج معروف ومحبوب من الشباب اللبناني، وهو مميز باعماله المسرحية الفريدة كما انه متخصص بالمسرح الارتجالي، و<مارش> ارادت المحافظة على الشخصية الحقيقية للممثلين، وكأنهم يلعبون دورهم الحقيقي ولكن على خشبة المسرح. من هذا المنطلق اختير لوسيان للوصول الى نتيجة مبهرة من خلال كتابته وإخراجه لمسرحية <حب وحرب على السطح>، كما وان بو رجيلي هو من اعضاء المجلس الاستشاري في <مارش>، اضافة الى انه كان قد تمّ التعامل معه في اعمال سابقة (بتقطع او ما بتقطع) واعمال حالية (لعيونك سيدنا)، وهما مسرحيتان موضوعهما الرقابة المسبقة على الاعمال الفنية من قبل الامن العام اللبناني.

ــ لماذا حولتم مسرحية <حب وحرب عالسطح> الى فيلم وثائقي؟

- قبل اطلاق فكرة الوثائقي كنا قد بدأنا بالتصوير منذ اليوم الاول للتجارب وأكملنا التصوير حتى العرض الاخير من المسرحية. فأظهرت فكرة الشريط الوثائقي كيف نشأت الصداقة بين الشباب ومراحل التحضيرات للمسرحية والتدريبات التي خضع لها الممثلون مع اهم الفنانين والمخرجين في لبنان كرفيق علي احمد ونادين لبكي وجورج خباز.. . كما ان الشريط الوثائقي يعرض اهم الاحداث والمواقف الطريفة التي حصلت خلف الكواليس وخلال التحضيرات، وسلط الضوء اكثر على المشاكل التي يواجهها هؤلاء الشباب والمناطق المعنية عموماً، واستطعنا اظهار الخلفية الحقيقية لمعارك جبل محسن وباب التبانة. وقد بات هذا الوثائقي اليوم يشكل مثالاً لمشاريع حل النزاعات بطريقة سلمية، ويظهر نتيجة جد ايجابية.

ــ كيف استقبل اهالي شباب المنطقتين في طرابلس هذا الانجاز؟

- اول عرض للمسرحية كان في مدينة طرابلس، ولقد لاقى الكثير من الدعم. في الواقع تآلف الجمهور من اهالي باب التبانة وجبل محسن الذين جلسوا وضحك بعضهم مع بعض، وأدرك الجميع ان المشاكل والفقر والبؤس مشتركة بين المنطقتين. من جهة ثانية، وللاسف، تلقى الممثلون الكثير من التهديدات قبل وبعد العروض، وهذا ما يدل على عدم تقبل الجميع لهذا المشروع.

<استعراضات> بعض الجمعيات

ــ الى اي مدى تؤدي فورة الجمعيات المدنية ومنها ما هو جاد فعلاً ومنها ما هو استعراضي (سخيف احياناً) الى تشكيك الناس بجدواها ووضعها في سلة واحدة <فيذهب الصالح بالطالح>؟

- للإجابة عن هذا السؤال سوف نأخذ <حب وحرب ع السطح - حكاية طرابلسية> كمثال: في الواقع، ولدى بدء المشروع، لم يكن الشباب الممثلون على ثقة تامة بالمشروع لسبب او لآخر، ومن تلك الاسباب عدم ثقتهم بالجمعيات الاهلية عموماً، إذ أنهم قد سمعوا وعودا كثيرة من قبل جمعيات اخرى لم يتحقق اي منها، وهذا تطلّب منا الكثير من الجهد لاقناع الشباب بالتعاون والمشاركة الفعالة في المشروع. فـ<استعراضات> بعض الجمعيات تسبّبت بالكثير من الاذى للجمعيات الجدية وأثّرت سلباً على المجتمع المدني عموماً، ودفعت لفقدان الامل فيه من قبل المواطنين.

ــ ــ من يموّل جمعيتكم؟

- تمويل الجمعية يأتي من منظمات دولية كبرنامج تعزيز المجتمعات المحلية في لبنان الممول من مكتب المبادرات الانتقالية، والاتحاد الاوروبي و<National Endowment for Democracy>، والسفارة الهولندية... ويكون التمويل بحسب اقتراحات مشاريع معينة نحاسب على تنفيذها. نتجنب التمويل الداخلي (من أيّة جهة في لبنان) لانه وللاسف في معظم الاحيان يكون التمويل لهدف شخصي او سياسي أية ما يتعارض مع النظام الداخلي للجمعية. وهناك دعم مالي انما بنسبة ضئيلة جداً يأتينا من تبرعات المواطنين.

<متحف الرقابة>

ــ ماذا عن <متحف الرقابة> لجمعية <مارش>؟ وعلى اية اسس يقوم تحديداً؟

- ان <متحف الرقابة> أُطلق من قبل الجمعية عام 2012، وهو موقع على <الانترنت> تُعرض فيه كل المواد التي مُنعت من العرض من قبل السلطات المختصة، هدفه الاساسي هو اطلاع الاشخاص على كل هذه الاعمال وتوعية المواطنين على ممارسات الرقابة التي تتم والتي تمس بحرية الراي والتعبير المكرسة في الدستور اللبناني. ان الموقع لا يعرض فقط الاعمال الممنوعة، انما يسمح للجمهور ايضا التعريف والابلاغ عن اي عمل تعرّض للمنع. وان موقع <متحف الرقابة> مقسم بحسب فئات الاعمال الممنوعة، من سينما الى مسرح وكتب وموسيقى، كذلك فإنّه مقسم من حيث تاريخ المنع إذ يضم اعمالاً مُنعت من العرض منذ عام 1940 لغاية اليوم.

 ــ في اية قضايا او مواضيع ضغطت <مارش> ولاقت تجاوباً؟

- لاقت <مارش> الكثير من التجاوب في مواضيع عدة، منها الرقابة المسبقة على الاعمال من قبل الامن العام، فانتجت <مارش> مسرحية <بتقطع او ما بتقطع> التي مُنع عرضها من قبل الامن العام من دون اسباب توضح سبب المنع، وبعد الضغط والضجة الاعلامية التي قامت بها الجمعية في ما يتعلق بهذا الموضوع، استُضيف الجنرال المسؤول عن مكتب الرقابة في الامن العام في برنامج على شاشة تلفزيونية محلية ليوضح اسباب المنع للرأي العام، وهذا الامر شكّل سابقة، فلم يحدث ابداً ان برر الامن العام من قبل اسباب منعه لمسرحية او عمل ما. ورغم الاسباب غير المقنعة والتي لا تعتمد على معايير واضحة، نعتبر ان هذا الحدث كان انجازا كبيرا وربحنا معركة من المعارك بما يخص مسألة الرقابة غير المحقة التي تحد من حرية التعبير. كما ان مشروع <حب وحرب ع السطح> ان كان المسرحية او الوثائقي، يُعدّ من ابرز نجاحاتنا، فضلاً عن ان <مارش> كانت من ابرز المشاركات في حملات المجتمع المدني ضد العنف وحقوق المرأة الى جانب عدد من الجمعيات الأخرى.

 ــ ما جديد الجمعية المقبل؟ والى اي مدى انتم ناشطون في الحراك المدني كجمعية؟

 - تعمل الجمعية اليوم على مشاريع عديدة منها مشروع حرية الراي والتعبير على <الانترنت>، والمقهى الثقافي على خط التماس بين باب التبانة وجبل محسن، وتدريب شباب طرابلس على الاعمال التمثيلية. وفي ما يختص بالمرأة، تقيم <مارش> ندوات ومحاضرات مخصصة لتوعية النساء اللبنانيات وتحضيرهن وتدريبهن على مهن معينة. كما وتعرض الجمعية اليوم مسرحية <لعيونك سيدنا> من انتاجها واخراج لوسيان بو رجيلي بهدف توعية المواطنين على ممارسات الرقابة وسلبياتها على المجتمع اللبناني. اما عن الحراك المدني، فنحن ندعم اي حراك يحارب تعسف الدولة تجاه المواطنين ويناضل من أجل حصولهم على حقوقهم.