تفاصيل الخبر

لهذه الأسباب أُعلنت التعبئة العامة في البلاد ولم تفرض حالة الطوارئ واجراءاتها...!

26/03/2020
لهذه الأسباب أُعلنت التعبئة العامة في البلاد  ولم تفرض حالة الطوارئ واجراءاتها...!

لهذه الأسباب أُعلنت التعبئة العامة في البلاد ولم تفرض حالة الطوارئ واجراءاتها...!

[caption id="attachment_76287" align="aligncenter" width="600"] مجلس الوزراء برئاسة الرئيس ميشال عون يعلن التعبئة العامة[/caption]

لم يكن من السهل اقناع اللبنانيين بأن اعلان التعبئة العامة في البلاد لمواجهة انتشار وباء "الكورونا" أفضل من اعلان حالة الطوارئ، لا بل أكثر من واقعية، لأن مواجهة الوباء الذي أرعب اللبنانيين والعالم لا تحتاج الى اجراءات عسكرية تنص عليها حالة الطوارئ، بل الى اجراءات يلتزم بها المواطنون والمقيمون حفاظاً على سلامتهم ومنعاً لتسهيل تمدد "الكورونا" في البلاد. ومع ذلك، فقد أخذ اعلان التعبئة العامة حيزاً واسعاً من النقاش قبل جلسة مجلس الوزراء واجتماع المجلس الأعلى للدفاع حتى وصل المعنيون الى القرار الأنسب. ساعات من النقاش وطرح الاحتمالات والفرضيات بين قصر بعبدا والسراي الكبير أفضت الى ان الحل الأنسب هو اعلان التعبئة العامة. للمرة الأولى في تاريخ لبنان تم اختيار هذا الاجراء، في حين ان اعلان حالة الطوارئ حصل مراراً في السابق لأسباب مختلفة يرتبط معظمها بالوضع الأمني، في حين ان ظهور وباء "الكورونا" يحتاج الى معالجة مختلفة.

بداية النقاش كانت اعلان حالة الطوارئ، ثم استعيض عنه بحالة "الطوارئ الصحية" غير الموجودة أصلاً في القوانين اللبنانية لأن صفة الطوارئ ارتبطت دائماً بالأوضاع الأمنية. وقد أصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على فكرة "الطوارئ الصحية" التي أفرزتها تطورات وباء "الكورونا" والخوف من انتقاله من مكان الى آخر. وتقول مصادر معنية ان اتخاذ قرار اعلان التعبئة العامة جاء بعدما تبين من النقاش الذي دار في مجلس الدفاع الأعلى ومن ثم في مجلس الوزراء، انه لا تتوافر في انتشار وباء "كورونا" الشروط الموجبة لاعلان حالة الطوارئ المنصوص عنها في المرسوم الاشتراعي الرقم 52 الصادر في 5 آب (أغسطس) 1967. ففي المادة الأولى من هذا المرسوم الاشتراعي يتخذ اجراء الطوارئ عند تعرض البلاد الى خطر داهم ناتج تحديداً عن "حرب خارجية" أو "ثورة مسلحة" أو "أعمال اضطرابات تهدد النظام العام والأمن"، أو عندما تقع أحداث "تأخذ طابع الكارثة". وفي هذه الحالة تُخضع البلاد وسلطاتها المدنية كلها الى السلطة العسكرية العليا التي تتولى المحافظة على الأمن، فتصبح عندئذ خاضعة للقوانين المعمول بها في الجيش في ما يتعلق بأنظمة الانضباط.

لا داع لاعلان الطوارئ!

[caption id="attachment_76286" align="aligncenter" width="587"] الوزير السابق المحامي ناجي البستاني عند الرئيس ميشال عون[/caption]

لم يظهر النقاش الذي دار في الاجتماعين ان الوضع الذي تمر به البلاد يفرض اعلان حالة الطوارئ لأن التهديد الذي يواجه البلاد من جراء "الكورونا" لا يعالج بقدرات الجيش ولا بالصلاحيات الاستثنائية المنوطة به في حالة الطوارئ التي تفترض "منع الاعتداء الخارجي أو مواجهة عدو داخلي" ما يضع الامرة المطلقة بين يدي الجيش. بل ان مواجهة الوباء تتطلب تضافر المجتمع بكل مؤسساته الرسمية للدولة وأجهزتها والمواطنين خصوصاً الذين يتحملون مسؤولية منع تفشي الوباء، أي ان المسؤولية هنا ملقاة على عاتق المواطنين وليس على ادارات الدولة وحدها. فضلاً عن ان حالة الطوارئ تفرض تدابير قاسية يناط أمر اتخاذها بالمؤسسة العسكرية مثل منع التجول ومصادرة المعدات والتجهيزات الضرورية ناهيك عن منع الاجتماعات والنشرات وفرض رقابة على وسائل الإعلام الخ... ما يمكن أن يعني بأن الجيش يواجه "ثورة شعبية" أو حرباً خارجية، فيما المشكلة الراهنة تفرض الوقاية والتنبه. وبرز من يقول إن مهمة الجيش ليست الحلول مكان السلطات السياسية والادارات المعنية التي ربما قصّرت في منع توسع انتشار الوباء أو تعثرت في اتخاذ تدابير استباقية لتفادي تفشيه...

"فتوى البستاني"!

ويروي أحد الوزراء ان الفتوى التي قدمها المستشار القانوني لوزارة الدفاع الوزير السابق المحامي ناجي البستاني حسمت الجدل إذ استند الى المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي الرقم 102 تاريخ 16 أيلول (سبتمبر) 1983 وتعديلاته (قانون الدفاع) التي تشير الى اعلانين يمكن اتخاذهما في حال "تعرض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر، أحدهما هو "حالة التأهب الكلي أو الجزئي"، والثاني "حالة التعبئة العامة أو الجزئية لتنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة". وفيما تذكر المادة الثانية الخطر الذي قد يتعرض له السكان ويبرر ادراج احتمالات شتى من بينها أخطار عسكرية أو بيئية أو أمنية أو صحية، فإن التعبئة العامة تصبح الاجراء المطلوب الذي يحتم على المواطنين تحمل مسؤولية المشاركة في مواجهة هذا الخطر. من هنا استقر الرأي على اعلان التعبئة العامة ومنها دعوة اللبنانيين الى عدم التجمع والاختلاط واتخاذ الحيطة والحذر تفادياً لتمدد الوباء. وهذا "المخرج" الذي اقترحه الوزير السابق البستاني وتبناه مجلس الوزراء تلعب فيه الأسلاك العسكرية دوراً مماثلاً لما تقوم به في الحالات العادية تحت مرجعية السلطات المدنية وما يحدده مجلس الوزراء من مهام تناط بالسلطات والادارات العامة والبلديات واتحاداتها والأجهزة العسكرية والأمنية، وذلك من خلال تدابير تُكلف بها هذه الهيئات مجتمعة. ومن خلال قرار اعلان التعبئة العامة ألزم المواطنون بالبقاء في منازلهم وعدم التجول إلا عند الضرورة القصوى لمنع انتشار الوباء وذلك لمدة أسبوعين. إلا انه عندما تبين ان المواطنين لم يتقيدوا بالبقاء في منازلهم بل استمر القسم الأكبر منهم في التصرف وكأن شيئاً لم يحصل في البلاد، كان لا بد من الاستعانة بالقوى العسكرية والأمنية لإلزام المواطنين التزام الحيطة والحذر وعدم الخروج من المنازل، خصوصاً بعدما اتضح ان عدد الاصابات ارتفع خلال 48 ساعة الى 41 إصابة دفعة واحدة نتجت عن الاختلاط وعدم تطبيق قواعد الحذر والبقاء في المنازل.

الاجراءات مستمرة الى ما بعد آذار!

ويضيف الوزير نفسه ان النقاش في مجلس الوزراء لم يأخذ وقتاً للاتفاق على اعلان التعبئة العامة وليس حالة الطوارئ، لاسيما وان أي مخالفة لأحكام القرار تعرض مرتكبها لعقوبات نصت عليها المادتان 604 و770 من قانون العقوبات وإن لم يعلن مجلس الوزراء  عن هاتين المادتين تفادياً للقلق في النفوس، إلا انه كانت ثمة ارادة بتطبيقهما حيال أي مخالفة للاجراءات التي قد تستمر الى ما بعد نهاية شهر آذار (مارس) الجاري لأن كل المعطيات تدل على ان الوباء لن ينحسر بل هو يزداد انتشاراً نتيجة عدم التزام الناس بعدم الاختلاط والاستمرار في التنقل بين المناطق اللبنانية ما ولّد قلقاً عند المسؤولين. وما يزيد من احتمال تمديد العمل بالتعبئة العامة ان لا تأثير للاجراءات المتخذة منها على القوانين والأنظمة المرعية الاجراء التي تبقى سارية المفعول وهي تطال آلية تنفيذ القرارات حيث يقوم الجيش والقوى الأمنية الأخرى بتنفيذ الخطة الموضوعة مستعيناً بجميع العناصر، وحتى انه بامكانه استدعاء الاحتياط إذا لزم الأمر، في حين ان في حالة الطوارئ تُعلق بعض القوانين وتوضع تدابير استثنائية. ويمكن في حالة التعبئة العامة، فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها، وعلى المواد الأولية والانتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها، وتنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات، ومصادرة الأشخاص والأموال، وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين. وفي هذه الحالة تراعى الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة باعلان حالة الطوارئ.