تفاصيل الخبر

لماذا تغرق حكومة ”حسان دياب“ في زوبعة اليوروبوند؟

21/02/2020
لماذا تغرق حكومة ”حسان دياب“ في زوبعة اليوروبوند؟

لماذا تغرق حكومة ”حسان دياب“ في زوبعة اليوروبوند؟

 

بقلم خالد عوض

أزمة سندات اليوروبوند اللبنانية لن تنتهي مع تجاوز الاستحقاق الأول البالغ 1,2 مليار دولار في ٩ آذار (مارس) المقبل مهما كان القرار بشأنه. هناك استحقاقات في نيسان (ابريل) بقيمة ٧٠٠ مليون دولار وفي حزيران (يونيو) بقيمة ٦٠٠ مليون دولار، ثم استحقاقات كبيرة قيمتها ٢ مليار دولار في نيسان (ابريل) ٢٠٢١ و٢ مليار دولار أخرى في ٢٠٢٢.

يدفع لبنان أو لا يدفع... تلك هي المسألة؟

هناك رأيان اليوم، الأول يوصي بالدفع لتفادي ما يسمى بالفوضى التي ستتبع عدم السداد مثل خطر الحجز على أصول لبنان في الخارج والتلهي بدعاوى مكلفة لن يخرج منها البلد سليما ماليا مهما كانت حججه. هذا الرأي يعبّر عنه مصرف لبنان وجمعية المصارف، فهم يخافون من الدخول في المجهول ولا يحبذون التهور في هذا الموضوع ويشجعون على بدء مفاوضات لإعادة جدولة استحقاق حزيران (يونيو) البالغ ٦٠٠ مليون دولار. أما الرأي الثاني فيوصي بعدم السداد والاعتراف بالمشكلة المالية التي وصل إليها البلد بدل الإمعان في الإنكار والإستمرار في إدارة الدين العام على الطريقة نفسها التي أوصلته إلى أكثر من ٩١ مليار دولار حاليا. هذا الرأي يتبناه رئيس الحكومة حسان دياب ومعظم الأحزاب التي اعطت الثقة لحكومته، ويتلاقى معها منتفضو <١٧ تشرين الأول> الذين يرفضون إعطاء الأولية للدائنين على حساب المودعين وعلى حساب حاجات البلد الأساسية... فإلى أين يتجه لبنان في مسار اليوروبوند الملغم وما هي الطريقة المثلى للخروج من المعضلة السيادية التي يواجهها البلد؟

 

الأرجنتين... تابع

لم تعد القضية هي سمعة لبنان وقدرته على الإستدانة في المستقبل من الأسواق الخارجية إذا تخلف هذه المرة، وهي الأولى في تاريخ البلد. فالسمعة في الحضيض أساسا ولن ينفع سداد استحقاق اليوروبوند في تلميعها أو إنقاذها. كما أن استراتيجية الإستدانة كانت دائما الإعتماد على الدين الداخلي أي من المصارف اللبنانية قبل اللجوء إلى الأسواق العالمية ومن المرجح أن تبقى كذلك. بالإضافة إلى كل ذلك لم يعد التخلف عن السداد هو <عار> سيادي كما كان في السابق فهناك العشرات من الدول التي تخلفت ولا زالت تتخلف بل تمتنع في بعض الأحيان عن سابق تصور وتصميم. الأرجنتين مثلا تهدد اليوم صندوق النقد الدولي بأنها لن تسدد أي استحقاق قبل تحقيق النمو الإقتصادي. هناك بعثة لصندوق النقد حاليا في الأرجنتين تحاول إقناع الحكومة بضرورة التسديد أو على الأقل إعادة الجدولة أي تغيير مواعيد الدفع وعدم اللجوء إلى إعادة الهيكلة أي الإقتطاع من الاستحقاقات. الأرجنتين تخلفت ٨ مرات عن دفع استحقاقاتها وهي تطلب اليوم إعادة هيكلة ١٠٠ مليار دولار من ديونها التي بلغت أكثر من ٣٠٠ مليار دولار. ليس المطلوب التماهي مع المثل الأرجنتيني الذي يقول الكثير عما يمكن أن يفعله صندوق النقد في أي بلد، فمنذ تدخل الصندوق وصل عدد الفقراء في الأرجنتين إلى ثلث السكان وتدهورت العملة الوطنية <البيزوس> إلى أقل من ٣ بالمئة من قيمتها (كان <البيزوس> يساوي دولارا واحدا قبل عام ٢٠٠٠ وأصبح الدولار يساوي ٦٠ <بيزوس> اليوم). قائمة صندوق النقد الذي يستعين به لبنان اليوم <للنصيحة> لا يمكن أن يهدمها البلد ويجب البحث عن حلول أخرى للإنقاذ.

المشكلة ليست <اليوروبوند>

كل العلوم وخاصة الهندسية التي جاء منها رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب توصي بالذهاب إلى أصل المشكلة أو السبب الجذري قبل وضع الحلول واتخاذ القرارات. الحكومة اللبنانية تحاول اليوم معالجة ظاهر المشكلة أي تسديد استحقاق الدين من دون التصدي للأسباب التي اوصلت البلد إلى الإفلاس. أين قانون استقلالية القضاء للبدء بلجم الفساد؟ هل هو أيضا برسم قرار دفع السندات؟ أين مسألة محاربة التسيب الجمركي؟ ما هي المعلومات حول تحويل السياسيين أموالا إلى الخارج قبل وبعد الانتفاضة؟ ما حقيقة الطائرات الخاصة التي تستأجر من بيروت إلى جنيف وزوريخ في سويسرا أسبوعيا وتضم رجال أعمال ومتعهدين يحملون حقائب مليئة بالأموال أو المعادن؟ ما هي خطة الحكومة لإعادة النمو إلى البلد وأي تحضير لمبادرة إقتصادية خارج المألوف لإستعادة الثقة بلبنان مثل الإعلان عن منطقة زراعية وصناعية حرة معفاة من الضرائب لعشرين سنة أو الإعلان عن استدراج مناقصات لتوسعة المطار وإعادة القطار بين الناقورة والعبودية وإنشاء المترو في بيروت الكبرى وطرابلس بالشراكة مع القطاع الخاص؟ كل هذا يمكن التحضير له واعلانه في مؤتمر استثماري قبل نهاية العام. من دون خطة إقتصادية لا يمكن معالجة المعضلة المالية، ومسألة دفع السندات تصبح تفصيلا في الصورة الكبيرة التي يجب رسمها... بسرعة.

زادت قيمة الذهب الذي يمتلكه لبنان أكثر من ملياري دولار منذ أول الصيف الماضي أي ما يغطي معظم استحقاقات اليوروبوند لهذه السنة. ليس المطلوب بيع الذهب أو جزء منه خاصة عندما تكون مزاريب الدولة لا تزال مفتوحة، ولكن يجب إعادة التذكير أن لبنان يملك ٢٨٦ طنا من الذهب (مقابل ٦١ طنا للأرجنتين) قيمتها اليوم ما يقارب ١٥ مليار دولار للدلالة على أن لبنان ليس مفلسا. المطلوب، ريثما الإعلان عن خطوات إقتصادية كبيرة خلال ٣ اشهر تعيد الثقة، الإتفاق مع الدائنين على صيغة للتأجيل وإذا لزم الأمر دفع الجزء <الخطر> من استحقاقات آذار (مارس) ونيسان (ابريل) أي الدائنين الخارجيين الذين يمكن أن يلجأوا إلى محاميي نيويورك لمقاضاة لبنان.

حتى الآن ما زالت حكومة دياب نسخة من الحكومات السابقة في مسألة معالجة أصل المشاكل وفي غياب الديناميكية المطلوبة للإنقاذ.