تفاصيل الخبر

لماذا أصبحت نجمة الصحف وحديث الاعلام بين ليلة وضحاها؟

07/02/2020
لماذا أصبحت نجمة الصحف وحديث الاعلام بين ليلة وضحاها؟

لماذا أصبحت نجمة الصحف وحديث الاعلام بين ليلة وضحاها؟

 

بقلم عبير انطون

 

المهندسة رنا حايك أول صبية  في الشرق الاوسط تعمل في كاراج لتصليح السيارات:  تحدّيت كل من قال لي: ”هيدا مش مطرحك“!

 

 

 

لم تقف قهقهات زملائها وزميلاتها في الصف لما سئلت عن حلمها بمهنة المستقبل حائلا دون تحقيقه، ولا تلك الصدمة التي أصابتها لما طلب صديق والدها منه الا يحضرها مجددا الى كاراج الميكانيك الخاص به لان العمال لا <يتقبلون الامر>. رفعت رنا حايك سقف التحدي، وحملت عدّتها التي صقلتها بالعلم، فأقرنت خبرتها في تصليح السيارات بدراسة الهندسة وقالت للجميع: لقد أخطأتم بنظرتكم الي! وبفضل مثابرتها وشغفها أضحت رنا اشهر من ان تُعرّف في عالم لطالما كان حكرا على الرجال.

فمن هي رنا حايك؟ ما الذي جعلها تلبس ثوب <الاسطى الميكانيكي> لتعمل في كاراج احدى الشركات الكبرى للسيارات والموتو في بيروت؟

 معها كان حديث شيّق وبدأناه بالسؤال:

ــ علاقتك بالميكانيك وعالم <المفكات والبراغي> متى بدأت، وهل بين اهلك من يعمل في هذا المجال؟

- لا علاقة لاي من أهلي بهذا المجال، فوالدي متخصص في الديكور ووالدتي ربة منزل. منذ الطفولة وأنا أهتم بألعاب أخي أكثر مما اهتم بألعابي والعاب أختي. لطالما جذبني الفك والتركيب وعالم السيارات. ربما انطبع ذلك فيّ من خلال تلك الصور التي كان والدي يحتفظ بها عن سيارة <كامارو> مميزة، وتعرفون ان البنت تتأثر بوالدها. وكان لما يأخذنا مشوارا، يقول لنا ممازحا: <سأكبس الآن على زر لنسبق السيارات كلها>، وكم كنت انتظر ذلك المشوار. في المدرسة لما يسألونني عن مهنة المستقبل كنت أجيبهم للتو: سأفتح كاراجا لتصليح السيارات، ولم اغير رأيي هذا مرة. لطالما حلمت والدتي ان تدرس الصيدلة، وبما انها لم تحقق ذلك حاولت نقل حلمها هذا الى اختي اولا، ولما لم توفق حاولت نقله اليّ ولم توفق أيضا. كنت اريد دوما ان اكون في عالم السيارات وهذا ما بدأته من خلال ديكور غرفتي واثاثها وحتى الثياب التي اختارها.

 وتضيف رنا:

- لما دخلت عامي السادس عشر أردت ان أتوقف عن الدراسة لاذهب الى الـ<كاراج>، وامام إصراري اصطحبني والدي الى كاراج صديق له. بدأت لاسبوع وكنت سعيدة حقا، في حين راهن الجميع على ان <اقرف> واتعب فأترك لما ارى ثيابي متسخة وأظافري مكسرة، فأقتنع بأنني لا انتمي الى هذا المكان. لكن على العكس من ذلك زاد تعلقي بها. الا أن الصدمة الحقيقية لي كانت لما سمعت صديق والدي يهاتفه قائلا: لا تدعها تأتي من جديد فالعاملون هنا <ما عم يركزوا>.

ــ لا يركزّون لانك انثى جميلة بينهم ام لم يتحملوا وجودك الى جانبهم في عمل يعتبرونه حكرا عليهم؟

- لانني أنثى معهم، يستغربون كيف احمل المفكات والعدة، فضلا عن ان الشارع الذي يقع فيه الكاراج عند منطقة الدورة كان مليئا بهذا النوع من كاراجات التصليح وجميعهم ذكور، فكانوا يتساءلون ما الذي افعله بينهم. لما سمعت ما قاله صديق والدي له على الهاتف حزنت وتساءلت: أي خطأ اقترفت؟ الغلط هو في المجتمع ونظرته وعبارة <انتي بنت محلك ليس هنا>، وبأن <غدا سوف تتزوجين وتصبحين مسؤولة عن عائلة فما الذي تفعلينه؟> رفعت التحدي بيني وبين نفسي وبأنه علي الاستمرار.. بعد ذلك، انتقلت الى كاراج آخر عن طريق قريبة لي تعرف صاحبه، فساندني جدا، وكنت لما انتهي من صفوفي في مدرسة الـ<مون لاسال> اذهب اليه وهو قريب من الكاراج الاول، وفي الصيف انزل واتمرن، ثم دخلت الجامعة وبدأت التخصص في هندسة الميكانيك، وكنت حينها اعمل في كاراج الـ< بورش> فنصحوني بأن انتقل الى الـ<الكترو انجنيير>لان مستقبل السيارات فيها، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف يوما عن العمل في الكاراج.

ــ ما كان أصعب، كسب ثقة الزبائن من الرجال او من السيدات؟

- الاثنان صعبان، لكن بالعادة من يأتون بالسيارة لتصليحها هم من الذكور وحتى لو كانت السيارة لزوجتهم او اختهم. وكما دائما، هناك وجهان للعملة: اناس ايجابيون يقدرون عملك ويشجعونك، وآخرون يتعاطون بسلبية. لكن الدهشة كانت قاسما مشتركا بين الجميع، خاصة وان عديدين كانوا يعتقدونني لاجئة أو لا املك المال او انني مجبورة على القيام بعمل مماثل، الا ان صاحب الكاراج دوما ما كان يساندني ويشرح لـ<المندهشين> بأنني اتعلم واتخصص في الهندسة وليس هناك من يجبرني اطلاقا على عمل مماثل. بعض الزبائن كانوا يخشون على سياراتهم مني الا ان ثقة صاحب الكاراج بعملي كانت تنتقل اليهم.

ــ اليوم وقد اصبح اسمك مرادفا للنجاح في هذا المجال، ما الذي يقوله صديق والدك لك بعد طلب عدم عودتك للكاراج؟

- كلمني آخر مرة حتى أقنع ابنه بان يتخصص في الهندسة الميكانيكية ليساعده في الكاراج، ودائما ما يسألني: الن تعودي الينا؟ فأجيبه بأن لولا موقفه حينها ما كنت أصررت ربما حتى أثبت لكل من قال <لا تستطيع> بانني <استطيع ونص>.

ــ وأمك هل اقتنعت بأنه افضل لك من الصيدلة؟

- الآن بلى. سابقا كانت <تبكي> لما تراني عدت الى البيت بثيابي المتسخة بالشحم والزيوت. وتسألني: ماذا ولّدت انا؟ صبيا ام بنتا؟

ــ وأصدقاؤك من الشباب، هل يشجعونك؟

- بشكل دائم. وبما انهم كغالبية الشباب يحبون السيارات والحديث عنها، فانهم يفرحون لما يجدوا البنت التي تشاركهم شغفهم بها، وكثيرا ما يأخذون برأيي في هذا الشأن.

ــ هل كنت تتوقعين ان تصبحي نجمة في مجال الميكانيك فتبرزين في مختلف وسائل الاعلام المحلية والعالمية حتى من <وكالة الصحافة الفرنسية> الى <سكاي نيوز> و<سبوتنيك> وغيرها؟

- لم اتوقع ذلك يوما. لقد بت معروفة بين ليلة وضحاها. استفقت ذات نهار منذ سنتين بمناسبة <يوم المرأة العالمي> وصورتي على الصفحة الاولى لكبريات الصحف من <النهار> الى <الجمهورية> وغيرهما، من دون ان ادري، وذلك من خلال نشر صوري من <انستغرام> و<فيسبوك> وانا اعمل في الكاراج، وكرت السبحة.

ــ هل تعتقدين ان ما درج عليه الاهل في تخصيص العاب للصبيان واخرى للبنات فيه بعض الظلم احيانا وكأنهم يوجهون طفلهم فيما رغبته في مكان آخر؟

- ربما لا يخطئون لانهم نشأوا على ذلك، لكنني سأربي اولادي على اختيار ما يفضلونه من العاب ويحاكي رغبتهم. لطالما تم تخصيص اللون الزهري، ورقصة الباليه، والـ<باربي> للفتاة، وللصبي اللون الازرق والسيارات والطائرات. حتى في الرياضة هناك تمييز فالجودو والباسكيت والفوتبول للصبيان مثلا..

باربي وباليه..

 

ــ وانت لم تحبي يوما رقص <الباليه>. صحيح؟

- صحيح. كنت اجلس حزينة الى ان جاء يوم قالت فيه المعلمة لوالدتي <حرام> لا يجب ان نضغط عليها واخترت الـ<جودو> مع أخي.

ــ انت اذا بالنسبة لكثيرين <Garcon manque>؟

- لست كذلك، واعرف كيف احافظ على قمة انوثتي. لا انسى مرة سألت فيها المعلمة كل واحد منا عما ينوي التخصص به فاجبتها سوف اتخصص بالهندسة لافتح كاراجا لتصليح السيارات. وما ان انهيت جملتي حتى <فرط> الجميع من الضحك. حزنت حينها، الا انهم اليوم يعربون لي عن فخرهم بانني وصلت الى ما كنت أصبو اليه.

ــ كنت تحلمين بالسفر ومن بعده افتتاح كاراج خاص بك. هل لا زلت عند هذا الحلم؟

- في لبنان ليس من تخصص في هندسة السيارات. الآن اكتسبت الخبرة اللازمة، وسأسافر الى الخارج للتخصص في هذا المجال تحديدا، والاكيد أيضا هو عودتي لافتتاح الكاراج الخاص بي في لبنان.

ــ هل تشجعين السيارات على الكهرباء، وكيف ترين مستقبل السيارات على المديين المتوسط والبعيد، هل ستكون ذاتية القيادة مثلا؟

- في العديد من الدول الغربية والخليجية ايضا كدبي، باتت السيارات على الكهرباء امرا عاديا، فكما هناك محطة للوقود هناك محطة كهرباء. في لبنان يتطلب الأمر تجهيزات في البنى التحتية. هناك بعض المحطات التي انطلقت في الشحن الكهربائي للسيارة لكنها سيارات <Hybride> اي لا تعتمد على الكهرباء وحدها.

وتزيد رنا:

- والأهم من البنية التحتية والاستثمار في هذا المجال هو تغيير الذهنية لتقبل السيارات على الكهرباء، فهي قد تكون سريعة جدا لكنها لا تصدر ذاك الصوت او الهدير الذي تصدره السيارات التي نعهدها خاصة السريعة منها، فضلا عن انها مرتفعة الثمن لكنها تكفي مستخدمها على المدى البعيد شر <البنزين> ومدفوعاته. اما بالنسبة للسيارات الذاتية القيادة فهناك من بدأ بها، كسيارة الـ<تيسلا> مثلا حيث لا تحتاج الى سائق لكنها لا زالت تحت الاختبار، ذلك انها لم تصل تماما بعد الى الفرملة في الوقت المناسب او إلى عملية الركن الى غيرها من الصعوبات... لكن مع التطور التكنولوجي الذي نشهده فمن المؤكد بأنه كما تم التوصل الى طيارات من دون طيار فاننا سنتوصل الى سيارة من دون سائق.

ــ ألم يفتح لك عملك في كاراج للميكانيك الكثير من الابواب بينها عالم الاعلانات؟

- بلى.. هذا الامر فتح لي ابوابا كثيرة من دون ان اطلبها. تعرفون اليوم ان اسرع طريقة لاي فكرة نبغي ايصالها او الترويج عنها هي وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا اشجع اية صبية تنوي اختراق عالم لطالما كان حكرا على الرجال، فمن تحب السيارات او الهندسة الميكانيكية انصحها بان تحاول وتنزل الى ميدان العمل لفترة حتى تتأكد مما تريده، وقد تختار مجال المصاعد او المكيفات او غيرها..

ــ والبلوغ (المدونة) الخاص بك هل له متابعون كثيرون؟

- نعم، وانا انشر عبره قليلا من كل شيء، من السيارات التي اقودها، الى يومياتي في الكاراج والاحداث والمناسبات التي اكون فيها، مع تركيزي على الجانب الانثوي الذي فيّ، والكثيرات يأخذنني كمثال ويستعن بصوري لاقناع اهلهن بتخصص معين، خاصة انه اليوم، ومع التطور التكنولوجي و<السكانر> للسيارات والآليات، لم يعد الميكانيك يتطلب تلك القوة البدنية كما في السابق.

ــ هل طرح عليك تقديم برنامج عن السيارات وهناك الكثير منها على الشاشات المحلية والعربية؟

- نعم طرح ذلك علي الا ان الظروف التي استجدت <طيّرت> معها الفكرة حاليا.. كل صفحة في مشوار الحياة أو المهنة تفتح في الوقت المناسب. وأنا اليوم مقدمة على <سترايف> أكبر منصة لكل جديد في عالم السيارات في الشرق الاوسط، وكل سيارة اجربها افصح عن رأيي الشخصي بها.

ــ ماذا عن الرالي مع بطل سباقات السيارات روجيه فغالي؟

- كنت اتمرن لاكون السائق المرافق (كوبيلوت) في فريقه، وكان مفترضاً ان يجري السباق في هذا الصيف الا ان ما حدث مؤخرا خفف من وتيرة التمرينات بانتظار ان نرى إذا ما كان سيجري لهذا العام...

ــ لقد قام الشاب دافيد فرام بتصنيع اول سيارة لبنانية. هل من تواصل معه او هل تعرفين السيارة؟

- هناك تواصل بيننا وقريبا سأذهب لاراها وأقودها بنفسي أيضا.

ــ هل لبنان مؤهل برأيك لصناعة السيارات؟

- هو مؤهل بالتأكيد الا ان الامر يتطلب مستثمرا كبيرا وطموحا لان الدولة لن تساعد، وهو استثمار مكلف لناحية ايجاد الارض الواسعة وتصنيع الموتور والتصاميم والاقمشة وغيرها.. وللاسف ما من بصيص أمل للتفكير بذلك حتى من قبل الجهات الرسمية. ليبدأوا اولا بفتح مجال دراسة هندسة السيارات تحديدا فلا نضطر الى دراسة الميكانيك بشكل عام قبل ان نتوجه للخارج للتخصص بها.

ــ لقد ذكرتني في حديثك بـ<الكابتن> رولا حطيط التي دخلت عالم قيادة الطائرات من خلال تحد مع نفسها رفعته ايضا..

- آمل أن التقي بها، وانا متابعة لها على موقعها. هي سيدة قوية فعلا، واحب ان اراها يوما ..