تفاصيل الخبر

لماذا تحول إيران كل تهديداتها إلى الإمارات؟

19/07/2019
لماذا تحول إيران  كل تهديداتها إلى الإمارات؟

لماذا تحول إيران كل تهديداتها إلى الإمارات؟

بقلم خالد عوض

تتصرف إيران مع العالم بشكل عام والغرب بشكل خاص من منطلق أنها لم تعد قوة إقليمية بل أصبحت قوة عظمى. وكما استطاعت روسيا تجاوز كل العقوبات المفروضة عليها اثر ضمها جزيرة القرم وإحتلال جزء من أوكرانيا <تتعلم> إيران فن الحياة مع أقسى العقوبات، بل بدأت تنظر إليها كفرصة إقتصادية يمكن حتى أن تجعل منها على المدى البعيد قوة إقتصادية وعسكرية دولية أكبر مما هي اليوم وأكثر إستعدادا للخروج من النظام الإقتصادي العالمي الذي تديره الولايات المتحدة. بعض ما تقوم به إيران يجب أن يدرس إقتصاديا لأنه، ولو كان نتيجة ضغوطات العقوبات، يدل على مسار جدير بالمتابعة.

 

سعر صرف الريال الإيراني.. يتحسن!

 

لم يحصل أي تحسن يذكر في سعر صرف العملة الإيرانية منذ سنوات بل هبطت أكثر من ٥٠٠ بالمئة خلال أقل من خمس سنوات، ولكنها كسبت فجأة منذ اسابيع حوالى عشرة بالمئة مقابل الدولار الأميركي، فبعد أن وصل سعر الدولار إلى حوالى ١٣٨ ألف ريال في منتصف حزيران (يونيو) الماضي عاد وإنخفض إلى أقل من ١٢٦ ألف ريال منذ أسبوع. هذا حصل في وقت تزداد فيه كل أنواع الضغوطات الإقتصادية على إيران بفعل العقوبات المفروضة عليها وبعد أن تخلى عنها الجميع من أوروبا وصولا حتى إلى الصين. كيف وماذا فعلت إيران حتى تعيد بعض الروح إلى عملتها؟ بكل بساطة اوقفت إستيراد كل ما يندرج تحت البضائع الفخمة أو الكماليات من مأكولات وسيارات وساعات ومجوهرات وغيرها والتي يصل حجمها الى أكثر من ملياري دولار. لم تضع ضريبة مرتفعة عليها كما تفعل معظم الحكومات بل منعتها بالكامل وبذلك منعت خروج عملة أجنبية من اقتصادها من دون أن تشعر شريحة كبيرة من شعبها بأي تغيير. صحيح أن الطبقة الميسورة يمكن أن تتذمر وأن هذا لا يصب في نظام الإقتصاد الحر، ولكن في أوقات المقاومة الإقتصادية - التي يتحدث عنها بعض السياسيين في لبنان نظريا فقط - لا محل للشكوى من فقدان الكماليات. الخيار الإيراني كان ماليا وليس فقط إقتصاديا، فتخفيف فاتورة الإستيراد يعني حماية العملة المحلية عن طريق ضبط التحويلات إلى الخارج كما يساهم في تشجيع الصناعة الوطنية للكماليات ولو في أطر محددة.

 

<الإستفزاز المبطن> مقابل <الصبر المسلح>!

 

منذ أيام إختفت ناقلة نفط صغيرة تحمل العلم البنمي في المياه الإقليمية الإماراتية، ثم قالت إيران أن الناقلة تعرضت لأعطال وتم جرها إلى ميناء إيراني للقيام بالإصلاحات اللازمة، ولكن تبين أن الناقلة هي تحت إدارة اماراتية وأنها لم تبعث بأي نداء إستغاثة إلى الموانئ الإماراتية مما يرجح إعتراضا ايرانيا للناقلة. من الواضح أن إيران تبعث الرسائل، خاصة إلى دولة الإمارات، مرة عن طريق تلغيم ناقلات ومرة عن طريق خطف أخرى، لتقول أن المرور عبر <مضيق هرمز> لن يكون سهلا، وهي بذلك تستدرج حماية دولية مكلفة لناقلات النفط بدأت <واشنطن> تتنصل منها لأنها لا تستورد إلا القليل جدا من النفط الخليجي وتريد دولا أخرى أن تضطلع بكلفة الحماية. يبدو أن إيران ستستمر في إعتماد استراتيجية <الإستفزاز المبطن> أي الإختفاء وراء عمليات قرصنة من دون وجود دلائل حسية على تورطها، بينما تعتمد الولايات المتحدة سياسة <الصبر المسلح> أي أنها تعول على إنهاك إيران بالعقوبات وتسعى إلى تجنب الحرب إلى أقصى الحدود مقابل البقاء على أتم الإستعداد لحرب شاملة إن تمادت إيران في الإستفزاز.

 

لماذا التركيز على الامارات؟

من الواضح أن إيران بعثت ولا تزال بعدة رسائل تهديدية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. فبعد أن حاولت عبر الحوثيين تهديد خطوط النفط في المملكة العربية السعودية وقصف مطارات مدنية فيها، اكتشفت أن كل هذه المحاولات لا تؤثر لا على سياسة السعودية ولا على اقتصادها بل تزيدها عزما وتغنيها بمزيد من التعاطف داخليا وعربيا ودوليا. لذلك بدأت التركيز أكثر على دولة الإمارات أولا عبر إختراق مياهها الإقليمية منذ شهرين وتفجير بعض الناقلات ثم عبر خطف ناقلة نفط منذ بضعة أيام. ولكن التهديد الأبلغ جاء على لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي أسهب خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة في عرض ما يمكن أن يحصل للإمارات في حالة حصول حرب. بالنسبة لإيران، الإمارات لا يمكن أن تتحمل أي هجوم على أراضيها لأن جزءا غير بسيط من اقتصادها يعتمد على الخارج وعلى الرساميل الأجنبية وخاصة إمارة دبي. إذاً إيران بدأت لا تخفي أن ردها الأول على أي إعتداء عليها سيكون صوب الإمارات، ولذلك تبني استراتيجيتها على الهجوم الخفي من خلال قرصنة مموهة في مياه الخليج وأيضا من خلال أخذ ناطحات سحاب دبي ومطارها وموانئها وسياحتها المتطورة ومناطقها الإقتصادية رهينة عند حصول أي مواجهة. لن تتأخر دولة الإمارات في التعامل مع التهديد الإيراني بتفعيل جبهة الدفاع العسكرية لديها، ولكن الأهم هو تنشيط شبكة الدفاع والأمان الدولية، هذه المرة ليس فقط الأميركية والأوروبية بل اليابانية والصينية والهندية والكورية لأن كل هذه الدول وغيرها معنية مباشرة ليس فقط بسبب اعتمادها المباشر على نفط الإمارات بل أيضا بسبب حجم وعمق مصالحها الممتدة من رأس الخيمة إلى أبو ظبي. إيران تهدد الإمارات حتى يسمعها كل العالم.

ربما لا زال الإيرانيون يربحون بالنقاط من خلال تعاملهم مع العالم وكأنهم دولة عظمى. رسالتهم للجميع أنهم ليسوا دولة إقليمية مثل غيرها يمكن اسقاطها بالضربة القاضية كما حصل مع عراق صدام حسين عام ٢٠٠٣... ربما يكون الأمر كذلك اليوم، ولكن على المدى الطويل يجب على إيران أن تحسب جيدا أن العالم والغرب بالتحديد لن يقبل بقوة عظمى في الإقليم تتحكم بنفطه ومصالحه و.. أعصابه.