تفاصيل الخبر

”لبنان ينتفض“ في أسبوعه الأول بعد الشهر..”الثورة“ تتقدم!

21/11/2019
”لبنان ينتفض“ في أسبوعه الأول بعد الشهر..”الثورة“ تتقدم!

”لبنان ينتفض“ في أسبوعه الأول بعد الشهر..”الثورة“ تتقدم!

بقلم علي الحسيني

دخلت الثورة في أسبوعها الأول بعد الشهر وبدل أن يحل التعب على الثوار، تجددت الروح فيهم وعادت مطالبهم لتتصدر حراكهم المتصاعد الذي يُشبه هدير البحر، وعادت حناجرهم إلى الصراخ وبأعلى الصوت <كلن يعني كلن>. واللافت في الحراك اللبناني أن ثورته ما زالت مكملة في طريقها السلمي ومع هذا، ثمة شهداء سقطوا على طريق الحرية ما يؤكد أن الوصول إلى القمة لا بد وأن تسبقه في الكثير من الأحيان عقبات ولو كانت موجعة ومؤلمة، فما بال الذين خرجوا ليطالبوا بإسقاط الفاسدين ومحاسبة السارقين وهم لا يملكون سوى صرخاتهم وإيمانهم بأن التغيير آت لا محالة، وأن الأحلام الوردية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تتحقق.

حلم المسيرة المستمرة!

 

في ساحات الإعتصام هناك أحلام بسيطة وأمنيات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. ثمة من يطالب بالطبابة وهناك من يرتجي ضمان الشيخوخة والأكثرية الساحقة تطالب بتأمين فرص عمل كوسيلة للحد من هجرة الشباب. أما المطلب الأبرز والموحد، محاسبة المتهمين بالفساد ووضع آليات عمل للحد من الهدر في مؤسسات الدولة، وهذا في حده الأدنى، مؤشر صريح وواضح إلى أن الوجع واحد وأن ما يُحكى عن تسييس للحراك وإدارته من الخارج أو عبر السفارات، ما هو سوى محاولة لضرب الإحتجاجات وتسخيف مطالبها وإعطائها هوية بعيدة كل البعد عن هويتها اللبنانية، وهذا ما يُشعر الناس بالغبن في الساحات ويدعوهم إلى الصمود أكثر فاكثر وإلى التفاعل مع مطالبهم، وهذا ما يظهر بشكل لا لبس فيه من خلال إزدياد الأعداد في ساحات الإعتصام وتصعيد التحركات أمام منازل

المسؤولين، حتى ولو أدت في بعض الأحيان إلى مواجهات قاسية من القوى الأمنية.

إذاً، من نافل القول إن مطالب الشارع واضحة على رغم التجاهل المتعمد، فليس تفصيلاً عابراً أن تظهر مدينة طرابلس بصفتها الحاضنة للانتفاضة وعروس الثورة وأن تتحول إلى عنصر ملهم فترسل منصتها الثورية رسائلها التضامنية وهتفاتها إلى الضاحية وصور وجل الديب وتشد من أزر الثوار في كل بقعة من هذا الوطن الجريح والمُكبل بأغلال سلطة فاسدة لا تبحث سوى في حلول تُبقيها على كراسيها ولو على حساب الشعب وأوجاعه. والأبرز أن هذه السلطة أصبحت مفصولة عن الواقع وعاجزة عن إدراك الحقيقة وهي التي فشلت في الرهان على ملل الشارع، فإذ بالثورة الشعبية تذهب بعيداً وراحت تفرض إرادتها على مجريات الأحداث، وأظهرت قدرة على تجاوز الأخطاء بل وتسجيل أهداف متتالية في مرمى السلطة، التي لم تكف عن ارتكاب الأخطاء أبرزها جسامة الاتفاق على التأليف قبل التكليف واختيار شخصيات لم يتقبلها الشارع وعبر عن غضبه بمجرد خروج بعض الأسماء.

 

من حسين إلى علاء.. مروراً بعمر!

من بلدة شعث إلى الشويفات، الوجع واحد والمصير موحد. الأولى خسرت حسين العطار الإبن الذي لم يحلم بأكثر من وطن يجمع فيه أمنياته ويُحقق فيه ذاته ويطمئن فيه إلى مصير عائلته. وحسين ذنبه الوحيد أنه ولد وعاش في وطن لا قيمة فيه للفرد ولا الجماعة ما لم تكن تابعة لهذا الزعيم أو ذاك، ولا قيمة فيه للعمر ما لم يكن فداءً لهذا المشروع أو ذاك. حسين قرر مثله مثل بقية الذين اختاروا الشارع للتعبير عن رأيهم ومطالبهم، أن يخرج بدوره ليقول إن الحراك سلمي وأن الوجع وصل إلى كل منزل، وليقول إن الكرامة والعزة لا بد وأن يكون لهما ثمن في

المقابل. على هذا الطريق دفع حسين العطار حياته ثمناً للمطالب التي خرج ليُنادي بها على يد قاتل لم يُعرف بعد، لكن تم التأكد أنه واحد من التابعين المتضررين من الحراك. نعم ذنب حسين أنه خرج للشارع للبحث عن وظيفة تؤمن له حياة كريمة تخوله من تكوين عائلة صغيرة. حسين الذي حلم بالتغيير، كانت حياته طريق العبور لحلمه.

ومن شعث الى الشويفات ابى علاء ابو فخر إلا أن يلحق برفيق الثورة حسين. تختلف العادات والتقاليد، وتختلف معها الأديان والمذاهب، لكن الجامع هو الوجع وحب الوطن والحلم بالإنتقال من مرحلة مشبعة بالفساد، إلى حياة كريمة لا مكان فيها للإستعباد ولا المحاصصة ولا وظائف لفئات على حساب أخرى. والأبرز أن مقتل علاء ابو فخر، شكل مفصلية أساسية للحراك لا لتمايزه عن حسين العطار، لكن لأن مقتله وثق بالصوت والصورة، والفاجعة حصلت على مرأى من زوجته وابنه عمر ابن الاثني عشر عاماً. ولا يُمكن المرور على المواطن عمر زكريا الذي سقط أثناء محاولته تسلق مبنى مهجور في ساحة الشهداء لتثبيت العلم اللبناني عليه.

من جهتها عقيلة علاء لارا أبو فخر، سردت تفاصيل الحادثة التي وقعت في منطقة خلدة مشيرة إلى انه يوم الثلاثاء، طلب مني علاء النزول إلى الساحة مع أولادنا، بسبب خطاب رئيس الجمهورية (العماد ميشال عون) الذي حقن قلوب الناس والشعب اللبناني. قال لي علاء: <البسي تيابك بدنا ننزل على الطريق، لأني بدي من هيدي الثورة أن تكون أكبر ثورة في العالم>.

 

زوجة علاء: قوصني أنا!

 

وأضافت: وصلنا إلى جسر خلدة، ووقفنا على الطريق، وقام الشباب الثورة بإقفالها، بعد قليل، وصلت سيارة فضية اللون، وداخلها شخصان... حينها سمعت صرخة من زوجي يقول للسائق: ليش مسرع هيك؟ وفي تلك اللحظة، كان ابني عمر يقف إلى جانبي وعلاء أيضاً. نزل أحد الأشخاص من السيارة وقال لعلاء: شو بيك عم ترفع صوتك، فرد علاء بالقول: ليش عم تمشي بسرعة وفي أطفال على الطريق؟ وعندها، عمد هذا الشخص إلى إطلاق النار في الهواء. فقلت له: لا.. قوصني أنا.. وفي هذه اللحظة، دفعني علاء جانباً، وقد طالته الرصاصات القاتلة في رقبته ورأسه. وأردفت: حاولت إقفال جرحه، لكنني لم أستطع، ونجله عمر إبن الـ12 عاماً رأى هذا المشهد. لقد مات والده أمامه. عمر لن ينسى هذا المشهد في حياته أبداً ولو

بعد 100 عام.

وتوجهت لارا إلى <ثوار لبنان> بالقول: <تحية كبيرة لكم من قلبي ومن قلب الشهيد علاء أبو فخر.. أنا معكم وسأبقى، كان يوصيني علاء بعدم ترك الساحة لو استشهدت، وأنا سأبقى معكم. وتابعت: قلبي محروق.. يتموا أولادي، ولكنني مع الثورة وحماكم الله جميعاً، وأريد أن تتحقق العدالة في هذا البلد، وأن آخذ حق زوجي البطل. وأضافت: سنأخذ حق علاء.. بدي آخدلو حقو بإيدي.. سآخذ حق عمر وأديب وغنى أبناء الشهيد البطل. ابني عمر سيأخذ حق والده ولو بعد مئة عام.

 

بوسطة <الثورة>.. الحراك إلى تصاعد!

على الرغم من كل هذه الفترة التي مرت من عمر الحراك، إلا أن البارز هو الأفكار الجديدة التي ما زالت تحتل العنوان الأبرز لكل التظاهرات على الأراضي اللبنانية. فمن أجواء الفرح والنقاشات والحوارات، إلى الشعارات واللافتات المعبرة والمميزة ومروراً بالوجوه الفنية التي تخرق المشهد بين الحين والآخر، وصولاً الى التحركات المفاجئة على الأرض والتي كانت وجهتها المؤسسات والإدارات ومنازل السياسيين، انطلقت صباح السبت الماضي من منطقة العبدة - عكار (شمال البلاد) <بوسطة الثورة> التي ابتكرها عدد من الناشطين في إطار جولة ستمر خلالها على أكثر من 12 ساحة من الشمال إلى الجنوب.

وأوضح منسقو نشاط تلك البوسطة أنها تهدف إلى المرور بكل ساحات الاحتجاج، من ساحة النور بطرابلس إلى البترون وجبيل، فذوق مصبح وجل الديب ثم إلى الأشرفية، و<جسر الرينغ> وساحة الشهداء في بيروت، لتصل إلى خلدة (جنوباً) وتضع <إكليل الثورة> مكان مقتل علاء أبو فخر، الذي قضى مساء الثلاثاء بعد أن أطلق أحد عناصر الجيش اللبناني النار باتجاهه، بغية فتح الطريق الذي كان المحتجون قد أغلقوه. وستكمل البوسطة جولتها وصولاً إلى صيدا عاصمة الجنوب، ثم إلى كفررمان والنبطية، وتختتم الجولة في صور، حيث تعقد جلسة حوارية بين أبناء الوطن من شماله إلى جنوبه. يرافق البوسطة عدد من السيارات في محطاتها كافة لترسم <جسر الوحدة الوطنية> وإزالة حواجز الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.

محاولات ترهيب الثورة والثوار!

 

لم يستبعد البعض أن تكون الممارسات القمعية على الأرض وأبرزها قتل حسين العطار وعلاء أبو فخر، محاولة بائسة لترهيب الثوار ومنعهم من التزايد بشكل تلقائي في الساحات لا لأنهم يهوون النزول الى الشوارع ولا لأنهم اعتادوا على المواجهات بعد طول فترة حراكهم، بل لأنهم لم يقتنعوا بعد بالوعود السياسية التي تُقطع ولا حتى بطرق الحل التي تُطرح. ويقول هذا البعض إن ثمة جهات قررت اللجوء الى أداة <الدم> والقتل، لاخافة المنتفضين وابلاغهم ان المواجهة دخلت مرحلة جديدة ولن تكون بعد اليوم <نزهة>، وأن التظاهر وقطع الطرقات لن يمرا بسهولة وقد تكون كلفتهما عالية. وأيضاً ثمة من يسعى إلى حفر هوة بيننا نحن الثوار وبين الجيش اللبناني، لكن هذا أمر لن يحصل حتى ولو سقط منا عشرات الشهداء.

ويعتبر الناشط في الحراك المدني جيلبير ضومط ان الصراع بين احزاب السلطة على تشكيل الحكومة ممكن ان يعرض الثورة لمحاولات استغلالها او ضربها من قبل الأحزاب. اما المخرج الوحيد الذي يحمي البلد من الانهيار هو تكليف حكومة مصغرة انتقالية من مستقلين ومتخصصين ذات صلاحيات تشريعية تستطيع أن تأخذ ثقة الناس والعالم، وبعدها نحاسبهم بانتخابات نيابية مبكرة وفي القضاء. ويُضيف: <مكملين لنحصل على حقوقنا. مطالبنا واضحة وما تغيرت بدءاً من حكومة انتقالية مهمتها انتخابات نيابية مبكرة، ومكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، وإجراءات مالية واقتصادية بتوقف الانهيار، ما نخلي حدا يحرفنا عن مطالبنا>.