تفاصيل الخبر

لبنان يرزح تحت ازمة معيشية غير مسبوقة...

24/01/2020
لبنان يرزح تحت ازمة معيشية غير مسبوقة...

لبنان يرزح تحت ازمة معيشية غير مسبوقة...

 

بقلم طوني بشارة

الدكتور فؤاد زمكحل: كيف يمكن الثقة بسلطة صرفت أكثر من مدخولها لسنين عديدة وتعمد إلى التسول من المجتمع الدولي؟

لا يخفى على أحد بأن الأوضاع المعيشية في لبنان باتت مزرية للغاية، من سياسة طرد تعسفي إلى سياسة طرد موظفين بالجملة وصولاً إلى إعتماد استراتيجية نصف دوام ونصف معاش، بالتوازي مع إرتفاع لا مثيل له بأسعار السلع الاستهلاكية.

يقابل ذلك تراشق إتهامات بين أركان السلطة وتلكؤ لا بل تمييع للحلول مع تفضيل للمصالح الذاتية على المصلحة الوطنية.

زمكحل وأزمة الثقة!

فما أسباب هذه الازمة وهل من حل قريب لها؟ تساؤلات عديدة للإجابة عنها قابلت <الأفكار> رئيس <تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم> الدكتور فؤاد زمكحل الذي أفادنا قائلا:

- إننا نعيش اليوم «تسونامي» مخيفاً وعنيفاً مجسداً بأزمة إقتصادية، إجتماعية، نقدية ومالية لم يشهدها لبنان قبلاً. علماً ان الأجواء المحيطة غير إيجابية للغاية، كما أنه لا توجد سيولة عند أصحاب الشركات ولا عند الموظفين ولا عند الموردين ولا عند الزبائن، فالحلقة الإقتصادية باتت غير مكتملة وجامدة من كل النواحي، وكل حلقة منها على حافة الهاوية. من جهة أخرى، لا توجد سيولة بالعملات الأجنبية عند أحد، وحتى لو وُجدت فبكميات ضئيلة ومن المستحيل تصديرها من أجل تأمين أدنى الحاجات المستوردة.

ــ الازمة واقعة لا محالة والبعض ينذر بأن الوضع سيكون مأساوياً بعد فترة وجيزة، فما تعليقك على ذلك وهل من بصيص امل في مكان ما؟

- ليس علينا أن نكون متفائلين أو متشائمين لكن واقعيين، اذ أنه في القريب العاجل سيتعرض البلد إلى نقص حاد في كل المواد المستوردة وسيكون هذا النقص كارثياً للقطاعات الصحية، الإستشفائية، الصناعية، التجارية، وغيرها. فإذا ظل الوضع الراهن على هو عليه لسوء الحظ، فإننا نتوقع إقفال وإفلاس شركات عدة وصرف عدد كبير من العمال والموظفين وزيادة البطالة الى أرقام خيالية وأزمة إجتماعية لا مثيل لها في لبنان منذ الحرب العالمية الاولى.

ــ كيف يمكن إختصار ما يعاني منه لبنان من مشاكل حالياً وهل من مسبب أساسي لذلك؟

- إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها البلاد هي أزمة سيولة بإمتياز، وشح بالعملات الأجنبية، وإنخفاض بالتدفق الخارجي، وإنحدار الثقة بين الشعب والدولة، وبين المجتمع الدولي والدولة، وبين المغتربين والدولة... وهذا الإنهيار بالثقة ستكون له مخاطر وإنعكاسات سلبية على المدى القصير، المتوسط والبعيد.

وتابع زمكحل قائلا:

- كيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة أوصلت البلاد الى دين عام كان مقداره نصف مليار دولار ليصبح نحو 86 مليار دولار من دون بناء أي بنية تحتية، لا بل تراجعت وانهارت أصول وموجودات للدولة؟

وكيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة أو سياسة لم تستطع ايجاد حل لمشكلة النفايات لسنين عديدة وطمرت اللبنانيين بالميكروبات والأمراض؟ وكيف يُمكن الثقة بسلطة وإدارة لم تستطع إطفاء الحرائق عندما كان لبنان يحترق في حين أن طائرات إطفاء الحريق كانت مجمّدة لدواعي الصيانة؟ وكيف يُمكن الثقة بسلطة وادارة صرفت أكثر بكثير من مدخولها لسنين عديدة وتابعت سياسة التسول من المجتمع الدولي ومن ثم الإتفاق على صفقات وتوزيع الأرباح بين جميع الافرقاء؟

حالة طوارئ!

ــ وما الحل الأنسب؟

- لا شك أن مشاكلنا الداخلية كبيرة واننا لا نستطيع تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية الفريدة من نوعها من دون تدخل أو مساعدات مالية دولية لضخ السيولة والعملات الاجنبية، لكن لا يجوز ضخ السيولة كما جرت العادة حيث يتم توزيع الحصص وابرام الصفقات، فالحل الوحيد يكمن عبر تمويل المشاريع فقط، والتدقيق الدولي، ومتابعة وتنفيذ المساعدات الدولية على الاقل في المدى القصير.

وعلينا أولا أن نطالب المجتمع الدولي بالتدقيق والتحقيق في كل التحويلات من لبنان الى الخارج منذ سنوات عدة من جميع الأفرقاء والمسؤولين الذين عملوا أو تعاملوا بالشأن العام مع مراقبة دقيقة لمصادر الأموال، وبالطريقة عينها عندما يتعاملون مع رجال الأعمال اللبنانيين عند تحويل أي مبلغ كان.

وتابع زمكحل قائلا:

- إن الحل الوحيد لإعادة هيكلة لبنان يبدأ بتحقيق دولي شفاف ودقيق في كل الأموال التابعة لأي شخص كان، عمل في القطاع العام او تعامل معه، وباجراء مراقبة وتدقيق لمصادر الأموال التي صُدّرت الى الخارج.

واننا لا نستطيع القيام بهذه العملية داخلياً لأسباب عدة ومعروفة، لكن المجتمع الدولي يستطيع القيام بهذه المهمة، كما انه يستطيع تجميد أي حسابات مشبوهة وأموال ليست مؤكدة المصدر وغير مبرهن عنها.

ــ وهل من خطط إنقاذية معينة تقترحونها على المجتمع الدولي؟

- إننا بحاجة اليوم إلى خطة إنقاذية إستثنائية وحالة طوارئ دولية لإنقاذ إقتصادنا وبلادنا. بناء عليه، نقترح ونطلب من المجتمع الدولي الآتي:

- بناء آلية وتشكيل لجنة توجيهية إستراتيجية تتضمن المجتمع الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبلدان المانحة وشركات التدقيق المالي الدولية والمجتمع المدني اللبناني وقطاع الأعمال ومندوبي السلطتين التشريعية والتنفيذية لضخ الأموال الموعودة من البلدان المانحة وإستثمارها في السوق المحلية في أسرع وقت ممكن اي في الأيام المقبلة لأننا لا نستطيع الإنتظار.

- خلق هيكلية وصندوق دولي بمساعدة وإدارة البنك الدولي لدعم المستوردين اللبنانيين والسماح لهم بالتسديد لمورديهم الدوليين بالليرة اللبنانية حيث يتحمل الصندوق مسؤولية صرف العملات وتأمينها إلى الشركات الدولية المصدرة.

- إستبدال كل الإستحقاقات المالية على لبنان بقروض طويلة الأجل بفوائد متدنية جداً مشروطة بالإصلاحات المرجوة وخصوصاً بتشكيل لجنة متابعة وتدقيق لجهة صحة صرف واستثمار الأموال الممنوحة.

- دعم البنك المركزي بسيولة كبيرة بهدف دعم المصارف التجارية من أجل مساعدة الشركات الخاصة وإعادة حلقة الإستدانة بفوائد منخفضة ومدعومة، اذ إن تجميد عمليات الديون التجارية والتبادل التجاري والمصرفي يضرب إقتصادنا ضربات قاضية لن يتحملها أحد.

تثبيت العملة والعواقب!

ــ مقابل ذلك أليس من المفترض توافر إجراءات معينة لضمان تثبيت العملة؟

- يجب أن نحاول بأن نكون أكثر إبداعاً، وأن نقترح طريقة لضمان تثبيت العملة وسعر الصرف بطريقة غير مباشرة، أي أن نقوم بتقليل تكلفة إستقرارها. قد يكون الحل ألاّ تقترض الدولة المزيد بالعملة المحلية ولكن حصرياً بالعملة الأجنبية بدعم من البنك الدولي، اذ نتيجة لذلك لن تكون لدى المصارف حوافز لجمع الودائع بالليرة اللبنانية. عملياً، إن إحدى وظائف النقد أي «مستودع القيمة» ستكون قد اختفت تقريباً.

ــ لكن الا يؤدي هكذا تدبير الى عواقب معينة؟

- إن عواقب مثل هذا التدبير كبيرة جداً. في الواقع، سيؤدي هذا الإجراء إلى القضاء على المضاربة على الليرة اللبنانية والتي، في فترة من الثقة، تضمن للمضارب مكسباً بمئات المئات على حساب الخزينة. أما في فترات عدم الثقة، فإن هكذا إجراء سيُجبر البنك المركزي على إنفاق جزء من إحتياطاته لتجنب إنهيار الليرة اللبنانية.

ــ وماذا عن ضخ السيولة محلياً ألا يعتبر أمراً ضرورياً في الوقت الحالي؟

- إننا بأمس الحاجة لضخ سيولة في السوق المحلية اليوم قبل الغد، لكننا لا نريد أن نقع في الفخ ذاته ونعيد الأخطاء عينها لذا علينا ان نطلب مساعدة المجتمع الدولي لمواجهة وإدارة الأزمة معنا واجراء تدقيق دولي في استثمار الأموال ورسم خطة طوارئ وملاحقة تنفيذ الخطة بأدق التفاصيل مع فريق من التقنيين اللبنانيين لأن دولتنا عاجزة عن ذلك في الوقت الحاضر.

دور المغتربين ورجال الاعمال!

ــ وهل من دور معين لحل الازمة من قبل المغتربين إقليمياً ودولياً؟

- نعلم تماماً ان إقتصاد لبنان مرتبط بإقتصادات المنطقة الإقليمية والإقتصادات الدولية، ونعلم أن الركن الأساسي للناتج المحلي هو التدفقات المالية من المغتربين اللبنانيين إلى لبنان التي كانت بمعدل 7 مليارات دولار سنويا أي 15 بالمئة من حجم الإقتصاد.

وإن الأسباب التي أجبرتهم على مغادرة بلدهم الأم هي نفسها التي دفعت الشعب اللبناني إلى الشارع في 17 تشرين الأول 2019، اذ إن كل هذه المطالب المشروعة والمحقة هي أيضاً مطالب المغتربين اللبنانيين منذ عقود، وإن عائلاتهم وإخوتهم في لبنان هم اليوم بأمس الحاجة إلى دعمهم أكثر من أي وقت مضى، لذا نتمنى عليهم زيارة لبنان على الأقل مرتين أو ثلاث مرات في السنة مما ينعكس إيجاباً بنحو كبير على كل القطاعات الإقتصادية ولاسيما لجهة ضخ السيولة، اذ هناك 15 مليون مغترب من أصل لبناني في أصقاع العالم، وإذا زار نحو 10 بالمئة منهم وطنهم الأم مرة واحدة على الأقل في السنة أي نحو مليون ونصف مليون مغترب وصرفوا نحو الفي دولار فقط خلال هذه الزيارة فإننا نستطيع أن نضخ 3 مليارات دولار سنوياً في الإقتصاد اللبناني.

ــ وما نصيحتك لرجال وسيدات الاعمال في العالم في ظل هذه الازمة؟

- اقول انه الوقت المناسب لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم من أجل الإستثمار في الشركات اللبنانية والقطاع الخاص اللبناني الذي هو بأمس الحاجة إلى رأسمال جديد ليتابع تنميته الإقليمية والدولية.

وإنني انصحهم بنقل وتحويل بعض مدخراتهم الموجودة في لبنان إلى الشركات الخاصة حيث سيكون عائداً على إستثماراتهم على المدى المتوسط ولتوزيع المخاطر.

كما أكرر وأشدد أنه لا لبنان ولا اللبنانيون يستطيعون مواجهة هذه المخاطر وهذه المرحلة الإقتصادية والإجتماعية لوحدهم... أملنا الوحيد هو العمل يداً بيد مع كل المغتربين اللبنانيين حول العالم لحماية لبنان من الإنهيار وإعادة بنائه ونهوضه في أسرع وقت ممكن.

ــ بعيدا عن المخاطر المالية، هل من عبرة معينة لهذه الثورة؟

- إن العبرة الأساسية التي نتعلمها من هذه الثورة هي الأزمة الإجتماعية الكارثية التي يعاني منها اللبنانيون، وخصوصاً يأس جيل الشباب وخريجي الجامعات الذين برهنوا نضجاً ووعياً فائقاً، وهم فخر وأمل بلادنا. إننا بحاجة لهذا الجيل الجديد وأفكاره البنّاءة والريادية، فهم الذين سيُعيدون إعمار لبنان وإقتصاده بأياديهم البيضاء وعلى أسس متينة وسليمة.

وإن سنة 2020 ستكون سنة تحد كبير ومرحلة دقيقة جداً نظراً للمخاطر المخيفة، فكلنا يعلم أشباح الإفلاس والإنهيار وزيادة الفقر والبطالة وصرف العمال وتدهور نسبة العيش، لكن في الوقت عينه نحن أمام فرصة تاريخية من أجل إعادة بناء إقتصادنا وبلادنا على ركائز متينة ولاعادة الهيكلية البنيوية والتركيز على جيل شبابنا الذين هم أملنا وفخرنا.