تفاصيل الخبر

لقاء الراعي ــ باسيل في بكركي بعد طول غياب يمهد لإحياء المصالحة المسيحية لمواجهة الاستحقاقات؟!

13/02/2020
لقاء الراعي ــ باسيل في بكركي بعد طول غياب يمهد لإحياء المصالحة المسيحية لمواجهة الاستحقاقات؟!

لقاء الراعي ــ باسيل في بكركي بعد طول غياب يمهد لإحياء المصالحة المسيحية لمواجهة الاستحقاقات؟!

قبل أن يغادر بيروت مع أفراد عائلته في إجازة أوروبية، حرص رئيس <تكتل لبنان القوي> النائب جبران باسيل على زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في خطوة لافتة تركت الكثير من التساؤلات حول أسبابها وأهدافها، لاسيما وأن الوزير السابق للخارجية لم يكن من رواد بكركي خلال فترة توليه الوزارات منذ العام 2008 وحتى الأمس القريب عندما أبعدته حكومة حسان دياب عن الجنة الوزارية على أساس أنها تكونت من اختصاصيين مستقلين (من حيث المبدأ) لا وزراء فيها من حكومة الرئيس سعد الحريري المستقيلة ولا نواب أو مشاريع نواب... ولم يكن من السهل على باسيل أن يغيب عن الحكومة وهو الذي كان يعتبر أحد أركانها الدائمين، لكن رياح حكومة دياب جرت على عكس ما تشتهي سفن باسيل الذي سلّم بالأمر الواقع وابتعد عن جسم الحكومة وإن كانت <ملائكته> حاضرة فيها من خلال الوزراء والوزيرات الذين اختارهم من حصة رئيس الجمهورية و<تكتل لبنان القوي>، وعبر هؤلاء سيتمكن باسيل من متابعة عمل الحكومة وتوجيه وزرائه فيها وان كان بشكل غير مباشر...

لماذا زار باسيل بكركي ثم غادر بعد الزيارة بأيام الى الخارج في عطلة عائلية؟

من الواضح ان باسيل قصد من خلال زيارته بكركي توجيه رسالة الى الشارع المسيحي الذي اهتز نسبياً بعد بدء <ثورة 17 تشرين> وحصلت فيه حالة ارباك لم يكن من السهل تجاهل مفاعيلها على القاعدة التي يمثلها باسيل سواء كان افرادها من المنتمين الى <التيار الوطني الحر> أو من المعروفين بانتمائهم الى <الحالة العونية> التي يحلو للبعض ــ وعن حق ربما ــ التمييز بينها وبين <التيارين>، علماً ان ما يجمع هؤلاء مع <العونيين> تعلقهم بمؤسس <التيار الوطني الحر> رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو <الجنرال> كما يحلو للكثيرين أن ينادوه. من هنا قصد باسيل بكركي للبحث في المستقبل متجاوزاً الماضي و<عثراته> متطلعاً الى أيام آتية قد يكون فيها <التيار> و<الحالة العونية> أمام متغيرات لاسيما وان قاعدة الطرفين مسيحية وفيها بعض الحضور المسلم. وقد أتت زيارة باسيل قبل أيام من سفر البطريرك الى روما حيث التقى البابا <فرنسيس> حاملاً هموم المسيحيين في لبنان، واستطراداً في دول المشرق العربي التي فرغت أو تكاد، من الوجود المسيحي.

وحدة الصف المسيحي!

المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> تشير الى ان النائب باسيل ركز على ضرورة تعزيز وحدة الصف المسيحي بعدما أصيبت باهتزاز لأن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة على المسيحيين خصوصاً إذا ما طُرح جدياً موضوع الانتخابات النيابية المبكرة على أساس قانون لبنان دائرة واحدة كما يسعى الى ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري، لأن مثل هذا القانون <يذوب> الصوت المسيحي كما ترى قيادات مسيحية عدة ويعيد نظام <المحادل> من جديد بعدما طُبّق قانون النسبية الذي اجريت انتخابات المجلس الحالي على أساسه. وهذه الصيغة التي يحمل الرئيس بري لواءها بدأت تتسلل الى حسابات أطراف لبنانيين على نحو أقلق القيادات المسيحية التي تشعر اليوم بأنها تفقد تدريجياً قدرتها على التأثير في الأحداث و<التركيبات> السياسية الراهنة والتحالفات مستقبلاً. من هنا كانت مبادرة باسيل مع البطريرك الماروني الذي سعى في الماضي القريب الى جمع القيادات المسيحية عموماً، والمارونية خصوصاً، حول خيارات سياسية تبرز وحدتهم، لكنه لم يتمكن من ذلك على رغم ان الكرسي الرسولي شجعه على الاقدام على هذه الخطوة مراراً من دون نتيجة بسبب تعذر التقاء القيادات المسيحية على رأي واحد.

وأشارت مصادر مطلعة على لقاء بكركي بأن باسيل <شجع> البطريرك على المبادرة، بعد عودته من روما، الى <طرح الصوت> على القيادات المسيحية وجمعها في الصرح البطريركي لمناقشة المواضيع الأساسية في البلاد بعد إعادة وصل ما انقطع بين هذه القيادات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لاسيما وأن الإشارات الأولى التي وصلت الى البطريرك الراعي كانت <مشجعة>، خصوصاً من قبل الكتائب (رئيس الحزب النائب سامي الجميّل زار بكركي قبل أسبوعين لهذه الغاية)، فيما لا يزال تيار <المردة> يتريث في الرد الايجابي ريثما تتبلور فكرة الاجتماع أكثر فأكثر. لكن الأكيد ــ وفق المصادر نفسها ـ ان الصعوبة تكمن خصوصاً في موقف <القوات اللبنانية> التي لا تزال تمانع حصول مثل هذا اللقاء على خلفية القطيعة التي حصلت بين رئيس <القوات> سمير جعجع والنائب باسيل خلال الحكومتين السابقتين، غير ان مثل هذه القطيعة قابلة للزوال إذا ما تم تحقيق التواصل بين الطرفين عبر قنوات قادرة على الحد من التشنج وإعادة استذكار مراحل المصالحة بين <القوات> و<التيار> وروحية <تفاهم معراب> حيث يبرز بقوة موقف النائب ابراهيم كنعان <عراب> هذه المصالحة مع الوزير السابق ملحم رياشي، خصوصاً ان كنعان لم يقطع التواصل مع معراب وإن كانت حماسته <تفرملت> بعض الشيء بفعل المواقف السلبية التي صدرت عن باسيل وجعجع ووزرائهما في الحكومتين السابقتين.

 

<الهموم الوجودية>!

 

ولعل في الوصف الذي أعطي للخلوة بين البطريرك وباسيل والمواضيع التي أثيرت فيها والتي تتلخص بـ<الهموم الكيانية الوجودية> ما يؤشر الى ان لقاء بكركي تجاوز <الواجب حيال البطريرك> الى ما هو أعمق من ذلك بكثير نظراً للدور الذي لعبته البطريركية المارونية عبر التاريخ والذي يتم استذكاره هذه السنة التي يحتفل فيها لبنان بـ<مئوية لبنان الكبير> حيث كان للموارنة الدور البارز في تثبيت المسيحيين في أرضهم، وان خيارهم في الانفتاح أعطاهم حضوراً في محيطهم والعالم. وهذه النقطة ركز عليها باسيل في حواره مع البطريرك مبدياً استعداده للتجاوب والتعاون مع كل ما من شأنه أن يجمع الموارنة والمسيحيين في لبنان على أي خطاب جامع.

ولم يغب <هاجس> ما بات يُعرف بـ<صفقة القرن> عن البحث خصوصاً ان لا إشارة في هذه <الصفقة> الى حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم، ما سوف يحتم تعريض لبنان لضغوط توطين الفلسطينيين على ارضه، ومن هنا صفة <الوجود الكياني> التي اعطيت للمواضيع التي أثارها باسيل مع البطريرك الراعي.

كما ولم تغب خلال اللقاء الاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد، ناهيك بالضغط الخارجي الذي يزداد ويعقد الأزمة أكثر فأكثر ما أدخل البلاد في شبه حصار مالي غير مسبوق.

ومن النقاط التي تناولها البطريرك وباسيل ما يتعلق بوجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري على الأراضي اللبنانية يضاف إليهم نحو نصف مليون فلسطيني موزعين على المخيمات والأماكن السكنية ما يزيد الأزمة الاقتصادية تقعيداً، لاسيما وان لبنان دفع حتى العام 2019 ما يعادل 25 مليار دولار نتيجة تداعيات النزوح السوري، ومن المؤكد ان الاقتصاد اللبناني والمالية اللبنانية في ظل الحصار القائم لن يستطيعا الثبات في ظل هذه الكثافة السكانية، وهنا تتبين خطورة ما يتعرض له لبنان واعتبار ذلك خطراً كيانياً.

وتوقف البطريرك وباسيل عند الهجرة التي تسجل في صفوف المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً حيث تضاعف عدد هؤلاء حتى بلغت نسبته 40 بالمئة بعد هجرة نحو 11 ألف لبناني خلال العام 2019. وكان اتفاق على ضرورة مواجهة هذه المسألة بخطوات عملية سيكون للكنيسة الدور البارز فيها سواء بالنسبة الى تمكين اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً من البقاء في أرضه او إتاحة ما يمكن أن يربط الانسان بأرضه.