تفاصيل الخبر

لهذه الأسباب توقفت مفاوضات الترسيم فهل يكون التحكيم الدولي هو البديل؟

09/12/2020
لهذه الأسباب توقفت مفاوضات الترسيم فهل يكون التحكيم الدولي هو البديل؟

لهذه الأسباب توقفت مفاوضات الترسيم فهل يكون التحكيم الدولي هو البديل؟

  [caption id="attachment_83731" align="alignleft" width="367"] الرئيس ميشال عون يستقبل الوسيط الأميركي السفير" جون دوروشيه".[/caption]

 لم تستمر طويلاً المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بوساطة أميركية واستضافة اممية، فالاجتماع الذي كان مقرراً يوم الأربعاء في 2 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أرجأه الجانب الأميركي الوسيط واستبدله بمشاورات ثنائية اجراها رئيس الوفد الأميركي الوسيط السفير جون دوروشيه في بيروت وتل ابيب على امل الوصول الى صيغة تعيد تحريك المفاوضات قبل بدء عطلة عيدي الميلاد والسنة الجديدة التي "تستقذف" أي اجتماع مرتقب الى ما بعد بداية 2021. القرار الأميركي بتأجيل المفاوضات حتى اشعار آخر اتخذه السفير دوروشيه بعدما وصل النقاش بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي الى طريق مسدود اذ تمسك كل وفد بطرحه بالنسبة الى الترسيم، بعدما قدم لبنان خطاً للترسيم اعتبره الإسرائيليون غير مقبول من قبلهم ورفعوا منسوب الرفض ونقلوه الى العلن بعدما كانت المفاوضات تجري بعيداً عن الإعلام وتوافق الطرفان مع الجانب الأميركي على ذلك.

ماذا الذي حصل في الجولة التي شهدت "عناداً" من الجانبين اللبناني والإسرائيلي؟

منذ أولى جولات التفاوض الجدي في 28 تشرين الأول ( أكتوبر) طرح لبنان على نحو فاجأ الوفد الإسرائيلي خط ترسيم رابعاً غير مدرج في الخطوط الثلاثة التي بدا انها ستكون وحدها بنود التفاوض مع ان المفاوضات غير المباشرة هي الأولى بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما، الا ان البنود المطروحة للتفاوض ترجحت ما بين النقطة (أ) والنقطة (23) مروراً بخط هوف الذي فصل ما بين النقطتين بخط وسطي. للمفارقة انه لم يطلقه من نقطة برية بل من مسافة 3 كليومترات بعيدة من البر داخل البحر. محاولاً إرضاء لبنان بــ "60" ( 500 كلم) في مقابل (40%) لــ "إسرائيل" ( 360 كلم).

مع ان ظاهر التفاوض غير المباشر عسكري تقني بحت، هو المهمة التي يتولاها الفريق اللبناني برئاسة العميد بسام ياسين، بيد ان ثمة تفاوضاً موازياً غير مباشر يتولاه الاميركيون مع المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً مع رئيس الجمهورية، مؤاده انه من المتعذر على الوسيط الأميركي الدفاع عن الخط الرابع (الذي رسمه العقيد البحري مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي) كما من غير المتوقع، لإسرائيل القبول باستمرار التفاوض ما دام على طاولة المناقشات، مما حمل الاميركيون على طلب تأجيل الجولة الخامسة، بيد ان الإسرائيليين ذ- تبعاً للمعطيات المتوافرة لدى القيادة العسكرية - هم الذين رفضوا الذهاب اليها قبل سحب هذا البند.

ما يبدو واضحاً لدى القيادة العسكرية خط النقطة (أ) المرسوم عام 2007 وكان مدار تفاوض بين لبنان وقبرص باتت "إسرائيل" تتذرع به وتعده خطها البحري المقبول، لكنه اصبح بالنسبة الى لبنان من الماضي لأنه معتبر لبنانياً بأنه خط وهمي على الخريطة لا اكثر ولا اقل وليس مدار تفاوض، والتعليمات أعطيت الى الوفد اللبناني بعدم البحث بالخط المقترح إسرائيلياً.

خط "هوف"... المرجع

لقد بدا واضحاً ان الجانب الأميركي يرغب بأن يكون الاتفاق على خط "هوف" كحل وسط بين الخط الإسرائيلي غير المقبول لبنانياً، والخط الثاني غير المقبول إسرائيلياً، لاسيما وان هذا الخط كان لقي دعماً من الموفدين الاميركيين ديفيد ساترفيلد وديفيد شنكر، كما ان السفير ديفيد هيل كان شجع لبنان على اعتماد هذا الخيار. لكن الجانب الأميركي في مفاوضات الناقورة ذهب ابعد من الخط 23 الى الخط الرابع علماً ان الخط 23 يحرم لبنان جزءاً قليلاً من حقوقه الطبيعية في المياه الإقليمية، بينما الثاني يعطيه اكثر بقليل من حقوقه لذلك وضع الخط الرابع المنطلق من رأس الناقورة على طاولة المفاوضات غير المباشرة انطلاقاً من القول الشائع "اطلب المستحيل لتنال الممكن"... ذلك ان في حسابات لبنان ان النقطة 1 تفقده 863 كيلومتراً مربعاً تعيدها اليه النقطة 23، بينما الخط الرابع المسمى "خط بصبوص" يضيف الى حصة لبنان المساحة المهدورة تلك زائداً 1430 كليومتراً فضلاً عن انه لا يأخذ في الاحتساب صخرة "تيخيليت" التي تصفها إسرائيل بأنها "جزيرة" ذلك ما ينطبق أيضاً على رفض إسرائيل النقطة 23 التي تقتطع من حقل "كاريس" مساحة معينة.

وتقول مصادر عسكرية ان الخط الذي قدمه الوفد اللبناني المفاوض استند الى المادة 121 من الجزء التاسع من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار العام 1982 والتي تنص على الاتي: "ليس للصخور التي لا تهيء استمراراً للسكن البشري او استمراراً لحياة اقتصادية خاصة بها، منطقة اقتصادية خالصة". من هنا يرفض لبنان اعتبار "تخيليت" القائمة في البحر "جزيرة" لأنها غير مأهولة وغير قابلة لذلك، فهي "صخرة" ليس اكثر. الا ان هذه الصخرة التي تحاول إسرائيل ان تحسب لها ... اقتصادية خالصة، تؤدي عملياً الى خسارة لبنان حوالي 1400 كيلومتر مربع علماً انها ليست بالمفهوم القانوني صخرة قابلة للسكن ومقاييسها متعرجة لأن اقصى طول لها حوالي 50 متراً، واقصى عرض لها هو حوالي 9 امتار، أي ان مساحتها بحجم شقة سكنية، فكيف يطلب من لبنان ان يرضى بخسارة 1400 كلم2 مليئة بالنفط والغاز بسببها؟

مفاوضات دوروشيه.... والتحكيم الدولي

على وقع هذه المعطيات جاء السفير دوروشيه الى لبنان قاصداً البحث عن حل وسط يكفل عودة المفاوضات غير المباشرة بهدف الوصول الى نتيجة. في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين كان دوروشيه صريحاً للغاية اذ اعتبر ان تمسك لبنان بموقفه سوف يطيح بالمفاوضات وهذا أمر لا تريده الإدارة الأميركية التي ترغب في الوصول الى اتفاق لاسيما وان الجانبين اللبناني والإسرائيلي يرغبان بالوصول الى هذا الاتفاق لأنه لمصلحتهما لجهة "تحرير" المناطق البحرية من أي خطر وبدء التنقيب عن النفط والغاز في الحقول الجنوبية الحدودية. لكن دوروشيه قال ان الطرح اللبناني الرابع فاجأه كما فاجأ الإسرائيليين ولم يكن معروفاً من قبل علماً ان الخبراء القانونيين الاميركيين - حسب دوروشيه - لا يجدون الخط الجديد الذي طرحه لبنان "مقنعاً" او قابلاً للدفاع عنه وهو إضافة الى ذلك غير قابل للتطبيق، والجانب الإسرائيلي اعلن عدم قبوله التفاوض على هذا الخط. اكثر من ذلك قال دوروشيه انه يصعب عليه كوسيط ان تكون المفاوضات مثمرة اذا كانت خارج الخطوط التي كان ابلغها لبنان وإسرائيل الى الأمم المتحدة (علماً ان الخط الذي كان ابلغ الى إسرائيل من قبل لبنان لم يعد مقبولاً بالنسبة الى لبنان حالياً).

من هنا، أضاف دوروشيه - المفاوضات في طريق مسدود لأن الجانب الإسرائيلي يصر على انه لن يخوض أي مفاوضات جديدة على أساس الخط اللبناني الجديد، وكذلك يتمسك الجانب اللبناني بخطه ما يجعل المفاوضات في خطر... لذلك لا بد من التشاور الثنائي بين الوسيط وكل ذلك من لبنان وإسرائيل للوصول الى حل يطلق المفاوضات من جديد، ومن غير المفيد الدخول في مفاوضات اذا استمرت "الإقامة" في الطريق المسدود!.

أدرك "دوروشيه" من خلال خبرته الديبلوماسية ان الجانب اللبناني ليس في وارد التخلي عن خطه فحاول القول إن ترسيم الحدود المائية يختلف عن ترسيم الحدود البرية، في الأول هناك "مرونة" ليست متوافرة في الثانية لأن البر ليس مثل البحر، والترسيم البحري اسهل من البري اذا حصلت "توافقات" بين الجانبين على المساحات المائية، في حين ان الترسيم البري محصور بأرض ثابتة وحدود معلومة. وسمع "دوروشيه" من الرئيس عون اقتراحاً باللجوء الى التحكيم الدولي لأن ما من فريق يستطيع التنازل عما يعتبره حقاً له ولشعبه. الا ان فكرة التحكيم لم ترق كثيراً للموفد الأميركي الذي قال ان هذا الخيار له تداعياته، لأن التحكيم صعب ويأخذ وقتاً طويلاً ما يجعل من مصلحة الطرفين التوصل الى حل لهذه المسألة العالقة من خلال خيار المفاوضات لأن المصلحة الوطنية لكل من لبنان وإسرائيل تفرض ذلك، علماً أيضاً ان كل من لبنان وإسرائيل يرغبان في استمرار المفاوضات ولا يريدان لها ان تتوقف. وتحدث دوروشيه عن "تنازلات" و"تسويات" يمكن ان تقدم للدفع بالمفاوضات قدماً واعتماد الخطوط الأساسية المقدمة من الطرفين الى الأمم المتحدة، اما المناطق المتنازع عليها فيمكن استمرار البحث فيها في ما بعد... وأعاد "دوروشيه" نصيحته باعتماد الخط 23 الذي قال عنه انه "خط صحيح" استناداً الى المعطيات الجغرافية والقانونية والسوابق الدولية.

وكرر الوسيط الأميركي "مخاوفه" من خيار التحكيم الدولي معتبراً ان هذه العملية سوف تستغرق وقتاً طويلاً وخلال ذلك سيكون كل شيء مجمداً وسيكون من الصعب على لبنان استثمار الموارد الطبيعية في البحر، وكذلك إسرائيل أيضاً، علماً ان القبول بالمفاوضات هو لتفادي اللجوء الى التحكيم الذي غالباً ما تكون نتائجه غير مؤكدة وتستغرق وقتاً. وفي هذه الحالة لا دور للوسيط كما هو دوره في المفاوضات.

وقبل ان يغادر دوروشيه لبنان حرص على إيصال رسالة الى المسؤولين اللبنانيين من نقطتين، الأولى ان المفاوضات حالياً في طريق مسدود جداً، والثانية ان الجانبين يريدان مواصلة المحادثات من اجل الوصول الى حل تفاوضي... فلنشجع - قال دوروشيه - على المضي في المشاورات وتخطي هذا الطريق المسدود.

في أي حال، يبدو جلياً مما تقدم أن مصير المفاوضات رهن خيارين اما القبول بالتراجع عن الخط الرابع كما تريد إسرائيل، او اللجوء الى التحكيم الدولي الذي ترفضه إسرائيل ولا تنصح به الولايات المتحدة الأميركية، فأي من الخيارين سيعتمده لبنان؟