بقلم وردية بطرس

يُعتبر الرسام العالمي <بابلو بيكاسو> من أعظم الفنانين وأكثرهم تأثيراً في القرن العشرين، كما انه يُعّد مؤسس المدرسة التكعيبية. ولا يزال <بيكاسو> أكثر الرسامين شهرة وتاثيراً، ولا يزال يحظى بتقدير لاتقانه العمل الفني وابداعه البصري وتعاطفه العميق، هذه الصفات مجتمعة جعلت منه فناناً ثورياً.

وللمرة الأولى تُعرض أعمال الرسام العالمي <بابلو بيكاسو> في لبنان، اذ استضاف <متحف سرسق> في الأشرفية معرضاً لأعماله تحت عنوان <Picasso et la Famille> او <بيكاسو والعائلة> من 26 ايلول (سبتمبر) الماضي ويستمر لغاية 6 كانون الثاني (يناير) المقبل، وذلك ضمن مبادرة <بيكاسو ــ البحر المتوسط> التي أطلقها <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية، وذلك بمنحة سخية من <دانيال ادغار دو بيتشيوتو> وبدعم من <سيريل قاراوغلان>، أما القيّمتان على المعرض فهما <كاميل فراسكا> وهي مؤرخة فنية ومسؤولة عن المشاريع في <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> وياسمين الشمالي (وهي رئيسة المجموعات في <متحف سرسق>).

ويستكشف معرض <بيكاسو والأسرة> العلاقات التي تربط <بابلو بيكاسو> (1973 ــ 1881) بمفهوم النواة العائلية بدءاً من الأمومة وصولاً الى الألعاب الطفولية، وبدءاً من صورة الحميمية المفهومية وصولاً الى اختبار الأبوة المتعدد الأوجه تحت أضواء الشهرة. ويجمع المعرض بين الرسوم والمحفورات واللوحات الزيتية والمنحوتات، ويستعرض بايجاز محطات الابداع على مدار سبعة وسبعين عاماً بين 1895 و1972، من خلال مجموعة مختارة من الأعمال التي تجسّد محطات مهمة في مسيرة الفنان العائلية والعاطفية الطويلة، وتعبّر أشكالها المتنوعة عن اعادة اختراع مستمرة لمفردات <بيكاسو> الفنية. وفي هذا السياق يقصد <بيكاسو> بمصطلح <العائلة> في المقام الأول، المعنى الأسباني اي الحلقة الضيقة والحميمة والكتومة التي هي مصدر خصب للالهام من أجل الخوض في مواضيع مثل حب الأنوثة، وصورة الثنائي، وألغاز الطفولة، والسعادة البسيطة المستمدة من تشارك الأشياء مع الآخرين، او حتى مهابة اللحظات الخاصة. لكن العائلة هي أيضاً وسيلة لاستكشاف مواضيع أكثر كونية مثل قساوة الحرب، والوقت الذي نقضيه، وحتى التأمل في تاريخ الفن ودوافعه. ومن خلال هذا المنظور تُقدّم أعمال الفنان الاسباني الرائد في اطار متميز أبعد من اطار الحقبات والأساليب لكنه يتصف بالطابع الفوري للابداع.

وتشير مسؤولة البعثات في <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> <كاميل فراسكا> وهي القيّمة المشاركة على المعرض بأن قوة أعمال <بيكاسو> تتخطى التفسير البيوغرافي ويتعذر تقييدها بفكرة واحدة. ومن المهم الخوض في دراسة عن موضوع الأسرة في أعمال <بيكاسو> من خلال بعض عناصر حياته الشخصية. وفضلاً عن ذلك تترجم أمثلة عدة اندهاش <بيكاسو> بهذه المواضيع العائلية، وهو اندهاش مرتبط بمراقبة صورة الانسان، هذا الموضوع الذي لا ينضب أبداً. كما ان <بيكاسو> جسّد على امتداد حياته التي عاشها ابناً وأخاً وأباً وحبيباً وصديقاً وعشيقاً، رؤيته عن النواة العائلية تارة من خلال منظور الأحداث البيوغرافية، وطوراً من خلال مشاهد تجسّد أشخاصاً مقربين منه وآخرين مجهولين. هؤلاء هم أشخاص أعزاء على قلبه ساهموا في تغذية أعماله وفي هذا الاطار قال <بيكاسو>: <أعمالي أشبه باليوميات... حتى انها مؤرخة كما اليوميات>.

وبعدما قمنا بجولة في أرجاء المعرض وتعرفنا على أعمال الفنان العالمي <بيكاسو> كان لـ<الأفكار> حديث مع مديرة <متحف سرسق> السيدة زينة عريضة، ورئيس <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> السيد <لوران لوبون> الذي حضر من باريس للمشاركة في احتفال الافتتاح.

مديرة <متحف سرسق> زينة عريضة والتعاون مع <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس>!

ونسأل مديرة <متحف سرسق> السيدة زينة عريضة عن أهمية اقامة هذا المعرض في لبنان للمرة الأولى فتقول:

- نحن فخورون بأن يُقام معرض للفنان العالمي <بابلو بيكاسو> في <متحف سرسق>، وذلك بالتعاون مع <المتحف الوطني بيكاسو- باريس> وأيضاً بالتعاون مع وزارة الثقافة. لقد اردنا اليوم وقبل احتفال الافتتاح ان ندعو وسائل الاعلام للقيام بجولة في أرجاء المعرض ونشرح لهم عن المجموعة المختارة من أعمال <بيكاسو>. ان هذا المعرض هو آخر مرحلة لمشروع انطلق منذ ثلاث سنوات <بيكاسو ــ البحر المتوسط> وآخر محطة هي لبنان وتحديداً في <متحف سرسق>. انها فرصة جيدة لـ<متحف سرسق> ليس فقط ليبرز اسم المتحف بل أيضاً ليطال الجمهور اللبناني بمختلف الأعمار والفئات. وهدفنا ان تزور المتحف المدارس الرسمية أكثر من السابق للتعرف على أعمال فنان عالمي اذ يستمر المعرض لغاية 6 كانون الثاني (يناير) 2020، وطبعاً الدخول مجاني الى المتحف... أصبح بامكان اللبنانيين ان يتعرفوا على أعمال <بيكاسو>. ونحن نفتخر بأن تمكنا من القيام بهذا العمل لأن ربما الناس لا يقدرون ان يسافروا ليزوروا المتاحف ومشاهدة أعمال <بابلو بيكاسو>، فأقله تُتاح اليوم لهم هذه الفرصة وبالتالي ندعو الجميع لزيارة المتحف والقيام بجولة في أرجاء المعرض.

وبالسؤال عن أهمية مشاركة رئيس <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> في احتفال الافتتاح تقول:

- مشاركة رئيس <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> <لوران لوبون> في احتفال افتتاح المعرض أمر مميز. كما حضر أيضاً حفيد <بيكاسو> <برنارد لويس بيكاسو> للمشاركة في احتفال الافتتاح. وطبعاً اقامة مثل هذا المشروع والتعاون بين <متحف سرسق> ومتحف <بيكاسو ــ باريس> يظهران أهمية الصداقة والعلاقات بين لبنان وفرنسا والتي هي متينة جداً. لقد أبدى السيد <لوبون> اهتمامه بهذا المعرض وقال لنا انه فخور بأن تقام آخر محطة لهذا المشروع في لبنان في <متحف سرسق> لأن مشروع <بيكاسو ــ البحر المتوسط> انطلق منذ ثلاث سنوات اذ أُقيم 60 معرضاً وكل معرض يختلف عن الآخر. لقد اخترنا موضوع المعرض بعنوان <بيكاسو والأسرة> وعندما عرضنا عليهم هذا الموضوع أحبوا الفكرة كثيراً

وهكذا عملنا سوياً على اختيار المجموعة. لقد بدأنا الحديث عن هذا المشروع في <متحف سرسق> منذ سنتين اذ تطلب الأمر لتحضير مثل هذا المعرض سنتين.

ــ وكم لوحة تُعرض في المتحف؟

- تُعرض في المتحف اليوم بين 20 و30 لوحة، وهناك ايضاً صور عائلية لـ<بيكاسو> وفيلم وثائقي، وأيضاً منحوتات ولوحات زيتية وباستيل ورسومات. لقد سمح لنا الموضوع <بيكاسو والاسرة> ان نظهر كل مراحل حياة <بيكاسو> من خلال معرض ليس كبيراً ولكنه مميز، لأن كان للعائلة أهمية ومكانة لدى <بيكاسو> خلال حياته. وفي المجموعة تجدين لوحة كان قد رسمها وهو بعمر 14 سنة وهي تُعرض كأول لوحة في المعرض اذ عندما رسمها كان في الرابعة عشرة، فيما آخر لوحة كان قد رسمها قبل وفاته بسنة واحدة.

وتتابع:

- هذا المعرض هو فرصة لاستقطاب جمهور أكبر لزيارة المتحف. ونأمل ان يأتي الناس لمشاهدة أعمال <بيكاسو> وأيضاً لاستكشاف المتحف. وهذه فرصة جيدة لنستضيف تلاميذ المدارس الخاصة والمدارس الرسمية. وهذه فرصة لنطلق حملة لانشاء أصدقاء <متحف سرسق> مثل كل المتاحف في العالم، فالمتحف يحتاج للدعم علماً ان الدخول الى المتحف مجاني. كما حظينا بدعم ومنحة من <دانيال ادغار بيتشيوتو وأيضاً سيريل قاراوغلان> اذ ساعدا بهذا الخصوص. وهذا امتياز للمتحف بأن يوثق بنا لاقامة هذا المعرض هنا، كما انه للمرة الأولى تحضر هذه الأعمال الفنية لـ<بيكاسو> الى بلد عربي وهذا خير دليل على ثقة <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> بـ<متحف سرسق>.

بدوره يعتبر رئيس <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> ان مشروع <بيكاسو ــ البحر المتوسط> يقوم على تسليط الضوء على الروابط التي تجمع بين <بيكاسو> ومنطقة المتوسط بالمعنى الواسع من خلال برنامج ثقافي ديناميكي ومتعدد الأشكال والاختصاصات يمتد من العام 2017 لغاية 2019، وتتضمن الشبكة ما يزيد عن سبعين مؤسسة من عشرة بلدان، تعاونت في ما بينها لاطلاق مغامرة جامعة من خلال التواصل المشترك والموقع الالكتروني واصدار مطبوعة. ويتخلل البرنامج أكثر من خمسة وأربعين معرضاً منها معارض مونوغرافية وأخرى تيماتية في اطار حوار مع أشخاص عاصروا <بيكاسو> او فنانين من الحقبة الراهنة عبر التركيز على تقنية او حقبة زمنية ما او مكان معين حيث عاش الفنان او مارس فنه وابداعه. وقدمت هذه المعارض مقاربة فريدة ومتجددة عن أعمال <بيكاسو> من المنظار المتوسطي، وكان هذا المسار قد أطلق لاستكشاف أعمال الفنان والأماكن التي ألهمته بمبادرة من <المتحف الوطني بيكاسو ــ باريس> الذي قدّم تجربة ثقافية جديدة ومبتكرة، ونسأل السيد <لوبون>:

ــ كيف تقيّم اقامة معرض <بيكاسو والأسرة> في <متحف سرسق> في العاصمة بيروت وذلك للمرة الأولى في بلد عربي؟

- أولاً تعد مجموعة الأعمال الفنية لـ<بيكاسو> في متحف باريس هي المجموعة الأكثر شمولية في العالم، اذ هي عبارة عن مجموعة كبيرة ولكن هذه المجموعة ليست لنا فقط بل هي لكل الناس في العالم، لذلك هدفنا هو اقراض الأعمال عندما يكون ذلك ممكناً. بالطبع عندما فكرنا في أي بلد يمكن ان يكون المعرض مهماً للغاية فكرنا بلبنان، ولقد استغرق التحضير لاقامة المعرض في <متحف سرسق> في بيروت سنتين. لبنان بلد مميز ولهذا فكرنا بان تُعرض أعمال أهم الفنانين في تاريخ الفن في هذا البلد، وكانت فكرة صائبة نظراً لأهمية ومكانة <متحف سرسق> في هذا الخصوص. وطبعاً فريق العمل كان رائعاً اذ كان التعاون معه مميزاً.

الروابط الثقافية بين لبنان وفرنسا!

ــ وكيف تقيّم الروابط الثقافية بين لبنان وفرنسا؟

- أولاً العلاقة بين لبنان وفرنسا قديمة ومميزة وطبعاً الروابط الثقافية بين البلدين متينة. وأعتقد ان هذا المعرض هو خطوة جميلة في اطار العلاقات بين البلدين في ما يتعلق بالثقافة والفنون.

ــ وهل من رسالة تود توجيهها للبنانيين خصوصاً للمهتمين بالفن؟

- اعتقد ان اي شخص يعرف عن <بيكاسو> سيتحمس لزيارة المتحف لمشاهدة أعماله، أما الأشخاص الذين لم يتسن لهم مشاهدة أعمال <بيكاسو> فسيتمكنون من التعرف عليه من خلال لوحاته والوثائق المعروضة في المتحف. واعتقد انها بداية جيدة لأنه ليس مجرد معرض بل تُتاح للجميع الفرصة لزيارة المعرض ومشاهدة مجموعة مختارة من نحو عشرين عملاً من توقيع <بابلو بيكاسو> التي تُعرض في <متحف سرسق>، اذ تحط التظاهرة الثقافية <بيكاسو ــ البحر المتوسط> رحالها في لبنان في محطتها البارزة والأخيرة.