تفاصيل الخبر

لقاء عين التينة أكبر من ”مصارحة“ وأقل من ”مصالحة“: ”تنظيم الخلاف“... والاحتكام لبري عند الضرورة!

13/09/2019
لقاء عين التينة أكبر من ”مصارحة“ وأقل من ”مصالحة“:  ”تنظيم الخلاف“... والاحتكام لبري عند الضرورة!

لقاء عين التينة أكبر من ”مصارحة“ وأقل من ”مصالحة“: ”تنظيم الخلاف“... والاحتكام لبري عند الضرورة!

<الهدنة> التي أشارت إليها <الأفكار> في عددها السابق بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي متوقعة تطورها الى لقاء... تحقق بعد يوم من صدور العدد السابق وفق ما جاء في المجلة برعاية <العرّاب> رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نجح في جمع ممثلين عن الحزبين في دارته في عين التينة على أمل أن يتحقق ما يصبو إليه <أبو مصطفى> وهو جمع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ورئيس التقدمي وليد جنبلاط، علماً ان رئيس المجلس يقر انها مهمة دقيقة لكنها ليست مستحيلة في عرفه، وهو <الحرّيف> الذي يعرف كيف يدوّر الزوايا للوصول الى ما يريد.

اللقاء في عين التينة الذي ضم الوزير وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي عن الاشتراكي، ومساعد الأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا عن حزب الله، كان الشاهد عليه، إضافة الى صاحب الدعوة الرئيس بري، مساعده السياسي وزير المال علي حسن خليل، والمسؤول الأمني في <أمل> أحمد بعلبكي الذي وصفه إعلام مجلس النواب بـ<مستشار> الرئيس بري، وهو امتد وقتاً كان كافياً للحديث بصراحة عن الأسباب التي أدت الى التباعد بين الحزبين، وضرورة إعادة المياه الى مجاريها بينهما من دون أن يعني ذلك تبني الاشتراكيين لمواقف حزب الله أو العكس. وحسب مصادر مطلعة، قيل <كل شيء> خلال اللقاء على رغم ان كل طرف اختار تعابيره بـ<عناية> لأن الهدف هو الوصول الى نتائج ايجابية حرص الرئيس بري على التشديد عليها لأن الظروف لم تعد تسمح بـ<ترف> سياسي يتمدد يوماً بعد يوم، فيما البلاد على حافة الهاوية... إذا لم تكن قد سقطت فيها بعد.

من مزارع شبعا... الى معمل فتوش!

من الموقف حول <عدم لبنانية مزارع شبعا> الذي أطلقه جنبلاط ذات يوم وأزعج الحزب وأمينه العام كثيراً، الى ملف معمل فتوش في عين دارة، رحلة طويلة من النقاش الذي لامس حد العتاب <المضبوط> لأن القرار المتخذ من قيادتي حزب الله والتقدمي الاشتراكي كان واضحاً وهو الوصول الى <تفاهم الحد الأدنى> وعدم الخروج من عين التينة والضباب يلف العلاقة بين الحزبين. وإذا كان ملف معمل فتوش وُجد له حل <سوّقه> الرئيس بري مع المجتمعين يضعه في عهدة قرار القضاء الذي ينظر فيه، فإن الشق الاستراتيجي من النقاش أخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة التي حصلت في الضاحية الجنوبية من خلال الطائرتين المسيّرتين، ورد الحزب على قافلة عسكرية اسرائيلية كانت تمر قرب مستعمرة <افيفيم> (أو بلدة صالحية كما هي في الأساس قبل احتلالها)، ما سهّل على <العراب> طرح فكرة <تنظيم الخلاف> الذي يشمل أيضاً النظريتين المتناقضتين حيال الحرب في سوريا التي يقاربها <الحزب> من منظار لا يلتقي مع مقاربة الاشتراكي. والاتفاق الذي حصل بين الطرفين هو العودة الى الرئيس بري عندما تصل الأمور الى نقطة يصعب فيها التوافق، مع التسليم بسلسلة اجراءات سيقوم بها الطرفان للتخفيف من <الاحتقان> بين القاعدتين الشعبيتين لاسيما على تخوم الجبل والضاحية الجنوبية!

وبين <تنظيم الخلاف> و<تثبيت الايجابيات> التي قال عنها الوزير السابق العريضي، وبين <الاتفاق على الحوار لخدمة الاستقرار> حسب ما قال الحاج حسين خليل، بدا واضحاً ان مناخ <المصارحة والمصالحة> الذي انطلق من قصر بعبدا بين جنبلاط والمير طلال ارسلان، انسحب هو أيضاً الى العلاقة بين الاشتراكي وحزب الله، مع التشديد على إعادة الأمور الى <مجاريها>، لاسيما وان <العراب> كان أبلغ ممثلي الحزبين الى انه ليس المطلوب في هذه المرحلة <تنسيق كامل> في المواقف والتوجهات، بل <تفاهم الحد الأدنى> لتمرير الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. لذلك كان التجاوب كاملاً وانتقل مناخ اللقاء من <عبوس> في بدايته الى <ابتسامات> في نهايته وتوصيف بـ<اللقاء الودي>.

تفويض بري!

مطلعون على مسار اللقاء في عين التينة بدوا متفائلين بالنتائج التي تحققت، خصوصاً ما أعلنه الطرفان عن <تفويض> منحاه للرئيس بري لحل المشكلات التي اعترت المرحلة السابقة. وسرّ هذا التفاؤل، وفق ما أورده المطلعون أنفسهم، وجود إرادة مشتركة من قيادة المقاومة بتجنب <المعارك الجانبية> مع أي طرف سياسي داخلي، والانصراف الى معالجة التطورات المتسارعة في المواجهة مع اسرائيل، خصوصاً بعد حادثتي الطائرتين المسيّرتين والعملية التي استهدفت قافلة عسكرية قرب مستعمرة <أفيفيم>، ولاسيما بعد تصاعد التهديدات الاسرائيلية التي وصلت مباشرة الى الدولة اللبنانية والى قيادة حزب الله من مرجعيات دولية وأممية، وبالتالي فإن قيادة المقاومة راغبة في إعادة الاستقرار الى علاقاتها مع الأطراف اللبنانيين كافة سواء من خلال التفاهمات المباشرة أو عبر <وسطاء حياديين> يمنعون صب الزيت على النار. وفي تقدير هذه القيادة ان <الاختبار> الأول لـ<الانفتاح> على الجميع الذي مارسه حزب الله، كان من خلال ردود الفعل <المعقولة> التي حصلت بعد عملية <افيفيم> والتي لم تكن حادة عند <المعترضين الدائمين> خلافاً لما كان يحصل في السابق.

من جهته، يريد جنبلاط، كما تقول مصادر اشتراكية مطلعة <صفر مشاكل> مع الأطراف السياسيين، بعدما تبين ان مثل هذه <المشاكل> تزيد الأمور تعقيداً ولا تحقق أي مكسب للحزب الاشتراكي ولقاعدته التي شعرت بعد حادثة قبرشمون والخلاف مع حزب الله انها باتت <مستفردة> و<متقوقعة> في مناطقها، خلافاً لتمددها السياسي الذي سبق التطورات الأخيرة، والذي يريد جنبلاط أن يستعيده. لذلك كان <اللقاء السريع> مع قيادة حزب الله بعد لقائي بعبدا وبيت الدين، و<رحلة> نجله تيمور الى اللقلوق وما نتج عنها من تطور ايجابي في العلاقات بين <التيار الوطني الحر> والحزب التقدمي الاشتراكي.

وفيما ترى مصادر سياسية ان جنبلاط خرج من حالة <الحصار> التي مرّ بها بعد حادثة قبرشمون، تعتبر المصادر الاشتراكية ان لا أحد يستطيع <محاصرة> جنبلاط الذي يعرف كيف <يدوزن> مواقفه ويحدد المسافات بينه وبين المكونات السياسية الأخرى في لبنان، فيقترب منها ساعة يرى ذلك مفيداً ومنسجماً ومتآلفاً مع مصلحته الحزبية والشخصية، ويبتعد عندما يجد ان الظرف أو الحدث يفرضان هذا البعد. وتوقعت المصادر السياسية ان يكون خطاب جنبلاط بعد لقاءات بعبدا وبيت الدين وعين التينة هادئاً في المرحلة المقبلة حيث سوف تكثر <النصائح> وتوجهات <النقد البناء> التي سيوجهها جنبلاط الى كبار المسؤولين من دون استفزازهم أو <التمريك> عليهم كما كان يفعل من حين الى آخر. والذين اطلعوا على مداخلة <أبي تيمور> في الاجتماع السياسي ــ الاقتصادي الذي عقد في بعبدا، شعروا بوضوح بهذا التبدل في مقاربة جنبلاط للمواضيع الخلافية المطروحة راهناً، سواء من خلال أسلوبه أو من خلال ما تضمنته مداخلته من معطيات عبّر عنها بهدوء وتروٍ.

وفي تقدير المصادر نفسها ان جنبلاط يقرأ جيداً ما يجري من أحداث في المنطقة ويحلل المستجدات الاقليمية ويدرك المنطق الواقعي للدول الكبرى التي تعلن حروباً على إيران من جهة وتفتح الباب أمام التفاوض معها في الوقت نفسه، وبالتالي فإن جنبلاط سوف يُقدم على سلسلة مبادرات تأخذ في الاعتبار التطورات الاقليمية ومدى انعكاسها على الساحة اللبنانية من دون أن يلجأ الى تعديل واسع في تموضعه السياسي، لكن بالتأكيد سيحصل تغيير في أدائه ومواقفه وعلاقاته مع الأطراف السياسيين عموماً والذين هم في مواقع المسؤولية خصوصاً.