تفاصيل الخبر

لماذا لا يستفتى اللبنانيون على قانون الانتخاب؟

21/04/2017
لماذا لا يستفتى اللبنانيون على قانون الانتخاب؟

لماذا لا يستفتى اللبنانيون على قانون الانتخاب؟

 

بقلم خالد عوض

hariri-2

ليس صعباً مقارنة ما حصل في تركيا تحت غطاء الديموقراطية بما يحصل عندنا تحت اسم قانون الانتخاب. في تركيا أخذ الرئيس <رجب طيب أردوغان> تفويضاً شعبياً بسلطة رئاسية مطلقة عن طريق استفتاء كان بالعنوان والشكل نموذجاً للديموقراطية. وفي لبنان يحاول دكتاتوريو الطوائف إعادة إنتاج أنفسهم من خلال قانون انتخابي <ديموقراطي> جديد يمنحهم شرعية شعبية يفاوضون من خلالها على الصفقات الكبيرة المقبلة. في حالة <اردوغان> كان الشعار هو مستقبل تركيا. في لبنان الشعار هو حقوق الطوائف. <أردوغان> كان يريد صلاحيات رئاسية واسعة تمكنه من محاربة الإرهاب بأي طريقة يرتئيها وفرض حالة الطوارئ وتعيين القضاة والإشراف المباشر على عمل الحكومة، ونتيجة الاستفتاء سيحصل الرئيس في تركيا بعد الانتخابات المقبلة في ٢٠١٩ على كل ذلك. في لبنان يريد رؤساء الكتل النيابية الحاليون وأرباب الطوائف الاستئثار بأكبر عدد من المقاعد النيابية حتى <يصح> التمثيل الطائفي حتى لو كان ذلك على حساب التمثيل الصحيح.

الفرق بين ما قام به <اردوغان> وما يحصل عندنا هو أن الأتراك لا بد أن يحاسبوا رئيسهم مستقبلاً مهما كانت سلطته عبر مراقبة معيار أساسي إسمه النمو الاقتصادي، فهم أساسا حاسبوه إيجابياً في الاستفتاء بغض النظر عن النتيجة الحقيقية.

استلم <اردوغان> رئاسة الحكومة عام ٢٠٠٢. كان مستوى التضخم يومذاك حوالى ٤٠ بالمئة، عام ٢٠١٠ أصبح مستوى التضخم قريباً من ٩ بالمئة. عام ٢٠٠٢ كان مستوى الدين العام يساوي حوالى ٨٠ بالمئة من الناتج المحلي بينما هو أقل من ٤٠ بالمئة اليوم. في عهد اردوغان سددت تركيا كل ما عليها من ديون إلى صندوق النقد الدولي وهذا لأول مرة منذ عقود حتى وصل الأمر بالرئيس التركي أن يقول بأن بإمكان صندوق النقد أن يستدين من الآن وصاعدا من تركيا! الاحتياطي من العملات الأجنبية كان ٢٦ مليار دولار عام ٢٠٠٢ وأصبح ١٣٠ مليار دولار مؤخراً. الصادرات قفزت من ٣٠ مليار دولار إلى ١٥٠ مليار دولار، وأصبحت البضائع التركية تصل إلى ١٧٧ دولة في العالم.

ولكن المعيار الأهم من كل ذلك كان النمو الاقتصادي، فمنذ ٢٠٠٢ وحتى اليوم حققت تركيا معدل نمو اقتصادي يزيد بقليل عن ٤ بالمئة سنوياً، وقفز الناتج المحلي التركي من ٢٠٠ مليار دولار عام ٢٠٠٢ إلى أكثر من ٨٠٠ مليار دولار منذ سنتين، وصعد متوسط الدخل السنوي للفرد التركي من ١٢ ألف دولار في السنة إلى ١٨ ألف دولار سنويا.

الأتراك ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليستفتوا على صلاحيات <السلطان> وهذه الأرقام في عقولهم. من دونها لم يكن لـ<أردوغان> أن يحصل على عشر ما حصل عليه حتى لو إستعمل كل أساليب القوة والقمع والترهيب المتاحة له.

ماذا يقدم اليوم إلى اللبنانيين أصحاب <إعادة حقوق الطوائف> الذين ما برحوا في السلطة منذ ٢٠٠٥ بعد خروج الجيش السوري؟ أو لنأخذ البداية من عام ٢٠٠٦ بعد حرب تموز.

مستوى دخل الفرد اللبناني إرتفع من ٧٢٠٠ دولار عام ٢٠٠٦ إلى ٧٨٠٠ دولار سنويا عام ٢٠١٦، من دون احتساب حصة النازحين السوريين من الناتج المحلي، أي أقل من ١ بالمئة سنويا!

الدين العام تخطى ٧٥ مليار دولار بينما كان أقل من ٣٨ مليار دولار عام ٢٠٠٦. مستوى الصادرات اليوم هو نفسه ما كان عليه منذ عشر سنوات.

عون-3 لا داعي للكلام عن الكهرباء والمياه والفساد والبطالة والهجرة، هذه قائمة منذ تسعينات القرن الماضي أي قبل ٢٠٠٦.

إذا جاء ٦٤ نائباً بأصوات المسيحيين و٦٤ آخرين بأصوات المسلمين فكيف إذاً ستتغير هذه الأرقام؟ كيف يمكن أن ينمو الاقتصاد ويرتفع متوسط دخل الفرد اللبناني وتزيد فرص العمل؟ يجب أن يعرف اللبنانيون ذلك قبل إقرار قانون الانتخاب أو على الأقل قبل الانتخابات، هذا إن حصلت.

من الصعب الدفاع عن التوجه الدكتاتوري الذي يسلكه <رجب طيب أردوغان>، ولكن تركيا حققت خلال وجوده ما عجزت عن تحقيقه خلال عقود. الأرقام الاقتصادية كانت سلاحه وليس الطوائفية أو التوجه الديني، رغم حضور التيار الإسلامي في تركيا.

في المقابل يجد اللبنانيون أنفسهم اليوم أمام ثلاثة خيارات مريرة، كلها تصب في اغتيال الديموقراطية، تماماً كما يحاول أن يفعل <أردوغان>:

الخيار الأول هو التمديد. الثاني هو قانون الستين. والثالث هو قانون انتخابي مفصل على قياس معظم الزعماء الحاليين.

الفرق مع تركيا هو أن كل هذه الخيارات قائمة على فشل اقتصادي على مدى ربع قرن قل نظيره في أي دولة في العالم ومستمر من دون أي محاسبة، ولو بأدنى أشكال الديموقراطية.. ولكن لا يزال هناك إمكانية خيار آخر:

طالما أن موسم الاستفتاءات مفتوح في العالم، أليس من الأجدى أن يطرح رئيسا الجمهورية والحكومة اللبنانية قانون الانتخاب على الاستفتاء الشعبي بعدما فشلت الطبقة السياسية في إنتاج ذلك؟ أو أن في ذلك أيضاً تهديداً وجودياً وكيانياً وزعزعة للميثاقية لما فيه من تفاوت ديموغرافي؟

عن أي <ديموقراطية> لا زلنا نتحدث في لبنان؟