تفاصيل الخبر

لم أسعَ يوماً خلف شخص أو خلف شركة وعندي «كاسيت»  قديم واسطوانة كانت تُباع بأربع ليرات لبنانية!  

02/10/2015
لم أسعَ يوماً خلف شخص أو خلف شركة وعندي «كاسيت»  قديم واسطوانة كانت تُباع بأربع ليرات لبنانية!   

لم أسعَ يوماً خلف شخص أو خلف شركة وعندي «كاسيت»  قديم واسطوانة كانت تُباع بأربع ليرات لبنانية!  

بقلم عبير انطون

DSC_0047 هو الفنان المتمكّن صوتاً، والممتلئ طيبة وأخلاقاً وكياسة نفتقدهما نوعاً ما بين فناني اليوم. عبد الكريم الشعار، ابن طرابلس الفيحاء، اسم له رنّة الذهب في آذان عشاق الطرب، ومهما <غيابو طوّل> يبقى لاسمه الوقع الاكبر، فمن شرب من إناء الفن الجميل لا يمكن الا ان ينضح به ليعيد للنغم أصالته وللايقاع حلاوته.

 ولعبد الكريم ابنة لم يفصل حبه لها عن حبه للموسيقى فسماها <رنين>، دخلت هي ايضاً عالم الغناء بصوت مميّز. ولرنين سّران تبقيهما حالياً طي الكتمان بانتظار الإشارة للتنفيذ، والسرّان تلفزيونيان. ولا اي تعليق منها حول انضمامها كمشتركة لأشهر برامج اكتشاف الأصوات المهمة لهذا الموسم وهو برنامج <ذا فويس> (أحلى صوت)، حيث غنت أيضاً باللغة التركية وصفّق لها بحرارة أعضاء لجنة التحكيم الأربعة كاظم الساهر وعاصي الحلاني وصابر الرباعي وشيرين عبد الوهاب، ولا أدنى معلومة أيضا عن فكرة البرنامج التلفزيوني الموسيقي التي تعدّها وتطورها حتى تكون برنامجا في حلقات.

عبد الكريم ورنين اللذان يستحقان الكثير بعد، اجتمعا في لقاء <الافكار> وكان معهما هذا الحوار الذي بدأ من رائعة <رق الحبيب> لأم كلثوم ونسأل عبد الكريم:

ــ انطلاقاً مما قدمته على مسرح < مترو المدينة> الاسبوع الماضي نبدأ الحديث: لماذا اختيار <رق الحبيب> تحديداً وهي من كلمات أحمد رامي وألحان محمد القصبجي؟

 - وهل أروع منها لنقدمه؟ ويروى ان لهذه الاغنية قصة، وهي ان سوء فهم حدث بين ام كلثوم واحمد رامى العاشق لها أدى الى حدوث خصام بينهما وقطيعة مؤقتة وكان رامي يتعذب من الهجر والفراق. ولما رن تليفون منزله ذات يوم كانت <الست> على الهاتف تطلب منه ان يأتي اليها في اليوم التالي. فطار رامي من الفرح وراح ينقل مشاعره وهو في الطريق اليها. وهو لم يكن مصدقاً انه سيصل، حتى انه عند مروره على <كوبرى عباس> فوق نهر النيل تخيل ان <الكوبرى> سوف يفتح ويقع هو فى النيل قبل ان يصل الى لقاء من يحب وألّف الأغنية بالكامل قبل أن يصل إليها..

رنين و<القفشات>

 ــ بالانتقال اليك يا رنين، ماذا عن أغنيات <سرفيسات> العمل الذي تألقت به مؤخراً أيضاً.. ما هي هذه الاغنيات وكيف ولدت؟

- عراب الفكرة بمجملها هو المخرج والمدير الفني في مسرح <مترو المدينة> هشام جابر المعروف بميزة <القفشات> المهضومة والتي لا تخطر على بال. لقد استوحى من سيارة الاجرة الوسيلة التي يتنقل بها الكثيرون من اللبنانيين كلمات الاغنيات التي تعكس حال المجتمع وقصصه. الركاب كما السائق، يتبادلون الحديث، <ينقّون> على بعض، يبدأون من حال البلد والطرقات وصولاً الى القصص العاطفية الشخصية ويتشاركونها. من هنا كان الوحي، ومن ضمن أغنيات <سرفيسات> أغنية بعنوان <بينقّوا> أؤديها بالاشتراك مع ياسمينا وساندي (فنانتان في <مترو المدينة> ايضاً) في توزيع جميل للأدوار بيننا، ويلبس الموسيقيون خلفنا لباس الدراويش، كما استعدت اغنية اسمها <يا ولد> كتبها جابر ولحنها زياد الاحمدية وكان هشام قد غناها في العام 2002، وتتناول موضوع الاطفال والسلاح، فأولاد لبنان والشرق الاوسط لم يعد أملهم ان يصبحوا أطباء ومهندسين بل ان يحملوا السلاح ويقاتلوا.. لقد باتت احلام اطفال العرب مختلفة عن احلام الاطفال في كل العالم.

 وتزيد رنين:

- لا يمكنني الا ان أتوقف ايضاً عند اغنية <قلي ليش> التي تعني لي الكثير شخصياً. فيها تسأل المرأة <الذكر> الذي تحبه لماذا يكسّر مجاذيفها يحطّمها ويُهمشها ويقرر ان يجعلها بشعة، فيلعب دور شمشوم الجبار. وبين كلمات الاغنية تسمعون: <ليش مجلغملي ألواني.. ليش حالملي احلامي>.. وتنتهي بفكرة انها لن تبقى معه.. هذه الاغنية صاحبتها مشهدية رائعة، مشهدية أخرجت مني الرنين الاخرى التي تملك مواهب غير أداء اغنيات الطرب والاداء بصحبة اوركسترا كبيرة..

ــ ما رأيك، استاذ عبد الكريم في ما تقدّمه رنين بعيداً عن الغناء البحت؟

- أنا سعيد لسعادة رنين ولترجمتها المواهب التي تملكها في اكثر من مجال. الفكرة بناءة ولم يكن من مانع في ترجمتها بالشكل الذي ظهرت به.

وهنا تتدخل رنين:

- لقــــد انتهيت منذ فترة وجيزة من تقديم ما هــــــو اكثر جـــــرأة بعد في عرض <بـــلدي يا واد> مــــع الـــــــــــــراقص الشرقــــــي < ALEXANDER PAULIKEVITCH> المولــــــــــود في عكــــــــــــار والاجنبي الاب. لقد انتقدت الناس هذا الراقص كثيراً لأنها لم تتقبل أن ترى رجلاً يؤدي الرقص الشرقي، الا أنه أثبت جدارته بهذا الفن لشدة ولعه به واحترافه له.. الكسندر يملك جانباً انثوياً يترجمه من خلال الرقص. وعندما اتصل بي لأكون صوت الأنثى التي فيه والتي تثور على الوضع من خلال عرض مسرحي غنائي راقص، وافقت على الفور وكان الإقبال على هذا العرض منقطع النظير. كل من جاء لتحيتي خلف الكواليس اكد لي انه رأى في غنائي حنيناً آخر مختلفاً، وأديت اغنيات لوردة الجزائرية وأغنية <كتاب حياتي> و<ساعات ساعات> للراحلة صباح.. فكنت أغني وهو يرقص في تقاسيم وإيقاعات رائعة.

الناس في الحمرا.. حلوين!

 ــ أستاذ عبد الكريم: الى اي مدى شكّل مسرح <مترو المدينة> <فشة خلق> لك؟

 - هي <فشة خلق> لبيروت كلها. هذا المسرح هو باب مفتوح للجيل الجديد ليتعرف الى روائع الزمن الماضي الجميل فيقيّم ويقارن بما يسمعه اليوم. ما يسعدني ان بين الجمهور من هو بعمر ابنتي رنين وأصغر. لا يسعكم ان تعرفوا مدى السعادة التي عرفتها السبت الماضي بعد انتهاء السهرة التي غنيت فيها <رق الحبيب> حيث انتظرني شاب يضع قرط الحلق في اذنه، ويرسم الوشم على ذراعيه حين أسرع اليّ مبادراً بالقول: <اسمحلي بوسك!> لقد اسمعتنا ما هو حقيقي فعلاً من النغمات الشرقية الحلوة.. نحن مأخوذون الى مكان آخر من قبل فنانين يضحكون علينا ويقولون هذا هو الفن العربي. انهم يغشوننا.. يشوهون أذواقنا الفنية>.

ــ رنين، تأخرت في الانطلاقة بعد تجربة <سوبرستار> لموسمه الثاني. ما كانت أبرز الاسباب؟

- لم تكن التجربة على قدر الآمال التي عقدتها عليها. وليس سهلاً التقدم في الفن من دون تقديم تنازلات. النفايات التي نشاهدها على طرقاتنا ليست سوى جزء يسير من نفايات كثيرة في مجالات أخرى.

وتصمت برهة ثم تكمل:

- لقد شاركت في اكبر المهرجانات وعلى افضل المسارح الا انني اريد انتاجاً لموسيقى تشبهني ضمن هوية خاصة بي، فلا اؤدي الاغنيات الطربية المعروفة لكبار مطربي الشرق فقط، مع افتخاري بالغناء لهم. اريد ان اضع إحساسي في هذا الايقاع او ذاك، ان يكون خاصاً بي وحدي الا انني بانتظار الانتاج المناسب. صديقي العزيز الموزع العالمي ميشال فاضل قال لي بأنه مستعد لمساعدتي وهو أسداني نصيحة بألا انفق من مالي الخاص من دون ان يكون لي شركة انتاج تتبنى عملي، وذلك من باب الاحتياط.

ــ استاذ عبد الكريم انت ايضاً لم تحظَ بالفرصة التي تستحقها موهبتك، وهل صحيح ان ليس لعبد الكريم الشعار ولا اية اسطوانة في تاريخه الفني الطويل؟

- لم اسعَ يوماً خلف شخص ولا خلف شركة. عندي <كاسيت> قديم ولدي اسطوانة بعنوان <صعب المنال> كانت تباع بأربع ليرات لبنانية، ومنها تعلّم كبار المطربين بينهم جورج وسوف مثلاً.. نحن الآن بصدد عبد-الكريم-الشعارتسجيل حفلات <المترو> عبر الاسطوانات المدمّجة وأعتبرها من اجمل الاعمال التوثيقية بين مجموعة متجانسة من الاصدقاء يجمعهم الشغف الفني عينه.

ــ هل انت عاتب على الشركات والتلفزيونات اللبنانية؟

 - لا أعتب على احد، <الجو لاحق بعضو>.. المال وُجد حتى نستخدمه ومتى استخدم المال صاحبه <راحت عليه>.. الى اي حد بات الانسان في عصرنا رهينة للمال، اسيراً له.. عندما يكدس الفنان المال تنتفي عنه صفة فنان..

 ويضيف قائلاً:

- الوضع في لبنان <مكركب>، لا يسمحون للشخص منا بأن يفكر. نعيش في ضياع في كل انحاء العالم العربي. قديما سألت على الملأ: <وين راكضين عالمجهول؟>، وأكررها اليوم في السياسة كما في الفن. لم نعد كفنانين نعرف مكاننا الاصلي، هذا المكان الذي يجب ان يكون وسط تراثنا الكبير من فن العمالقة من زكريا احمد الى رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ووديع الصافي، فضلاً عن المشايخ الكبار كالشيخ النقشبندي ومصطفى اسماعيل وغيرهم.. انها آثار جميلة يجب ان نحافظ عليها ونضعها في الواجهة. اجد الاجانب يندهشون عند سماع هذه الالحان. الطرب هو حالة، وليس غفوة أو مللاً كما يصوره البعض اليوم. انا سعيد بالناس الحلوين يستمعون الينا من قلب شارع الحمرا ويعطوننا الدفع والحافز.

ــ رنين، هل من اغنيات خاصة بك؟

- في رصيدي اغنية واحدة بعنوان <أعشق عيونك> كتب كلماتها الشاعر نزار فرنسيس ولحنها سمير صفيرالذي طار بي فرحاً لما سمعها مني في الاستوديو وكانت هدية من برنامج <سوبر ستار> بعد نجاحنا فيه. لم اكن راضية تماماً عن توزيع الاغنية، اردت ان تشبهني اكثر، الا انها عرفت نجاحاً وقتئذٍ، وبالطبع هناك اغنيات خاصة بمطربين كبار اعدت تسجيلها في <ريميكس> جميل لها.

سيف ذو حدّين..

ــ الى اي مدى شكّل اسم الوالد دعماً لك؟

- للحقيقة الاسم الفني الكبير للوالد هو سيف ذو حدين. احياناً يساهم هذا الاسم النظيف فنيا في فتح الابواب تقديراً للاسم الكبير الذي احمله، وأحياناً يكون سبباً لوضع العراقيل أمامي وهو لم يتدخل في مسيرتي الفنية.

 ــ هل يمكن ان تحصل منافسة فنية بين الأب وابنته يا رنين؟

- لا أعتقد. لم اشعر بالأمر يوماً. كلما اضاء اسم أبي، يسلط الضوء بشكل اكبر على اسمي. ربما هي غيرة الاب على ابنته وليس منها، ووالدي صعب الطباع نوعاً ما. امام خوفه الزائد علي أتراجع احياناً، علماً انني شجاعة. لقد جعلني أسافر الى جزر <هاواي> بعمر الثمانية عشرة عاماً حتى أتم تعليمي فيها، ربما كي يبعدني عن طريق الفن وأشواكه. لقد تخصصت هناك في الاقتصاد لثلاث سنوات وبعد عودتي الى لبنان تخصصت في الادارة السياحية في الجامعة اللبنانية ويعنّ على بالي اليوم إكمال الدراسة وحيازة شهادة الدكتوراه.

ــ لماذا لم نراكما في <ديو> يجمع الصوتين القديرين، استاذ عبد الكريم؟

- هذا الأمر هو ابن ساعته، وابن الفكرة الحلوة التي تولّده فننفّذه سويا. لا يمكن باي حال ان يكون مقصوداً فيأتي ثقيل الظل.. ما من مانع على الاطلاق.

وتدخل رنين على الخط: هو مشروع دائم ومؤجل. لست أدرك اسباب عدم تنفيذه. ربما السفر يحول دون ذلك.

 ــ هل فكرت رنين بالانشاد الديني وعمك هو سماحة المفتي مالك الشعار؟

- افضل أداء الاناشيد الروحية اكثر من الاناشيد الدينية، بمعنى تلك التي تناجي الخالق والطبيعة والجمال.

عبد-الكريمــ لقد تحدثت رنين عن مواهبك في مجالات أخرى غير الغناء. أين انت من التمثيل وقد خضت غماره؟

ـ سبق وشاركت في ثلاث تجارب متواضعة، الاولى مع المسرحي القدير جلال خوري في مسرحية بعنوان <رحلة محتار الى شرينغار> وهي بلدة هندية يقال، ان قبر السيد المسيح موجود فيها، ويؤكد اهلها انه ظهر ومات هناك، وكان دوري فيها هو اصوات الممثلين في افكارهم اللامباحة اؤديها غناء مع فرقة موسيقية، وهناك مسرحية <السامرية> لعبت فيها دور سيدتنا مريم وقد قدمناها في جامعة الروح القدس من إخراج <جيرار افيديسيان>، كما لعبت دوراً في مسرحية للكاتب الفرنسي <جان بول سارتر> بعنوان <الابواب المقفلة < huis clos > بدور <فلورانس ايناس> حيث الشخصيات في جهنم.

ــ استاذ عبد الكريم، ما هي كلمة الاب والفنان، التي توجهها لرنين اليوم؟

ــ وفّقها الله وأعانها وسط هذا الجو العربي المزري الذي نعيش فيه على الصعد كافة. هل هذه هي مصر وهل هذا هو العراق وهل هذه هي سوريا التي نعرفها؟ هل ما نسمعه ونراه هو ثقافتنا وحضارتنا نحن الذين نثرنا حضارتنا في العالم كله.. بأي حال جبران خليل جبران نفسه لو لم يهاجر لما كنا سمعنا به.. منذ زمن بعيد ونحن لا نعرف قيمة مبدعينا.

ــ وأنتِ يا رنين بأي كلمة تتوجهين لنفسك ولوالدك؟

 - قول والدي لي: <استمري في الحلم.. ما من شيء مستحيل وكوني نفسك.. كوني انت! وفخار يكسر بعضه>.

وعن والدها قالت رنين: انني فخورة به، امد الله بعمره وأعطاه الصحة. كنت اتمنى لو ان عبد الكريم الشعار اخذ الفرصة التي يستحقها فعلاً، حاولوا التعتيم عليه الا ان النور لا ينطفئ. في جولة فنية له في كندا كتب شاب متخصص بالموسيقى ما أبكاني عند قراءة الكلمات.. فعبد الكريم الشعار لم يتقوقع يوماً داخل طائفته او منطقته، انما حمل لبنان كله بقلبه وأهداه صوته وهو يردد ما سبق وقاله الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش <قلوب الناس هي جنسيتي>.