تفاصيل الخبر

لـــــن نـسـتـسـلـــــــــم

18/02/2016
لـــــن نـسـتـسـلـــــــــم

لـــــن نـسـتـسـلـــــــــم

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208 

هل نستمر في العرض التاريخي المأزوم منذ عقود؟

لماذا نستذكر الماضي القريب والبعيد، سائلين عن سفراء السياسة والحقوق، عن الأطباء والعلماء والمعلمين، عن الأدباء والمفكرين والسياسيين الكبار الأنقياء؟

هؤلاء عندما استودعهم الله ظلوا أحياء في التاريخ لأنهم كانوا أسياد التربية والأخلاق.

مؤسف الإقرار بواقع أليم، فالحضارة لا مكان لها من دون سلام، والسلام لا يقيم في مكان لا حرية فيه، والحرية والحقوق لا نجدهما حيث المجتمع بعيد عن الحرية والسيادة...

إن المجتمعات بل معظمها، يسيطر عليها في الالفية الثالثة شيء من العبث وشيء من العدم وكثير من الإحباط بفعل الدجل الإعلامي الذي يدمّر المعلومة، والوسخ السياسي الذي لا قوة تنظّفه، والعدالة الاستنسابية على يد أهلها، والحرية المدمّرة من الحكومات والحكام، والاقتصاد المسيّر بالمصارف، والمعرفة الناقصة أو المشوّهة في الجامعات، والفساد الساعي إليه بالعدوى مجتمع بمعظمه بفعل انتشاره السريع، والاستثمار بالناس لأنه الأكثر ربحاً والأقل كلفة ولاسيما في مواسم الانتخابات حيث نسبة المخاطر صفر بالمئة.

هذا كله في وادٍ والمشكلة الأساسية في وادٍ آخر.

فالناس الواعية للمشكلة تصرخ ويعلو صوتها، وتنتقد وتردّد ما يتناقله الساسة أنفسهم عن ملفات الفساد والفضائح، وتهينهم الى درجة إطلاق صفة <طلعت ريحتكم>.. و<الدنيا عم بتشتّي>..

ويتبيّن في النهاية، أن أقصى وأقسى درجات القمع لدى السلطات ألا ترد على الناس وتتركها تحكي وتنتقد وتهين وتهاجم كما تشاء..

والمؤسف حقاً أن الإعلام عموماً والنظيف بصفة خاصة، لم يعد له أي تأثير وفقد كل فاعلية.. رحم الله الصحف التي كانت تُسقط الحكومات إنْ بـ<المانشيت> وإن بالمقال.

والحقيقة، أن ليس ما يفسّر الواقع اللبناني اليوم مثل رموز المأساة.

يسألون المواطنين: ماذا تريدون؟

شباباً؟ قدّمنا لكم أولادنا!

تريدون سيدات تطبيقاً للمساواة وانخراط المرأة بالعمل السياسي؟ عظيم، لقد رشحنا لكم زوجاتنا وشقيقاتنا وبناتنا!

تريدون شركات؟ ممتاز، أولادنا وأقرباؤنا يستثمرون.. <شو بدكم أحسن من هيك؟>..

تطالبون بدم جديد؟ هذا هو دمنا سيُهرق لأجلكم.

تحلمون بالنهوض؟ هم ينهضون عنكم، ونحن نذوب من أجلكم.

صحيح أن الناس تكافح اليوم من أجل البقاء في عالم سريع التهاوي والزوال، والصحيح أيضاً أن لا شيء يبقى كما هو في قانون البشرية، وكم بالحري في الطبقة السياسية المتحكمة بالحجر والبشر منذ سنين طويلة؟

والناس في لبنان ليست مختلفة عن الناس في أي بقعة على وجه الأرض.

فعندما يخسر هذا الزعيم أو ذاك سترتد الناس عليه، وفي لحظة ستكتشف أنه شرّدها وتجاهلها، والأمثلة كثيرة.

فالملك <فيكتور عمانوئيل> الثالث كان يراقب الحشود الهاتفة له ويقول لمرافقه: إن العدد نفسه سوف يحضر ساعة شنقه ويهلّل بالقوة عينها.

ويُروى أن أحد الزعماء همس لمقرّب منه ما يخطر بباله وما يدور في خلفيته، قائلاً:

<لماذا عليّ أن أهتم بالبستان وأتكبد مشقات نكشه وزرعه وقطفه ومن ثم تضمينه الى فلان وفلان؟ تعالوا إليّ يا أبناء منطقتي، سأمدّكم بخطبي النارية وأقدّم إليكم مستثمراً يدفع لي وأجيّره لكم، ويكون نائباً عنكم الى جانبي.. وهكذا أعفيكم من كل مشقة>.

هل نستسلم؟

نحن في المعترك من أجل أنفسنا ومن أجل الانسان الذي بنى له أجدادنا مجداً في وطننا.

سنعيد إميل البستاني ليعيد المجد الى الشركات، وسعيد تقي الدين ليعيد الرونق الى الكلمة، وميشال شيحا ليلقننا الدستور، ووديع الصافي ليعيد الصوت الى أصحابه، وسنُبقي على فيروز لتردع كل أصوات النشاز.