تفاصيل الخبر

لماذا يغنى الغني ويفقر الفقير في عالم اليوم؟

25/04/2019
لماذا يغنى الغني ويفقر الفقير في عالم اليوم؟

لماذا يغنى الغني ويفقر الفقير في عالم اليوم؟

 

بقلم خالد عوض

يكتب الكثير عن حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة هذه الأيام، إنتقادا لاذعا أو مديحا زائدا. من الكلام السلبي ما يطال طريقة إدارة البنك المركزي ومصاريفه الزائدة، أو الهندسة المالية التي قام بها الحاكم وزادت أرباح البنوك اللبنانية من دون أن تدر أي فائدة على الإقتصاد الوطني. والإنتقاد الكبير هو حول سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية وكلفته الضخمة وأثره السلبي الكبير على عدالة توزيع الثروات في البلد. في المقابل هناك من يتكلم عن عظائم إنجازات الحاكم في الإقتصاد اللبناني ونتائج سياسته الحكيمة على البلد بشكل عام. أين الحقيقة في مسألة تقييم رياض سلامة اليوم وهل الحاكم بطل وطني أو جزء رئيس من المنظومة الفاسدة التي ما فتئت تحكم لبنان منذ أربعة عقود؟

رياض سلامة مسؤول عن مشكلة في النظام العالمي؟!

 

الجميع يتحدث اليوم عن سوء توزيع الثروات في البلد وأن الفقير يفقر والغني يزيد غناه. هذا صحيح. ولكن أصل المشكلة هو عالمي وله علاقة بالنمو الإقتصادي الذي هو من مسؤولية الحكومات وليس البنوك أو المصارف المركزية. معدل نمو الرساميل هو خمسة بالمئة سنويا أي أن أصحاب الثروات ينعمون بزيادة وسطية لا تقل عن ٥ بالمئة في السنة، أما الطبقة الوسطى والفقيرة فهي تعتمد على نمو الإقتصاد لتزيد مدخولها وتتمكن من مواجهة اعباء الحياة. وإذا كان النمو الإقتصادي أقل من ٣ بالمئة فلا يمكن خلق فرص عمل جديدة ولا زيادة مرتبات ولا تحقيق أي تحسين في الرعاية الصحية والإجتماعية. هذا ينطبق خصوصا على الدول التي فيها تضخم يزيد عن ٣ بالمئة كما هو حال لبنان ومعظم الدول العربية التي تستورد كل شيء. النمو الإقتصادي العالمي اليوم هو دون ٢ بالمئة أي أن الغني في كل أنحاء العالم سيغنى أسرع بكثير من الإقتصاد. كيف يمكن أن يلام حاكم مصرف لبنان على مشكلة عالمية خاصة إذا كان النمو الإقتصادي في لبنان لم يتجاوز ٢ بالمئة منذ ٨ سنوات لأسباب محض سياسية وإقليمية؟

حكاية سعر صرف الليرة...!

عندما إستلم رياض سلامة حاكمية مصرف لبنان عام ١٩٩٣ كان الدولار يناطح الثلاثة آلاف ليرة تقريبا وكانت الودائع، على قلتها، تتسابق للخروج من لبنان. لم يكن قرار تثبيت سعر الصرف هو قرار الحاكم وحده بل كان قرارا سياسيا شارك فيه الجميع وتبنته حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحتى حكومة الرئيس سليم الحص في عهد الرئيس اميل لحود. ومن يحمّل الحاكم اليوم تبعات هذا القرار يجب أن يقرأ جيدا الأحداث التي سبقته وإلى أين كان إقتصاد لبنان يتجه. كلفة التثبيت تجاوزت الملياري دولار على مدى ثلاث سنوات وإستفاد منها القطاع المصرفي وأصحاب الودائع. وصل الدين العام عام ١٩٩٧ أي بعد حوالى ثلاث سنوات من سياسة تثبيت سعر الصرف إلى سبعة مليارات دولار وقامت الدنيا ولم تقعد. هذا الدين القياسي حقق تغذية كهربائية ٢٤ ساعة على ٢٤ وبنى بنية تحتية مقبولة ووضع البلد على السكة الصحيحة للتعافي من جروح الحرب رغم أن البلد تعرض خلال هذه الفترة إلى اعتدائين اسرائيلين في ١٩٩٣ و١٩٩٦، وكان جزء من جنوبه يرزح تحت الإحتلال. كان المفروض أن يستلم الطاقم السياسي إدارة البلد إقتصاديا ويحقق النمو الإقتصادي بشكل يسمح بتطويق الدين. العكس تماما هو ما حصل وما يحصل اليوم. غرق البلد في وحول نظامه السياسي ولم يتحقق أي نمو يذكر من الفترة ١٩٩٨ إلى ٢٠٠٤ أي طوال فترة ولاية الرئيس لحود. طارت الكهرباء وطار الدين العام معها إلى فوق وكان الحاكم يحاول المحافظة على سياسة تثبيت سعر الصرف رغم كل الألغام السياسية الداخلية التي يتعرض لها البلد. لم يتجرأ أحد من الذين انتقدوا الحاكم بشراسة واستلموا مقاليد السلطات التنفيذية مع اميل لحود أن يطرح مسألة تحرير سعر الصرف. الكل بلع انتقاداته وأيد رياض سلامة في ما يقوم به. باختصار، سياسة تثبيت سعر الصرف كانت ولا تزال قرارا سياسيا ينفذه الحاكم منذ ١٩٩٣، مقتنعا به تماما. لا أحد يطرح البديل بل يكتفي بانتقاد الحاكم مع العلم أن قرارا سياسيا يمكن أن يقلب ذلك.

 

رياض سلامة مسؤول عن نظام سياسي فاسد؟!

من السهل احتساب كلفة الهندسات المالية التي قام بها حاكم مصرف لبنان لأنها شفافة ومن الطبيعي تحميل رياض سلامة المسؤولية عن هذه الكلفة لأنه المصمم والمنفذ، ولكن لا أحد يجرؤ على دراسة علمية عن كلفة الخلل السياسي على البلد. ماذا كانت كلفة الفراغات الرئاسية والحكومية وحتى النيابية على البلد؟ كم كلف تأخير تشكيل الحكومة بل كل الحكومات منذ عام ٢٠٠٥ أو إنتظار إنتخاب الرئيس ميشال عون؟ ما هي الكلفة لتأخير خطة الكهرباء أو تلزيم البلوكات النفطية؟ ماذا كانت كلفة الإغتيالات وحرب تموز ٢٠٠٦ وابريق زيت شهود الزور الذي نضب فجأة؟ كم كانت كلفة تعويضات  التقاعد في سلسلة الرتب والرواتب التي لم تعلن حتى اليوم والتي اقرت من دون أن يعرف الذين اقروها كم ستكلف بالتحديد... قبل محاكمة الحاكم حاكموا الحكام الحقيقيين عن قراراتهم المتخبطة وعن اللا قرارات في وقت كان القرار السريع ضرورة وطنية...

 النتائج الملموسة تؤكد دور رياض سلامة الإيجابي في الحفاظ على إستقرار مالي ونقدي وسط عاصفة من الفساد السياسي الداخلي والمشاكل الإقليمية غير المسبوقة.

وفي ظل موجة عقوبات أميركية لا حدود لها على إيران وكل من يتعاطى معها إقتصاديا وماليا، وفي ظل هجمة أميركية شرسة على حزب الله، المطلوب التعاطي مع رئيس البنك المركزي اللبناني على أنه مظلة أمان ضرورية للبلد.