بقلم خالد عوض
[caption id="attachment_83485" align="alignleft" width="444"] خزان الوقود المتضرر في جدة: الرسالة الحوثية - الإيرانية إلى "ترامب" أو إلى "بايدن"؟[/caption]ما نشهده هذه الأيام هو سباق محموم بين آخر إجراءات الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" العقابية ضد إيران وضغطه للتطبيع مع إسرائيل من جهة ورسائل خلفه "جو بايدن" لفتح صفحة جديدة مع كل العالم بما فيها إيران من جهة أخرى. "بايدن" لا يعترض على ما يقوم به "ترامب" حالياً رغم إشاراته السلمية. كما أنه وفريق عمله يؤمنون بسلاح العقوبات الذي ظل على مدى العقود الثلاثة الماضية الوسيلة الفضلى عند الرؤساء الديموقراطيين في تعاطيهم مع من يصنفونهم "أعداء" للولايات المتحدة وأفضل طريقة لتجنب الحرب. هل يتهور "ترامب" خلال ما تبقى له من وقت في البيت الأبيض في حرب مباشرة وخاطفة على إيران أم يكتفي بسلسلة عقوبات جديدة قاسية وغير مسبوقة؟
الهجوم على خزان جدة: تخطي كل الخطوط الحمر
خلال السنوات الأربع الماضية لم يتردد الحوثيون في استخدام كل ما توفر لهم من أسلحة إيرانية ضد السعودية. صواريخ باليستية أطلقت على العاصمة الرياض وعدة مدن سعودية أخرى، وطائرات من دون طيار لم توفر المطارات المدنية والتجمعات السكنية. حتى منشآت "أرامكو" في أبقيق طاولها الأذى الحوثي - الإيراني. ولكن الهجوم الأخير على خزان وقود تابع لـ"أرامكو" في مدينة جدة رغم محدودية أضراره المادية، له وقع مختلف تماماً. فالصاروخ المعلن إستخدامه "قدس ٢" لا يمكنه لوحده النفاذ من الرادارات والقبة الحديدية المحكمة لتفجير الصواريخ في الجو من دون عملية تشويش متطورة تقوم بها طائرات مسيرة. في الشكل، الهجوم على "أبقيق" في ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩ والإعتداء على خزان جدة في ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠ متشابهان. ولكن في الأسلوب والتوقيت يثبت هجوم جده أن إيران استطاعت تطوير وسائل صاروخية يمكنها الإلتفاف على أحدث الدفاعات الإلكترونية. هذه الدفاعات نجحت في إسقاط عدة صواريخ وطائرات مسيرة خلال الأسابيع الماضية ولذلك فإن عبور صاروخ "قدس ٢" المنظومة الدفاعية هو تغيير استراتيجي في التوازن العسكري لن يمر كما مرت الهجمات السابقة.
لا حل إلا...بحرب
[caption id="attachment_83486" align="alignleft" width="444"] وزير الخارجية الأميركي المعيّن "أنطوني بلينكن": الحوار مع إيران سيقوم على المصالح من دون أي هدايا لأحد.[/caption]لم تنتظر إيران تسلم "جو بايدن" الرئاسة في ٢٠ كانون الثاني (يناير) لتؤكد من جديد قدراتها العسكرية. هي تهاجم السعودية مختبئة خلف الحوثيين وتتحكم بالمسار السياسي المشلول في لبنان عبر حزب الله، ولا تزال تعزز قواعدها العسكرية في سوريا من دون أن تتمكن الغارات الإسرائيلية المتتالية عليها من وقف مسارها أو حتى إبطائه. أصبح من الصعب على المملكة العربية السعودية صاحبة الرؤية التنموية الطموحة أن تتعايش مع تنامي القدرات الصاروخية عند الحوثيين بدعم إيراني غير خجول على الإطلاق. الشيء نفسه تعيشه إسرائيل التي تعاني من خطر مستمر من حزب الله وحلفائه في لبنان والجولان السوري يمنعها من تحقيق آمالها الإقتصادية الواسعة والتي عززتها الإكتشافات الغازية وآفاق التطبيع مع بعض دول الخليج. من الصعب تخيل حل لكل هذه التعقيدات الإقليمية من دون حرب إما تحسم، أو تؤسس لتسوية شاملة برعاية دولية. وطالما لن يحبذ "بايدن" أن تبدأ ولايته بحرب فلم لا يلطخ "ترامب" يديه بدم شرق أوسطي قبل أن يرحل فيسهل المهمة على خلفه؟
"ترامب "أو" بومبيو": الى اللقاء عام ٢٠٢٤
[caption id="attachment_83487" align="alignleft" width="444"] وزير الحارجية "مايك بومبيو": إما "ترامب" عام ٢٠٢٤ وإما... أنا؟[/caption]أقل ما يقال في زيارة وزير الخارجية "مايك بومبيو" (٥٦ سنة) إلى الشرق الأوسط منذ أيام هو أنها غريبة. الرجل يجب أن يهتم بتسليم خلفه الآتي "انطوني بلينكن" ملفات وزارة الخارجية الدسمة والتحضير للإنتقال السلس وليس لصب الزيت الأميركي على النار الإسرائيلية في الجولان المحتل. ولكن مجيء "بومبيو" خلال فترة الانتقال الرئاسي وفي عز أزمة الوباء لم يكن سياحة خريفية بقدر ما كان محاولة لترتيب أوضاع المنطقة قبل الرحيل، إن من خلال الحث على المزيد من التطبيع العربي الإسرائيلي أو من حيث إعلام الحلفاء بالخيارات الأميركية خلال الشهرين الآتيين. والعين لن تكون فقط على طائرات "البي٥٢" الأميركية التي وصلت إلى المنطقة منذ أيام بل على إمعان الإيرانيين في استفزاز الأميركيين إن من خلال تحدي شبكة الأمان العسكرية الأميركية في السعودية أو عبر التحرش بإسرائيل من خلال حزب الله. فإيران مستعجلة جداً على التسوية نظراً لما تعانيه من اختناقات إقتصادية ومالية ولا يناسبها أن يصبح التفاوض معها آخر أولويات إدارة "بايدن".
عسى أن تكون كل هذه الضغوطات مقدمة لحل سياسي شامل للمنطقة يفتح الباب أمام مشروع إقتصادي كبير شبيه بما حصل في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. فإعادة إعمار الشرق الأوسط تبدأ من حل مع إيران، مهما كان شكله.