تفاصيل الخبر

لقـــاء بعبــدا الرئاســي... اتفــاق علـى استـئـنــاف التعــاون والعبرة في التنفيذ وفي حل إشكالية مرسوم الأقدميات!

08/02/2018
لقـــاء بعبــدا الرئاســي... اتفــاق علـى استـئـنــاف التعــاون  والعبرة في التنفيذ وفي حل إشكالية مرسوم الأقدميات!

لقـــاء بعبــدا الرئاســي... اتفــاق علـى استـئـنــاف التعــاون والعبرة في التنفيذ وفي حل إشكالية مرسوم الأقدميات!

 

ميرنا-الشالوحي 

بين 18 كانون الأول/ ديسمبر 2017 و6 شباط/ فبراير 2018، عاش لبنان 51 يوماً على وقع الخلاف الذي نشأ بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري بعد توقيع الأول مرسوم منح أقدمية لضباط دورة  1994 الى جانب توقيع رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف من دون أن يقترن المرسوم بتوقيع وزير المال علي حسن خليل، ما أغضب الرئيس بري لتغييب دور ممثله في الحكومة، علماً أن مراسيم مماثلة كانت قد صدرت في عهد الرئيس عون وعهود رئاسية أخرى من دون توقيع وزير المال.

51 يوماً من الجدال الدستوري والقانوني والاجتهادات والحملات الإعلامية المتبادلة حول حق رئيس الجمهورية في تغييب توقيع وزير المال، حفلت أيضاً بتفسيرات مختلفة لمواد في الدستور ولمداولات <اتفاق الطائف> ولتعليقات كانت تزيد طين الخلافات بلّة، ما خلق أجواء من التوتر الشديد بين قاعدة حركة <أمل> من جهة، وقاعدة التيار الوطني الحر من جهة ثانية... وهذا الاحتقان انفجر غضباً بعد الاتهام الذي وجهه رئيس <التيار> وزير الخارجية جبران باسيل لرئيس مجلس النواب حين قال في لقاء انتخابي في بلدة محمرش البترونية كان يفترض أن يكون مغلقاً وغير معد للنشر، أن الرئيس بري <بلطجي> مضيفاً عبارات حول تكسير الرؤوس!

ردة الفعل على اتهامات الوزير باسيل كانت سريعة في الشارع <الأملي>، فظهرت الدراجات النارية وأعلام الحركة والشباب <الحركي> الغاضب، وقادتهم اعتراضاتهم واستعراضاتهم على حد سواء الى المقر المركزي للتيار الوطني الحر في <سنتر ميرنا الشالوحي> في سن الفيل، ثم في اليوم التالي الى بلدة الحدث، ليبلغ التصعيد ذروته في الشارع على رغم عدم حصول مواجهات مسلحة مباشرة، خصوصاً ان الأجواء كانت مهيأة لذلك، سواء من خلال الشحن السياسي أو الشحن الطائفي، وكل الأجواء أوحت أن <الطابور الخامس> الذي قيل انه تحرك كان جاهزاً لأداء دوره بنجاح كبير.

وسط هذه المستجدات المتسارعة بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى استيعاب ما حصل، لاسيما اتهام صهره الوزير باسيل للرئيس بري، من خلال خطوتين: الأولى عندما أصدر أول بيان يطلب فيه التسامح عن أي إساءة ويعارض فيه <الخطأ الكبير الذي بني على خطأ>، لكن هذه المبادرة التي أظهرت كبراً غير مسبوق بشهادة الخصوم قبل القريبين، أجهضتها ليلاً مقدمة كتبها مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز لنشرة الأخبار على محطة <أو تي في> والتي اعتبرها الرئيس بري مسيئة. أما الخطوة الثانية فكانت الأكثر عملية وقد أتت بعد <استعراضات الحدث> وتم التمهيد لها من أكثر من جهة لضمان نجاحها، وجاءت باتصال هاتفي أجراه الرئيس عون بالرئيس بري في حضور الرئيس الحريري الذي كان قصد قصر بعبدا بناء على طلب رئيس الجمهورية. في هذا الاتصال <الذي سادته المودة> - على حد تعبير بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية - أكد الرئيس عون للرئيس بري أن كرامته من كرامته وأنه من الضروري طي صفحة الأيام الماضية وما حملته من تصعيد سياسي وأمني، وكانت دعوة من الرئيس عون الى رئيس السلطة التشريعية للتوجه الى بعبدا للبحث في كل المواضيع المطروحة، وفي مقدمها التهديدات الإسرائيلية التي تجددت للمياه الإقليمية اللبنانية (الموقع رقم 9) من المنطقة الاقتصادية الخالصة) وإصرار اسرائيل على بناء الجدار الإسمنتي قبالة الحدود اللبنانية الجنوبية. لم يتردد الرئيس بري في قبول الدعوة الرئاسية، علماً أن الاتصال الرئاسي سبقه صدور بيان عن حركة <أمل> بوقف كل التحركات على الأرض وداخل شوارع الأحياء والامتناع عن <الغزوات> بالدراجات لمناطق أخرى. وعلى رغم أن الفاصل الزمني بين الاتصال الهاتفي واللقاء في بعبدا كان طويلاً نسبياً (5 أيام) قياساً الى قضية حساسة كالتي عاشها لبنان، إلا أن اللقاء تم يوم الثلاثاء الماضي بين الرؤساء عون وبري والحريري وامتد على ساعتين وخرج الرئيسان بري والحريري بعدهما يعبّران عن تفاؤل غير مسبوق في الوصول الى حلول وفي بث مناخات إيجابية وصلت الى حد إعطاء الرئيس بري علامة 10/10 للقاء وتشديد الرئيس الحريري على أن مرحلة جديدة من التعاون بدأت، فيما عكس البيان الذي صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية توافقاً حول المواضيع التي طُرحت، لاسيما وأن البيان صيغ بحرفية عالية استحوذت موافقة سريعة من الرئيس بري، ومن بعده الرئيس الحريري، فيما بدا الرئيس عون سعيداً للخرق الايجابي الكبير الذي حققه في امتصاص كل ما جرى وجمع الشمل بين الرئيسين بري والحريري على أثر الفراق القسري بينهما على خلفية <حرد> الرئيس بري من توقيع الرئيس الحريري على المرسوم!

والسؤال الكبير الذي طرحته الأوساط السياسية هو كيف سيترجم <الكلام الجميل> الذي قيل في بعبدا يوم الثلاثاء الماضي على أرض الواقع السياسي؟ وهل ان ما قيل في لقاء بعبدا أسس لمرحلة جديدة من التنسيق بين الرئاسات الثلاث ويفترض أن hariri-berri-aounتطوي صفحة الخلافات الى غير رجعة؟ فهل هذه هي الحقيقة المنتظرة؟

تقول مصادر واكبت لقاء بعبدا إن كل المواضيع التي أثيرت فيه انتهى النقاش فيها الى اتفاق على الخطوات التالية، فالتهديدات الاسرائيلية سوف تقابل بتحرك ديبلوماسي، وميداني عند الضرورة، لمنع اسرائيل من بناء الجدار الإسمنتي قبالة الحدود اللبنانية نظراً لتقدم الآليات المعادية في اتجاه <الخط الأزرق> في أراض تقع في النقاط الـ13 التي يتحفظ عليها لبنان على طول هذا الخط. وفي هذا السياق، التقت وجهات نظر اركان اللقاء على أن الأمم المتحدة تبقى المرجعية لأي بحث في ترسيم الحدود من جديد والتفاهم على مستقبل النقاط الـ13، من دون أن يعني ذلك قطع التواصل مع الدول الكبرى القادرة على التأثير على القرار الاسرائيلي الموجه ضد لبنان وسيادته وسلامة أراضيه. إلا أن الموقف الأقوى كان في أن أي تحرك اسرائيلي في اتجاه الأراضي اللبنانية سيقابل بردة فعل فورية من الجيش اللبناني المنتشر على طول الحدود، وإذا ما دخلت المقاومة على الخط، فإن خطر اندلاع الحرب من جديد سيكون احتمالاً يقترب من الواقع، ما يفرض معالجة سريعة تبقي الخيار الديبلوماسي أولوية لأن البديل هو الحرب! أما بالنسبة الى ادعاء وزير الدفاع الاسرائيلي <أفيغدور ليبرمان> بأن المربع (البلوك رقم 9) في المنطقة الصناعية الخالصة هو ملك اسرائيل، فرأى فيه اللقاء الثلاثي الرئاسي في بعبدا مؤشراً خطيراً للنيات الاسرائيلية تجاه لبنان، خصوصاً وأن هذا الملف الذي أراد لبنان إقفاله من خلال تلزيم التنقيب في <البلوك 9> الى تحالف شركات فرنسية وروسية وايطالية، عاد من جديد الى الواجهة في ضوء التصعيد الاسرائيلي، ما دفع بالرؤساء الثلاثة الى التوافق على ضرورة تحريك الاتصالات الديبلوماسية من جديد، لاسيما مع الولايات المتحدة التي كانت عملت على خط تصحيح الخطأ الحاصل في رسم حدود المياه الإقليمية اللبنانية، لكن التحرك الاميركي سرعان ما تراجع منذ تسلّم الرئيس <دونالد ترامب> رئاسة الولايات المتحدة. من هنا كان التوافق على ان يتبلغ الاميركيون الرغبة اللبنانية من خلال السفير <دايفيد ساترفيلد> الذي حل في بيروت قبل أيام للتحضير لزيارة وزير الخارجية الأميركي <ريكس تيلرسون> الذي سيمر على بيروت في 15 الشهر الجاري في محطة سريعة يلتقي فيها رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة. وسيبقى الموقف اللبناني واحداً في تأكيد لبنانية <البلوك 9> ما يعطي لبنان حقاً ثابتاً في الدفاع عنه بكل الوسائل المشروعة، وإن كان ثمة من يراهن على دور أميركي فاعل في هذا الاتجاه، فيما يرى آخرون أن معالجة موضوع ترسيم الحدود البحرية يجب أن تتولاها الأمم المتحدة!

والاهتمام بالتهديدات الاسرائيلية لم يكن وحده الطبق الرئيسي على مائدة <لقاء بعبدا> إذ كانت للشؤون الداخلية حصة كبيرة في النقاش والتعليق والتشاور... وكان الاتفاق الذي لم يستغرق طويلاً على ضرورة إقرار موازنة 2018 بأسرع وقت ممكن - وإذا أمكن قبل الانتخابات النيابية كما طالب الرئيس بري - لاسيما وأن وزارة المال أنجزتها على نحو كامل تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء. كذلك كان اتفاق سريع على تعديل المادة 84 من قانون الانتخابات النيابية التي تتحدث عن البطاقة الممغنطة التي لم تنجز، وبالتالي يفترض تعليق العمل بها قانوناً خوفاً من طعن محتمل من متضرر أو مرشح خاسر، على رغم أن الرئيس بري أكد للرئيسين عون والحريري ان الاستشارة القانونية التي أعدت في هذا المجال أفتت بعدم ضرورة التعديل. كذلك تفاهم الحاضرون بسرعة على ضرورة تحريك مشاريع القوانين المجمدة في مجلس النواب، لاسيما منها تلك التي يمكن استثمارها ايجاباً في مؤتمر <سيدر> المزمع عقده في باريس في نيسان/ابريل المقبل، كما اتفق على تحريك مبلغ من المال يوازي 3000 مليون دولار مجمد في مجلس الإنماء والإعمار لوضع اساسات مشاريع مجمدة وتنفيذ أخرى عوضاً عن الاستدانة ومراكمة الفوائد.

أما الموضوع الذي استحوذ على حيز كبير من البحث، فكان <سبب العلّة> أي مرسوم منح الأقدمية للضباط الذي صدر من دون توقيع وزير المالية. حول هذا المرسوم دار نقاش طويل نسبياً، لاسيما وأن مرسوم ترقية الضباط الذي كان من المفترض أن يصدر قبل نهاية السنة جمّده وزير المال على خلفية وجود أسماء 9 ضباط فيه من الذين أعطوا اقدمية، وساد النقاش جو من المودة كان خلاله الرئيس عون مستمعاً الى اقتراحات قدمها الرئيس بري للخروج من المأزق ولاقاه فيها الرئيس الحريري وتمحورت كلها حول أن مرسوم الأقدميات لن يمس وسيكون نافذاً ولا تغيير فيه، بل الفكرة التي طرحت هي أن يدمج مرسوم الترقيات بمرسوم الأقدميات ويتم توقيع المرسومين من الرئيسين عون والحريري والوزراء المختصين. إلا أن هذه الصيغة ظلت موضع أخذ ورد الى حين تم تعديل الاقتراح بأن يُرفق مرسوم الأقدمية بمرسوم الترقية. وانتهى النقاش بالطلب من الرئيس الحريري إعداد صيغة من وحي المداولات وعرضها تمهيداً لإقرارها، علماً أن ثمة معطيات أشارت الى أن مسألة <التوقيع الرابع> على المراسيم تبقى هي العقدة، وإن كان الرئيس بري نفى أن يكون الأمر وارداً لديه، مؤكداً أن لا مساس بصلاحيات رئيس الجمهورية ولا رغبة بتوقيع الوزير علي حسن خليل على مرسوم الأقدمية، بل ما يتمناه هو التوصل الى صيغة تحفظ حقوق ضباط دورة 1994 وتسهّل صدور مرسوم الترقية.

وفيما أكد كل من الرئيس عون والرئيس بري والرئيس الحريري أن اللقاء في بعبدا فتح أفقاً جديدة لحلول للقضايا التي ولدت أزمة استمرت 51 يوماً، فإن مراجع معنية شددت على أن الشيطان يكمن في التفاصيل، إذ ليس المهم الاتفاق بل المهم تنفيذ كل مندرجاته، وهذا ما ستراقبه الأوساط خلال الأيام القليلة المقبلة، وإن كان لغم مرسوم الأقدميات لا يزال صالحاً للتفجير في أي لحظة.

وبقيت مسألة الخلاف بين الرئيس بري والوزير جبران باسيل خارج إطار النقاش في بعبدا ولم يأتِ أي من الرؤساء على ذكرها، وإن كانت تبقى عبوة مزروعة يمكن أن تنفجر عند الحاجة إليها...