تفاصيل الخبر

”لـــور بـــروفوست“: أحـب ان افـقــد السيطــــرة الـفـنـيــــة وتـتمـلكنـي فكــرة الذهــاب الـى مطــارح لا عــودة منهــا!

05/10/2018
”لـــور بـــروفوست“: أحـب ان افـقــد السيطــــرة الـفـنـيــــة وتـتمـلكنـي فكــرة الذهــاب الـى مطــارح لا عــودة منهــا!

”لـــور بـــروفوست“: أحـب ان افـقــد السيطــــرة الـفـنـيــــة وتـتمـلكنـي فكــرة الذهــاب الـى مطــارح لا عــودة منهــا!

 

بقلم عبير انطون

من بريطانيا الى المانيا واسبانيا واميركا وليتوانيا وكندا والمكسيك ولبنان اليوم، يتقدم اسم الفنانة <لور بروفوست> المشهد الفني المعاصر عبر <الفيديوهات> والتجهيزات التي تقدمها والتي استحقت عنها ارفع الجوائز، كما استحقت ترشيحها من قبل <جان ايف لودريان> الوزير الفرنسي للشؤون الاوروبية والشؤون الخارجية ووزيرة الثقافة <فرانسواز نيسان> لتمثل فرنسا في الموسم الثماني والخمسين من <بينالي البندقية الدولي للفن المعاصر> في ايطاليا للعام 2019، وسط تساؤل العديد من الفنانين عما تتميز به وما الذي اوصلها الى العرض في كبريات <الغاليريهات> المعروفة وترشيحها لتكون في اهم المعارض العالمية، واين الجديد الذي تقدمه لتكون تجهيزاتها من ضمن مجموعات خاصة او عامة لجامعي التحف والفنون وحتى يباع التجهيز الواحد من توقيعها بمبلغ مئتي ألف يورو؟

 

<قصر طوكيو>... بيروت!

لم يكن اسم <لور بروفوست> معروفا على نطاق واسع في الساحة الفرنسية، الى حين جاءها الاعتراف الاكبر من بريطانيا حيث حصلت على <تورنر برايز> الجائزة السنوية الأرفع للفن المعاصر، وذلك بعد ان نالت جائزة <ماكس مارا آرت برايس للنساء> في العام 2011 فاكتسبت شهرتها العالمية، وكان معرضها الاول في فرنسا في صالة <روشوارت> تحديدا.

 الفنانة المولودة في العام 1978في بلدة <كروا> قرب مدينة <ليل> الفرنسية والتي شكلت خلفيتها الثقافية في المملكة المتحدة، تقيم وتعمل ما بين كرواتيا ولندن وأنفير... لقاؤها بالفنان <جون لاتمان> شكل منعطفا مهماً في حياتها فكانت معاونته الشخصية، ما ترك تأثيرا مهماً في عملها الذي استضافته <غاليريهات> توزعت ما بين لندن وبرلين ونيويورك وسواها، كما استضافته ايضا العديد من المؤسسات الثقافية المعروفة، بينها مؤخرا متحف سرسق في الاشرفية - بيروت بعد انتهائها للتو من عرض عملها في <قصر طوكيو> في باريس من خلال عرض منفرد امتد ما بين شهري حزيران/ يونيو وايلول/ سبتمبر المنصرمين تحت عنوان <Ring, Sing and Drink for Trespassing>.

 

<هل تريد الشاي؟>!

 

في بيروت، التي لم تزرها قبلا، قدمت <بروفوست> ثلاثة من <الفيديوهات> الشهيرة التي لمعت بها وشرحت عملها الفني المعاصر تحت العنوان العريض <سوف نذهب بعيدا>. عن تجهيز <وانت تي> الذي استحقت عنه جائزة <تورنر> لتكون الفرنسية الاولى التي تقطفها كانت عيون الحضور في المتحف شاخصة والآذان مستنفرة، فماذا فيه حتى حصدت <بروفوست> عنه الجائزة العالمية ونتشاركه معها في عاصمتنا؟

 انه مونتاج لمجموعة من <الفيديوهات> تجمع فيها الفنانة <النوستالجيا> الى الحداثة، كما صورت فيه ايضا حرفة العمل بالطين . فيه تخيلت <بروفوست> شخصية الفنان البريطاني <غراندبا> الذي لم يُفهم كما يجب والذي نفي الى المانيا وكان على علاقة بالفنان <كورت شويترز>. مزجت الفنانة الوقائع بما تخيلته واخذت الجمهور المشاهد الى منزل أجدادها الذي تضيء فيه على حفرة صنعها جدها الذي تحبه جدا وتنتظر عودته معلقة بطرافة: <اطلب من كل من يرى رجلا مع الوان الرسم على وجهه ان يدلني عليه، لربما كان جدي>، مازجة كما في تعليقها الواقع بالخيال الذي هو في جوهر عملها الفني، فهي لا تزال قلقة عليه مذ قرر العبور الى افريقيا مباشرة من صالون بيته منذ أكثر من عشرين عاما، وحيث تشاركنا اللوحات المعلقة التي رسمها على جدران منزله فتأخذنا <بروفوست> في رحلة عبر ارجائه. هي لوحات بسيطة، <بورتريهات> رسمها عن زوجته، او ايضا منحوتات انجزها من خلال مواد اعاد جمعها ولوّنها.

 وفي مكان ابعد، وعلى طاولة خشبية كبيرة محاطة بالكراسي نرى من خلال تجهيز <بروفوست> مختلف أدوات الطاولة حيث نحن مدعوون بحرارة الى أخذ اماكننا من حول هذه الطاولة فنشاهد معا فيلم <وانت تي> المستوحى من عبارة كانت ترددها بشكل متلازم صديقة الفنان الـ<دادايست كورت شويتزر> صديق جدها سائلة بتكرار <وانت تي>؟ (هل تريد الشاي؟)، وذلك <نسبة الى المشروب المفضل لدى هذا الصديق والذي وزعته <بروفوست> على جمهور <اوديتوريوم> <متحف

سرسق> مستعيدة طعمه اياه وهو عبارة عن الشاي بالـ<جين>.

بالعودة الى صالون البيت، تشرح لنا <بروفوست> حكاية هذا الصالون الذي تدعونا اليه، حكاية جديها والفرح الذي كان سيحيط بهما لو انهما استطاعا فعلا ان يستضيفانا عندهما. لقد تناولت <بروفوست> من خلال هذا الفيلم المشروع الفني الأخير لجدها وقوامه حفر نفق قادر على وصل صالون بيته ببلد المغرب. وفي الارضية، تشخص عيوننا جميعا الى الفتحة التي تعود لبداية النفق، الذي يرتع جدها في داخله منذ عشرين عاما، وتروي لنا الفنانة انتظار جدتها له وهواجسها وارادتها باعادته الى البيت...

 

<انستغرام>...!

 

الصور في الفيلم ليست متواصلة بل هي متداخلة وسريعة الايقاع على غرار نمط صور <الانستغرام> حاليا. وبعيدا أكثر، الى جانب الطاولة، يجد المشاهد نفسه مخيّرا ما بين الدخول أو الاحجام في النفق المحفور في الجدار. الفتحة غير عالية السقف والخروج من النفق غير أكيد، وعلى الرغم من ذلك فان صوتا ما يشعل حشريته... ففي طرف النفق وعلى الجوانب الزهرية هناك شاشة مسبوقة بعلاّقة بيضاء وضعت عليها اربع من الفواكهة والخضار: ليمونة وجزرة وبصلة ورأس بندورة. على الشاشة يدا الفنانة تتحركان. استقرت الخضار في فراشها... كيف؟ لا احد يعرف... انها اشارة ربانية تنبئنا <بروفوست>... اشارة ربانية لطالما انتظرتها!

لا <كونترول>!

 

اللغة ومفرداتها، و<الفيديو> وتقنياته أساسي في عمل <بروفوست> التي حرمها اهلها من التلفاز وهي صغيرة فتعلقت به وبعالمه لما كبرت... هو نافذة الى المتخيل بنظرها. الفنانة التي حفرت اسمها بمهنة أضحت شهرتها بها عالمية، لا تهدف الى تقديم أعمال لها هوية مؤطرة، حاملة همّ نقل حقيقة ما. <ما الحقيقة؟> تسأل <بروفوست> نفسها و<ما الخطأ؟> <اليوم نبحث عن الحقيقة مهما كان الثمن. لندع الخيال يدخل من ضمن المعايير، ما من شأنه ان يبعد التعقيد عن المشاهد الذي لا يصل الى ان يفهم كل شيء>.

كفنانة تعبّر <بروفوست> عن توقها لو انها تفقد التوازن الفني: <احب ان افقد السيطرة الفنية مرات عديدة، ان اوحي ببساطة شديدة الى بعض الامور حتى يتمكن كل فرد يراها من استخلاص ما استوحاه منها. على المشاهد ان يجد بنفسه علاقة مع محيطه، ان يعطيه معنى وان يستخدم خياله. اجدني ألعب من ضمن فكرة انني محمولة الى أماكن بعيدة لا عودة منها ربما>.

من هذا المنطلق يأتي عمل <بروفوست> الذي هو مزيج من خيال وواقع تطوعه وفق هواها لتخلق منه حكايات لها مرجعيتها، وبتميز كبير. وما استرعى الانتباه الى اعمالها هو قدرتها على تناول مواضيع حميمية خاصة، وتحاكي في الوقت عينه اي انسان في اي بقعة من الارض، مستخدمة لاجل ذلك الوسائط المختلفة. تستهويها لعبة الخيال والواقع هذه، وبلغة شخصية تروي بشكل طريف وشاعري علاقتها بالاشياء، بالجسد وبالحياة، حتى انها تناولت الانحباس الحراري والتلوث البيئي بطريقتها الفريدة.

 <لقد قدمت <بروفوست> العديد من الطرق المختلفة عبر مراحل مختلفة حيث كان عملها حميميا وخارجيا في آن معا، وكان يعود الى الماضي فيعرض تاريخ المعاصرة ولكنه يستخدم التقنيات الحديثة. وحقيقة انها استخدمت التكنولوجيا المألوفة لدى اليافعين عبر استعمالها ومضات من صور ومقاطع <فيديو> قصيرة جدا وحولتها الى شيء جديد جعل من عملها مختلفا وموضوعيا. هذا التعليق للجنة جائزة <تورنر> حول عملها هو خلاصة لما يمكن وصفها به، فعالمها الغني يحتضن اكثر من نوع فني يأخذ فيه مزج <الديناميات> المختلفة مداه. من <الفيديو> الى الرسم والنحت والاداء او ايضا الكتابة لتغذي السيناريو الذي تعمل عليه، سيناريو عادة ما يكون غريبا مبهما لكنه حساس ودينامي وانساني في الوقت عينه. وفي احد اعمالها بعنوان <The TV Mantelpiece> مثلا، تؤرجح <بروفوست> ما تقدمه بين التقليدي والمعاصر ويتداخل فيه النجود والسجاد والرفوف والسيراميك وشاشة التلفاز واكياس الشاي والاكريرليك والرسم والحجارة و<الفيديو> في مزيج ملفت بتماسكه. هكذا تُعتبر <بروفوست> واحدة من اكثر الفنانين ابتكارا بين ابناء جيلها، حتى ان البعض ذهب بالقول عنها انها قادرة على ابتداع قصص معاصرة على غرار قصص <كليلة ودمنة> والقصص القصيرة للكاتب الفرنسي الاشهر <جان دو لا فونتين> منطلقة من الشخصي والذاتي الى العالمي.