تفاصيل الخبر

لبنان يُطلق «المتحف الافتراضي للفن الحديث»!  

12/02/2016
لبنان يُطلق «المتحف الافتراضي للفن الحديث»!   

لبنان يُطلق «المتحف الافتراضي للفن الحديث»!  

بقلم عبير انطون

جبران-خليل-جبران1  

بجهد جبار، وفي شراكة نموذجية ما بين القطاعين العام والخاص تم تأسيس “المتحف الافتراضي اللبناني للفن الحديث بمبادرة من وزارة الثقافة اللبنانية وجامعة <الالبا - الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة>. فكيف اتُخذت المبادرة الرائدة؟ ماذا يضم المتحف الذي نسبر أغوار كنوزه وموجوداته بنقرة زر على موقع <www.artmodernemv.gov.lb>؟ ومن هم الفنانون المعروضة اعمالهم فيه؟

في هذا التحقيق لـ<الافكار> جولة من قلب المتحف من جبران خليل جبران الى الرسامين المعاصرين.

هي ثورة التكنولوجيا بشقها الإيجابي، العولمة البناءة التي تشيّد جسور التواصل والحوار بين الحضارات من خلال التبادل الفني والثقافي بين مختلف الشعوب.

 المتاحف الافتراضية <Virtual museums>، ويُحكى ان اولها كان في <الغابون> باتت تحتل مساحة مهمة اليوم على شاشات حواسيبنا وهواتفنا الذكية، وتجعلنا نسافر في غضون لحظات الى عصور سالفة وحقبات تاريخية وفنون بنت الحضارة الانسانية قبل ان تعود لتتقهقر. ربما حاجتنا اليها اليوم هي أكثر من اي وقت مضى، اذ من الجيد انه لا يمكن هدمها طالما انها افتراضية فلا تُفجّر او تُهدم او تُدك كما يجري للأسف في مواقع سياحية وتاريخية هي ملك للانسانية جمعاء. هذه المتاحف، قد تكون موجودة فعليا ويتم التعريف بمقتنياتها، واما تكون افتراضية، ويتم انشاؤها على شبكة <الانترنت> بهدف التعريف باعمال وموجودات تساهم في تنشيط الفن والسياحة والآثار وتفيد ايضاً في مجال التعليم والابحاث.

 فكرة رائدة..

في فكرة هي الاولى من نوعها في لبنان، وفي اول متحف لترويج التراث الفني اللبناني، اراد وزير الثقافة روني عريجي، المعتز بإنجازه والأعزّ على قلبه في وزارة محدودة الامكانيات المادية وتفتقر الى الجهاز البشري المطلوب، ان يجعل اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، فضلاً عن مهتمين من حول العالم اجمع، يتشاركون في الاطلاع والغرف من مناهل الينابيع الفنية والحضارية اللبنانية من خلال المقتنيات القيمة الموجودة في خزائن وزارة الثقافة. ويقول الوزير عريجي في هذا الصدد إن تنفيذ هذا العمل دفع وزارة الثقافة إلى إجراء جردة دقيقة ومعمّقة لممتلكاتها الفنية للوقوف على حالتها، وبالتالي اصبح لدى الوزارة اليوم سجل مفصل من شأنه حماية هذه الثروة الوطنية، وقد تم إدخال هذه الجردة إلى برنامج معلوماتي حديث قدمته هبة شركة <DATAFLOW>، واكد ان هذه الجردة أدت إلى اطلاق مشروع جديد لإعادة تأهيل هذه الثروة الوطنية.

 ولا ينثني وزير الثقافة يؤكد ان المتحف الافتراضي، جسر الماضي الى الحاضر والمستقبل، هو <بادرة رائدة في لبنان، تعتز وزارة الثقافة بإطلاقها، لنشرِ ثقافة اللون والخط والحجم وتعبيرات القماشة، فالفنون عامة، شكل من وجوه المقاومة الثقافية التي عبرها، ننبذ الأحقاد والتحجر والسلفيات المدمرة في هذا الزمن الصعب، ارتقاء نحو إنسانية المجتمع>. من هنا يسمح المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث للناس بالتعرف على الفن التشكيلي اللبناني باكثر من لغة، ويضم مجموعة قيمة من أعمال رسامين ونحاتين لبنانيين معاصرين تمتلكها وزارة الثقافة، وعددها نحو 2000 قطعة (لوحات ومنحوتات) موجودة حالياً في القصر الجمهوري والسرايا الحكومية ومجلس النواب وفي مستودعات وزارة الثقافة، وقد جاء اختيار الصيغة الافتراضية من قبل وزارة الثقافة و<جامعة الالبا> روني-عريجي1لعدم توافر الإمكانات المادية حاليا لإنشاء متحف وطني تقليدي.

 ويؤكد عريجي:

 - يدخل ضمن أبرز أهداف هذا المتحف الافتراضي، تعريف العالم والجاليات اللبنانية المنتشرة في مهاجر الأرض، بالفن التشكيلي في وطنهم الأم، وفي ذلك توطيد لأواصر الانتماء للجذور عبر الثقافة، مع التنويه بابداعات فنانينا اللبنانيين الذين تجاوزوا حدود لبنان الى آفاق العالمية ودخلت أعمالهم متاحف العواصم الكبرى.. هو باختصار <ذاكرة توثيق للفنِ اللبناني، في مراحل اختمارِه، ويبرز تفاعل الفنانين اللبنانيين، مع تجارب الفن العربي الاوروبي والعالمي عامة، وقد افرد حيزاً لاعمال الفنانين الواعدين، ايماناً بدور الطاقات الشابة في تجديد المسيرةِ الفنية، مع تخصيص زاوية للمقتنيات الفنية الخاصة بالافراد الراغبين بعرض كنوزِهم من رسمٍ ونحت، كفعلِ شراكة بين المواطن والدولة في تحسسِ المسؤولية للخير العام>.

أسماء عالمية..

 الجولة الافتراضية تبدأ من العام 1900 الى يومنا هذا مع اسماء صنعت حقبة من مجد لبنان وتاريخه. جبران خليل جبران الذي ترك للعالم ارثاً كتابياً وفلسفياً ضخماً، ترك ايضاً لوحات ومنحوتات عكست جليّاً نظرته العميقة للحياة وبصيرته المنفتحة على الماورائيّات، هو الذي أنجز خمسمئة وستاً وعشرين لوحة ورسماً أوصى بها مع أغراضه الشّخصية ومكتبته الخاصّة لـ<ماري هاسكل> في تحيّة وفاء لما قدّمته له.. الى مصطفى فروخ، الطفل الذي وُلد عام 1901 في بيئة متواضعة في حي البسطة التحتا في بيروت، ضمن منظومة اجتماعية تُحرّم التصوير، انتظر حتى بلوغه العاشرة كي يرى أول لوحة في حياته ليلتحق بالأكاديمية الملكية للفنون في إيطاليا حيث انكبّ على دراسة التشريحات، وعلم المنظور، ونظريات اللون والضوء، وهام في متاحف عاصمة الإمبراطوريّة القديمة، وفي قصورها وكنائسها، ما دفعه إلى رفض التيارات الفنّية الحديثة، واصفاً <بيكاسو> و<دوفي> و<ماتيس> بـ«دجّالي الفن الذين مسخوا الفن والأخلاق وكدّروا صفاء الفن الجميل بأساليبهم الوحشية ليتاجروا به وليفسدوا أذواق الناس> وفروخ، الذي شكلت القرية اللبنانية احد مواضيع لوحاته الاساسية، اشتهر ايضاً بفن <البورتريه> ودراسة الفن العربي- الاسلامي في الاندلس وبشكل خاص النهضة العربية حيث ما زال مؤرّخو الفنّ الأندلسي والإسلامي يتبعون حتى اليوم منهجيته في تقسيم مراحل تطوّر الحضارة الأندلسية.

 الى فروخ يأخذنا المتحف الافتراضي في <المجموعة الدائمة> الى الرسام صليبا الدويهي المولود في اهدن والذي كان ينسخ الصور عن كتبه الدراسيّة، كدليل مبكر على موهبته، فحمّله البطريرك الحويك رسالة توصية به إلى الفنان حبيب سرور الذي اختبره، فأُعجب به، وبدأ تدريسه أصول الرسم حصل بعدها على منحة رسمية للدراسة في فرنسا، ومن بعدها الى ايطاليا، ليُستدعى بعد ذلك من قبل بطريرك الموارنة آنذاك، مار انطونيوس عريضة (1932-1955) لتصوير سقف كنيسة الديمان التي كانت تُشيّد آنذاك، فنفذها خلال أربع سنوات، وكان عمله مزيجاً من الانطباعية والكلاسيكية اذ كان مشبعاً بأعمال كبار الفنانين الكلاسيكيين مثل <مايكل أنج ودافنتشي>، وجاءت جميع رسوماته وفق الأصول الكلاسيكية المعروفة مع فارق تجديدي وحيد، إذ استعمل نماذج من الوجوه القرويّة اللبنانية، ومن الناس العاديين والبسطاء عوضاً عن النماذج الكلاسيكية الإيطالية، هذا الرسام الذي نزل الى بيروت حيث فتح محترفاً في شارع محمد الحوت، أقام في العام 1945 معرضاً فردياً في فندق <السان جورج> <Hôtel St. Georges> وكان موضوعه القرية والوديان، وبيعت لوحاته جميعها، وقد افتتح المعرض آنذاك رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري الذي كان أول رئيس جمهورية لبناني يفتتح معرضاً فنيّاً.

مصطفى-فروخ1

وللمواهب الجديدة نافذة ايضاً..

 ذكر هذه الاسماء ليس سوى غيض من فيض ما يطالعنا به <المتحف الوطني الافتراضي للفنّ التشكيلي الحديث المخصص للفنون الجميلة> والذي لا يلبث يفتح الباب على اي تطور لاستيعابِ الاعمالِ القديمة والنتاجاتِ الجديدة على حد سواء، لأنه منصّةُ الفعلِ الثقافي الفني والذاكرة المستدامة.

 والى الجولة الافتراضية، يشتمل المتحف على معارض دائمة، مساحة عرض بصرية في الأساس (صفحات إلكترونية مفتوحة مع دعم صوتي)، مساحة عرض للتحرير (مالتي ميديا)، لمحة عن كل عمل فنَي، نبذة عن تاريخ القطعة الفنية، إضافة إلى السير الذاتية للفنانين والمقابلات والأسرار الفنية ومسيرة الرسامين والحكايات الطريفة والقصص النادرة، المعارض المتخصصة (حسب الموضوع)، مساحة عرض حسب الموضوع أو الفنان (صفحة الرسامين الإلكترونية)، اللغات الأربع المستخدمة هي: العربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية، مع فتح نافذة للمواهب الشابة. وللمتحف ايضاً <جمعية أصدقاء المتحف الوطني الإفتراضي للفن الحديث> التي تهـــــدف إلى الإسهام بتنميته ونشر مقتنياته في لبنان والعالم.