تفاصيل الخبر

لميا زيادة وكتابها الجديد: «يا ليل يا عين» على كبار الشرق

06/11/2015
لميا زيادة وكتابها الجديد:  «يا ليل يا عين» على كبار الشرق

لميا زيادة وكتابها الجديد: «يا ليل يا عين» على كبار الشرق

بقلم عبير انطون

 500007 في حدائق متحف سرسق المجدّد حديثا التقينا لميا زيادة التي تشبه هذا المكان المرهف والذي يحمل بين جدرانه تاريخاً بيروتياً عريقاً يضم من التحف النادرة والقطع الاثرية واللوحات ما يشكل كنزاً حقيقياً للمدينة. هي ايضاً ارادت من خلال كتابها الجديد المميّز <O Nuit, O Mes Yeux يا ليل يا عين> ان تؤرخ لسير نجوم تألقوا، وان تنقل صورهم عبر رسومات بـ<الغواش> ضمنتها الكتاب واتقنتها بريشتها بعد رحلة لها في دراسة الفنون والرسم على القماش في دار <جان بول غوتييه>، والعمل في مجال الصور لكتب الاطفال في عاصمة النور الفرنسية حيث لا تزال تقيم..

لماذا ارادت لميا الفنانة التشكيلية ان تكتب بالفرنسية عن اسمهان التي لا يزال موتها غامضاً؟ ولماذا اختارت فريد الأطرش وأم كلثوم ومحمد القصبجي واحمد رامي وعبد الوهاب وعبد الحليم وليلى مراد ذات الاصول اليهودية التي اسطفتها ام كلثوم لتكون المغنية الرسمية للثورة المصرية واعتنقت الاسلام؟ وما الذي عاد بها الى بديعة مصابني وتحية كاريوكا التي تزوجت 14 مرة، وسامية جمال وداليدا والملكة نازلي التي زوّجت بالقوة وهي في الرابعة عشرة من عمرها الى الملك فؤاد لتعيش بعد وفاته حياة ماجنة وتتزوج من أحد عشاقها في السر؟ ولماذا استرجعت لميا زيادة من لبنان كلاً من مي زيادة الصحافية والاديبة، ونور الهدى وصباح وسعاد محمد والاخوين رحباني وطبعاً فيروز التي كانت اول فنانة عربية ترفض السفر لتصوير افلام في القاهرة لكي تبقى بجانب أولادها فجاء يوسف شاهين وهنري بركات الى لبنان من اجل تصوير افلام لها؟

 لقد نسجت لميا زيادة عبر نجومها خلفيات ومحطات اساسية من تاريخ هذا الشرق وحكامه وأعيانه. اعادتنا من خلال كتابها الى الكباريهات والاستوديوهات والكازينوهات، الى المال والعلاقات، الى المنافسات والمآسي، الى الراقصات والشيوخ، المغنيات والائمة، الباشوات والجواسيس، السلاطين والصحافيين، الاميرات والفلاحات، الاسرار والفضائح، الشغف والانتقام، وتذكرنا معها النجمة اليهودية والضابط البطـــــل.. باختصــــار انـــــه النصــــف الاول من القرن الجميل بدءاً من الاشرفية و<السان جورج> في لبنان الى جبل الدروز في سوريا والـ<كينغ دايفيــــد> و<الاورينت بـــالاس> والـ<مينا هاوس> في مصر وصولاً الى شوارع <اورشليم> (أي القدس) وبغداد، في تسليط للضوء على نهاية الامبراطورية العثمانيــــة وحرب فلسطين من دون إغفال تأميم قناة السويس ونكسة الـ1967.. بعبارة واحــــدة، هو نصف قرن عربي في كتاب مصوّر!

لقاء <الأفكار> مع لميا زيادة يوضح التفاصيل وبدأنا بالسؤال:

ــ يبدو انك تحبين اسمهان جداً حتى افتتحت كتابك بها؟

400006- ليست اسمهان فقط، احب أم كلثوم أيضاً وهما لا تتشبهان، وفيروز وهي بالنسبة لي في مكانة مميزة. كان في نيتي بداية ان اكتب عن اسمهان الاميرة الدرزية والنجمة التي بقيت حياتها غامضة تلفها الالغاز والتي توفيت عن 27 عاماً، ولما غصت في تفاصيل الحقبة ونجومها اخذتني الكتابة في منحى آخر واكتشفت هذا العالم المليء بالعزف والغناء والسينما..

 ــ هل <فيلا> اسمهان في الاشرفية التي حلّت مكانها اليوم عمارات الباطون الشاهقة والتي كنت تسمعين عنها وانت طفلة في جوار منزلكم عند حي مار- نقولا، هي ما اثار فيك رغبة التنقيب عن سيرتها والبدء بها؟

- كنت اسمع عن <فيلا> اسمهان ولم أكن اعرف من هي. صراحةً عرفت تفاصيل قصتها مؤخراً منذ خمس سنوات فقط يوم اخبرني صديق عن حياتها بثلاث جمل مختصرة واسمعني اغنية <يا حبيبي تعال لحقني> من كلمات أحمد جلال وألحان مدحت عاصم، فاندهشت بها، وأثار الامر حشريتي فقررت ان يكون الكتاب عنها.

 سابقة بلغتين..

 

 ــ كتابك السابق في العام 2010 كان بعيداً كلياً عن الفن وعالمه..

 - صحيح، في <وداعاً بابل> كتابي السابق بالفرنسية ايضاً، رويت الحرب اللبنانية بين عامي 1975 - 1979. هي ذكريات طفولتي وعبرها ذكريات اللبنانيين جميعهم من <معركة الفنادق> الى <السبت الاسود> وغيرها وضمنته كما الكتاب الحالي <رسومات لي>، انما النص كان مقتضباً.

900011ــ لماذا اخترت الكتابة عن النجوم العرب باللغة الفرنسية؟ وهل سيكون الكتاب كما الفاكهة <الاكزوتيك> على <مائدة الادب الفرنسي> فيتلقفه القراء الغربيون؟

- ببساطة كلية، لأن التعبير اسهل لدي باللغة الفرنسية. لغتي العربية ضعيفة نوعاً ما، وأردت ايصال صورة دقيقة عن مجتمعنا العربي لمختلف القراء، اكانوا عرباً أو أجانب وقد نسيوا أيام العز ولا يعرفون الكثير عن تلك الايام.. الكتاب مرآة لذاك العصر المشرق خاصة بنسائه الجريئات والمتحررات واللواتي وصلن الى اعلى مراتب النجومية فكان اول المنتجين في مصر من النساء.. كانت ايام البلاد المزدهرة والحدود العربية المفتوحة بعضها على بعض.

 ــ كيف اخترت العنوان <يا ليل يا عين> وهو شرقي تماماً؟

- بحثت كثيراً عن العنوان وكتبته على الغلاف باللغتين الفرنسية والعربية، علماً ان <دار النشر POL > فرنسية وهي فرع من <دار غاليمار> الشهيرة. جعلناها سابقة، وضمنت الكتاب هوامش كتبتها باللغة العربية حول اسماء الاغاني والافلام وهذا لا يمكن ان نراه في اي كتاب فرنسي آخر، مع الاشارة الى ان الأجواء في فرنسا اليوم ليست مشجعـــــة تجــــاه العــرب ولا الكتابات العربيــــة، لــــذا أعتبر الناشر منفتحـــــاً فعــــلاً وأشكره على ذلك.

أسمهان ونور الهدى

 ــ كيف جمعت المعلومات عن النجوم، عبر اي كتب ومجلات؟ وهل كان لك اتصال بورثتهم او بأشخاص عايشوهم؟

- البحث الاسهل كان حول ام كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وأسمهان لأن مراجع عديدة وافلاماً وثائقية مختلفة موجودة حولهم. لكن اسماء كنور الهدى وصباح لا يمكن ايجاد كتاب واحد عنهما، فعدت الى أعداد خاصة من مجلات ومقتطفات من حوارات لأن ليس هناك من كتب كاملة. التقيت بخبراء في بيروت، وأحدهم عرف نور الهدى شخصياً واخبرني النكات التي نقلتها عنه في الكتاب الذي يحتوي على نصين فريدين عنه بما يشتملان عليه من معلومات.

ــ هل كان <الانترنت> معيناً لكِ في ابحاثك ايضاً؟

- <الانترنت> ساعدني جداً، فالعودة الى العصر الذهبي هي الموضة اليوم وتجدون عبر <الفايسبوك> ونوادي المعجبين صورا قيمة او نادرة للفنانين لم يسبق نشرها. وقد اسست موقعاً الكترونياً ضمنته حوالى 100 فيديو مأخوذة عن مقتطفات لحفلات لأم كلثوم وتحية كاريوكا وسامية جمال واسمهان، ولأفلام مهمة في تاريخ السينما على منوال <انتصار الشباب> 600008و<غرام وانتقام> لاسمهان، <سيجارة وكاس> لداليدا وغيرها.

ــ كم استغرقت الكتابة؟

 - اربع سنوات متقطعة تخللتها معارض وخلافه، السنة الخامسة خصصتها للكتاب.

ــ يقع <يا ليل يا عين> في جزءين كبيرين ونلاحظ ان سيرة اسمهان وفريد الاطرش تربط بين مختلف الأقسام..

- مع موت اسمهان انهي الجزء الاول واكمل مع سيرة ام كلثوم وباقي النجوم في الجزء الثاني..

الكثير بعد!

ــ هناك اسماء اخرى لامعة لم يتناولها الكتاب ولها بصمتها في تلك الحقبة، ما سبب استبعادها؟

- لم يكن بالإمكان تناول سير الجميع، فالكتاب يصل الى 560 صفحة وقد اضطررت الى حذف الكثير وهناك رسومات استغنيت عنها. اخترت من احبهم شخصياً ومن في سيرهم ما يستحق التوقف عنده.

ــ الرسومات دعمت السرد بقوة فجعلتنا نعيش ما تخبرينه بالكلمة والصورة، هل كانت جميعها مأخوذة عن صور الفنانين ام لعبت مخيلتك دورها ايضاً؟ ولماذ اخترت تقنية <الغواش>؟

- الصور جميعها مأخوذة عن صور حقيقية للنجوم في الحقبة التي اتكلم عنها، وقد اخترت <الغواش> (اي الالوان) المائية غير الشفافة لأستحضر المناخ والالوان كما كانت في تلك الحقبة. عن اسمهان لم اقع على الكثير من الصور لانها توفيت في العام 1944 ولم يكن التصوير منتشراً حينئذٍ. كنت اشاهدها في الافلام وأوقف الصورة وارسمها، واضُطررت احياناً الى الاستعانة بعدة صور لرسم واحد.

SAM_1580وتفتح لميا الكتاب وتشرح لنا الصورة:

 ــ هذه صورة اسمهان تغني داخل <اوتيل الملك داوود> ومن حولها ضباط انكليز. بحثت لهذه الرسمة عن صورة لـ<كينغ دايفيد> في العام 1941 وكان ايجادها صعباً جداً، كذلك بحثت عن صورة اخرى للباس الضباط البريطانيين في الشرق الاوسط، وصورة لاسمهان اخذتها عن فيلم  <غرام وانتقام> وصورة للخدم في الاوتيل، فكانت اربع صور في رسم واحد.

ــ لماذا اخترت دار نشر فرنسية وكان بالإمكان إصدار الكتاب في لبنان؟

 - لاهمية دارالنشر طبعا، ولسبب آخر اردت من خلاله ان اغير صورة العالم العربي في اذهان الفرنسيين وهم يعتقدون اننا لا نفلح سوى في القتل والدمار والارهاب. تعمدت نقل صورة مغايرة للقراء الفرنسيين وقد يُترجم الكتاب الى لغات اخرى مثل الاسبانية والايطالية والانكليزية.

ــ أي جديد في الكتاب لا يعرفه القراء العرب؟

- الجديد هو في الرسومات طبعا. كذلك من غير الصحيح القول ان المراجع عن كل النجوم المذكورين عديدة، وسبق وذكرت ان هناك من لا نجد كتاباً واحداً عنهم.

ــ هل تفكّرين بجزء ثانٍ يضم اسماء لامعة اخرى؟

- لا، سأنتقل الى امر آخر مختلف. انهيت الكتاب عند عام 1979 لان العصر الذهبي انتهى حينئذٍ.

ــ ما الجديد المقبل؟

- ليس واضحاً بعد، بدأت الابحاث.

 ــ نُشر الكتاب في فرنسا قبل شهر من نشره في لبنان وتوقيعك اياه في معرض الكتاب الفرنسي داخل مجمّع <البيال>، ما كانت الاصداء حوله هناك؟

 - الإقبال كان رائعاً، وقد افردت له صحف عالمية مثل <ليبراسيون> الفرنسية  3 صفحات، فضلاً عن مجلات ثقافية وتلفزيونات ومقابلات اذاعية تمتد حتى منتصف كانون الثاني/ يناير مع <فرانس انفو> و<فرانس كولتور> واذاعات في سويسرا..

 <كيفك خواجة انطوان؟>..

800010

ــ من فاجأك من شخصيات أو احداث رويتها؟

- فاجأني عبد الوهاب لانه خفيف الظل وروحاني في الوقت ذاته، وله الكثير من اللقاءات المسجلة ما بين الستينات والسبعينات تظهر ذكاءه وعبقريته وأنا احب موسيقاه كثيراً. ومن الاحداث التي فاجأتني جداً استقبال ام كلثوم في زيارتها الاولى للبنان نهاية العشرينات حيث احتشدت عشرات مراكب الصيادين وهم يحملون الاعلام اللبنانية والمصرية واجتمعت امام القارب الذي يقلّها، ومع نزولها منه قاد السائق سيارتها على سجادة حمراء من رصيف المرفأ حتى ابواب <التياترو الكبير>.

ــ هل اخفيتِ بعض المعلومات كي لا تثير حفيظة الورثة او تتسبب بأي مشاكل؟

 - لم يكن هدفي على الاطلاق ان يكون كتاباً فضائحياً انما اردت ان اخبر عن الاسطورة التي شكّلها كل نجم من الذين تحدثت عنهم.

ــ في الكتاب بعض الاشارات الذاتية كدخول فيروز الى محل جدك في سوق الطويلة وغيرها، ماذا تذكرين منها؟

 - ما زلت اذكر دخول تلك السيدة البسيطة بخفر واضح، والمحاطة بهالة لا يمكن ان توصف، أذكر قولها لجدي بعد ان بادرها السلام <كيفك خواجة انطوان؟>، وكنت يومئذٍ في متجرٍ للقماش حيث الحرير من مدينة <ليون> الفرنسية واقمشة <الكريب> من الصين والاقمشة الفخمة، وللاسف مع بداية الحرب احترق المحل كما السوق كلها. اذكر انني سُحرت بها وكانت المرة الوحيدة التي رأيت فيها فيروز. كذلك تحدثت عن سفر جدي الآخر الى القاهرة لحضور اولى حفلات ام كلثوم.. إنها ذكريات جميلة فعلا، وكتابي هذا ليس سوى وسيلة اقنع بها نفسي بأن العصر الذهبي طالما انه وُجد لفترة فبإمكانه ان يعود.