تفاصيل الخبر

لماذا عرقل الرئيسان ميشال سليمان وفؤاد السنيورة الحل السياسي للأزمة الرئاسية والحكومية؟

16/10/2015
لماذا عرقل الرئيسان ميشال سليمان وفؤاد السنيورة  الحل السياسي للأزمة الرئاسية والحكومية؟

لماذا عرقل الرئيسان ميشال سليمان وفؤاد السنيورة الحل السياسي للأزمة الرئاسية والحكومية؟

بقلم جورج بشير

119177 لم يكن ينقص لبنان في خضمّ الأزمات التي تغمره مع شعبه من دون علاج سوى هذه <الجرصة> ذات الجرح البليغ الذي أصابه في سمعته العالمية عندما تبارى عدد من نوابه في مجلس الأمة (البرلمان) داخل اجتماع إحدى اللجان المهمة في كيل الشتائم لبعضهم البعض وتقاذف زجاجات المياه البلاستيكية والتراشق بالاتهامات من العيار الثقيل <حرامية، زعران، حلّوا عنّا، سرقتوا البلد إنتو ومعلمكم، فقّرتم الشعب المسكين>... الى آخر ما في قاموس الشتائم والاتهامات التي سارع المدّعي العام المالي القاضي الكبير علي ابراهيم الى جمعها باسم الشعب واعتبارها إخباراً كافياً ووافياً للتحقيق في ملفاتها كونها تشكّل إضبارة دسمة لملفات الفساد والإفساد اللذين يعاني منهما لبنان حيث فاحت روائحهما لتسدّ أنوف اللبنانيين في شوارع المدن والقرى والأحياء اللبنانية عبر جبال النفايات المكدّسة التي عجز النواب والوزراء والأحزاب والكتل النيابية والرؤساء السابقون واللاحقون، خصوصاً الرئيس ميشال سليمان الذي يجهد ليجد دوراً له يلعبه في خضمّ اللعبة السياسية التي قادها بعض الطاقم السياسي الحاكم للبنان وشعبه، والذي أوصله الى هذا الدرك من الفقر والانحطاط والشلل وانتشار آفة الفساد.

بالفعل، فيلم <خناقة> النواب اللبنانيين، نواب الأمة، شاهده بامتعاض وخيبة أبناء البلد والجيل الصاعد، والعالم كلّه، وكأنه حدث عادي جداً، لا بل روتيني حيث بادر من بيدهم الأمر والسلطة والقرار الى شدّ فرامل التحقيق العدلي الذي بادر القاضي علي إبراهيم المدعي العام المالي الى فتحه في قضية الفساد والنفايات التي مثل فيها رئيس شركة <سوكلين> السيد ميسرة سكّر شخصياً أمام المدعي العام المالي في جلسة جمع معلومات عن عقد <سوكلين> المحكم بين الدولة والشركة.

الغريب أن عملية شدّ فرامل التحقيق العدلي في قضايا الفساد التي أطلقها رجال السياسة والنواب الكرام أنفسهم تحت قبّة البرلمان لم يكن من الموالاة أو من المعارضة، بل عبر من في يدهم القرار في هذه الدولة <وقد بادروا الى تذكير القضاء بأن للنواب حصانة، ولمجلس النواب حرمة، وإن استدعاء النواب الى الاستجواب، وإن يكن للاستفسار منهم عن الاتهامات التي ساقوها ضد بعضهم بعضاً تحت قبّة البرلمان وشهد فصولها ناخبوهم واللبنانيون وكل العالم، أمر خاضع لحرمة الحصانة وللأصول>...

يا عيبنا أمام عيون العالم، وأمام شعبنا وأجيالنا الصاعدة والتاريخ... فما أسمعه النواب <المتلاكمون> لبعضهم بعضاً من اتهامات بالغة الخطورة تطاول مصالح الشعب اللبناني وحقوقه والمال العام والقانون، كان بالفعل رجع صدى لتلك الاتهامات والشعارات المكتوبة على اللافتات التي رفعها الحراك الشعبي التاريخي في شوارع العاصمة في تظاهرة 29 الشهر الماضي، وفي تظاهرتي التيار الوطني الحر، الأولى في الوسط التجاري، والثانية على طريق القصر الجمهوري في بعبدا، وهي صوت الشعب بأغلبيته الساحقة، الصوت المعبّر عن الحال المزرية التي أوصل إليها لبنان بعض الطاقم السياسي والحاكم في الماضي وفي الحاضر على حدٍ سواء، وهي اتهامات تقع تحت طائلة القانون، خصوصاً قانون <من أين لك هذا؟>، أو <من أين لكم هذا؟>، وهي اتهامات طالما ردّدتها بصوتٍ عالٍ الصحافة اللبنانية ووسائل إعلامها منذ زمن وحتى اليوم، ولا حياة لمن تنادي...

 

رجع صدى إقليمي - دولي

ما جرى ولا يزال يجري في لبنان على صعيد الأزمات المتلاحقة، بما فيها عمليات <فركشة> وتعقيد الحلول، خاصة في ما يتعلق بالأزمة السياسية والحكومية والرئاسية ومن بينها الحلّ الأمني، وقد جهد للعرقلة الرئيس ميشال سليمان والرئيس فؤاد السنيورة و<الحلفاء> لغاية في نفس يعقوب، مما يؤكد للبنانيين أن سياسة النكاية والعزل التي رسم خطوطها العريضة في الماضي عبد الحليم خدّام وتسبّبت بمعظم الشرور التي حلّت بالبلاد ما تزال حتى اليوم وكأنها موضة العصر، بعد أن أكل الدهر عليها وشرب.

إن ما جرى ولا يزال يجري في لبنان من <موبقات> إذا صحّ التعبير، إن دلّ على شيء فإنما هو يدل على أن بعض الطاقم السياسي اللبناني لا يتحسس آلام اللبنانيين ومعاناتهم فيستمرّ في محاولة زرع الألغام والتعطيل وسياسة الحقد والتفتيش عن مراكز القوة، فيما البلد يكاد ينهار ويتهاوى تحت عيون وبصر اللبنانيين والعالم، وكأن هؤلاء لا يدركون ما يجري من حول لبنان وحواليه من تغييرات وأحداث دراماتيكية، يأتي في طليعتها قرار القيصر الروسي <فلاديمير بوتين> بمدّ رجليه الى المياه الدافئة في المتوسط عبر سوريا والعراق، وربّما لبنان أيضاً، وما لهذا الإجراء الاستراتيجي الذي أقدم عليه <الكرملين> من تداعيات إقليمية ودولية ستبدّل حتماً مسار الأمور في المنطقة من خلال الحرب على الإرهاب التي انضمّت إليها مؤخراً روسيا بكل قواها...

عندما استقبل الرئيس الروسي <بوتين> في <الكرملين> قبل ثلاثة أشهر السياسي اللبناني فؤاد المخزومي، ودار الحديث حول أوضاع المنطقة، ألمح <بوتين> الى <أن روسيا لن تخضع مرة جديدة الى عملية غش واستغلال من جانب الغرب كما حصل في ليبيا> حيث كان تفاهم دولي بين الروس والأميركيين والأوروبيين على وضع حدّ لتصرّفات النظام الليبي ورئيسه معمر القذافي ودعمهما للإرهاب العالمي، بقرار دولي وبغطاء دولي شرعي، وبقرار إجماعي اتُخذ في مجلس الأمن الدولي وافقت عليه جميع الدول ذات العضوية الدائمة في المنظمة الدولية، ليأتي التدخل العسكري بقرار دولي وبغطاء شرعي، بمشاركة الروس وغيرهم، وليس كما حصل في العراق حيث كان التدخل العسكري وشنّ الحرب على العراق بقرار أحادي اتخذته الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لإنهاء وجود نظام الرئيس صدام حسين بذريعة سوّق لها الذين شنّوا تلك الحرب <أن النظام العراقي يمتلك سلاحاً نووياً وينتج سلاحاً للدمار الشامل>، وقد ثبُت للعالم بعدها بشهادة <طوني بلير> رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الاميركي <جورج دبليو بوش> أنها كانت مجرد كذبة سوّق لها في لندن وواشنطن والإدارتين الأميركية والبريطانية ديبلوماسيون ورجال استخبارات من دون أن تكون مسنودة الى وقائع، فوقع العراق ضحية لهذه الكذبة المسنودة الى معلومات معلبة، وانهارت الدولة العربية القوية (العراق) مع جيشها واقتصادها ومواردها الطبيعية، وانقسم العالم العربي وبات يشهد اليوم ما يشهده من هزّات مصيرية لا حول لها ولا طــــول، وقد تحوّل بعضها الى حروب <ربيعية وخريفيــــة وصيفية> امتدت من تونس الى ليبيا فمصر والعراق وسوريا واليمن ولبنان طبعاً.

 

-blair-bushلن يلدغ من الجحر مرتين

 

أثبت <بوتين> بقراره الدخول في الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق أنه لن يلدغ من الجحر مرتين. وهذا ترجمة لما سبق وأشار إليه أمام ضيفه اللبناني فؤاد المخزومي، كون الغرب كلّه ما إن حصل على المشاركة الروسية وعلى موافقة <الكرملين> للحرب على ليبيا وانتهت تلك الحرب بالقضاء على معمر القذافي حتى تقاسم الأوروبيون والأميركيون قالب الحلوى من طاقة الغاز والنفط الليبي بمعزل عن الروس، فما كان من <بوتين> إلا أنه اختار مناسبة الردّ وأرضها في الشرق الأوسط، أي في سوريا والعراق بالتحديد حيث يقول الأميركيون وحلفاؤهم في تبرير لتدخلهم العسكري واللوجستي في حرب سوريا والعراق <أنهم يحاربون الإرهاب> فتحيّن الروس الفرصة واختاروا وقت التدخل وظروفه لينخرطوا بطائراتهم وصواريخهم في هذه الحرب القائمة في الشرق الأوسط (سوريا والعراق) على الإرهاب من دون تمييز بين إرهاب إيجابي معتدل، أو إرهاب سلبي حسب القاموس الغربي.

يوم الاثنين الماضي، توجه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى موسكو، فيما توجه ولي العهد السعودي الى باريس وكلاهما، أي باريس وموسكو تقفان على طرفي نقيض من هذه الحرب على الإرهاب. والى جانب المشاورات السعودية الفرنسية، وبين السعودية وروسيا، هنالك سلسلة طويلة من المشاورات لمحاولة احتواء تداعيات هذه الحرب وإيجاد تسوية سياسية لها تقودها الأمم المتحدة وأمينها العام <بان كي مون>، وذلك لمنع نار هذه الحرب من الامتداد بلهيبها ونازحيها وإرهابييها الى الدول الأوروبية والأميركية.

أما في لبنان، فإن الطاقم السياسي والحاكم لم يهتدِ بعد الى الحلول التي تنقذ لبنان من حال التردّي والانهيار كون <الطاسة ضايعة> إذا صحّ التعبير بين حراك شعبي بدأ بالخروج عن مساره السليم بفعل ما يسمّون بـ<الزعران> وبين صراع الطاقم السياسي على جبنة الحكم ومراكز نفــــوذه، فيمــــا الشعب يتطلع الى طـــــوق نجاة من الغرق، قبل أن يلحق الدمار السياسي بالحكومة والإنقاذ، ويصبح الحل بالعسكر.